انتخاب هادي ينجز الهدف الأول للثورة
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 10 أيام
السبت 11 فبراير-شباط 2012 05:30 م

اختطت كل واحدة من ثورات الربيع العربي طريقا خاصا بها لإنجاز أهدافها وتحقيق التغيير الجذري في بلدها، ولم تنتهج جميعها نفس الأسلوب وذات المسلك ذلك أن لكل بلد ظروفه وأوضاعه الخاصة رغم تشابه الأنظمة التي تساقطت في العديد من الجوانب واختلافها في جوانب أخرى... فمن هذه البلدان من كاد أن ينجز التغيير الكامل مثل تونس، ومنها من أسقط النظام الذي كان يحكم بالكامل مثل ليبيا لكنه لم ينجز شيئا بعد في عملية الانتقال للنظام الجديد، ومنها من أسقط رموز النظام الحاكم مثل مصر لكن آلياته كلها لازالت قائمة ومؤثرة وإن كان يمضي ببطء في عملية الانتقال للنظام الجديد، ومنها من أنجز العديد من أهداف ثورته وهي في أوجها وكامل لياقتها مثل الثورة اليمنية التي جاءت بحكومة ترأسها المعارضة وبدأت بتطهير الفساد من مؤسسات الدولة ورسمت خارطة طريق للفترة الانتقالية واضحة المعالم لإنجاز دستور جديد ومصالحة وطنية وحلول جذرية لمشكلاتها المزمنة وهي الآن على أبواب الاستحقاق الأهم وهو تغيير رأس النظام عبر انتخابات صورية لكنها تمثل ذروة الأهداف التي خرج من أجلها شباب اليمن.

بعد عشرة أيام بالتمام والكمال سيكون لليمن رئيسا جديدا للمرة الأولى منذ ثلاثة وثلاثين عاما وسبعة شهور وأربعة أيام هي المدة التي قضاها الرئيس علي عبدالله صالح في الحكم والتي تعتبر واحدة من أطول الولايات في تاريخ اليمن كله وفي تاريخه المعاصر كذلك، والذي ولد في عهده ما يقارب ثلثي عدد سكان اليمن أي ما يوازي خمسة عشر مليون نسمة على الأقل لم يعرفوا رئيسا غيره وهم أنفسهم الذين خرج أغلبهم ثائرين في معظم محافظات اليمن يطالبون بتغييره وإسقاط نظامه بعد أن بلغ ذروة الفساد في سنواته العشر الأخيرة ثم بدأ في بناء نظام أمني عائلي محكم في السنوات السبع الأخيرة جعله يمضي بتؤدة وإصرار على طريق الاستبداد... وكما كتبت في سلسلة مقالات قبل عام بالضبط نشرتها في صحيفتي السياسية و26سبتمبر بعد سقوط نظامي بن علي ومبارك واشتعال ثورة الشباب هنا محاولا تنبيه النظام قبل استقالتي بأن الفساد والاستبداد هما سبب سقوط أي نظام عندما يبلغا ذروتهما، ولم يدرك النظام حينها الرسالة فمضى أكثر في طريق القمع للشباب الثائرين وبلغ الذروة بالجريمة البشعة غير المسبوقة في تاريخ اليمن المتمثلة في مذبحة جمعة الكرامة يوم 18 مارس الماضي التي أسقطت مشروعية نظام الرئيس صالح كليا والذي أدرك بدهائه وبعد نظره ذلك فبدأ على الفور مساعيه للتخلي عن السلطة مشترطا حصوله على الضمانات... وتوالت القصة في واحدة من أطول وأنبل وأعظم الثورات الإنسانية قدم خلالها اليمنيون الكثير من التضحيات من حياة أبنائهم ومن مستوى معيشتهم ومن تردي أبسط الخدمات وصمدوا صمودا أسطوريا في ظل تعاطف إقليمي ودولي غير مسبوق معهم حرص على مشاركتهم إنجاز التغيير الجذري مع تجنيب اليمن صراعا داخليا وحربا أهلية.

لذلك لابد أن ندرك أن الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستجري في 21 فبراير الجاري هي انتخابات تحمل من رمزية الدلالات أكثر مما تحمله من معاني التنافس الديمقراطي فالتنافس موعده سيكون عقب الفترة الانتقالية التي ستمتد لعامين قادمين... أما الانتخابات التي ستجري بعد عشرة أيام فإن هدفها الأساسي هو إنجاز عملية نقل السلطة من نظام متجذر ممثلا في شخص الرئيس صالح بغض النظر عن الشخص الذي ستنتقل إليه، فقد كان تغيير رأس النظام وسلطة العائلة هو الهدف الأساسي للثورة ولقوى المعارضة وللمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي وليس في هذا أي شخصنة للقضية فمشكلة مصر مع مرور الوقت تمحورت حول سلطة مبارك وعائلته ومشكلة تونس تمحورت حول سلطة بن علي وعائلته ومشكلة ليبيا تمحورت حول سلطة القذافي وعائلته ومشكلة سوريا تبلورت حول سلطة الأسد وعائلته وذات المشكلة تكررت لدينا في اليمن أما المكونات التي أحاطت بهذه الأنظمة الخمسة فلم تكن أكثر من أشكال ديكورية منها من تم شراء مواقفهم بالمال والمصالح ومنها من تحرر من عبودية العائلات الحاكمة واختار الاصطفاف إلى جانب إرادة التغيير... ولهذا أخذ الرئيس صالح يناور خلال شهور مارس وإبريل ومايو من العام الماضي من أجل تحقيق عدة أهداف منها الخروج بحصانة غير قابلة للنقض ومنها الخروج بشكل لائق يحفظ كرامته ومنها أن يكون الرئيس الانتقالي شخصية يستطيع المحافظة على سلطته من خلالها وانحصرت خياراته في شخصيتين لم يكن النائب من بينهما، وهو كان مستحضرا تجربة الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين – المعروف إعجاب الرئيس صالح الشديد بشخصيته – والذي جاء بأحد رجاله رئيسا للدولة لفترة رئاسية واحدة وهاهو عائد لتسلم رئاسة الدولة في الشهر القادم على الأرجح، فالرئيس صالح كان يدرك أنه قادر على إدارة أحد الرجلين من الصف الخلفي على أن يعود هو للرئاسة أو يدفع بنجله عقب انتهاء الفترة الانتقالية، لكن حادث تفجير جامع الرئاسة وتحفظ قوى المعارضة على مرشحي صالح لخلافته المؤقتة إضافة إلى دعم المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي لترشيح نائب الرئيس كل ذلك جعل من عبدربه منصور هادي هو المرشح الوحيد الذي حظي بإجماع القوى الوطنية في الداخل على منصب رئيس الجمهورية، وهو إجماع داخلي وخارجي تم بعناية بالغة لقطع الطريق على الرئيس صالح ونجله من احتمالات ترشحهما لهذا الموقع عقب انتهاء الفترة الانتقالية.

هذه الحقائق أدركها شباب الثورة وأدركوا أن الأداء السياسي لقوى المعارضة ودول الخليج والدول دائمة العضوية قد صب باتجاه تحقيق هدفهم الأول المتمثل بطي صفحة الرئيس صالح في الحكم إلى الأبد كخطوة أولى على طريق تحقيق أهداف ثورتهم وتعزيز أمن واستقرار اليمن... كل ذلك جعل الشباب يظهرون حماسا تصاعديا واضحا باتجاه إنجاز التغيير وانتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا للبلاد في 21 فبراير الجاري رغم إدراكهم أنها انتخابات محسومة سلفا من ناحية ورغم أن هادي كان نائبا لصالح طوال ثمانية عشر عاما من ناحية أخرى إلا أنهم يعلمون أن هادي لم يكن شريكا كاملا وحقيقيا في السلطة بالمعنى المتعارف عليه بقدر ما كان نائبا بروتوكوليا وشريكا شكليا في إدارة شئون البلاد وبالتالي لا يمكن تحميله أوزار أخطاء نظام صالح الفادحة... وإلى جانب ذلك فإن هادي إبن محافظة أبين سيكون أول شخصية جنوبية تتولى رئاسة اليمن الموحد وهذا بحد ذاته كان أشبه بالحلم لجميع اليمنيين الذين كانوا ولازالوا يعتقدون أن تسنم شخصية جنوبية منصب الرئاسة سيكون له دوره الكبير في تعزيز وحدة الشعب اليمني بعد أن أدت سياسات الرئيس صالح – الذي حقق الوحدة إلى جانب الحزب الاشتراكي في عام 1990م – إلى تعزيز مشاعر الانفصال بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة... ولكل هذا فإن شباب الثورة اليمنية الذين ولد معظمهم في عهد صالح أصبحوا يدركون أن انتخاب هادي يمثل جوهر التغيير الذي ناضلوا وضحوا من أجله، فخروج صالح من الحكم هو الهدف الأساسي الأول لثورتهم ولن يمكن تحقيق أي أهداف أخرى مثل إنجاز الدستور الجديد وإنهاء حكم العسكر وإقامة الدولة المدنية وإنهاء الفساد والاستبداد ما لم يتحقق الهدف الأول... وهم يدركون الضرورة القصوى لحصول هادي على عدد من الأصوات أكبر من تلك التي حصل عليها صالح في انتخابات 2006م لأن ذلك سينهي أي مزايدة سياسية تتم لاحقا على مشروعيته كما سيعطيه – أي هادي – شرعية قوية تمكنه من تحقيق أهداف ثورة الشباب التي اعترف بها في خطابه الذي دشن به حملته الانتخابية الثلاثاء الماضي بعبارة في غاية الجزالة والرمزية والحصافة والحكمة عندما قال أن الشباب رموا حجرا ضخما في بركة ركدت لأمد طويل وهي رسالة كانت كافية لرسم توجهات الرجل ورغبته في توصيل اليمن لبر الأمان.