أفكار في متطلبات الحوار..
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 9 أيام
الثلاثاء 14 أغسطس-آب 2012 01:22 ص

يمكن القول أن عملية التحضير لمؤتمر الحوار الوطني قد دخلت مرحلة الجدية بعد أن عقدت اللجنة التحضيرية الفنية للمؤتمر عدة اجتماعات تمكنت خلالها من خلق أجواء تفاهم وتوافق جيدة بين أعضائها من ناحية وفي القضايا التي اتفقت عليها كمتطلبات ضرورية لتمهيد أرضية مناسبة وصحية للحوار من ناحية أخرى، وهو ما يحتاجه عملها خلال الشهرين القادمين باعتباره عملا دقيقا وحساسا سيترتب عليه نجاح المؤتمر الوطني من عدمه ليس فقط لأن معظم مكونات مؤتمر الحوار الوطني الرئيسية قد تمثلت في هذه اللجنة بل وهو الأهم أن استمرار توافق اللجنة واستمرار تغليب أعضائها للمصالح الوطنية العليا على أية مصالح أخرى فئوية أو جهوية أو ما شابه سيشكل صورة مصغرة للأسس والضوابط والآليات التي سيمضي بموجبها المؤتمر الوطني من كل الجوانب وفي مقدمتها تغليب المصالح الوطنية الكبرى على المصالح الأصغر دون أن يعني ذلك عدم مراعاتها خاصة ما كان منها وجيهاً أو له صلة ما بالقضايا الكبرى... ومن ناحيته فقد بدأ الرئيس عبدربه منصور هادي في تهيئة الأرضية المناسبة للحوار بجملة من القرارات التي تستهدف إصلاح الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية ستتواصل في المرحلة القادمة وسيكون لها بالتأكيد انعكاسات إيجابية على مجريات الحوار خاصة مع انطلاقها من جوهر وأهداف العملية السياسية الكبيرة التي يعيشها اليمنيون بفعل ثورة التغيير السلمية التي تهدف إلى إعادة بناء اليمن بناء سويا صحيحا يقوم على أسس جديدة حيث لم يعد هناك ما يعيق ذلك بعد أن سقط الحكم الفردي ومعه السلطة العائلية وأصبح من المستحيل أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى، ومن ثم فإن التغييرات القادمة ستمس عمق المشكلة اليمنية وجوهر الأزمة التي استمرت لخمسة عقود كاملة بسبب غياب الرؤية والإرادة لبناء دولة مؤسسات يسودها القانون والحكم الرشيد.

وفي مقال سابق كنت أشرت لألغام تعترض طريق الحوار الوطني إذا لم يتم معالجتها مسبقا وهذه المعالجات هي في الأساس ستلبي العديد من متطلبات إنجاح الحوار المنشود... ومن ضمن الإشارات التي تطرقت إليها إشارة تحتاج لأن نتوقف أمامها اليوم بسبب أهميتها وحساسية ما سيبنى عليها وهي المتعلقة بدور مجلس النواب فيما تبقى من المرحلة الانتقالية التي يفترض انتهاؤها في فبراير 2014م... فقد استدركت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في المراحل الأخيرة من صياغتها الإشارة إلى دور مجلس النواب وبدلا من حله أو تجميده تم النص فيها على أن قراراته تتخذ بالتوافق أي أن الأغلبية الموجودة فيه أصبحت معطلة من الناحية الفعلية ولم تعد قادرة على تمرير ما تريده كما كان عليه الحال قبل الثورة الشعبية السلمية... لكن الآلية لم تضع رؤية محددة لدور المجلس عموما خلال الفترة الانتقالية وهذا جعل الأطراف المعنية تقع في شيء من الحيرة، فهناك قضايا محددة نصت عليها الآلية كمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني وإقرار قانون الحصانة القضائية للرئيس السابق وقانون العدالة الانتقالية اللذين تتفق عليهما الأطراف المعنية دون أن يكون للمجلس وضع أي تعديلات جوهرية عليهما تخرجهما من إطار الأهداف المتفق عليها... ولاحقا سيكون عليه إقرار القانون الجديد للانتخابات الذي سيتم الاتفاق عليه خارجه، وحتى فيما يتعلق بالدستور الجديد فإن دور مجلس النواب سيكون منعدماً إن لم يكن شكلياً بمعنى أن الآلية التنفيذية قصرت كل ما يتعلق بالدستور على مؤتمر الحوار الوطني فهو المعني بإقراره ولا يحق لأي جهة أن تعيد النظر فيما يقره المؤتمر بما في ذلك مجلس النواب الذي قد يتم تمرير مشروع الدستور الذي سيتم الاتفاق عليه شكليا فقط... ولذلك ففيما عدا ما قد أقره المجلس بموجب المبادرة فإن دوره خلال الشهور الثمانية الماضية لم يكن إيجابيا بما فيه الكفاية، فقد تسبب أداء بعض نواب كتلة الأغلبية خلال تلك الفترة في تعكير أجواء الوفاق الوطني والعمل على توتير الأجواء السياسية والتلويح أكثر من مرة بأمور لم يعد قادرا عليها في الأساس لمصادمتها نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كحجب الثقة عن حكومة الوفاق على سبيل المثال!

لذلك قد يكون على الأطراف المعنية اليوم وفي المقدمة الرئيس عبدربه منصور هادي إعادة توجيه دور مجلس النواب في المسار الصحيح خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية ليصب أداءه باتجاه خدمة توجهات التغيير وتحقيق أهداف الثورة السلمية في تهيئة الأرضية التشريعية اللازمة لدولة المؤسسات والحريات المنشودة التي خرج اليمنيون من أجل تحقيقها... وعوضا عن غياب أي برنامج عمل واضح للمجلس في الفترة القادمة يمكن للرئيس مع حكومة الوفاق الوطني رفده بالعديد من مشروعات القوانين التي تخدم تلك الأهداف النبيلة، وفي مقدمتها مشروعات القوانين المتعلقة بتعزيز الحريات كقانون الصحافة وقانون الإعلام المرئي والسمعي خاصة بعد أن أقر المجلس قانون حرية المعلومات الذي اعتبره الكثيرون نقطة بيضاء في سجله الطويل زمنيا الممتد منذ عام 2003م والمحدود إنجازا تشريعيا في مجال الحريات... وقد يكون من المهم أن تبادر الحكومة بوضع تعديلات ضرورية على قانون الأحزاب القائم وإرساله للمجلس النيابي بغرض ترشيد الحياة السياسية والحزبية التي تعج بأكثر من عشرين حزبا سياسيا لا تمتلك أي حضور أو فاعلية في الشارع اليمني ويتم استخدامها عادة للمكايدات السياسية لا أكثر، الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في شروط تأسيس الأحزاب السياسية بما في ذلك الحصول على نسبة معينة قلت أو كثرت من مقاعد أي برلمان منتخب لتغدو الحياة السياسية أكثر انضباطا واحتراما ومهابة... وبقدر أكبر من الأهمية عما سبق لابد أن تتجه الحكومة لتعزيز استقلالية السلطة القضائية كليا ولا يكفي التعديل الذي تم قريبا بفصل منصب رئيس المحكمة العليا عن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى فهو رغم أهميته إلا أنه لا يعني استقلالية القضاء... واليمن أمام لحظة تاريخية فارقة إن لم يتم استغلالها لإنجاز هذا الهدف فإنها قد لا تتكرر خاصة أننا نعرف جميعا أن السلطة التنفيذية رئيسا وحكومة ظلت في الماضي تعمل على ضرورة استمرار هيمنتها بصور وأشكال مختلفة على القضاء لأنها تعلم أن قضاء مستقلا بالفعل سيعني وجود عدل ومساواة وحرية وأمن واستقرار وسيادة قانون واقتصاد مزدهر وجهاز حكومي نزيه وعسكر ومشايخ بلا نفوذ وهذه كلها تشكل بمجموعها مضمون الدولة المدنية المنشودة.