الانتحار السياسي الصفوي الإيراني
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر
السبت 24 فبراير-شباط 2007 01:41 م

مأرب برس - خاص 

 لم يعد خافياً على أحد ما يقوم به التيار الصفوي وآيات إيران من تخريب وقتل وإبادة واغتصاب وعبث في العراق خصوصاً وفي المنطقة عموماً ، وسط صمت عام من الآيات في إيران ومباركة ودعم سياسي وعسكري واستخباراتي من العمائم السوداء في طهران ، تأبى مصادر القرار في البيت الصفوي حتى مجرد التنديد به أو إعلان رفضه واستنكاره رسمياً .

غير أن الموقف الإيراني المخزي مما يجري من أحداث ساخنة في المنطقة تجعلنا نغوص قليلاً في حقيقة الموقف الإيراني من الأحداث ، وإلى أين تريد إيران والعمائم السوداء أن تقف؟.

المفاعل النووي الإيراني لمن هو؟

يقف البعض من التقدم النووي الإيراني موقفً ساذجاً ، حين يسمع تصريحات آيات إيران أنه يعد مكسباً للأمة الإسلامية ، بيد أن قراءة متأنية للأحداث منذ مطلع التسعينات وإلى الآن يرى المراقب الرشيد أن الولايات المتحدة الأمريكية ألغت دولةً ونظاماً وشعباً من خارطة العالم بحجة شكوك وأوهام وخزعبلات في رأس صانع القرار الأميركي عن امتلاك دولة العراق آنذاك لما أسموه بالسلاح النووي ، زالت الآن تماماً تلك الأوهام والشكوك ، فيما يتعامل الأمريكان مع الملف النووي الإيراني تعاملاً لطيفاً ومؤدباً إلى حد ما ، لا يعدوا التلويح بفرض عقوبات من النوع الخفيف ، أو الضغط على إيران لإجراء محاورات جدية ، رغم أن الأمر ليس مجرد شكوك كما كان الحال في الشأن العراقي ، بل إن إيران تملك فعلاً السلاح النووي !! ، إن عشرات من علامات الاستفهام تضع نفسها أمام الملف النووي الإيراني ، من أبرزها لمن تعد إيران هذا السلاح ، هل فعلاً كما تزعم الآيات لإسرائيل وأمريكا ؟؟!

إن الإيرانيين وآياتهم المزعومة يدركون جيداً حجم القوة الأميركية والإسرائيلية الضاربة في المنطقة ، ومن المحال أن تغامر دولة إيران بجيشها في حرب خاسرة ، نتيجتها معروفة معلومة سلفاً ، وأن هذه الحرب لو قامت فلن تكون بحال لصالح إيران ، إضافة إلى كون القيادة الإيرانية أخذت دروساً وفوائد يحسن السكوت عليها من النظام العراقي الأسبق ، وبالتالي فلا يمكن أن تدخل إيران في حرب خاسرة كهذه ، ولن تكون إيران هي الدّبور الذي يقرص الفيل الأهوج .

إن إيران تعي جيداً أن العدو المقدور عليه هم أعراب الخليج ودويلاتهم المجهرية ، وإن إعداد قوة نووية صفوية في المنطقة كفيلة بتعجيل الحلم الإيراني في التوسع والسيطرة على الخليج الذي نسميه بالعربي ويسميه الصفويون بالفارسي ، غير أن الحلم الإيراني هذا لن يكون جميلاً ولا لطيفاً فيما يبدوا بل تكتنفه أيضاً الكثير من المخاطر والتحديات ، فدولة العربية السعودية القائمة سياستها على الغموض والسرية والتكتيك الاستراتيجي ، كما أن الملك عبد الله لديه فيما يبدوا الإرادة السياسية لتطوير ونهضة البلد في شتى المجالات ، يأتي الأمن العسكري في أولها ، لا سيما بعد زيارة الرئيس الروسي للمملكة مؤخراً .

 كذلك اليمن فقد أخذت جرعة إيرانية كافية بعد التمرد الشيعي في محافظة صعدة مؤخراً ، والذي أسهم في إثارة حتى اليمن ضد إيران وآياتها ، كذلك الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة المعروفة بعدائها وصراعها التاريخي مع إيران بخصوص الجزر المتنازع عليها بين البلدين .

 الأمر الذي يجعل إيران بين فكي كماشة أو قل كماشّات كثيرة في المنطقة وخارجها ، حيث يحيط بها الأعداء والخصوم من كل جانب ومن كل جهة .

 غير أن إيران فيما يبدوا لم تستوعب خطر المرحلة التي يمر بها نظامها الإثنا عشري ، مما يجعل احتمال المواجهة مع أي طرف محتملاً ، بيد أن أي خطوة لارتكاب أي حماقة عسكرية صفوية إيرانية ضد أي طرف في المنطقة يعد بكل المقاييس السياسية والعسكرية انتحاراً سياسياً وعسكرياً منقطع النظير .

إيران وإدارة الحرب الطائفية:

 مع خطورة الملف النووي الإيراني الذي تريد إيران توجيهه إلى الإخوة قبل الأعداء ، وتهديداتها المستمرة لجيرانها ، وما يمثله هذا من انتحار سياسي وأخلاقي وديني ، فهناك ثمة انتحاراً سياسياً آخر ترتكبه إيران في العراق واليمن عبر إثارة القلاقل الصفوية في الجزيرة والخليج ، واللعب بالنار ، الأمر الذي يفقد إيران كل علائقها حتى مع الإخوة والجيران ، بعد أن فقدت علاقتها مع المجتمع الدولي ، بسبب الخطاب المعادي لأمريكا والغرب ، بل والمعادي لكل أمم الأرض الذين بعضهم لا يعرف شيئاً عن الإمام الحسين رضي الله تعالى عنه .

إن إيران وآياتها الذين يرتكبون المجازر والاغتصابات وعمليات النهب والتهجير اليومية عبر مليشياتهم وفرق موتهم في إيران التي تحصد المئات كل يوم وما يرتكبونه في حق السنة في العراق من جرائم حرب لم يرتكبها ربما صرب البوسنة والهرسك كما قال بعض المراقبين .

إن حالات الاغتصاب والتهجير وإقامة السجون والمجازر والإبادة الجماعية وعصابات النهب والقتل والإبادة الصفوية ، جعلت إيران تفقد كل أمل في أي علاقة حميمة مع جيرانها السنة الذين لهم حق الأخوة وحق الجوار في الإسلام .

ولقد كان بإمكان إيران في هذا الخضم من الأحداث في المنطقة أن تسهم في مواجهة المخطط الأمريكي في المنطقة عبر صناعة علاقة ولو علاقة تعايش مع إخوانهم السنة ، وكانت تستطيع إيران أن تعود إلى أحضان أمتها وأن تعزز من علاقتها مع جيرانها السنة الذين بدورهم يحتضنون مئات الآلاف من الشيعة في بلدانهم ، وكان بالإمكان استفادة إيران للنداءات المتكررة من علماء السنة الداعية إلى التقارب ، ثم حالياً إلى التعايش بدلا من التقارب ، من أمثال فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي من قطر، والشيخ د. عوض القرني من السعودية المعروفين بثقلهما السياسي والدعوي في منطقة الخليج ، غير أن الأحداث الأخيرة وما يجري في العراق عززت من عزلة إيران عن أخواتها من الدول المجاورة ، وبالتالي عززت من عزلة إيران عن أمتها مما يعد هذا بحد ذاته فشلاً كبيراً للسياسة الإيرانية في المنطقة ، في الوقت الذي فيه إيران وآياتها في أمس الحاجة إلى أمتها ودعمها ومساندتها في ظل التهديدات الأمريكية لإيران خصوصاً والمنطقة عموماً ، فيما يعتبر ويعد بحق بمثابة انتحار سياسي إيراني آخر .

زاد من هذا الأخير الاعترافات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن الدعم الإيراني اللامحدود للحوثيين الشيعة في اليمن ، وللشيعة في كثير من بلدان العالم ، إضافة إلى ما أعلن في العراق من جرائم حرب إيرانية.

مما يؤهل إيران وآياتها إلى عزلة دولية وشيكة ، وحينها لن تجد إيران إلا الشيطان الرجيم الذي تسميه بالأصغر وتسمي أمريكا بالشيطان الأكبر ، هذا الشيطان "الأصغر" هو الذي ستجد إيران نفسها معه ربما يوماً ما يداً بيد ، ولعل قرن هذا الشيطان يوشك أن يخرج من هناك ، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال (ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان) متفق عليه .

Moafa12@hotmail.com