معالم التطور السلفي في الدعوة والمنهج
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 13 يوماً
الأحد 12 إبريل-نيسان 2009 06:47 ص

أحدثت تغيرات العصر ونظام العولمة، وأحداث الفتن والحرائق والقلاقل في مختلف أنحاء العالم الإسلامي تطوراً ثقافياً كبيرا على دعوة ومنهج كثير من الإسلاميين، بمن فيهم التيارات السلفية، حيث سقط رهان البعض أن التيارات السلفية جامدة جمود الصخر، غير قابلة لإحداث أي تطور، أياً كان.

حيث أثبت السلفيون – في الجملة- في غير ما ميدان أنهم قادرون على مسايرة التغيرات والأحداث والتعايش والتعامل معها وفق المنهج السلفي، بلا غضاضة ولا إشكال.

رأينا هذه التيارات السلفية المختلفة الألوان والطعوم والأشكال، تخوض غمار كثير من الميادين الإعلامية والسياسية والثقافية والتقنية، وكانت هذه الميادين حظها – في الوسط السلفي- من قبل الحرمة الشديدة والمغلظة، على أقل تقدير.

صحيح أن هذا التطور السلفي ليس بالشكل المنشود الذي يتطلبه العصر، ويفرضه الوقت، وتحتمه ظروف الحياة، وتوجبه بدهيات التحضر والمدنية المعاصرة، وقبل ذلك تفرضه شرائع الإسلام، إلا أنه يأتي في المحصلة النهائية، ضمن قائمة التجديد والتطوير في الفكر السلفي، أيا كانت درجته ومستواه.

هذا فضلا عن أن الأمة بمجموعها تئن من تركة التخلف والتقهقر الحضاري منذ قرون مضت، لعلّ من بواعث نهضتها وآمال نشأتها مجددا، بروز الفكر السلفي في شكله المتجدد والمتطور القابل للتعاطي مع الحياة وشؤونها ومساراتها المختلفة.

نتناول على عجالة بعضا من معالم وأشكال هذا التطور المبشر بالخير والأمل والفأل الحسن، آملين أن يعقب هذا التطور تطور مواكب وعام وشامل لكل أبناء الأمة ورجالاتها وقياداتها العلمية والفكرية والسياسية والدعوية.

1) تطور الخطاب الدعوي الإعلامي الراقي إلى بعض مستوى العصر، ذلك أن التيار السلفي ظل لعقود مضت، يخوض غمار المعارك الطاحنة الحامية الوطيس مع الجهمية والمعطلة والماترويدية والمعتزلة والمرجئة والمبتدعة..الخ، فيما أعرض صفحا عن حملات الغزو المنظمة والشاملة من أهمها حملات الغزو الماسوني الصهيوني لقلاع الأمة المختلفة.

ولكن هاهو التيار السلفي الذي كان بعض كبار قياداته يحرم التصوير، ولا يزال بعضهم إلى وقتنا يمتنع عن تصوير محاضراته وأعماله الدعوية، بحجة حرمة التصوير، فيما أجاز فريق آخر منفتح منهم التصوير من باب الضرورة الشرعية، لغرض السفر ونحوه، هذا فضلا عن القول بجواز القنوات الفضائية والمسلسلات الإسلامية، ها هم بعض السلفيين ينشئون العديد من المحطات الفضائية العملاقة، كباقة المجد، والناس، وبعض المواقع الإلكترونية، وهي بالعشرات إن لم تكن بالمئات والآلاف، ولا يجدون غضاضة أو حرجا شرعياً في تلك الصور التي تزدان بها صفحات مواقعهم.

صحيح أنّ هذه القنوات لا تزال تعاني من أغلال بعض الاجتهادات، كالقول بعدم جواز إقحام المرأة في الوسط الإعلامي، وإن كان هذا الوسط إسلامياً صرفاً، بمعنى أنه تنطبق عليه كافة الضوابط الشرعية، إلا أن البعض منهم يرى عدم جواز بروز المرأة على شاشة التلفزة، قطعياً.

إلا أني أحسب أن هذه الحالة مؤقتة، وأن المرأة المسلمة السلفية الداعية المحتشمة سوف تقتحم هذه القنوات، طال الزمان أم قصر، سيما وأنّ بعض القنوات السلفية حالياً بدأت تعيد النظر في هذه الحالة، حيث رأينا ظهور بعض النساء على شاشات بعض القنوات السلفية، بحجابهن ونقابهن، مما يجعلنا نجزم أن المرحلة القادمة هي مزيد من مشاركة المرأة السلفية الداعية في هذه القنوات، إلا أن ما نخشاه مستقبلاً هو أن يتجاوز السلفيون هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى، أبعد أو أكثر، لا سمح الله.

بيد أن هذه القنوات ينقصها الكثير والكثير من الخبرات الإعلامية المؤهلة والكفؤة، وأن تتجاوز خطابها الإعلامي النخبوي إلى الخطاب العام، ليصل إلى كافة الفئات والطبقات الاجتماعية.

لقد أخذ الخطاب السلفي في التطور، سيما مطلع القرن الحادي والعشرين، ولم يعد على حاله، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، حيث تعددت وسائل هذا الخطاب إلى الصحافة والمواقع الإلكترونية والفضائيات، إلى الدورات العلمية والمؤتمرات واللقاءات والندوات والأسمار، إلى غير ذلك، أما من ناحية المضمون فسيأتي بعض مضامينه.

2) حالة السلم والمسالمة وعلاقة الود والمحبة في بعض الأحيان مع بعض الأنظمة السياسية في المنطقة، بالطبع لهذه الحالة السلفية أسبابها، بعد أن استحر في بعض الجماعات الإسلامية -المناكِفَة لولي الأمر- أعمال السجن والاعتقال، الأمر الذي جعل بعض الجماعات السلفية تخرج عن خط فقه المعارضة للحاكم أيا كان إلى فقه المسالمة والمصالحة وتبادل المنافع، وهذا ربما يكون حالة متقدمة ينبغي أن تستفيدها بعض الجماعات الإسلامية الأخرى التي تناصب الحاكم العداء الجلي، والمظاهرة المعلنة، سيما إن كان لا يزال على أصل الملة، ولا يزال يحترم بعض حقوق الإنسان، أو يقيم نظامه على أساس العدالة والمساواة، في أي درجة من الدرجات، وقليل ما هم.

بالطبع بعض الأنظمة العربية التي أعلنت تحكيم الإسلام، عقيدة وشريعة، واحتضنت هذا التيار وفتحت له الأبواب والمرافق والمؤسسات والمحاكم والجامعات، كيف لا تكون العلاقة السلفية معه علاقة حب وسلام، بصرف النظر أيضا عن درجته وحقيقته، وأيهما اتخذ الآخر سخريا.

إن بناء فقه التعاون والاستيعاب أحسب أنه أثمر كثيراً في حالة الود والسلام الاجتماعي في بعض دول الجزيرة والخليج، بخلاف ثقافة الإقصاء والتهميش، التي لا بد أن تثمر حالة من الفوضى والغليان الشعبي، وهو ما نلمسه في بعض الأنظمة العربية الأخرى، التي عجزت أن تستوعب أحداً من التيارات، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو وطنية، وتعيش حالة خصام وفصام وصدام حتى مع نفسها، وأجنحتها وأذرعها الممتدة.

على أننا نؤمل من هذه الحالة السلفية النادرة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أن توظف لخدمة الإسلام والدعوة الإسلامية، ومصالح الأمة وقضاياها، لا أن تكون مقصورة محصورة على المنافع والمكاسب المادية، والسمن والعسل والمضغوط والمظبي..الخ وأن تكون علاقة تتسم بالوسطية والاعتدال بلا غلو ولا إفراط، وأيضا أن تكون هذه العلاقة عوناً لباقي العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، وليست سيفاً مصلتاً على الدعاة والمصلحين، ممن ليسوا على ذات الشاكلة، أو هم على ذات الشاكلة، حالا ومآلا، لكن لهم بعض الاجتهادات الطفيفة التي لا تخرجهم عن الخط السلفي، في مفهومه العام والخاص.

3) خوض غمار المعترك السياسي، والتراجع عن بعض الاجتهادات غير السديدة في الجوانب السياسية، المتعلقة بالحكم والسياسة وحق الانتخاب والمرأة، فقد لا حظ العالم، تراجع التيار السلفي في بعض البلدان، وعلى الأخص من ذلك في بعض دول الجزيرة والخليج، عن القول بحرمة الانتخابات والتحزب، وتبني المعارضة السياسية العادلة الرشيدة، وكانت من قبل تعد هذه من الخطوط الحمراء لدى السواد الأعظم من التيار، بيد أنا رأينا تقبلا سلفياً يصل إلى درجة الإقرار السكوتي، أو قل ربما يصل إلى حد الإجماع السلفي السكوتي لخوض معترك الانتخابات والمنافسة السياسية، لعلّ من أمثلة ذلك النموذج السلفي الكويتي، الذي يحتفظ في كل انتخابات نيابية تجرى بمقاعده، وكلما حاول الآخرون تنحيته، المرة تلو المرة، جاءت النتائج مخيبة للآمال، محطمة للتوقعات، مبددة للأوهام والشكوك.

إلا أنّ ثمة مشكلات ومحاذير أيضا ترد على هذه الصورة الرائعة، في التراجع والمراجعات السلفية في الجوانب السياسية، من أبرزها وأهمها، الحذر من أن تستطيع بعض الحكومات الأمنية، توجيه هذا التطور والتقدم الفكري لصالحها، فتصبح الانتخابات جائزة بل \"واجبة\" أو \"فريضة\" فرض عين، لانتخاب \"ولي الأمر\" وإن كان فيه ما فيه من المساوئ والمثالم والمظالم والعيوب، وبالمقابل تحرم هذه الانتخابات – قولا واحدا- إن كانت تصب في خانة مصالح الأمة ومكاسبها وحرياتها والحفاظ على أمنها ومقدراتها وثرواتها.

غير أن الوقت في تقديري جزء من العلاج، ولعلّ هذا التطور السلفي المشوب بالزلل،(ربما) ربما جاء الوقت بتصحيحه وتعديله، ليصب مجددا في سبيل مصلحة الإسلام والمسلمين، لا في خانة الاستبداد والمستبدين، ولعل مراجعات سلفية ترد على المراجعات.

4) خرجت بعض التيارات السلفية عن طور المراكز والحوزات الفقهية –إن صح التعبير- لتنشئ بدلا عنها الجامعات والمؤسسات التعليمية، رافق هذا التغير في الشكل التعليمي تغير في المضمون أيضاً، ففتحت الجامعات العلمية كالطب والتجارة والحاسب الآلي والاقتصاد، وغيرها من التخصصات الإنسانية، التي كانت حكراً على التيارات العلمانية، وهي بهذا الاعتبار تستحق التقدير والإشادة.

بيد أنه ينقص هذه الجامعات التوسع والانتشار، والمؤسساتية – وعدم الفردية- بشكل أفضل، وفي تقدير كاتب هذه الأسطر أنّ هذه الجامعات ستكون هي البديل في المستقبل القريب عن التعليم المختلط، الذي فاحت روائحه النتنة إلى كل مكان، وضجت منه حتى الصحافة والإعلام، وكافة شرائح الأمة وطبقاتها.

وإن مما يؤسف له جدا، هو سكوت الإسلاميين – بمن فيهم السلفيون- عن إنكار التعليم المختلط، وما جناه هذا النوع من فساد ودمار على الأمة وعلى شبابها، وتحول هذا النوع من التعليم إلى أوكار للفساد العام الشامل، هذا في الوقت الذي تتجه فيه أميركا إلى الفصل بين الجنسين في التعليم، وقد أجريت تجارب على بعض المدارس الأميركية غير المختلطة، وكانت النتائج جدا مذهلة، هذا في أميركا، فكيف يخجل الإسلاميون إلى الآن عن المناداة بأعلى أصواتهم للفصل بين الذكور والإناث، سيما في التعليم والصحة والمرافق الخدمية، الذي يعد ديناً يدان الله به.

هذه بعض الكلمات يبوح بها طويلب علم وأخ محب إلى إخوانه وأحبابه، عملا بحديث \"الدين النصيحة\" سائلا من الله الكريم أن يجعلها في موازين حسناتنا أجمعين قارئها وكاتبها، ونسأله أن يغفر الذنب والزلل، والحمد لله رب العالمين،،،