حضرموت بين قرنين
بقلم/ سالم القاضي باوزير
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و يوم واحد
الإثنين 27 يوليو-تموز 2020 07:38 م

حضرموت بين الاباضية و المعتزلة

(مشروع رؤية) لمؤلفه : سالم فرج مفلح .

-قراءة استعراضية - إعداد: سالم القاضي باوزير

 الحلقة الأولى:

قبل أن نبدأ قراءة هذا الكتاب وتقديمه للقارئ الكريم ، لا بد لنا من إعطاء نبذة مختصرة وموجزة ما أمكن لنا الايجاز عن مؤلف الكتاب الباحث والمفكر الأستاذ سالم فرج مفلح .

فهو من مواليد الديس الشرقية -حضرموت – اليمن- 1948م المؤهل الدراسي دبلوم في اللغة العربية وآدابها – كلية التربية – المكلا –جامعة عدن – له مساهمات ثقافية في العديد من المنتديات الثقافية والصحافة مؤسس منتدى وادي عمر الثقافي الاجتماعي بالديس الشرقية – حضرموت ..

وقبل الدخول في تفاصيل المادة التاريخية وإعطاء صورة مبسطة للقارئ عن ما نرى أنه أهم ما تضمنه الكتاب من موضوعات خطيرة تعرض لها المؤلف بالشرح والتحليل تُمثل في محتواها جزءاً مهماً من تاريخ الأمة العربية -تاريخ حضرموت السياسي والمذهبي الوسيط – وما تعرض له من طمس وتشويه ،.

علينا أن نتعرف عن الأسباب والدوافع التي جعلت الأستاذ مفلح يقتحم هذا التابو الذي تجنب اقتحامه الكثيرون من الباحثين في التاريخ الحضرمي ولَم يقتربوا منه لمجرد الاقتراب فكيف لهم أن يقوموا بالمساس به وهتك استار قداسته المزعومة .

لقد كان عليه أولًا وقبل أن يتعرض له بالنقد والتحليل أن يتعرف على كنه هذا (المُحرم) الذي يعد الاقتراب منه جريمة لا تغتفر في عرف سدنة الموروث ومن يمثلون الرؤية السائدة فكيف بمن يريد أن يخضعه لمديات العلم ومشارط الجراحة النقدية ..

وهذا ما جعله يخوض غمار معركة هو الأجدر بخوضها وتعد من أصعب المعارك الثقافية وأشرسها في حقل الكتابة التاريخية الحضرمية .

لقد توفرت لدى هذا الباحث المتميز الجرأة والشجاعة للامساك بزمام المبادرة في نقد السائد ونقضه والعمل على محاربة التخلف والجمود،

مسخرا كل طاقاته وامكانياته العلمية لخدمة المجتمع وحمل قضاياه الوطنية لتحريره من هيمنة البلادة والتخلف والعمل على خلق وعي حقيقي لدى (النخبة) و الجماهير والدفاع عن الهوية الوطنية وما تعرض له شعب بأكمله من استلاب ثقافي وعنف رمزي تمثل في تشويه وتزوير الحقائق التاريخية والقضاء على منظومة القيم والأخلاق العربية الأصيلة بعد أن هيمنت ثقافة الدروشة منذ بداية القرن العاشر الهجري.

فالقضية الأساسية لهذه الدراسة تكمن في اظهار الحقيقة التاريخة للمجتمع بكل تجلياتها واشراقاتها وما تعرض له تاريخ حضرموت الإسلامي من تزوير وتحريف وطمس متعمد لحقائق التاريخ المشرق من قبل من أطلق عليهم المؤرخ الحداد (الأخلاف)،لا كما يعتقد البعض على انه مجرد كتاب تاريخي كغيره من الكتب التقليدية والتي قد يتبنى فيه الكاتب بعض الآراء المخالفة لما هو سائد في بعض القضايا التاريخية . اذ أن الحقيقة ليس كذلك وليست كما يتصورها البعض وبخاصة الذين يمتهنون الكتابة التاريخية التقليدية ،.

من خلال إعادة وتدوير ما يجدونه مكتوباً في بُطُون الكتب والوثائق من نصوص ميته معدومة القيمة ظلت تكرر نفسها في كتاباتهم من دون أن تتعرض لأي نقد منهم أو تحليل .

فكتاب( حضرموت بين القرنين ...) يختلف اختلافاً كلياً مادة ومنهجاً و لغة ويحمل بين دفتيه مشروع رؤية تأسيسية لإعادة كتابة التاريخ الحضرمي بأسلوب علمي رصين . .

وقد مثل الكتاب بمادته العلمية قطيعة معرفية مع الرؤية السائدة حسب مفهوم المؤلف كما بينه لنا في مشروع رؤيتة من خلال نقده للموروث وهذا لا يعني بالضرورة "القطيعة بمعناها اللغوي الدارج وإنما تعني التخلي عن الفهم التراثي للتراث" حسب مفهوم المفكر محمد عابد الجابري،وعرض كل ما هو مكتوب عن تاريخ حضرموت المغيب والمستلب على نار النقد العلمي الموضوعي(التفكيك) لتصفيته وتطهيره مما علق به من ادران و خرافات واساطير ما انزل الله بها من سلطان والتخلص منها والعمل على إعادة بناء وترميم الهوية الوطنية ومعالجة ما تعرضت له الشخصية الحضرمية من صدمات بسبب الاغتراب الثقافي والحضاري الذي أوقعته فيه الرؤية السائدة .

فالمؤلف يعد من القلة النادرة الذين يتمتعون بالخبرة والقدرة الفائقة على قراءة الأحداث التاريخية قراءة نقدية تحليلية مغايرة لكل القراءات التقليدية السائدة التي اعتدنا عليها الى اليوم، لما يمتلك من منهجية وحس نقدي قل أن نجد له نظير بين الكتاب والمؤرخين من اكاديميين وأساتذة حضارم.إضافة الى ذلك فالرجل يحمل هما وطنيا ويمتلك الجرأة والشجاعة لمواجهة صلف وجبروت الجماعات المتعصبة من انصار الرؤية السائدة ،والذين يعتبرون المساس بالموروث والتعرض له بالنقد تعدياً على مكانتهم وما يدعونها من قداسة مزيفة لرموزهم التاريخية والتي بدونها ينتهي ما بقي لهم من هيمنة ونفوذ .

ولهذا فهم يَجرّمون ويحاربون كل من ينتقد ويشكك في رؤيتهم فكيف إلا بمن يتعرض لها بالنقد والنقض ليجعل منها أثراً بعد عين . .

وقد تعرض المؤلف لحملات دعائية تشويهية منظمة إ

لا انها لم تحد من عزيمته ونشاطه والتمسك برؤيته والدفاع عنها ،وهذا ما جعله يبحر بفكره النير وما يمتلك من قدرات علمية عكس التيار الجارف متصديا لكل أمواج التخلف والهمجية الشرسة ليجعل منها حطام على سنان يراعه ..

وتاتي أهمية هذه الدراسة كونها تحمل في طياتها مشروع رؤية جديدة لا تربطها بالرؤية السائدة أي صلة مباشرة أو غير مباشرة بل تعتبر النقيض المباشرلهاتماما .ً.

وقد جاءت لتعيدنا الى المسار التاريخي الصحيح .

ولَم يكن مفلح ومن سبقه من كتاب ومؤرخين امثال باوزيروبامطرف والصبان إلا رسل التاريخ والهوية الوطنية المغيبة وان التاريخ الحضرمي هو الذي ينطقهم ويتكلم على لسانهم ..

وتعتبر هذه الدراسة من وجهة نظري أول مرافعة في الكتابة التاريخية الحضرمية أمام محكمة التاريخ لتضع قضية الهوية الوطنية الحضرمية المسلوبة امام الأجيال ..

صدر الكتاب في طبعته الأولى عام 2006م عن دار حضرموت للدراسات والنشر يحتوى على دراسة شاملة لتاريخ حضرموت الوسيط تركزت على الجانب السياسي والعقائدي – المذهبي ..

قسم المؤلف كتابه على اربعة ابواب وتوطئة ومقدمة و خاتمة .

وقد تطرق في التوطئة الى غياب المصادر وما يكتنف تاريخ حضرموت الوسيط من غموض حيث يقول" قد لا يخطر على بال القارئ الكريم إنه لا يوجد أي مصدر تاريخ يتحدث عن تاريخ حضرموت الوسيط هو من نتاج ذلك العصر ولكن تلك هي الحقيقة برغم مرارتها ."

وبرغم إن بعض المراجع المعاصرة تتحدث عن مؤلفات تاريخية الا انها في حكم المفقود حسب قول المؤلف .

وفِي التوطئة يورد المؤلف مقولة للمؤرخ طاهر بن علوي الحداد يُبين فيها الأسباب والدوافع من وراء غياب المصادر حول تلك الفترة من تاريخ حضرموت الوسيط يقول فيها: "إن الاخلاف وجدوا في سيرة الاسلاف ما ينكرونه عليهم اليوم فعمدوا إلى إخفائها وإفنائها.) .

و يقول معلقاً على ما قاله الحداد بقوله:"إن المؤرخ الحداد يرى أن سبب تلك الشحة في المصادر لا يعود إلى عدم كتابة الاسلاف عن حياتهم وعصرهم وطبيعته بل يعود إلى عقدة الأخلاف من مذهب الاسلاف .) .

ولَم يقتصر الإخفاء والإفناء على ما يخص الجانب المذهبي – العقدي وحسب بل تجاوزه الى المسألة العرقية وما يتعلق بالأنساب.

إذ يقول: "وليست المذهبية هي التي سيطرت على الكتابات التاريخية الحضرمية المعاصرة بل حتى المسألة العرقية أخذت نصيبها مما تعرض له التراث من تشويه وتحريف حتى في مجال الأدب والشعر "

مستشهداً ببيت من قصيدة للإمام أبي الحب التريمي المتوفى سنة611هـ يمدح فيها مدينة تريم وحاكمها الإمام عبدالله بن راشد يقول فيه ::

حماها الله من بلد وأبقى # أبا بكر ودام لها النعيم

لتمتد اليه أيادي التزوير مستهدفة الشطر الثاني من البيت ليكون على النحو التالي:

حماها الله من بلد وأبقى # لها الأشراف ما لهم من مضيم

وما تعرض له هذا البيت من تحريف لا يدخل تحت حكم التصحيف الذي غالباً ما يحصل اثناء النسخ وهو لا يكون إلا في كلمة واحدة بتحويل وضع حرف من حروفها بدلاً عن حرف آخر يشبهه في الرسم أما أن يستبدل عجز البيت بأكمله فهذا تزوير وتحريف للكلم عن مواضعه ولتغيير المعنى بأكمله وصرفه الى غير مقاصده ..

وما هذه إلا حاله واحدة من حالات الطمس والتحريف والإفناء التي تعرض لها تاريخ حضرموت الوسيط من قبل الأخلاف.

وفيما يخص الجانب العقدي والمذهبي يقول المؤلف:"ليس هدفنا في هذه التوطئة الدلالة على تناقضات وعيوب الكتابات التاريخية الحضرمية المعاصرة القائلة بالسيادة المذهبية السنية المبكرة في حضرموت ،فذلك الأمر موضعه ( نقض الرؤية السائدة ) الوارد في هذه الدراسة وإنما هدفنا هو شرح الأساس المذهبي الذي تقوم عليه تلك الكتابات وتبيان أزمة المصادر الحضرمية. على ندرتها نظراً لما تعرضت له من اعتداءات سُجلت ضد مجهول يرسم

و فيها يرسم خطوطا عريضة– عناوين- لما يريد التعرض له بالنقد والتحليل في كتابه مُبيناً ما سوف يعتمد عليه من مصادر ادبية إضافة الى ما توفرت لدية من مصادر تاريخية ليتناول بالنقد والتحليل ما بقي من أدب ذلك العصر شعراً ونثرا .ً

وقد ابتدا مقدمته مخاطباً القارئ بما تضمنته الدراسة واحتوته من موضوعات لتأسس لمشروع رؤية جديدة تختلف اختلافاً جذرياً عما سبقها من كتابات ودراسات بحثية ،مذكراً بما اعتمد عليها من وثائق محققة وشهادات حية وتحليل علمي رصين .و هو الأمر الذي تفتقر اليه الدراسات السابقة التي وصفها بالبناء الهش المتهالك الذي سقط على رؤوس ساكنيه ..

موضحاً في مقدمته الأسلوب الذي اتبعه في عرض دراسته ليسهل على القارئ الربط بين أبوابه وفصوله ومتابعة حيثيات كل حكم من خلال علاقته بما قبله وقد قسم الدراسة الى أبواب أربعة كل باب يخص فترة زمنية من التاريخ .

تناول في الباب الأول من الدراسة العصر الاباضي الخالص 129هـ - 400هـ ، واستهله بالحديث عن موقع حضرموت الجغرافي ودخول الإسلام اليها وما شهدته من نزوح لأغلب سكانها للمشاركة في الفتوحات الإسلامية وما كان لأهل حضرموت من ادوار بوصفهم قادة فاتحين وقضاة في مخت

لف اصقاع العالم الإسلامي ليجعل منه مدخل لا بد منه ليشرع بعده بالحديث عن الدور الاباضي وما شهدته حضرموت من أحداث تاريخية متمثلة بقيام الثورة الأباضية في حضرموت على الحكم الأموي سنة 129هـ بقيادة (طالب الحق) الإمام عبدالله بن يحي الكندي وما ترتب عليها من احداث عجلت بسقوط الدولة الأموية .

وقد تناول في نفس الباب ما شهدته حضرموت في القرن الخامس الهجري لظهور أنظمة الحكم الوسطية المتطورة والصدام الاباضي الإسماعيلي ( الصليحي)

وما شهده ذلك القرن من احداث كان أعظمها الغزو الصليحي لحضرموت استطاع من خلاله الصليحيون إخضاع حضرموت تحت سلطتهم سنة 455هـ بعد معارك وقتال شرس قاده الإمام الأباضي أبو إسحاق إبراهيم الهمداني الحضرمي.

وقد اطنب المؤلف في هذا الباب مسترسلاً بحديثه عن ابي إسحاق الهمداني وبطولاته التي وثقها شعراً في ديوانه (السيف النقاد) وقد اعتمده المؤلف كوثيقة هامة في تصوير الواقع الحضرمي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، منهياً الباب بالحديث عن الأباضية في أقطار العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري