التعديلات الدستورية .. مشروع لتشتيت الأذهان
بقلم/ أحمد ياسين عبد الفتاح
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 15 يوماً
الثلاثاء 08 يناير-كانون الثاني 2008 08:51 ص

مأرب برس – خاص

في كل لحظة يتكشف لمتابعي الشأن اليمني أن النظام يمعن في التعري والإفلاس .. ولا أدري أيعي منظروا النظام وسدنته أنهم صاروا على مرمى حجر من الغضب الشعبي الجارف وأن الأولى بهم التعقل والاعتراف بفشلهم والتواضع المتجمل بكثير أدب مع أحزاب المشترك والجلوس إلى طاولة حوار واحدة هدفها الأول والرئيس إصلاح الإدارة الانتخابية لتكون الرافعة الحقيقة لكل استحقاق ديمقراطي معبر بواقع عن إرادة جماهيرية فعلية ، بدلاً من الاستخفاف والظرافة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وكذا ادعاء الوطنية والحرص على المصلحة الجمعية بينما الواقع بكل شواهده ودلالاته ونتائجه يكذب زيف تلك الادعاءات بل ويفضحها .

وحتى لا يطل علينا بين اليوم والآخر قياديو المؤتمر الحاكم ومنظروه في تكرار ممل ومقرف للاسطوانات (الجد-يمة) التي تحاول الشخبطة على جدران السياسة وتلويث ال حياة السياسية بألاعيب الخفة وعبارات الفتوة والمراهقة ، لابد أن يعلموا أن أحزاب المشترك وكل عقلاء اليمن لم تعد تنطلي عليهم تلك الزوابع التي تحاول ثلة الخيالة المتخمة إيهام الجميع أن وراءها الطوفان ، وأن مرض اليمن وكل اليمنيين هو اللجنة العليا للانتخابات بتركيبتها السابقة وفضائحها التي تصدر قائمة ممارسيها رئيس اللجنة الذي يتمتع بقدر كبير من القدرة على إثارة الضحك واستجلاب السخرية الدولية من النظام ( الديمقراطي ) برمته .

سيسأل أحدهم ... لماذا اللجنة العليا للانتخابات وليس غيرها .. الإجابة .. لأنها تعيد شرعنة اللامشرعن وتعيد كذلك إنتاج منظومة الفساد القائمة منذ أكثر من ثمانية وعشرين عاماً عبر إعطائها شرعية ناقصة أو شكلية لا أكثر بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وعليه تظل ماكنة الفساد الإداري والمالي تأكل كبد الوطن وتنهب أمواله وثرواته لصالح فريق الخيالة الذي لم يعد في همه سوى : كم أخذنا ؟ وكم تبقى ؟ ... فالمشهد يشير إلى حالة من السريالية السياسية التي لا تخضع لقوانين العقل والمنطق وإنما لهرطقات اللجنة العليا للانتخابات وفتوات الحزب الحاكم وحمران العيون ... فشل يضرب كل أركان الحياة داخل الوطن ... وضحاياه بالملايين بينما نفس الملايين المسحوقة بسياسات الفاشلين وضربات اللصوص وهبرات الحرامية تعيد تنصيب نفس الوجوه التي أذاقتها ويلات الفقر والمرض والجوع والتشرد خلال الثلاث عقود التي خلت ... كيف ؟ ... اسألوا عبده الجندي ذلك البلبل الذي لم يكن ينفع سوى بطل لفلم البيضة والحجر بدلاً عن الراحل أحمد زكي رحمه الله.

مع العلم أن إعادة شرعنة اللامشرعن بشرعية ناقصة وشكلية تمر عبر بوابة اللجنة العليا للانتخابات التي تدير العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها وهي مفتاح السر في بقاء المتناقضات مسيطرة على مجمل الوضع السياسي القائم في البلاد ، سواء في اجراءات القيد والتسجيل ، وفضائح السجل الانتخابي والبطاقة الانتخابية ومروراً بالعبث بباقي ترتيبات العميلة الانتخابية برمتها ، حتى أن من المخازي اليمنية أن نائب رئيس اللجنة العليا للانتخابات لا يستطيع الدخول إلى القسم الفني في اللجنة ، والذي تعد فيه كل الطبخات التزويرية ، ليس لشيء فقط لأنه قادم من أروقة تجمع الإصلاح المعارض وبالتالي قد يساهم في فضح جرائم التزوير والتلاعب التي تحصل في وكر ( الأشرار ) وإلا لو كانت النوايا طبيعية ولا توجد خبايا وأسرار فما المانع من دخول نائب رئيس اللجنة أو حتى عطية الساعاتي للتأكد من الشفافية المدعاة.

أدركت أحزاب اللقاء المشترك ومعها كل القوى الفاعلة منذ وقت ليس بالقريب وبعد تجارب مريرة ومؤلمة أن إصلاح أوضاع البلاد يبدأ من إصلاح العملية السياسية التي تعاني من اختلالات بنيوية قاتلة ظهرت نتائجها وتظهر كل يوم بل وكل لحظة في صور شتى تحمل من البشاعة والرعب ما يجعل من الواجب العيني الوطني على كل القوى الوطنية الفاعلة أن تتنادى لإصلاح الإدارة الانتخابية التي تحمل مفتاح الحل الوطني الوحيد لإعادة الحياة السياسية في اليمن إلى مجراها الطبيعي ما قد يسهم على الأقل في تخفيف حدة الاحتقانات خلق حالة من الرضى السياسي بنتائج أي انتخابات أو استفتاءات قادمة في حال إذا ما اتفقت أحزاب المشترك مع الحزب الحاكم على آلية نزيهة وشفافة في الشكل والمضمون والممارسة لإدارة العملية الانتخابية برمتها . مالم فسيظل التناقض هو المسيطر على مجمل المشهد السياسي اليمني ولن يبقى للعملية الديمقراطية غير الهيكل المهترئ الذي أكله الصدأ ، وتندرات الكتاب والصحفيين والمعلقين في المواقع الالكترونية في الداخل والخارج. وسيتغير اسم اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء إلى اللجنة العليا لشرعنة الفساد والاستبداد ، وستبقى الديمقراطية اليمنية وبال على الشعب الذي سيصل حتماً إلى مرحلة من اليأس تدعوه للبحث عن مخرج آخر قد تكون ملامحه ونتائجه بحجم نتائج ثورتي سبتمبر وأكتوبر ..

التعديلات الدستورية .. فرقعة لتشتيت الأذهان :

يومان كاملان وأنا أبحث عن مشروع التعديلات الدستورية لصاحبه علي عبد الله صالح ولم أجد أي نص واضح وصريح لهذا المشروع ، وقد عجزت كل محركات البحث على الشبكة العنكبوتية عن إيجاد المشروع المزعوم ، مما أثار داخلي سؤال مهم وخطير في نفس الوقت .. أوصل العبث بالحياة السياسية في اليمن إلى هذه الدرجة ؟ أيعقل أن يكون الوطن ومستقبله ومصيره وعقده الاجتماعي خاضع لتجليات ( الرازم ) ؟ أم أن الأمر فيه حبكة من نوع ما !!؟

المؤتمر الحاكم بكل ما أوتي من المال العام ظل خلال ما مضى من أيام بعد إعلان تلك التعديلات التي لا روح لها ولا جسد .. ظل يسوق المشروع المتخفي في كل شوارع السياسة الأمامية والخلفية وعقدت له نقاشات وحوارات ومنتديات وندوات وهو في الأصل غير موجود، وقيل فيه أكثر مما قاله أبو نواس في الخمر ، حتى الأحزاب (السفري) التي تستدعى لسد عورات النظام المنبوذ صارت تلتئم مع أمين عام الحاكم لتناقش التعديلات الدستورية التي ستطيح بكل علل المجتمع بضربة واحدة ، وأخذت فرق الطبل الشعبي تجوب أروقة الصحافة والانترنت لتبشر وتنذر وتتوعد وتهدد ، وأكثرهم رصانة دعى إلى مناقشة المشروع في البرلمان واقلهم حياءً إلى إيقاف ومحاكمة الأحزاب المخلة بثوابت الوطن لأنها ترفض التعديلات الدستورية.

الطبخة الأمنية الجديدة جاءت باعتقادي كمناورة لتشتيت الأذهان وتضييع مزيد من الوقت اللازم للحوار بشأن اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء مع أحزاب المشترك التي ظلت رابطة الجأش مترفعة عن الخوض في ما لا طائل منه ، مفوتة الفرصة على من له مصلحة في صرف أنظارها عن الاهتمام بالتوافق على تشكيل لجنة الانتخابات العليا ، معلنة وبكل قوة أن مربع الحوار الأول هو التوافق بشأن الحكم الديمقراطي بدل التوهان في زقاق الحوارات العقيمة التي صارت أقرب إلى المسلسلات المكسيكية منها إلى الحوارات السياسية الجادة، وخصوصاً بعد أن تبدى للمشترك عبثية الحوار مع الحاكم لتعدد مراكز القوى داخله ، بالإضافة إلى انعدام صلاحيات فريق السلطة المحاور ، أو الانقلاب المستمر على الاتفاقات الموقعة وخصوصاً التي تتم برعاية دولية ، وأغلب الظن أن المؤتمر الحاكم يسوق الصور التلفزيونية للحوار مع قيادات المشترك لاستجداء المساعدات والقروض لا أكثر. بينما الحقيقة أن مطبخ القرار ليس له علاقة لا بفريق الحوار ولا بأي من تكوينات المؤتمر العليا أو الدنيا .. القرار الأول والأخير للمطبخ الأمني برعاية الرئيس .. هذه القناعات لم تأت من فراغ وإنما أملتها تجارب الحوار والاتفاقات السابقة ، وتجريب المجرب خطأ – كما يقال - .

المهم .. ليحذر الأخوة قادة المشترك من شرك ( الوقت ) الذي غالباً ما يلجأ إليه النظام لتمرير نواياه ( الطيبة جداً ) .. فالوطن لم يعد يحتمل الاتكاء على شرعية مخلوعة الأبواب والشبابيك وإلا فإن نذر العاصفة لم تعد تخفى إلا على مكابر أحمق .