وما خفي كان أعظم
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 28 يوماً
الإثنين 25 يونيو-حزيران 2007 03:57 م

مأرب برس - خاص

هذا ما ظهر وما خفي كان اعظم ليس بدعا من الأمر ولازورا من القول, أن نقول أن الفساد سمة بارزة , وصفة خاصة اتسمت بها كل مؤسسات الدولة, ومكاتبها الإدارية بدء من المرافق الحكومية الدنيا , وانتهاء بسلمها الوزاري الأعلى , وليس بجديد إذا قلنا أن أيدي موظفين تلك الوزارة ملطخة بأموال الضعفاء , وجيوبهم ملاء بأموال اختلسوها, وكذلك أبنائهم يقتاتون من مدخرات مال حرام, تفننوا هم في الحصول عليه, وأجادوا أساليبه, واحترفوا مهنته في ظل سياسة الإفقار التي حولت الشعب بطولة وعرضه وجنه وانسه إلى شقاه من اكبر تاجر إلى اصغر بنشري, وبالتالي أصبح موظفو تلك الوزارة على شاكلة المتردية والنطيحة وما أكل السبع باستثناء قلة نادرة لا حكم لها صحيفة الناس الأسبوعية نشرت في عددها 351 الصادر بتاريخ 18 / 06 / تقرير مفصل للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بينت فيه مدى الفساد الذي يعتصر وزارة التربية والتعليم والذي يعتبر غيض من فيض وقليل من كثير, والتي تعتبر من اقل وزارة الدولة فساداً بنظري الشخصي, ومع ذلك فقد أجادت فن الاحتراف في نهب الأموال العامة بمباركة جهاز القضاء الذي لا يستطيع أن يقول للفاسد فاسد فضلا عن محاكمته .

تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ليس هو التقرير الأول حول الفساد في وزارة التربية والتعليم, ولن يكون الأخير باعتقادي, بل هناك تقارير سبقت هذا التقرير حظيت بالأرشفة في الدواليب المغلقة, وصارت في خبر كان, ولم نسمع يوما ًمن الأيام بمعاقبة لص واحد وتقديمه للعدالة, بل اجزم أنني لست مبالغاً إذا قلت أن الحكومة هي من أطلق الحبل على الغارب لقراصنتها التي انتجتهم سياستها الخاطئة .

وعوداً على ذي بدء فسأسرد بعض مظاهر الفساد في وزارة التربية التي أصبحت وزارة للفساد بدلاً من التربية :ـ أولاً :- تسييس الوظيفة العامة وهي أنها أصبحت الوظيفة تباع وتشترى حسب المعيار الحزبي وبطريقة من ليس معنا فهو ضدنا, فالكثير من أصحاب الشهادات والدرجات العلمية, غادروا بوابة التربية , ليحترفوا مهنة الحدادة أو النجارة آو الحمالة, أو الجلوس على الأرصفة في انتظار المستقبل المجهول الذي ينتظرهم في ظل واقع لا يرحم أحداً,مفضلين حياة الكد والكدح مع الحرية, على حياة الراحة والنعيم في أحضان العبودية, وأصبحت بطاقة الانتماء الحزبي السبيل الوحيد للحصول على درجة وظيفية في قطاع التربية والتعليم , أما من صادفهم الحظ, ونزلت عليهم ليلة القدر, كما يقال فإنها ما لبثت أن تحولت وظائفهم إلى كابوس يؤرق نومهم, وشبح يهدد وجودهم, وتم نقلهم إلى مناطق نائية بعيدة, يستحيل فيها العيش وتنعدم فيها وسائل المواصلات, ليكونوا عبرة لمن كان له قلب أو القي السمع وهو شهيد, ومثلما يقول المثل الشعبي ( الحر تكفيه الإشارة ).

ثانياً :- لا زالت الكثير من مكاتب التربية في المحافظات, تلعب كما يحلوا لها, وتتخذ ما تراه مناسباً لمصلحتها, ولا يهمها القانون فعند تعارض القانون مع المصالح الشخصية يجوز تقديم المصالح الشخصية على القانون في نظرهم, ولا يهمهم بعد ذلك شيء ولسان حالهم يقول ( أنا ومن بعدي الطوفان ), فترى وريقات المال من مسيلات الدموع فئة خمسمائة ريال, ومكسرات الضلوع فئة الألف الريال, تسيل لعاب احدهم, ويبيع معها أمانته ودينه ووطنه, وتصدر الشهادات المزورة التي يكون حاملها اجهل من حمار أهله, ناهيك عن أن جهله هذا يدفعه إلى التهرب من الوقوف أمام الطلاب, وبالتالي إعفائهم من حصص دراسية كرماً منه, وكم هم أولئك المعلمون الذين لا نعرف بهم إلا عند أن نرى أسمائهم في كشوفات صرف الرواتب فقط, أما أن تجد لهم بصمة في الحياة, أو تأثير في المجتمع فهذا مستحيل .

ثالثاً : - عمليات الانتداب هي الأخرى مثلت مرتكز هاما من مرتكزات الفساد في وزارة ( ....... ), فعشرات المعلمين بل مئات إن لم يكن آلاف , هم في كشوفات المنتدبين الوهمية, بينما الحقيقة التي لا غبار عليها أن المعلم يبحث عن وسيلة أخرى لسد رمقه وتوفير لقمة العيش تكون أوفر دخلاً من راتب الحكومة الذي لا يتعدى ثلاثون آلف ريال في أحسن الأحوال, وبالتالي يكون الاتفاق مع أمين الصندوق على تقسيم الراتب بحسب ( طيبة النسام ) يأخذ المعلم نصف الراتب, دون تعب أو عناء, ويأخذ أمين الصندوق النصف الباقي, وتهذب مليارات الريالات أدراج الرياح دون جدوى, ويذهب معه الوطن إلى جحيم الأمية, ومستنقع الجهل, ونعود القهقري إلى ما قبل خمسينات القرن المنصرم ( ومن قرح يقرح ).

رابعاً : - قضية السلف التي تجود بها وزارة التربية والتعليم للمعليمن, تكشف ما تبقى من ثوب ستر ترتديه الوزارة محاولة تحسين صورتها, متناسية انه لا يصلح العطار ما أفسده الدهر, ولغة الأرقام هنا هي الابلغ, والأوضح من غيرها, فهناك ستة مليارات ومائة وأربعة وستين مليون ومئتان واثنان وثلاثون ألف وستمائة وأربعة وثلاثون ريال , هي إجمالي حسابات السلف المؤقتة حتى عام 2001م , بحسب تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة, وهو مبلغ لو تم استثماره بشكله الصحيح, لقضاء على نصف ظاهرة التسول التي انتشرت في كل قرية وسهل في بلاد اليمن, وبلغ عدد أفرادها مليون ونصف المليون متسول , ومبلغ ستة مليارات مبلغ كافاً لتقديم حكومة بأكملها إلى العدالة فضلا ًعن وزارة .

خامساً : - أن هناك عشرات القضايا الأخرى بدء من الخصميات التي تعود لصالح الأشخاص ولا يذهب إلى خزينة الدولة منها شيء, وأيضاً التسيب في عملية الحضور والغياب لبعض المدرسين الذين لا يواظبون على دوام التدريس على الإطلاق, ناهيك عن خلو بعض المدارس من الكتب والمعلمين , فيظهر الطالب بليد الحس, جاهل بأبجديات التعليم, لينصدم في نهاية المطاف ويغادر التعليم إلى غير رجعة .

هذا الكلام ومثله معه , ومثله معه, تعلمه الوزارة جيداً لكنها وللأسف تتغابى عن كل ذلك, ولسان حالها كما يقول الشاعر :- ليس الغبي بسيد في قومه إنما سيد قومه المتغابي إن على الوزارة أن تتذكر قول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ), ومن مات وهو غاش لرعيته حرم الله عليه الجنة, ومن غشنا فليس منا, إن مراجعة الذات هو الحل الوحيد لحل هذه المشكلة , أما القضاء فقد كبرنا عليه أربعاً, وقرانا الفاتحة وياسين.

aref78@hotmail.com