ولاية المرأة بين آيات الله البينات .. وأساطير أبي لهب !!
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 22 يوماً
الجمعة 06 يوليو-تموز 2007 06:41 ص

من قبل حيّا القرآن قوماً ولوا أمرهم امرأة .. ولم يمنعهم أنهم (( أولوا بأس شديد )) أن يجعلوها ملكة عليهم ، تلك المرأة أفلح قومها بسببها .. هكذا شهد لها القرآن وهكذا يقول التاريخ . وحين قالت حكمتها الشهيرة (( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة )) أيدها الله بقوله ((وكذلك يفعلون)) كما نقل عنها القرآن (( ماكنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )) ، الآية الكريمة تتحدث عن الخصائص التي توفرت في ملكة سبأ ، والتي أفلح قومها بسببها ، وهي تشير ضمنياً إلى ما يجب أن يتمتع به شاغلو الوظيفة العامة من خصائص لها علاقة بالكفاءة والدراية ،وليس بالذكورة والأنوثة ! سيكون علينا أن نؤول أي حديث أو أي أثر يبدو ظاهره متصادما مع آيات الله عزوجل بهذا الشأن ، لينسجم ويقرر نفس الحقيقة القرآنية .. أن لا مانع للمرأة من شغل الوظيفة الأعلى في الدولة وفق خصائصها وشروطها ، ومع ذلك ستجدون من يقول ضدا لما قاله الله بأن ولاية المرأة غير جائز !

هؤلاء هم أنفسهم وبذات المراجع والكتب والشيوخ والمدارس لديهم ما يكفي من الاسرائيليات والأحاديث الموضوعة والآثار الخاطئة والاجتهادات القاصرة تشرعن للحكم الوراثي .. وتؤصل للنظم الاستبدادية .. وتنافح بوعي وبغير وعي عن مختلف ضروب الحكم المتسلط وهي أحاديث تتناقض في معظمها مع جوهر رسالة الإسلام الحنيف ، ونستطيع أن نجزم أنها كانت نتاج عصور الاستبداد أضيف إليها ما أضيف وحذف منها ما حذف ! أخشى من أن الإيغال بالاستشهاد بآثار وأحاديث تقرر غير ما قرره الله في آيات الكتاب حول الحكم القائم على العدل والقسط بغض النظر عن شخص الحاكم رجلاً كان أو امرأة، هي محاولة للانتصار للتراث واستجلاب ما يحمله من نظرة متخلفة تجاه المرأة .

الله تعالى يقول (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) ( من ) في هذه الآية تشمل الرجل والمرأة .

نعلم جيدا أن الذين يقولون بعدم جواز شغل المرأة للولاية العامة يذهبون بعيدا في ذلك ، ويرون أن رحلتها في هذه الحياة فقط من البيت إلى القبر وأن خروجها من البيت فسادا في الأرض وعملها بغير خدمة الرجل فجور لا يرضاه الله ، والمعتدلون منهم سمحوا لها بأن تكون معلمة أو طبيبة بشق الأنفس وبعد جهد جهيد ، بشروط قاسية تشترط أضعاف ما تشترطه الخدمة المدنية ومؤسسات الإشراف على الوظيفة العامة ، برهانهم في ذلك أن المرأة ناقصة عقل ودين ، وقد جمعوا ما يكفي من الأحاديث التي تجعل من قيادتها للسيارة خروجاً عن تعاليم الله ، ومن صوتها عورة وظهورها على الرجال خطيئة تستحق أن تقذف بسببها في النار سبعين خريفا فكيف نتوقع حجم مشاركتها في الحياة السياسية والعامة لدى هؤلاء ؟ !

لم يعد خافيا أيضا أن القول بعدم جواز ولاية المرأة هو جزء بسيط من ثقافة متكاملة ترى في صندوق الاقتراع بدعة .. وطوابير الناخبين معصية ليس على المسلمين الوقوع فيها .. وفي جوهر هذه الثقافة .. لا ولاية للرجل أيضا ، هكذا يبدو الأمر حين يعلنون صباح مساء أن تداول السلطة والتعدد الحزبي والبرلمان والديمقراطية جزء من وافد غربي يستهدف هوية الأمة ويهدد كيانها الحضاري بالزوال ودينها بالاندثار ، ولا يوجد لدى أصحاب هذه الثقافة فتاوى أو أقوال توجب سيادة الأمة وحقها في اختيار ولي الأمر رجلا كان أو امرأة ، حيث السيادة - عندهم - فقط لولي الأمر ظل الله في الأرض ، الله هو من آتاه الملك .. وهو وحده من سينزعه عنه .. ووحده عزرائيل من يقل كلمته الفصل عن عدد دوراته الرئاسية ومتى عليه أن يترجل عن العرش !

المؤسف أن تاريخنا مليء بهذه النماذج قديما وحديثا ، فلم نر هؤلاء ينكرون على السلطان ، وهم جاهزون لمساندته ضدا عن أي خارج عليه ـ عندما تضيق بالشعوب السبل ـ إن بالانتفاضة المسلحة وان بصندوق الاقتراع ، ويظل الأمر كذلك ما لم يقل الحاكم كلمة الكفر صراحة ، وحتى في هذه فإن هناك سبعين ألف مبرر وعذر يلتمسونه له . هذا الطرح البائس وتلك الثقافة المتخلفة تنال من الجميع في المجتمع المسلم رجالا ونساء ، غير أنها أشد وطأة على المرأة حين أضافت إليها ظلم التراث المتخلف الذي يرى في المرأة مخلوقاً ناقصاً نقلا عن أساطير أبي لهب وآبائه وأجداده ، وليس عن محمد النبي وآيات الله البينات .

سنقول إن مصطلحات البيعة وأهل الحل والعقد كانت إبان السقيفة وعشرات السنين بعدها ، وقد مثلت في حينها إبداعا إنسانيا واجتهادا رائعا وكانت محاولات أولية رائعة لمأسسة سيادة الأمة كان بإمكانها أن تجعل من الأمة الإسلامية صاحبة الريادة والخيرية للعالم .. لو نالها ما تستحق من الإثراء والتطوير ، إلا أنها سرعان ما أفرغت من معانيها لتصبح الشورى معلمة .. والبيعة تأتي لاحقا بعد الجلوس على العرش الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء .. وأهل الحل والعقد يختارهم الحاكم ممن يزينون مجلسه بما يريد من الكلام ويقتاتون مما يتساقط حول مائدته من الفتات .

اليوم يغدو من الجنون ومن الخطأ بمكان أن نسمعها من البعض ونحن نعيش الألفية الثالثة في عصر نفذ الإنسان فيه من أقطار السماوات والأرض، ماتقوله الدراسات المسنودة بالتجربة أن الولاية اليوم يجب أن تكون للقانون، والأمر للشعب وفق مؤسسات وسلطات بالغة التحديد والتوصيف للوظائف والمسؤوليات بطريقة تجعل الحكم لما أنزل الله وليس لأساطير الأجداد وما ألفينا عليه آباءنا. ومن الطبيعي القول انه لا يحسن ولا يجوز أن نكررها في القرن الواحد والعشرين بعد أن أضحت إدارة الدول عن طريق مؤسسات .. السيادة فيها للقانون وليس للأشخاص .. بفعل التطور الهائل في علم الإدارة الذي كفل لها فصل السلطات والمساءلة والمراقبة وفق منظومة متكاملة من الآليات تجعل الأمر للأمة والسيادة للقانون في ظل نظام مستقر وشاغلي السلطات عبارة عن موظفين لا غير وهي وظائف يشغلها المواطن أياً كان وفق خصائص لها علاقة بالكفاءة والخبرة بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه. ستسمعون من يعلن باسم الله أننا مارقون .. خالفنا معلوما من الدين بالضرورة وشذذنا عن الإجماع، غير أنها دعاوى فحسب تهدف بالمحصلة إلى أن يكون في دين الله قسيسون ورهبان، وأن علينا أن نطيعهم من دون الله وهم عندما يخوضون في الحكم وأنظمته يفعلونها بطريقة سمجة تذكرك بعصر الناقة والبعير . وكل حديثهم عن الحكم لا يتجاوز عدة مفردات لم يحسنوا يوما الوصول إلى الغور وفك طلاسمها وكل ما ينتجونه في هذا الخصوص كلاما معادا ومكررا عن ( السلطان الذي يزع الله فيه ما لم يزع في القرآن ) و عن (ولي الأمر الذي يتحتم عليك طاعته وإن أخذ المال وهتك العرض)!

إن الخوض في أنظمة الحكم وإدارة الدول وما يجوز وما لا يجوز وفق فتاوى وأقوال قيلت قبل آلاف السنين محاولة بائسة لن توصل إلى شيء .. كما أن الحديث عن ولي الأمر ( الفرد ) واستجلاب وسائل وآليات الخلافة قبل آلاف السنين منهج خاطئ.. حتما سيؤدي إلى نتائج خاطئة فضلا عن كونها مخالفة صريحة لآيات الله التي جعلت الأمر شورى يتولاه بعد ذلك جماعة سماهم القرآن بـ (( أولو الأمر )) هكذا نفهم الأمر ونحن نتأمل بعضا مما قاله الله عز وجل بهذا الخصوص (( وأمرهم شورى بينهم )) (( وأولو الأمر منكم )) وليس (ولي الأمر) الفرد، ( الأمر ) منوط بجماعة وليس بفرد ولا مانع أن تكون الجماعة رجالاً أو نساء أو ( مؤمنون ومؤمنات) حسب تعبير القرآن قال الله عزوجل (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) هكذا تقرر آيات الله البينات .. وهو ما يجب أن نقوم به .