السعودية..ورؤية المعارضة
بقلم/ جمال الجعبي
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
الأحد 10 فبراير-شباط 2008 05:36 م

يثير الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان الإعجاب ويصعب تجاوز ما يطرحه من آراء تتصف بالعقلانية والمنطق والحكمة في تقدير الأمور والحكم على مجريات الأحداث، وفي المقابلة الأخيرة التي أجرتها معه قناة ابوظبي،وإعادة الثوري نشرها آثار العديد من القضايا التي تحتاج إلى وقفات أمامها، وسأقف هنا أمام نقطة مهمة وردت في الحوار وهي تثير في أحيان كثيرة التباس لدى المواطن اليمني ولدى النخب السياسية في أحيان أخرى، وهي قضية تأثير الخارج على ما يجري في اليمن، ومن بين الدول المحيطة باليمن تتصدر العلاقة مع المملكة العربية السعودية أهمية خاصة لأسباب كثيرة في مقدمتها الجوار الجغرافي بما يمثله من اتصال مباشر يتأثر فيه البلدان، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية التي تأخذ منحنى متقلب وفقاً للأوضاع السياسية بين القيادات السياسية.

وتحرص الأنظمة السياسية المختلفة في اليمن على تلبس دور الضحية في المنعطفات السياسية المختلفة أمام مواطنيها، وتعبئ الثقافة الشعبية بمفاهيم وقيم تجعل الرؤية لدول الجوار ومنها المملكة تتصف بالعداء والشك، وعندما ترغب هذه الأنظمة في تحسين الأجواء مع المملكة العربية السعودية تسارع إلى تأكيد العلاقات الايجابية التي تربط البلدين، ولكنها لا تعمل على إزالة التراكمات التي خلقتها في الوعي الشعبي بانتظار إعادة استخدامها في أوقات أخرى.

ولعل الأوضاع السياسية التي كانت سائدة قبل الوحدة اليمنية في عام 1990م تمثل أرضية صالحة لهذه الممارسة من الأنظمة السياسية المختلفة، ولكن بعد الوحدة وبعد توقيع اتفاقية الحدود بين البلدين صار هذا الأسلوب غير مفهوم وغير منطقي، ويمثل أسلوب قديم يثير السخرية، ويحتاج إلى إعادة النظر فيه.

وقد جاء حديث د.ياسين سعيد نعمان في الحوار مع قناة ابوظبي الاماراتيه ليضع النقاط على الحروف ويوضح الوعي والعمق في الرؤية التي تمتلكها المعارضة في التعاطي المسئول مع قضايا الأمن القومي والعلاقات مع دول الجوار بما تمثله من عنصر هام في السياسة العامة للبلد.

ففي الحوار تحدث الدكتور ياسين عن أهمية العلاقات المتبادلة مع دول الجوار وأشار إلى ما تقدمه المملكة العربية السعودية من مساعدات لليمن، واستبعاده لأن تكون هناك محاولات للتأثير السلبي على الأوضاع الداخلية في اليمن، ومن منطلق الإدراك لأهمية الاستقرار في اليمن على دول الجوار يؤكد الدكتور ياسين على أننا " في حاجة لنبحث عن جذور مشكلتنا الداخلية دون أن نصدرها للخارج" ويضيف أن " جزء من التنمية التي تمت في اليمن خلال الأربعة العقود الماضية كانت بمساعدة من هذه الدول.من دول الخليج ومن السعودية ولا ينكر ذلك أحد..أنا طموحي كمعارض أن هذه العلاقة الإستراتيجية التي أراها ضرورية بالمنطقة بشكل عام ولليمن ولدول الخليج عليها ألا ترمي وراءها أي مشكلة تنشأ" وفي تقدير سليم للعلاقة يقول د.ياسين " من مصلحة دول الخليج أن يستقر هذا البلد ويزدهر لأنه يمثل عمقاً لها"  

بهذه الرؤية المسئولة تجاه العلاقة مع المملكة العربية السعودية وبقية دول الجوار، يؤسس القائد الاشتراكي في أحزاب اللقاء المشترك لرؤية المعارضة تجاه جميع القضايا التي تم التعاطي معها بصورة خاطئة من طرف النظام، الأمر الذي ينعكس سلبياً على الاستقرار داخل البلد، حيث تم التغطية على الأخطاء في التعامل مع الداخل بخلق وهم الخطر الخارجي، واستثارة نظرية المؤامرة التي تتربص بقرونها خلف الحدود، ويصبح الخارج هو سبب ارتفاع الأسعار، والخارج هو الذي تسبب في حرب صعده، والخارج هو الذي يقف وراء التحرك في الجنوب، والخارج هو الذي يقف وراء الفساد ونهب الأراضي وسوء الإدارة وشحة الموارد، والخارج وراء الفقر والبطالة، والخارج وراء كل شيء ناتج عن تصرفات النظام، بينما النظام يقف في خندق الدفاع عن المنجزات والمكاسب التي لا وجود لها إلا في الخطاب الإعلامي الرسمي المكرر والممجوج.

 رؤية د.ياسين في المقابلة ترفض سياسة تقمص دور الضحية التي يحرص النظام على لعبها، وإلقاء اللوم على الخارج للتخلص من مسئولية الإدارة الفاشلة للأمور، فالخارج ليس من مصلحته أن تتحول اليمن إلى بؤرة لتصدير الإرهاب والقلق وليس من مصلحة الخارج أن تفتقد اليمن للاستقرار، وليس أدل على ذلك من المساعدات التي تنهال من دول الجوار ومن خارج المنطقة العربية والتي وصلت حد بناءً المدارس والمستشفيات والمعاهد المهنية والفنية، والمشاريع الخدمية، والطرقات وومكافحة الأمراض والاوبئة والمساعدات الإنسانية وإعادة الاعمار في صعده ، وحتى إصلاح القضاء.

وإذا كان لدول الجوار دور في السعي لمساعدة اليمن على الاستقرار، فإن للمملكة العربية السعودية دور متميز يجعلها في مقدمة الدول التي تقدم المساعدات وتسعى إلى مد يد العون إلى النظام في اليمن للخروج من المآزق العديدة التي يضع نفسه فيها وتنعكس على أوضاع المواطنين، ولعل اقرب مثال على ذلك أن المملكة العربية السعودية تكاد تكون هي الدولة الأولى في حجم الدعم الذي اقره مؤتمر لندن لمساعدة اليمن في التأهل وإصلاح أوضاعها الاقتصادية، حيث بلغ نسبة ما قدمته المملكة حتى الآن 70% من حجم الأموال التي تعهدت بتقديها لليمن، إضافة إلى دعمها في مجال المشتقات النفطية والغازية،ومع ذلك لا تجد المملكة من النظام في اليمن سوى عدم الرضى بل ولا تتوانى بعض الوسائل الإعلامية عن استهداف المملكة وقيادتها دون منطق يمكن فهمه.

كان طرح د.ياسين سعيد نعمان في المقابلة متميز ومسئول ومنصف وهو الأمر الذي لا غرابة فيه.وتبقى نقطة يمكن اضافتها وتتعلق بالأمن القومي العربي وهي حقيقة ان المنطقة كلها تمر بظروف استثنائية تتجاوز العلاقة بين هذه الدولة أو تلك، وهو ما يقتضي التعامل بمسئولية نحتاجها كثيراً في اليمن!!.