إنما نحن فتنة
بقلم/ عطاء الله مهاجراني
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 27 يوماً
الإثنين 25 إبريل-نيسان 2011 01:05 م

يقول الزمخشري في تفسيره الرائع للآية القرآنية «إنما نحن فتنة»، إن الفتنة هنا تعني الابتلاء والاختبار من الله.

من الواضح أن كل شيء وكل حركة وكل فعل ينبع من الله سبحانه وتعالى. فنحن نتنفس ونتحدث ونسير، وتصبح حياتنا ممكنة بإرادته وقوته، فالحياة معتمدة على العلاقة الخاصة التي تربط بين الخالق والبشر والعالم أجمع. ومثلما يقول الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركة والآلة».

ويعرف التهانوي الفتنة على النحو التالي: «الفتنة هي ما يتبين به حال الإنسان من الخير والشر، وهي في الأصل إذابة الذهب في البوتقة بالنار ليظهر عياره»، كذا بحر المعاني في تفسير قوله تعالى «إنما نحن فتنة».

(كشاف الاصطلاحات الفنون/ تهانوي ص: 1264)

وألف عبد السلام المسدي، سفير المغرب السابق لدى السعودية، كتابا متميزا يحمل عنوان «فتنة اللغات»! وهو يعتقد أن الكلمة فتنة، كما يقول «من الناس من يفتن في ماله، ومنهم من يفتن في إيمانه، وقد يمتحن المرء في بدنه، وقد يبتلى في عقله، ولقد فتنت في كلماتي..!».. (فتنة الكلمات/ عبد السلام المسدي ص: 47).

نحن نواجه سؤالا أساسيا: ما هو امتحان الله؟ وكيف يمتحننا الله؟ يبدو لي أن أهم مجال امتحان أو فتنة هو فتنة السلطة. فهؤلاء الذين لديهم قبضة قوية، ممثلة في وسائل الإعلام (خاصة التلفزيون) والجيش وأموال طائلة، والذين يبنون السجون ويصدرون أوامرهم بالقبض على الأفراد، هم الفتنة الحقيقية.

إنه زمن عجيب وعالم غريب، يموج بحكومات وقادة أغرب. زمن يتواصل من خلاله الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر»، وأيضا رسائل البريد الإلكتروني.. يستخدمون مثل هذه المنابر في الترتيب لتجمعات واحتجاجات في الشوارع. ففي ميدان التحرير في القاهرة أو ساحة التغيير في اليمن، يمكننا سماع أصوات أناس يبكون ويصرخون مطالبين بتحقيق العدالة والحرية، وهو ما تجسد في صيحة: ارحل! إنهم فتنة! غير أن قوات الأمن التي تضرب المتظاهرين وتصيبهم وتقتلهم هي جيش الفتنة. فهم يعتقدون أنهم يقومون بالإجراء المناسب ويسيرون في الاتجاه الصحيح. الفتيان والفتيات الشباب الأبرياء فتنة، والبلطجية هم أنصار الحكومة وموالوها.

1 - حينما بدأت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، أشار الدكتور علي جمعة - المفتي العظيم - إلى الشباب باعتبارهم يثيرون الفتنة! وكتب صلاح الدين صلاح مقالا شديد الذكاء، حاول فيه أن يصف الفتنة في مصر، جاء فيه «لشيخ الأزهر والمفتي.. أقول لشيخ الأزهر ولمفتي مصر: حرام هذا الصمت، فإذا خرجتم أَثَّمتُم هؤلاء الأحرار من أبنائكم من شباب مصر الذين أثنى عليهم القاصي والداني، ثمانية ملايين يتظاهرون يوم 1 فبراير (شباط)، لا توجد حادثة واحدة، أمر مشرف جدا لكنكم تؤثمون هؤلاء الشباب، وتدَعون أن الرئيس قد لبى جميع الطلبات. الرئيس للأسف الشديد لم يلب شيئا من مطالب الشباب، ولا أبناء مصر، وإنما حرص على الكرسي إلى آخر لحظة، الرئيس يريد أن يستمر رغم كل صيحات العالم أن يرحل، من الخارج وفي الداخل».

كيف تُؤثم هؤلاء الشباب، وتعلن أن «الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها»؟!

2 - استخدم القذافي مصطلح «فتنة» بصورة متكررة ضد شعب ليبيا، لأنهم أظهروا عدم حبهم له. وقال إنه سيطهر ليبيا بأكملها «شبر شبر، بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة»، على حد قوله، للقضاء على الفتنة! وتحدث ابنه سيف الإسلام بصراحة قائلا إن كل هؤلاء الذين لا يريدون القذافي يجب أن يقتلوا.

وعلى موقع «فيس بوك»، توجد صفحة يبدو أنها منظمة من قبل بعض الجماعات المؤيدة للقذافي. وعنوان الصفحة هو «نريد سيف الإسلام القذافي معنا في مواجهة الفتنة».

3 - استخدم علي عبد الله صالح - رئيس اليمن - مصطلح «الفتنة» ضد اليمنيين بشكل متكرر. وبوصفه مفتيا عظيما، أدلى مؤخرا بفتواه ضد النساء اليمنيات. فقد تساءل عن سبب احتشاد هؤلاء النسوة في الشوارع والميادين مع الرجال.. هذا حرام! هذه فتنة!

4 - أقالت الحكومة السورية سميرة المسالمة - رئيسة تحرير جريدة «تشرين» - يوم الجمعة 9 أبريل (نيسان) بسبب مقال نشر في الصحيفة يشير إلى أن السكوت فتنة!

لم يكن مفاجئا أن تُقابَل حزمة الإجراءات الأخيرة بلغة التشكيك من بعض الأصوات المحددة، لكن ربما يفاجئك صمت بعضها الآخر الذي يثير أكثر من علامة استفهام..!! تصبح أكبر حين ينسحب الأمر على الموقف من مظاهر الفتنة.

5 - يعلم الجميع أن حكومة إيران هي التي صاغت مصطلح «فتنة» للإشارة إلى المتظاهرين الإيرانيين، ثم نعتت مير حسين موسوي ومهدي كروبي وأدانتهما بوصفهما قائدي الفتنة.

يبدو لي أن أقوال وأفعال الحكومات التي تواجه مظاهرات ضخمة متماثلة. والفتنة هي الكلمة الرئيسية التي يمكن أن نجدها بشكل متكرر في وسائل الإعلام الحكومية وفي خطب القادة. على الجانب الآخر، يمكننا أن نشهد ظهور جيل جديد يطالب بالحقوق والحرية والعدالة.

دعوني أركز على عينة بسيطة جدا. في هذه الأيام، نرى أحاديث عدة لشباب من اليمن وليبيا وسورية ومصر. ويمكنك أن تشعر بأنهم صادقون. فوجوههم تشع بالصدق والإخلاص. على الجانب الآخر، تبدو كلمات الحكام وأنصارهم مليئة بالرياء والعداء لهؤلاء الأفراد. لقد وصفوا شعوبهم بالحيوانات والحشرات واللصوص، وأيضا بأنهم عملاء لإسرائيل وأميركا. وعلى الرغم من ذلك، ففي الوقت الذي تنمق فيه الحكومات كلماتها بعناية، فإنه من السهل جدا أن نرى هويتها الحقيقية. إن عوالم الشباب غاية في البساطة. فهي كمرآة، تعكس الوجه الحقيقي لحكوماتهم. دعوني أقص عليكم حكاية قديمة مريرة. ففي دولنا، تتعرض الأجيال الجديدة للقتل بشكل متكرر على يد الأجيال القديمة. ودائما ما يميل الكذب إلى وأد الحقيقة!.. والنفاق والرياء إلى قتل الصدق والإخلاص. وتنفق الحكومات أموالا طائلة من أجل تحسين صورتها وإخفاء وجهها الحقيقي، إلا أنه بإمكاننا أن نرى هويتها الحقيقية، كما يقول «نزار قباني»:

«خلاصة القضية

توجز في عبارة

لقد لبسنا قشرة الحضارة

والروح جاهلية».

بدأ القضاة في الظهور على الساحة بالفعل أو سرعان ما سيظهرون! وسيحددون كلا من مصدر الفتنة وضحاياها. حينها، يمكننا أن ندرك من كان حامل راية الحقيقة، ومن كان حامل راية الكذب. الأجيال الجديدة تتحدث عن دمائها وجروحها. وعلى الجانب الآخر، يتحدث الحكام من خلال قذائف مدفعيتهم. إذن، أي صوت هو صوت الفتنة؟!

*الشرق الاوسط