الرئيس العربي الأوفر حظاً
بقلم/ أمل عبد العزيز الهزاني
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 28 يوماً
الجمعة 29 إبريل-نيسان 2011 06:01 م

كل الظروف والأسباب التي دعت إلى قيام الثورات في تونس ومصر وليبيا موجودة في اليمن، ومع ذلك استطاع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن ينفذ بجلده من الملاحقة القضائية بكل نتائجها المتوقعة من نفي أو حبس أو تجميد حسابات بنكية.

الرئيس اليمني هو الرئيس العربي الأوفر حظا بلا منازع، ولو كان للحظ جائزة فستكون من نصيبه بكل تأكيد. ولكن من أين له مغناطيس الحظ الذي جعله يسلم من براثن أسود ساحة التغيير؟

حظه الكبير منحته إياه الجغرافيا، مجاورته لدول الخليج العربي وبالأخص السعودية أعطته حصانة ضمنية ضد الانقضاض عليه من المحتجين، صحيح أن السعودية وشقيقاتها من دول الخليج عادة ما يسارعون إلى طرح مبادرات لحل الخلافات التي قد تنشب في أو بين الدول العربية، ولكن في اليمن الوضع أكثر حساسية.

الرئيس اليمني الذي يفتح رجاله النيران على المتظاهرين منذ منتصف مارس (آذار) الماضي لم يكن بذلك يوجه رسائل للمعارضين الذين يزدريهم وينعتهم بقطّاع الطرق، بل لدول الخليج وبالأخص السعودية، استعراضا للقوة وممارسة للضغط، لحقها دعوته لمناصريه بالخروج في مظاهرة مليونية تشرح حجم نفوذه وشعبيته أمام السعودية والولايات المتحدة الأميركية، رغم ما قيل عن شرائه لقيمة خروج كل شاب في المظاهرة.

منذ وصول الرئيس اليمني إلى سدة الحكم قبل 32 عاما وهو يرفع أمام دول الخليج لوحة كتب عليها: «احذروا حربا أهلية يمنية»، كلما ضيّق عليه الجنوبيون الخناق، رغم أنه هو من نزع حق المواطنة من أهل الجنوب عمدا بإصرار وترصد، حتى أصبحت الحرب الأهلية اليمنية هاجسا لدول الخليج، وهمّا مقلقا لهم أكثر منه، وتجرأ أن يحذر من تحول اليمن إلى صومال آخر إن هو ترك السلطة، أي أن تكون مرتعا للإرهابيين. كيف يحكم الرئيس ثلاثة عقود بلا شريك أو منافس ويخرج بعد هذه المدة ليقول إن البلد مهدد أن يصبح صومالا آخر؟ ما الذي كان يفعله طوال هذه السنوات ليترك اليمن واهنا من جراء الحرب والفقر والفساد ومهددا بالإرهاب ومزيد من الحروب؟

حتى اتهامه للمعارضة بالانقلاب على الشرعية الدستورية حينما طالبوا بتنحيته فيه كثير من المغالطات وتحريف للحقائق، لأن الرئيس هو من ينقلب على الدستور منذ عشرين عاما حينما حرم جزءا حيويا من التركيبة السكانية من حقوقهم الطبيعية التي كفلها الدستور. وآخر خروقاته الدستورية كان نهاية عام 2010 حيث أوشك مجلس النواب الذي يديره رفاقه على تصفير عداد المدة الرئاسية وجعلها هبة له مدى الحياة، لولا أن أدرك الفرج اليمنيين من تونس حينما ثار الشارع التونسي وطرد زين العابدين بن علي، فخرج صالح مهرولا فزعا ليعلن تجميد مشروع التعديل الدستوري.

في كل مرة يرتكب الفتى المشاغب خطأ، تسارع السعودية لتقويمه حفاظا على أمن المنطقة، حتى سماحه للتنظيمات المسلحة من الحوثيين و«القاعدة» من الانتشار والاستيطان في المرتفعات اليمنية من خلال عدم جديته في محاربتها وكسر شوكتها كان لجعل هذه التنظيمات كالدجاجة التي تبيض له ذهبا، حيث قدم السعوديون أموالا طائلة لتعزيز قدرات الجيش اليمني بهدف محاربة الإرهاب، بل وقدموا أرواحهم كما في الحرب الأخيرة على الحوثيين، رغم أن الرياض لم تكن راضية عن أسلوب إدارة صالح للتهديدات الأمنية.

اليمن تحول بالفعل إلى عبء ثقيل على الخليجيين بسبب قيادته، فصار محسوبا عليهم رغم أنه ليس عضوا في مجلس التعاون الخليجي، ولكن الجغرافيا التي حرمت اليمن من عضوية المجلس منحته باليد الأخرى الدعم والمعونة في الحرب والسلم.

علي عبد الله صالح يقتل اليمنيين على مرأى من كاميرات التلفزة منذ أكثر من شهر، ويتهمه المحتجون بالفساد واستغلال النفوذ ونشر الفقر والأمية وجعل الوضع الأمني رخوا سهل الاختراق من الجماعات المسلحة، وقام مؤخرا بالمساومة على سلامة المواطنين واستقرارهم من أجل نجاته، ومع ذلك سيخرج مبتسما من القصر الرئاسي إلى بيته في صنعاء وليس هربا خارجها، وسيستمر حزبه الحاكم شريكا في الحكم ولن يحل، والأهم من ذلك أنه سيقضي بقية حياته محميا من الملاحقة القضائية ومستمتعا بأمواله، وصاحب تأثير على زملائه الممثلين لحزبه في الحكومة والبرلمان. كسب صالح نفسه، وكسب اليمن خيارات أفضل. هذه نهاية سعيدة يحسده عليها رؤساء الدول الذين قضت الثورات العربية على سطوتهم في تونس ومصر وليبيا. على الأقل أصبح مفهوما الآن لماذا سمي اليمن السعيد؛ لأن حقا من جاور السعيد يسعد.

*اكاديمية سعودية

*الشرق الاوسط