القصة الكاملة لمحرقة تعز البشعة
بقلم/ طارق فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 13 يونيو-حزيران 2011 07:11 م

(نيرون) يظهر من جديد... ويضرب (تعز) بيدٍ من حديد !

شهد التاريخ الإنساني ظهور العديد من الشخصيات المهووسة بالجريمة والمتعطشة للدم في كل زمان ومكان ، ولا شك أن تلك الشخصيات بقدر ما اكتسبته من شهرة فإنها تنال من (لعنات) خلق الله الكثير والكثير ، والمؤكد أيضاً أن تلك الشخصيات مهما أوغلت في الجريمة ومهما شربت من دماء فإن نهايتها دائماً ما تكون مخزية ، وأن مصيرها هو تحت أقدام أصحاب الحق مهما طالت مدة ظلمهم ومهما طال مدة صبر الناس عليهم !.

(نيرون) روما يشعل النيران :

يعتبر الطاغية (نيرون) صاحب (محرقة روما) الشهيرة أحد شخصيات قائمة مجرمي التاريخ ، فهذا الرجل الذي كان الملك الخامس وآخر إمبراطور للملكة الرومانية من السلالة (اليوليوكلودية) تشرَّب (الجريمة) منذ نعومة أظافره ، حيث أن فترة حكمه شهدت الكثير من الجرائم (المهولة) والتي كانت على رأسها جرائم الاغتيالات المتواصلة والتي كان أبرز ضحاياها (أمه) التي حملته وأرضعته ، ولما كبر حاول اغتيالها بإغراقها في البحر – كما تقول مراجع التاريخ - وعندما نجت من محاولة الاغتيال هذه أمر جنوده بالهجوم عليها إلى غرفتها وتمزيق جسدها بالسيوف وإحراق جثتها ، وتم تنفيذ الأمر على أكمل وجه !.

وقد دخل (نيرون) قائمة التاريخ في صفحته الإجرامية (السوداء) من أوسع الأبواب بعد جريمته الكبرى والتي تمثلت في قيامه بإحراق مدينة (روما) التي كانت تحت سيطرته سنة 64 م بسبب رغبته في إعادة بنائها بالشكل الذي يتماشى مع مزاجه الشخصي ، وعندما شبَّ (الحريق) الذي استمر لمدة أسبوع بأكمله ، وبينما الآلاف المؤلفة تحترق صعد نيرون إلى قمة برج مرتفع وقعد يتسلى بمنظر النيران ويتلذذ بأصوات الاستغاثة التي يطلقها أبناء شعبه ، وفوق كل هذا جلس يغني حاملاً بيده آلة الطرب في دلالة على مدى استمتاعه بما يحصل ، وفي الأخير كانت قائمة الموت تشير إلى احتراق وتفحم جثث الآلاف من سكان روما ، وعندما اتجهت أصابع الاتهام إليه حاول أن يصرف الأنظار عن شخصه كعادة المجرمين ، فاتهم أبناء الطائفة المسيحية بتدبير الحريق وأعمل فيهم القتل والانتهاك المتواصل على مدى سنوات عده لم تنتهي إلا بانتحاره عام 68 م أو بتقطيعه بالسيوف والخناجر من قبل أبناء الشعب كما هو في رواية تاريخية أخرى ، وكيفما كانت النهاية فإنها واحدة ، وهي نهاية الخزي والعار !.

وما زال ذكر اسم (نيرون) على أي لسان يُشعر الجسد بالقشعريرة والاشمئزاز في كل مكان حتى الآن ، ولكن ما لا يتصوره أحد أن يظهر أمثال (نيرون) في الأيام الحالية ، ويظهر في بلد عربي وإسلامي ، وأين ...في بلد الإيمان والحكمة التي لطالما اشتهرت بحكمتها وعدم لجوئها للعنف وقوة العلاقات بين أبناءها وتآلفها وأخوتها على مدار التاريخ !.

ولكن ، لأن أقدار الله جعلت هذا الشعب العظيم يسكت عن الظلم والاستبداد والفساد طيلة 33 عاماً ، ولأن الله يريد أن يكشف الصورة الحقيقة للحاكم العربي الذي يدعي حرصه على الوطن وليس على الكرسي ، حرصه على الشعب وليس على المنصب ، لذلك كله خرج (نيرون) اليمن ليهدد بالحرب الأهلية ، وليدعو الجميع إلى معاودة الخضوع والركوع له ، وهدد بإدخال اليمن في دوامة حرب لن تنتهي أبداً .

وفي أكثر خطوات (نيرون) اليمن بشاعة بعد أن سبقتها الكثير من الخطوات نذكر منها العديد من المحطات التي نذكر أهمها ، حيث يبرز مسلسل الاغتيالات المتواصل للكثير من الشخصيات التي شكلت خطراً على نظام الفساد اليمني ، ومسلسل إهدار المال العام اليمني بمختلف الصور والأشكال والمسميات ، ومسلسل الفساد والاستبداد الذي عمل (نيرون) اليمن على نشره في كل مؤسسات البلد ، ومسلسل النهب والسلب لجميع حقوق أبناء الشعب وخاصة ما يتعلق بنهب أراضي وثروات الجنوب ، ومسلسل الحروب المتواصلة التي شنها (نيرون) على الجميع حيث تبرز حروب صعده الستة التي نعلم ما كانت نتيجتها ، أضف إلى ذلك أن ذاك الـ(نيرون) سمح لقوات خارجية بقصف أبناء شعبه بكل همجية ، وكل هذا ما هو إلا (غيض) من (فيض) جرائم (نيرون) اليمني الذي تفوق في نشر (محارقه) في كل أنحاء بلده في مقابل أن (نيرون) الشهير أحرق (روما) فقط !.

وعندما يشعر الطاغية دائماً باقتراب موعد رحيله ودنو أجله سرعان ما يسارع إلى استخدام كل الأوراق التي يظن أنها ستحميه من غضب الشعب ، فلجأ (نيرون) عبدالله صالح إلى استخدام ورقة (العنف) ورمى بتلك الورقة على تلك الصدور العارية ا لتي خرجت تنادي برحيله ، وتنادي بوجود دولة مدنية تضمن لجميع الناس حقوقهم في العيش بحياة كريمة آمنة مستقرة بعيداً عن إجرام المجرمين وفساد المفسدين ، لذلك كانت أكثر محطات القتل والإجرام بشاعة هي تلك التي جرت في جمعة (الكرامة) في صنعاء ، وخرج فيها (نيرون) ليعلن الحداد على أرواح الشهداء رغم قوله أنهم (مخربين) في تناقض رهيب يدل على نفسية المستبد المضطربة ، ولتستمر بعد ذلك جرائم النظام (الصالحي) في كل المحافظات ، وجاءت حادثة تفجير مصنع الذخيرة في أبين والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء والذين لم يكن لهم من ذنب سوى ذنب سكوتهم لأمد طويل عن حاكم جائر استمرأ الغدر والخيانة طوال حياته ، وتواصلت حلقات مسلسل العنف (النيروني) ضد أبناء شعبه من خلال قتل المتظاهرين أمام مبنى محافظة تعز وكذلك الهجوم على المعتصمين في الحديدة والبيضاء وعدن ، والكثير والكثير من حلقات مسلسل لم تنتهي حلقاته على خير !.

(نيرون) يظهر على حقيقته ويحرق (تعز) :

أما ما حصل في مدينة تعز يوم الأحد الفائت فقد كان الجريمة الأكثر بشاعة ربما في تاريخ اليمن الحديث ، فما أقدمت عليه قوات (نيرون) اليمن وبأوامر شخصية منه ، وبإشراف من مدير أمن تعز المدعو (عبدالله قيران) والذي أثبت مدى وضاعته وخساسته في أكثر من موقف ، كل ذلك إنما يمثل قمة الانتهاك للحقوق القانونية التي نص عليها الدستور والقانون في حق التظاهر والاعتصام وإبداء الرأي لكل الشباب ، أضف إلى ذلك توجيه صالح لأجهزة الأمن بحماية المعتصمين ، فهل هذه هي الحماية التي أمر بها صالح ، وأنا أدرك بأن هذه هي الحماية التي كان ينادي بها صالح ، فعندما يقول صالح كلمة فتأكد أنه يريد بها العكس ، فإذا قال الحماية فإنها الاقتحام والقتل ، لذا فقد فهمها (قيران) وهي طايرة ، ونفذ الحماية (النيرونية الصالحية) على أكمل وجه !.

بداية الحكاية المدبرة من القصر :

بدأت الحكاية باعتقال قوات الأمن لمجموعة من الشباب صباح يوم الأحد ، وعندما خرجت جموع من الشباب إلى أمام مديرية (القاهرة) المجاورة للساحة للمطالبة بالإفراج عن اخوانهم بدأ مسلسل العنف الدامي ، ولأن الخطة جاهزة ومدبره من قبل أيام وربما أسابيع وشهور فقد كان سطح مبنى المديرية ممتلئ بالكثير من جنود الأمن وأضعافهم من (البلاطجة) المأجورين ، وباشر هؤلاء المأجورين ورجال (الخوف) بإطلاق الرصاص الحي على الشباب العُزل ، وقد كانت البداية بقيادة مدير أمن مديرية القاهرة والذي كان أحد (جزاري) مجزرة تعز وهو المدعو أحمد عبده سيف والذي كان يطلق النار شخصياً وشوهد أكثر من مرة ، والنتيجة الكثير من الاصابات المباشرة في صدور الشباب السلميين ، وعندما كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء بدأت محاولات اقتحام الساحة بكل الآليات ، ولكن وقوف الشباب في وجه قوات (الخوف) وبلاطجة الصالح حال دون ذلك ، مما اضطرهم إلى مواجهة قوة الإرادة بقوة السلاح ، فكان الرصاص الحي ينهمر على الشباب وصدورهم العارية من كل حدب وصوب ومن جميع أنواع الأسلحة بمختلف بمسمياتها ، فتوالت الساعات وتكاثر مقدار القوة المستخدمة ، وتقاطرت قنابل الغاز والقنابل السامة بكثافة إلى المدخل الشرقي للساحة ، حينها كان الوضع ينذر بكارثة قادمة!.

هدوءٌ يسبق عاصفة الجريمة المدبرة :

بعد تواصل محاولات الأمن والبلاطجة لاقتحام الساحة في مقابل الصمود الأسطوري الذي أبداه الشباب خاصة إذا عرفنا أن المواجهات بدأت من بعد العصر واستمرت حتى ساعات فجر اليوم الثاني ، حيث فشلت هذه القوات في التقدم في مسافة قصيرة تمتد بين مدخل الساحة جوار بنك التسليف الزراعي ومستشفى الصفوة وتلك المسافة لا تتجاوز (150) متراً ، لذا بعد كل هذا شهدت الساعة 11 والنصف هدوءاً نسبياً حيث تراجعت قوات الأمن إلى الخلف عدة خطوات وأوهمت الشباب أنها ستعود من حيث أتت بحيث أن الشباب لا يخرجون عن إطار الساحة ، وفعلاً اقترب الشباب من رجال الأمن وبدؤوا بالكلام معهم ، وأوهمهم رجال الأمن الأشاوس والأذكياء جداً – الأغبياء المتذاكون - أنهم يريدون الخير للوطن وأنهم مناصرون للثورة السلمية وغير ذلك من الكلام المعسول ، وكل ذلك لم يكن في الحقيقة إلا انتظاراً للمدد القادم الذي أرسله (عبدالله قيران) مدير (خوف) تعز ، وعندما وصل المدد بقيادة مراد العوبلي قائد الحرس الجمهوري وجبران الحاشدي وكذلك قوات اللواء (33) حرس جمهوري والذي جاء بكل سلاحه إضافة إلى كميات من الديزل كانت معدة لعملية إحراق الساحة بمن فيها ، حيث تشاركت قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والشرطة العسكرية والأمن العام في الجريمة ، وبعد فترة الهدوء هذه والتي امتدت لقرابة نصف ساعة وعندما وصلت الإمدادت ، نقض (بنو قريضة) عهدهم مع الشباب العزل ، وفي صورة وحشية لن تفارق مخيلتي بدأ مسلسل العنف الأكبر ، وأي عنف ، عنف لم يسبق له مثيل !.

(أمطار) الرصاص و(أنهار) الدم التي سالت :

بعد نقض قوات الأمن لوعودها بالانسحاب تقدمت تلك القوات بصورة همجية بحيث استعملت كل ما يدور بخواطر (المجرمين) من آلات ومعدات ، حيث كانت أصوات الرصاص تصم الأذان ، فكانت طلقات الرصاص تحيل (هدوء) الليل إلى (ضوضاء) مفزعة ، وبحيث اهتزت تعز كلها لقوة وكثافة إطلاق النار على الصدور العارية التي تساقطت وتسابقت على التصدي لمحاولة اقتحام ساحة (حريتهم) التي شعروا فيها أنهم أحرار بعد أن عاشوا كعبيد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، وكلما كانت الرصاصات تخترق القلوب وتُحرق الصدور كانت قوات (الخوف) تزيد منها وتطلقها بكثافة شديدة ، أضف إلى ذلك سلاحهم اللعين المتمثل في الغاز السام الذي جعلني – أنا وغيري من المتواجدين في الساحة - أتمنى أكثر من مرة الموت بالرصاص في مقابل التعرض لذاك الغاز السام والمحرم دولياً ، وتواصلت محاولات الدخول الى الساحة إلى قرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل في مقابل صمود أسطوري لا يستطيع أحد أن يصفه من قبل الشباب في الذود عن ساحتهم ووطنهم الجميل الذي بدأ يتكون من تلك الساحة وأمثالها من الساحات ، ولكن كانت كل الأحلام بوجود دولة حقيقة وبوطن جميل تطير في الهواء في مقابل العنف (الصهيوني) البشع الذي أقدمت عليه قوات الأمن وبلاطجة صالح ، فكل الألفاظ لا تكفي لتصف ما حصل في تعز ، ولكن لتتحمل تعز فهي من (أجرمت) في حق هذا الوطن بسماحها لصالح بالصعود إلى كرسي الحكم منها ، وعليها أن تدفع ثمن انتفاضة اليمن التي كانت أول من أشعل فتيلها !.

(المحرقة) وضحكات (نيرون) في القصر :

وعندما دخلت قوات الأمن وبلاطجة صالح إلى الساحة بدؤوا في إحراق الخيام المجاورة للمدخل الشرقي قرب مبنى بنك التسليف الزراعي ، وانتشرت ألسنة اللهب في الهواء والتي لم تقل حقداً من ألسنة اللهب التي كانت تشتعل في قلوب أعداء الوطن والذين كانوا يرون حلمهم بتمزيق الوطن واندلاع الحرب الأهلية كانوا يرونه ورياح الثورة السلمية تذروه في الهواء ، وعندما انتشرت النيران في المدخل الشرقي من الساحة بأكمله في مقابل تكبيرات جموع الناس وصلت قوات الأمن إلى أمام مستشفى الصفوة ، وهناك كانت تقف وجهاً لوجه أمام الصدور العارية وبمسافات قصيرة جداً ، ولأن الإجرام لا يرحم أحداً فقد وجه (العسكر) أسلحتهم إلى تلك الصدور ليسقط حينها عشرات الجثث حيث تفجرت الرؤوس وتطايرت الأشلاء وكأننا في البوسنة ونواجه جرائم (الصرب) !.

وبعد محاولات الشباب منع إحراق بقية الخيام وفي مقابل العنف الأمني الغير مسبوق والذي كان بتوجيهات عليا من (نيرون) الذي كان بدون شك يجلس في قصره ضاحكاً وفرحاً و(متشفياً) بأبناء تعز لأنهم كانوا أول من خرج إلى الساحات ونادى بالنشيد الخالد : إرحل...الشعب يريد إسقاط النظام ، واليوم يُضاف إلى ذلك النشيد : الشعب يريد محاكمة السفاح ، وبعد كل ذلك استطاعت القوات الأمنية بمختلف عتادها من السيطرة على الساحة وبدأت بإحراق الخيام في مختلف الجهات والمداخل بعد سلب محتوياتها من تلفزيونات ورسيفرات وأجهزة كمبيوتر محمولة ، وارتفعت ألسنة اللهب بكثافة من مختلف الجهات ، وكانت المحرقة تُدار من (فووووق) من هناك من القصر الرئاسي وبتنفيذ وإشراف عبدالله قيران !.

علي (نيرون) وعصابة الأربعين حرامي :

 وبعد ذلك عمدت قوات الخوف إلى التوجه إلى فندق ساحة الحرية (فندق المجيدي سابقاً) وبدأت في سلبه ونهبه بعد أن كانت قد امطرته برصاص الرشاشات من الخارج ، ونهب بلاطجة صالح كل محتويات الفندق وخاصة غُرف (اللجنة الإعلامية) ومحتوياتها من كمبيوترات وكاميرات وغيرها ، إضافة إلى غرف وسائل الإعلام سواء الداخلية كسهيل التي استولى البلاطجة على محتوياتها وتم احراقها بالكامل أو غرف القنوات الأخرى كالعربية والبي بي سي وجميع غرف الإعلاميين والصحفيين ، وبعد الانتهاء من عمليات السلب والنهب قامت مجاميع من أولئك البلاطجة بإحراق الفندق بأكمله ، وقد كانت التهمة أن ذلك الفندق كان يحتضن صُناع الكلمة وأرباب الأقلام من إعلاميين ومراسلين وصحفيين .

وعندما كانت مجموعة من البلاطجة تنهب الفندق وتحرقه ، كانت قوات الأمن ترفقهم مجموعة أخرى من البلاطجة يقتحمون مستشفى (الصفوة) الخاص والذي يقع داخل الساحة والذي كان يحتضن عشرات المصابين في حوادث الرصاص الحي ، وفور دخولهم من بوابة المستشفى باشر الجند والبلاطجة إطلاق الرصاص الكثيف على غرفة الصيدلة وبعدها الإدارة ومن ثم بقية الغرف الإدارية في الطابق الأول والذي عبثوا بمحتوياته ونهبوا وسلبوا كل ما استطاعوا من أجهزة ومعدات وخزينة ، ووصل بهم الحقد إلى أنهم عندما لم يستطيعوا نهب جهاز الكشف الطبقي المحوري وذلك لكبر حجمه أقدموا على الانتقام منه بإطلاق عشرات الرصاصات عليه لتعطيله والانتقام منه لأنه كان يصور كيف تكسرت (العظام) وكيف تفتت (الجماجم) وكيف تمزقت (الصدور) وكيف توقفت (القلوب) عن النبض جراء جرائمهم ، مع العلم أن ذلك الجهاز تصل قيمته إلى عشرات الملايين ، وبعد كل هذا صعد رجال الأمن (الأشاوس) وبلاطجتهم إلى الدور الثاني الذي فيه العيادات وغرف الرقود ليسطروا مواقف دموية بشعة من خلال أخذ الجرحى بكل عنجهية ، وفك (المغذيات) من على أوردتهم بكل عنف مع سيل من الدماء المنهمر من تلك الأوردة الضعيفة والتي لم يكفها نزيف الدم في الساحة بعد اطلاق الرصاص عليهم ، ويتحدث عدد من المرضى الذين كانوا بجوار جرحى الثورة عن مواقف تقشعر لها الأبدان ، حيث كان (العسكر) يثبتوا (شطارتهم) من خلال فكَّ العمليات الاسعافية التي أجراها الأطباء للجرحى ، وليستمر (العسكر) في وحشيتهم من خلال الضغط على الجرحى وضربهم والاعتداء عليهم في الأماكن التي أصيبوا فيها وإجبارهم على ترديد كلمة (مالنا إلا علي) وفعلاً قالها البعض متذكرين قوله تعالى (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فقد صارت مناصرة الظَلَمة كفراً وظلماً لبقية الناس ، وبعد كل هذا أتت ناقلة جند مكشوفة وبدأ (العسكر) بإخراج الجرحى ورميهم إلى تلك الناقلة بطريقة وحشية لم نرها حتى في فلسطين وهم يتعاملون مع صهاينة ، ولم ينفع معهم استغاثات الممرضات وبكاء المريضات ونداء الأطباء بإخراجهم ولكن برفق ، حيث تكدست أجساد الجرحى فوق بعضها البعض ، وذهبت تلك الناقلة إلى المجهول بعد أن حملت على ظهرها أكثر من 60 مصاباً وجريحاً بعضهم في حالات حرجة !. 

بعد ذلك اتجه (الجزارون) إلى المستشفى الميداني وهو عبارة عن مسجد تم استخدامه ليكون مستشفى لعلاج الجرحى ، وعندما دخلوا وهم ينتعلون تلك (البيادات) المهترئة التي لا تقل قذارة عن (وجوههم) اللعينة لم يبالوا بقداسة المسجد الذي بدؤوا بإطلاق الرصاص على كل جوانبه تشفياً وحقداً ، وأخرجوا كل الأطباء وأخذوهم إلى مكان مجهول ، وبدؤوا بإخراج المرضى والجرحى إلى الشارع كي يتسنى لهم عملية النهب والسلب ، كل هذا وهم يرددون كما أكد عدد من شهود العيان : فيد فيد ، وتم العبث بمحتويات المستشفى ونهب كل الأجهزة والمعدات فيه ، وتم نهب مخزن الأدوية التي شوهد صباح اليوم التالي جنود من الحرس الجمهوري وهم يبيعونها لصيدليات في المدينة بأرخص الأثمان ، وكما يقال بيعة سارق ، أما هذا فسارق ومبهرر ... وقاتل أيضأ !.

وعلى ذكر بيعة السارق قام أحد أفراد الأمن المركزي ببيع لاب توب تفوق قيمته 150 ألف ريال بمبلغ 5 ألف ريال ، وأعتقد أن ذاك الجندي لم يعرف ما هو ذاك الشيء الذي في يده ، وكان يظنه من قطع السلاح التي قالت (الفاضية) اليمنية ان عددها كان ثمانية آلاف قطعة وأنها كانت تتكدس في غرف الفندق المجاور للساحة والذي تم إحراقه ظلماً وعدواناً فحاول التخلص منه بأسرع وقت ، فأولئك (العسكر) ما زالوا يعيشون في العصور المتخلفة ولم يسمعوا عن شيء اسمه (كمبيوتر) وعن شيء اسمه (انترنت) ولم يعرفوا أن هناك شيء اسمه (فيس بوك) هو من أسقط أمماً لطالما شك أبناءها في تحررهم من حكامهم بعد عشرات السنين !.

جرائم لم نشهد لها مثيل :

ما حدث من عملية إحراق خيام المعاقين وهم بداخلها ، حيث تفحمت جثثهم ، إذ يقول شهود عيان أن هناك أكثر من 17 جثة متفحمة أغلبيتها تعود لمعاقين ، وتم جرف تلك الجثث بالجرافات كما هو الحال مع بعض جثث الشهداء والتي داستها المدرعات والآليات العسكرية في مشاهد وحشية يمكن أن تثير دموع (شارون) لو كان حياً ويتابع فضائيات الأخبار !.

أضف إلى ذلك عملية احراق المصحف الشريف الذي شاهدتُ شخصياً نسخاً منه تم احراقها في أكثر خيمة ، مما جعلني أشك ، هل من اقتحم الساحة لديه ذرة إيمان أو إسلام ، ألم يسلم المصحف الشريف من أذاهم ، لا بد أن شخصاً ما أخبرهم بأن في ذاك المصحف آية (ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً) لذا سارعوا إلى إحراقه كي لا يشهد عليهم متناسين أن هناك مصاحف في الصدور لا تحرقها الرصاصات الحارقة ولا القنابل السامة ، ولا يضيرها أي شيء ما دام أن الله قد تعهد بحفظها ورعايتها !.

إذن ، خلاصة يوم الأحد ، أكثر من 100 شهيد رغم أن الأمم المتحدة قالت أنهم أكثر من 50 وهم في الحقيقة ضعف هذا الرقم ، وقرابة 150 مصاب بالرصاص الحي ، وأكثر من 1200 مصاب بحالة اختناق نتيجة الغاز السام ، وقرابة 300 من المختطفين والمعتقلين ، والكثير والكثير مما لم يتضح بعد حتى الآن !.

أما يوم الثلاثاء وخلال مسيرات الغضب المليونية والتي راح ضحيتها أكثر من 11 شهيداً فقد كانت هناك جريمة لا أظن أن هناك يمني غيور يمكن أن يصمت حيالها ، ألا وهي جريمة التحرش الجنسي بنساء تعز الحرائر ، واللاتي رفضن أن يصمتن عندما صمت الكثير من (الذكور) ولن نقول الرجال ، وخرجن ليهتفن بصوتهن كما دائما : إرحل ، غير مباليات بالقوة العسكرية الهائلة التي ذهبت لتفريق مسيرتهن ، عندها لبس بعض (البلاطجة) ألبسة نسائية ودخلوا للاعتداء على حرائر تعز ، حيث تعرضن للمضايقات الجسدية كما قالت الناشطة بشرى المقطري في حديثها للجزيرة وكما تظهر مقاطع الفيديو من خلال نزع خمارات بعضهن ونزع عباءات البعض ، والتهديد العلني والصريح باغتصابهن في حال تكرار خروجهن ، ومحاصرة بعضهن في المنازل والمساجد التي التجأن اليها لأكثر من 5 ساعات في جريمة يهتز لها كل صاحب ضمير وشرف ونخوة وغيرة وعزة وكرامة ورجولة وإباء ، بل وتم إطلاق الرصاص الحي ومن معدل رشاش 12-7 وإصابة إحدى الحرائر إصابة بليغة ، فأين هم رجال اليمن الأحرار ، أين الغيرة والشرف يا أبناء أرض المدد ؟!.

في الأخير ، لقد عاشت تعز ولا زالت تعيش أياماً لم تشهد لها مثيل ، حيث خرج (نيرون) من قبره ليطل علينا بطلته (الإجرامية) ليحول تعز إلى مقبرة جماعية ، ولكنه تصور أنه بفعلته تلك سيمحو الثورة ، تصور أنه قد اقتلع الساحة من جذورها ، ولم يدرك أن تعز كلها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها أصبحت ساحة حرية ، ظن أنه بإحراقه الساحة قد أحرق الثورة ، غير مدرك أنه قد أشعل (ثورات) في القلوب و(انتفاضات) في الأرواح لن تهدأ إلا بعد أن يحاكم (الجزارين) على أفعالهم البغيضة ، نسي أنها تعز بنت اليمن الأبية ، نسي قاهرة المعز ، نسي شارع التحرير وميدان الحرية ، نسي أنها الحالمة التي إذا غضبت أفزعت الجميع ، وإذا أرادت فلا يوجد من يقف أمامها ، باختصار ..نسي أنها تعز !!.