الساعات الأخيرة في حياة صالح
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 13 سنة و 4 أسابيع و يوم واحد
الثلاثاء 25 أكتوبر-تشرين الأول 2011 10:55 ص

تعمل المعارضة بجدية عالية وهمة منقطعة النظير, وهي تجوب عواصم الدول العربية والغربية بحثاً عن تأييد دولي لعدالة القضية التي خرج اليمنيون من اجلها قبل مايزيد على تسعة شهور, المعارضة أدركت جيداً أهمية الانفتاح على الخارج بعد أن صار الداخل مقتنع بالتغيير كضرورة بشرية تضمن لليمن سلامة جمهوريته من التشظي العائلي تحت رداء جمهوري.

لم يعد يثق احد بان صالح هو اللاعب الأساسي في معادلة اليمن الجريح فهو ليس سواء الحلقة الأضعف حالياً على أهم الأصعدة خصوصاً الصعيد السياسي والإعلامي, وأصبح معزولاً سياسياً بعد أن فقد أهم أدبيات وقواعد اللعبة السياسية, وانجر إلى الانزلاق في مستنقع الدم, واتهام حرائر اليمن بالاختلاط.

كل ماعاد يمتلكه صالح هو مجموعة من المداف, وترسانه من الأسلحة التي حازها من الولايات المتحدة الأمريكية والخاصة بمكافحة الإرهاب, وشلة من المرتزقة الذين كسبوا حفنة من الريالات وفقدوا شرف الانتماء إلى ثورة الشباب العظيمة في أهدافها ووسائلها, ولطخوا مستقبلهم الدنيوي والأخروي بعار التبعية لظالم لم يتورع عن ظلمه طيلة ثلاثة عقود من العمر.

الأيام الحالية التي يعيشها \" صالح \" أيام لايحسد عليها فهي ليست إلا أيام الشقاء والهم, أيام الحيرة والتخبط, أيام تنغصها كوابيس بن علي ومحاكمة مبارك ومصير القذافي, والتفكير في مستقبل لايقل سواء عن مامر به الزعماء الثلاثة المخلوعين بقوة إرادة شعوبهم.

كانت مكالمة \" صالح \" التي التقطتها تسجيلات الفرقة الأولى مدرع – الجيش المؤيد للثورة – كانت تلك المكالمة دليل على فقدان الثقة بالنفس والمحيط, تشم من عباراتها رائحة الإجرام والبطش بكل فئات المجتمع نساءاً ورجالاً أطفالاً وشيوخاً, فالرجل لم يعد يهمه شيء وحتى أبطال الحرس الجمهوري والأمن المركزي لم يبد صالح حرصاً على حياتهم, بل يريد أن يضحي بهم في سبيل أشفاء غليله العليل, فهم في الأخير ليسوا أبنائه ولا أبناء أخيه, هم في نظر صالح متمردون بحكم البيئة التي خرج منها ملايين اليمنيين الذين يطالبون برحيله.

\" انا ومن بعدي الطوفان \" أو على غرار المثل الشعبي \" إذا قدك رايح كثر فضايح \" بهذه العقلية يريد صالح أن ينهي حكمه العضوض الذي استمر طيلة 33 عاماً, فهو لم يعد يسمع اليوم حتى من اشد الناس حباً له – وما اقلهم – عبارات المدح والثناء, ومفردات التمجيد والتبجيل, منذ تسعة أشهر تقريباً فارقته نغمة \" فارس العرب \" واختفت من شعارات مؤيديه \" مالنا إلا علي \" وأصبحت سيمفونية \" ابن اليمن البار \" حلم لايقراءه صالح إلا في صفحات الماضي الذي يتمنى عودته , وجماهير السبعين التي كانت ترفع لافتات تحمل صورة صالح مذيلة بعبارة \" باني نهضة اليمن الحديث \" تخلت بقصد او بدون قصد عن هذا الشعار, وأصبح حضورها منحصراً على البحث عن مجموعة من الريالات, فالحرية والوطن لاتعني شيء لبطن جائع.

الله كم هي الحياة قاسية عند أن تتبدل الأسماء والمسميات وتأبى الحقيقة المرة إلا أن تطل برأسها, كم هو الثمن فادحاً عند أن يخون الإنسان الوطن ويفرط في السيادة وينظر بسخرية إلى من هم دونه, ويصل إلى مرحلة البغي الفرعوني \" ما اريك مالا ما ارى \", تباً لها من حياة تخلوا من مراقبة الذات, وفقدان الضمير.

عُدت قبل أيام إلى ذاكرتي الصحفية فتشت بين أوراقي فقرأت عن إنسان سخر بمعارضيه وقال أنهم ليسوا سواء أوراق احترقت ورماء بها جانباً, ووصف شعبه بانهم ثعابين أجاد الرقص فوق رؤؤسها, وقال لمن يختلف معه في الرأي \" اشربوا من البحر \" وسوق بلده على أنها ملاذ للإرهاب ليفتح الباب واسعاً لانتهاك السيادة الوطنية, غير آبهاً بدماء الأطفال الذين قتلوا هنا او هناك , او مراعياً للشعور الجمعي الذي يعز عليه أن يرى بلده مسرحاً لعمليات القتل والإبادة.

كتبت قبل فترة قصيرة مقال يتضمن نصيحة \" لصالح \" بسرعة الرحيل ليضمن بقاءه في قلوب أبناء شعبه, وذكرت فيه أن إصرار الحكام على عناد الشعوب يقضي على ماتبقى لهم من أرصدة تاريخية في ذاكرة التاريخ , فالرئيس المصري المقال محمد حسني مبارك قائد الضربة الجوية في أكتوبر 73م أصر على عناد شعبه فأصبح رهين السجن , وعمل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على كبت حريات التونسيين فطرده شعبه وهو الشخص الذي خلصهم من عبودية بورقيبة, والهالك معمر القذافي الذي كان يُنظر اليه كبطل قضى على النظام الملكي في ليبيا, قتله شعبه واحتفلت ليبيا من أقصاها إلى أقصاها بمقتله, واذا لم يبادر صالح اليوم قبل غداً بالتنحي ويوقف شلال الدم المتدفق بمدافع حرسه العائلي ورصاص قناصته فانه سيأتي اليوم الذي لن يتسامح معه الشعب ولن يتأسف عليه احد.