مؤشرات الرفض الصالحي لقرار مجلس الامن
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 13 سنة و 3 أسابيع و 6 أيام
الجمعة 28 أكتوبر-تشرين الأول 2011 03:54 م

. حرب الإستنزاف.. بين التعليق والإستئناف..!

صالح يريد ان يحارب، مسلمة باتت تحظى بإجماع لدى كثير من متابعي تطورات المشهد الداخلي.

فمنذ عودة صالح، لم تجد لعلعة الرصاص طريقها نحو السكون بتاتاً، لدرجة أنها بمعية –اصوات القذائف وانفجارات المدافع- اضحت جزءاً أساسياً من البرنامج اليومي لحياة قاطني العاصمة صنعاء وتحديداً اولئك الماكثين منهم في أحياء الحصبة وهائل والدائري والزراعة والزبيري وسواد حنش.

إلى ما قبل اسابيع خلت، كان مصطلح (بروفة الحرب) اكثر النعوت قدرة على توصيف المشهد الليلي في صنعاء، غير ان فرضية التكرار اليومي جعلت منه مصطلحاً قاصراً وغير معبر عن حقيقة ما يجري على الارض.

ثمة حرب مندلعة تتخذ انماطاً من الظهور المتقطع في اكثر من نصف احياء العاصمة صنعاء، وهي حرب سرعان ما اتسعت دائرة عملياتها عقب العودة المشؤومة لصالح.

رغم ان ما جرى منذ تلك العودة يعد حرباً حقيقية، الا انها -في الوقت عينه- ليست حرباً شاملة بالمفهوم الاستراتيجي والعسكري.

انها في الواقع حرب محدودة من طرف واحد، تحاول فيها العائلة الحاكمة ومن تبقى لديها من أصنام النظام البائد، إضعاف الثورة السلمية وإلحاق خسائر بشرية ومادية ومعنوية في صفوف انصارها من الجناحين العسكري والقبلي.

في قواميس الحرب، لا وجود لإصطلاح يمكنه التعبير بدقة عن حقيقة ما جرى سوى مصطلح (حرب الاستنزاف).

دروس حرب الحصبة

في الواقع، يصعب القول ان استراتيجية العدوان التي عمد النظام العائلي إلى تطبيقها منذ وقت مبكر بنيت على أساس فكرة استنزاف الثورة وإضعافها.

فعقب رفض صالح التوقيع على المبادرة الخليجية في نسختها الاخيرة بذريعة عدم حضور قيادة المشترك الى القصر الرئاسي، حاول النظام ان يشعل حرباً مفتوحة في منطقة الحصبة بهدف كسر الجناح القبلي المؤيد لثورة الشباب السلمية.

حينذاك، كان العزم الصالحي على تحطيم الجناح القبلي واضحاً وجلياً، لدرجة يصعب معها القول بان ما حدث في الحصبة لم يكن سوى حرب استنزاف.

لقد كانت حرباً حقيقية مفتوحة على كل الاحتمالات ولم تكن حرباً استنزافية محدودة العمليات والغايات.

يومها حاول النظام تحييد الجيش المؤيد للثورة والإستفراد بالجناح القبلي، غير ان النتائج المفاجئة ليوميات الحرب المفتوحة في الحصبة جعلته يحيد عن تكتيك (الاستفراد) مضيفاً بذلك الجيش المؤيد للثورة الى قائمة الاعتداءات اليومية المتكررة.

بدا واضحاً حينها، ان النظام العائلي يتجه بخطى منتظمة لفرض واقع الحرب الشاملة على نحو تدريجي متصاعد، غير انه أخذ يدرك بالتقادم فداحة خيار كهذا، فالجناح القبلي المؤيد للثورة استطاع ان يحقق انتصارات مفاجئة باسطاً سيطرته على وزارة الداخلية ومعسكر النجدة ومعظم المؤسسات الحكومية الواقعة في النطاق الجغرافي لمسرح العمليات بالحصبة.

خشية العائلة من فقدان السيطرة

يمكن القول ان إنكسار قوات العائلة في منطقة الحصبة، بموازاة دحر تلك القوات في مداخل ساحة التغيير، عاملان اسهما في احداث تعديلات جوهرية على استراتيجية العدوان التي اعتمدها النظام العائلي.

لقد أدرك النظام ان فكرة (الحرب المفتوحة) لا يمكن ان تحقق غاياته مطلقاً، بل انها قد تتسبب في تعجيل انهياره وسقوطه.

التعليلات هنا لا تقتصر على دروس حرب الحصبة فحسب، إذ ثمة بواعث ومحفزات اخرى للقلق تجلت بوضوح.

كانت العائلة تخشى من التداعيات المترتبة على احتمالات فقدانها للسيطرة، ففي الحروب المفتوحة تتضاءل مقومات السيطرة على الاوضاع والاحداث الى حدها الادنى بالتوازي مع تضاعف قابلية الاحتمالات الصعبة للتحقق والتحول الى ممكنات ووقائع ماثلة.

احتمالات صعبة كإنشقاق الحرس الجمهوري مثلاً، او انهيار منظومة الامن والاستخبارات، او فصم العرى الولائية بين العائلة وقوات الجيش، كان يمكن ان تتحول الى ممكنات في ظل انخفاض مقومات السيطرة القسرية التي تفرضها اجهزة العائلة على الحرس والأمن وبعض قوات الجيش التقليدي.

صالح يستأنف ترتيبات الاولاد

الحرب الاستنزافية إذن، جسدت خياراً مثالياً لإستراتيجية العدوان العائلية الجديدة.

ورغم ان لجنة الوساطة (قبل عودة صالح) بمتابعة من عبدربه منصور هادي، تمكنت من ايقاف اطلاق النار وفض الاشتباك في الحصبة، إلا ان قوات العائلة سرعان ما استأنفت عدوانها وعملياتها القتالية على نحو متقطع سواءً على قوات الجيش المؤيد للثورة اوعلى الجناح القبلي المتمثل في انصار ومسلحي الشيخ صادق الاحمر.

قبل العودة المشؤومة بيومين، تكثفت اعتداءات القوات العائلية وبالاخص على شباب الثورة المعتصمين، ثم انخفضت مؤقتاً، لتستأنف انشطتها عقب الخطاب الصالحي التالي لفعل العودة.

عاد صالح لإدارة الحرب إذن، لكنه لا يريدها ان تكون حرباً شاملة سوى عقب التأكد من عوامل ومعطيات شتى.

وبما ان صالح سبق له القيام بخطوات عديدة لتهيئة البلاد لخيار الحرب الشاملة، فلم يتبق سوى استكمال تلك الخطوات واستئناف ما قام به الاولاد في هذا الجانب وصولاً الى تخليق ضمانات او بالاحرى اوهام النصر.

إضعاف الثورة، انهاك الجيش المؤيد لها، استنزاف جناحها القبلي، ثلاثة مانشيتات تجسد –بالنسبة لصالح- ضمانات النصر الزائف، ولأن تلك الضمانات تبدو شرطاً اساسياً لإقدام صالح على الحرب الشاملة، فإن تحقيقها عملياً لا يمكن ان يتم سوى عبر وسيلة واحدة ألا وهي (حرب الاستنزاف).

من هنا، لم يدخر النظام جهداً لتكريس واقع الحرب الاستنزافية عملياً عبر برنامج شبة يومي يتوزع ما بين قصف معسكر الفرقة الاولى مدرع والاعتداء على مقر قيادتها، بالاضافة الى الاعتداء بالقذائف والرصاص على مداخل ساحة التغيير ونشر قناصة وحدة المهام الخاصة التابعة للحرس الجمهوري في عدد من البنايات المطلة على الساحة، علاوةً على تنفيذ اعمال قصف بالاسلحة الخفيفة والثقيلة على المسلحين القبليين الموالين للشيخ صادق الاحمر.

ماهية حرب الاستنزاف

يبدو من المهم، قبل الخوض في تبيين النتائج المترتبة على حرب الاستنزاف، الوقوف عند هذا المصطلح العسكري من حيث التعريف والماهية.

حرب الاستنزاف بالنسبة لخبراء الشؤون العسكرية هي عبارة عن عمليات واجراءات عسكرية محدودة يتم تنفيذها بهدف إضعاف الطرف المستهدف وإلحاق خسائر بشرية وعسكرية ومادية في صفوفه ووضعه على حافة الانهيار تمهيداً لهزيمته.

ويعتقد بعض خبراء الشأن العسكري، ان الجهة المنتصرة في حرب كهذه عادةً ما تكون هي التي تمتلك العدد الاكبر من المصادر والاحتياطيات على صعيدي الافراد والمعدات والتجهيزات العسكرية والحربية.

ويتم اللجوء الى حروب الاستنزاف عادةً عندما يتضح لأحد أطراف النزاع بأن الطرق الأخرى –كالحسم العسكري مثلاً- غير ممكنه عملياً او انها قد تؤدي الى الهزيمة.

وتجسد حرب الاستنزاف وفق بعض الاراء بروفات عملية للحرب الشاملة، كما انها تتسبب في إبقاء الطرف المستهدف في حالة عدم إستقرار بصورة تفقده القدرة على مواصلة الحرب او بناء نفسه، ويرى بعض الخبراء كالفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، ان حرب الاستنزاف –بالنسبة للجيش المهزوم- تشكل دافعاً لرفع المعنويات وإزالة آثار الهزيمة..!

اثناء الثوار عن المضي في التصعيد

بالتأسيس على الماهية والتعريف، يمكن تفريع الغايات الصالحية المراد تحقيقها من يوميات حرب الاستنزاف، الى ثلاثة مانشيتات رئيسية، اولها: غايات بالنسبة لشباب الثورة المرابطين في ساحة التغيير، ثانيها: غايات بالنسبة للجيش المؤيد للثورة، ثالثها: غايات بالنسبة للجناح القبلي المساند.

في المانشيت الأول، يحاول صالح بحربه الاستنزافية ان يعزل ساحة التغيير عن محيطها الاجتماعي والحد من قدراتها التأثيرية في هذا المحيط وتحجيم تفاعلها اليومي معه.

يتغيا صالح ايضاً التأثير على الانشطة والفعاليات الثورية وإثناء الثوار عن المضي قدماً في برنامج التصعيد السلمي المتمثل في المسيرات والمظاهرات المليونية، بالاضافة الى تكريس فكرة الحرب في الوعي الجمعي لدى شباب الثورة ورفع وتائر القلق لديهم ولدى المواطنين عموماً.

ويسعى النظام الصالحي كذلك الى التأثير في قناعات المؤيدين للثورة والمناصرين لها تحقيقاً لأحد أمرين، فإما استمالة هؤلاء المؤيدين، وإما تحييدهم وإبعادهم عن تفاعلات المشهد الثوري.

كما يحاول ايضاً التأثير في الأداء السياسي المتميز للمجلس الوطني والمشترك، ودفعهما لإتخاذ قرارات غير مدروسة.

إنهاك الجناحين العسكري والقبلي

في المانشيت الثاني المتعلق بالجيش المؤيد للثورة، يتطلع النظام الصالحي من حربه الاستنزافية الى تحقيق غايات عديدة يمكن حصرها على النحو الآتي:

اولاً: إنهاك الجيش المؤيد للثورة وإعاقة ترتيباته واستعداداته الوقائية والحيلولة دون استكمال بناء استراتيجيته الدفاعية.

ثانياً: إشغال الجيش المؤيد للثورة في تأمين قياداته، وتقليص أدواره في المسار الثوري.

ثالثاً: إعاقة برامج التدريب التي كانت الفرقة قد استهلت تنفيذها منذ اشهر.

رابعاً: منع الجيش المؤيد للثورة من المضي قدماً في برنامج تعزيز العلاقات مع الأصدقاء عبر ايقاف اللقاءات التي كان يجريها الجنرال محسن في مكتبة مع سفراء الدول الغربية بصنعاء.

خامساً: شل قدرة الفرقة على التخطيط ومحاولة استدراجها الى منزلقات التفكير الانفعالي بهدف دفعها الى اتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة.

سادساً: تحجيم قدرة الفرقة على التأثير في الوحدات العسكرية التي لازالت مؤيدة للنظام.

سابعاً: استنزاف المخزون الاستراتيجي للفرقة من الذخيرة والأسلحة.

على صعيد المانشيت الثالث، بوسعنا حصر الغايات الصالحية بالنسبة للجناح القبلي المؤيد للثورة في خمسة عناوين رئيسية.

اولها: إنهاك مسلحي وانصار الشيخ الاحمر وإضعاف قدراتهم، ثانيها: منع الجناح القبلي من تعزيز قدراته وقواته، ثالثها: إشغال المسلحين بتأمين حياة القيادات القبلية الموالية للشيخ الاحمر، رابعها: تحجيم دور الجناح القبلي في المسار الثوري عبر الحيلولة دون إقدامة على تنفيذ اي جهود داعمه، خامسها: استنزاف الاسلحة والذخائر والأموال.

التعليق المؤقت لحرب الاستنزاف

ثمة توقعات تشير الى ان صالح سيعمد خلال قادم الأيام إلى تعليق عمليات وانشطة الحرب الاستنزافية وتحديداً منذ لحظة وصول مبعوث امين عام الأمم المتحدة جمال بن عمر للإشراف على تنفيذ القرار 2014 الصادر عن مجلس الامن الدولي.

تعليق حرب الاستنزاف في الواقع، لا يعني انتهائها، إذ من المرجح ان يستأنفها النظام عقب رحيل جمال بن عمر واحتمالات اخفاقه في اقناع صالح بالتنحي وتنفيذ القرار الأممي، بل ان النظام يمكن ان يستأنف الحرب الاستنزافية في وجود بن عمر بصنعاء.

على مدى الاسبوعين الآنفين، لازمت القوى المناصرة للثورة في الجناحين العسكري والقبلي استراتيجية عدم الرد في التعاطي مع حرب الاستنزاف التي يحاول النظام فرضها عملياً.

ورغم ان تلك الاستراتيجية ساهمت في انتاج معطيات سياسية ايجابية لصالح الثورة، إلا انها يمكن –في حال الاستمرار- ان تساعد على انجاز الاهداف التي يتغيا صالح تحقيقها من حربه الاستنزافية.

هنا لا يبدو الركون الى استراتيجية (عدم الرد) تكتيكاً كافياً ومثالياً، إذ لابد من تحركات تكفل إثناء الحرب الاستنزافية عن تحقيق غاياتها وأهدافها.

وماذا بعد

بالقطع لسنا نعني بتلك التحركات الرد على استفزازات النظام وعملياته العدوانية، إذ يمكن الاكتفاء بمنظومة من الاجراءات سواءً على صعيد الشباب في الساحة او على صعيد الجناحين المؤيدين للثورة العسكري والقبلي، أول تلك الاجراءات: استمرار برنامج التصعيد السلمي عبر المسيرات والمظاهرات المليونية، ثانيها: إحباط محاولات النظام الرامية الى حصر الصراع في صنعاء وتعز عبر تكثيف برامج التصعيد السلمية في باقي المحافظات، ثالثها: استئناف جهود التأثير على قيادات الجيش المؤيد للعائلة، وإستحداث لجنة تواصل عسكرية من كبار الضباط والمتقاعدين بهدف التأثير على القوات الموالية للعائلة.

وبما ان الفرقة الاولى مدرع تعيش حصاراً وعزلاً جراء العمليات شبة اليومية للقوات الصالحية، فيمكن –كإجراء رابع- تكليف قائد المنطقة العسكرية الشرقية الجنرال محمد علي محسن بتشكيل غرفة عمليات والتواصل اليومي والدائم مع قيادات وضباط الحرس الجمهوري ومحاولة استمالتهم الى صف التأييد السلمي للثورة، ويمكن هنا استخدام اي وسائل لإيصال رسالة الثورة الى الجيش الموالي للعائلة.

خامسها: ممارسة ضغوط مكثفة على لجنة الوساطة المكلفة بفض الاشتباك بين القوات، وذلك بهدف فرملة اندفاع رئاستها الى مربع الانحياز للنظام الصالحي، والتشديد على ضرورة التزامها بتأديه أعمالها بكل حياديه وموضوعية وعدم استثمار تموضعها لتحقيق مآرب وأهداف خاصة.

سادسها: مطالبة لجنة الوساطة بالضغط على النظام الصالحي لإيقاف حربه الاستنزافية والكشف عن خروقاته وانتهاكاته المتواصلة لموجبات فض الاشتباك بين القوات الذي تم برعاية هذه اللجنة.

سابعها: مطالبة لجنة الوساطة بإدانة الاستحداثات الجديدة في الحصبة من قبل القوات الصالحية المتمثلة بطرد جنود الحماية التابعين للكلية الحربية من بعض المنشاءات الحكومية التي تم تسليمها الى اللجنة من قبل مسلحي الشيخ صادق، حيث تشير معلومات متطابقة الى ان قوات الحرس الجمهوري حلت كبديل لجنود الحربية، وهو انتهاك سافر يستوجب موقفاً واضحاً من لجنة الوساطة.

اخيراً: لايبدو ان صالح سيتخلى عن نزعته الطافقة نحو الحرب، فحتى وإن تم تعليق عمليات حرب الاستنزاف بالتزامن مع وصول جمال بن عمر وعبداللطيف الزياني خلال قادم الايام، إلا انه سيظل تعليقاً مؤقتاً.

وبما ان مؤشرات عدم الرضوخ الصالحي لقرار مجلس الامن الدولي آخذة في التكثف والتجلي، فلا مناص –كإجراء ثامن وأخير- من إتخاذ التدابير والاحتياطات الكفيلة بمواجهة عمليات حرب الاستنزاف عبر تشجيع الجناح القبلي للقيام بتحركات سلمية تكفل إقحام الاذرع العسكرية الموالية للنظام خارج العاصمة صنعاء في متاهة استنزاف مماثلة وكفى

al_leswas@hotmail.com 

*ينشر بالاتفاق مع صحيفة المصدر