آخر الاخبار
كل سنة وأنتم محررون
بقلم/ فهمي هويدي
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الإثنين 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 10:03 م

لا معنى للعيد والدم يسيل كل يوم فى سوريا وفى اليمن. ولا معنى للعيد وغزة تعانى من الحصار منذ نحو خمس سنوات، وأخشى ما أخشاه أن نقف موقف المتفرجين مما يحدث فى سوريا واليمن كما فعلنا مع غزة. وأستحى أن أقول إنه لولا الضجة التى أثارها أولئك الناشطون الذين قدموا من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، وحاولوا قبل أيام قليلة كسر الحصار، لما تذكر أحد غزة هذه الأيام

ما تمنيت أن أضع الدول الثلاث فى تصنيف واحد. لكنى وجدت أن ثمة قواسم مشتركة فى سياساتها إزاء جماهيرها العربية. رغم أننى أدرك أن هناك الكثير الذى يفصل بين سوريا واليمن من ناحية وبين إسرائيل من ناحية ثانية، و لن أختلف مع من يقول إنه لا وجه للمقابلة بين البلدين الشقيقين وبين العدو الاستراتيجى والتاريخى. لكننا مع ذلك لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن الأنظمة الحاكمة فى الدول الثلاث تمارس القهر والإذلال بحق العرب الخاضعين لها. ولا ننسى أننا شاهدنا لافتات لسوريين فاض بهم الكيل بعدما فتك بهم النظام فكتبوا قائلين إن إسرائيل لا تعامل المساجين العرب بهذه الوحشية، لا نستطيع أيضا أن نتجاهل أن الاحتيال والمراوغة ديدن النظم الثلاثة. فإسرائيل وقّعت اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين ثم اعتبرته ورقة لا قيمة لها، وراحت تتوسع فى الاستيطان ونهب الأراضى وتدمير حياة الفلسطينيين. واليمن تلقى مبادرة مجلس التعاون الخليجى، ولا يزال رئيسها يسوِّف فى التوقيع عليها، فى الوقت الذى تواصل قواته وأنصاره قمع المعارضين وإراقة دماء العشرات كل يوم. وسوريا تلقفت مبادرة الجامعة العربية وأعلنت أنها توصلت إلى «اتفاق» معها لحل الأزمة، وفى نفس يوم الإعلان قتلت 24 مواطنا فى حمص وبانياس ودير الزور. وفى الأيام التالية ظلت راجمات الصواريخ تدك بعض المدن والمدرعات تقتحم مدنا أخرى، والشبيحة ينقضّون على المتظاهرين وأرتال المعارضين الوطنيين تساق إلى السجون. بالتالى فقد تحوَّل «التنفيذ الفورى» لبنود المبادرة إلى إطلاق يد السلطة فى سحق الجماهير، وبدلا من وقف أعمال العنف فإن ذلك العنف اشتد. وبدلا من الإفراج عن المعتقلين فإن أعدادهم تضاعفت.

جميعهم يراهنون على الوقت، ويعتبرون أن الاتفاقات الموقعة والمبادرات التى تقدم ليست سوى أستار يحتمون بها لمواصلة مخططاتهم وأجلاً يتوفر لهم لسحق المعارضين وتغير الخرائط السياسية والاجتماعية، ووقتا إضافيا يسمح بتثبيت الأوضاع الظالمة وإدامتها.

من المفارقات انهم جميعا يمارسون ما يمارسونه من جرائم، ثم يتحدثون عن «الحوار». نتنياهو ما برح يتحدث عن العودة «للمفاوضات» مع الفلسطينيين، كذلك يفعل الرئيسان على عبدالله صالح وبشار الأسد حين يدعو كل منهما إلى الحوار مع المعارضة، ولا تكف أبواقهما عن التشدق بأهمية حسم الخلافات من خلال الحوار، فى الوقت الذى يتحاور فيه البلاطجة فى اليمن والشبيحة فى سوريا مع الشعب الغاضب بأساليب أخرى.

يبتدلون الحوار ويعتبرونه وسيلة للى ذراع المعارضين وكسر إرادتهم ومخاطبتهم من موقع السلطة ومركز القوة، فى حين أنهم جميعا لا شرعية سياسية لهم. لا فرق فى ذلك بين احتلال مارسته إسرائيل بحق الفلسطينيين، أو احتكار للسلطة والثروة مارسه على عبدالله صالح الذى ينتمى إلى عائلة عفاش الدم فى «سنحان» (الدم فى اليمن تعنى القط) أو تمارسه أسرة الأسد فى سوريا. والأول احتكر السلطة لأكثر من ثلاثين عاما والثانى احتكرها لأكثر من أربعين عاما ــ وهو احتكار لا يكاد يختلف كثيرا عن الاحتلال إلا فى هوية القائم على الامر. فقمع الشعب واحد ونهب ثروات البلد واحد، غير أن النهب فى ظل الاحتلال يتم لصالح الدولة المحتلة، فى حين أنه فى ظل الاستبداد يتم لصالح الأسرة الحاكمة. ولست أدعو إلى الانحياز إلى أى منهما، حيث أعتبرهما درجات فى التعاسة وإهدار الكرامة الوطنية، ولا أرى بديلا عن التصدى لهما بكل ما تملك الشعوب من قوة.

هذه النقطة الأخيرة تقودنا إلى مشترك آخر بين الحالات الثلاث، يتمثل فى بسالة الشعوب وقدرتها على الصمود. فالشعب الفلسطينى يقاوم الاحتلال منذ حلت به النكبة، والشعب السورى لا يزال يتحدى سجانيه وظالميه فى تظاهرات لم تتوقف منذ نحو ثمانية أشهر. والشعب اليمنى أعلنت جماهيره العزلاء رفض النظام وأصرت على المطالبة بإسقاطه منذ تسعة أشهر، جميعهم طالبوا بالحرية، وجميعهم احتملوا قسوة وفظاظة الشبيحة والبلاطجة، واستقبلوا رصاصات المحتل والمحتكر بصدور عارية وشجاعة نادرة.

إن عيدنا الحقيقى سيظل مؤجلا حين تتحرر شعوبنا ممن أهانوها بالاحتلال والاحتكار. وأعذرونا وسامحونا حين وضعت الجميع فى سلة واحدة، لأن الظلم ظلمات. وإذا لم تستطع شعوبنا ان تقدم العون للأشقاء المظلومين بسبب بؤس نظامنا العربى، فلا أقل من أن تعبِّر عن تضامنها معهم برسالة فى المناسبة نقول: كل سنة وأنتم محررون.. و نحن أيضاً.

"الشروق"