لكي لا تسلم السعودية اليمن لإيران كما فعلت بالعراق
بقلم/ محمد المقبلي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
الثلاثاء 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 07:37 م

عندما كانت الطائرات الأمريكية تتهيأ لطحن العراق كانت المصارف السعودية تتهيأ لذلك أيضا، وكانت براميل النفط تستعد للتعبئة والتفريع وتموين الحرب، أمريكا خاضت الحرب نزولا عند رغبات مديرها العربي (المملكة العربية السعودية) بعدما خدعت الشارع الأمريكي بكذبة أسلحة الدمار الشامل من أجل حروب جورج بوش اللعينة التي تغاضت كثيرا عن رسائل إنقاذ أفغانستان أو حتى البيئة من مثل تغيير المناخ.

استغلت أمريكا حماقات ديكتاتور متصلب اسمه صدام حسين الذي خاض حربا ضد محيطه الدائري، حارب إيران، وحارب دول الخليج، وغزا الكويت منتقما من نكث وعودهم المالية بعدما خرج منهكا من حربه مع إيران وكان يبحث عن دفء اقتصادي فقفز فوق الكويت ثم أدرك أن بؤرة الصراع هي السعودية، اتجه إليها ولكنه كان غير قادر على الحرب مرة أخرى، كان غزو الكويت مبرراً لدخول القوات الأمريكية ونصب قواعدها واجتياحها للمياه البحرية وبدأت تضرب الحصار تمهيدا، وجد صدام نفسه مغدورا، أراد أن يرتكب حماقات لها صلة بإشفاء الغليل بعد أن وجدهم تنكبوا لجهوده الحربية ضد إيران.

تخلوا عن التزاماتهم النفطية وما تيسر من براميل النفط من قبيل المكافأة ضمن بروتوكولات الحرب بالإنابة، أذكر وأنا لا زلت طالباً في الثانوية وكنا نتفرج على تلفاز أبيض وأسود هجمات على بغداد بعد أن انطلقت صفارة الإنذار صمدت أم قصر طويلا لكن بغداد لم تصمد ولم تصغ طويلا لتصريحات الصحاف التي كانت أكثر مقاومة من الكرسي الخاص الذي كان يريده نجل صدام كانت الحرب تحصد أرواح العراقيين وكانت المدن العراقية تسقط الواحدة تلو الأخرى كان هنالك طرف يتابع من بعيد ويرسم مساحات الفراغ التي خلفتها الحرب وبالذات بعد حل الجيش وحزب البعث.

كان ذلك المتفرج هي إيران التي ملأت الفراغ رغم أنف بريمر.

استيقظت السعودية ومعها الأمريكان في اليوم التالي للكابوس وجدت أن أوراقها في العراق زهيدة الصرف والمفعول، غابت الوجوه التي كانت تحاول السعودية أن تملأ بها المشهد العراقي، كانت أوراق المملكة بائرة جدا وليست على ما يرام، شيوخ عشائر ذوو خطاب جهوي، وجدت أنها سلمت العراق لإيران.. وقعت أمريكا في ورطة، والجميع متورطون في الدم العراقي بما في ذلك صدام وقيادة الشرخ الطائفي.

لم يشفع لها أصحاب الوجوه المستديرة التي أطعمتهم طويلا في أبراج جدة، كان وجه مقتدى الصدر ووجه الحكيم ووجه المالكي هي الوجوه التي تصدرت المشهد العراقي بعد الحرب تحاول أن تلعب دور دولة عظمى، هي دولة بلا عقد اجتماعي، العراق أبسلت على دولة متسلطة بعد تسليم العراق بسنوات.

خرج سعود الفيصل يعترف كنائحة ثكلى ومستأجرة في نفس الوقت، اعترف بعد سنوات أنه سلم العراق لإيران.

عندما انطلق الربيع العربي كان على المدير العربي كابوس ثقيل الدسم. المدير العربي في اليمن واليمن هو الآخر أحد ضحايا السياسة الدولية إذا ما تحدثنا عن عودة سياسة القوى العظمى التي يديرها الأغبياء وهدف إلى خزينتهم الرأسمالية التي جعلت العالم أكثر اشتعالا. تبدو السعودية اليوم في منتصف الطريق، تسعى لتسليم اليمن إلى إيران بعد أن أسلمتها عقودا من الزمن، هي من قادت مبادرة وضعت اليمن على مشارف الموت كما فعلت بالعراق بالأمس.

مبادرة كانت عسل برأس موس وفرت للقاتل ضمانة غير منتهية الصلاحية واستطاعة المبادرة تنسيم الغضب الثوري الذي كان في ذروته، ومكنت صالح من ارتكاب مذابح وبركونه إلى ضمانة ليس لها تاريخ انتهاء صلاحية، ارتكب محرقة حرية تعز واندلعت حرب الحصبة ومذبحة كنتاكي ومجازر أرحب ونهم وغيرها، كل ذلك بعد المبادرة. وولدت غبن شديد لدى شباب الثورة بينهم وبين الأحزاب.

المبادرة كان يروج لها صالح وهو يلقي خطبه المكدورة على رؤوس الواقفين أمام منصة السبعين.

كانت الثورة تجلجل في فضاءات الشارع اليمني، كان الكل يهتف لليمن واليمن فقط، كان الدفق الثوري هو الطاغي، التزم الجميع بالخط الثوري بما في ذلك الحوثي إذ لم يستطع التململ، كان الخطاب الثوري يضع الجميع على محك لكن المبادرة قشة قصمت ظهر البعير، اختفت الوجوه الشابة التي كانت تزين الفضائيات وأطل حسن زيد بلحيته الكثة وعبدالوهاب الآنسي ظهر كعادته وهو يلف شاله القديم على عنقه، كانت حركة الزياني هي المتن وحركة الشارع الثوري هي الهامش. طال أمد المبادرة ومل الجميع من ذهاب وإياب الزياني، الزياني يغادر، الزياني يصل صنعاء..

طال أمد المبادرة وطال أمد الثورة وسقط النظام أمام الشعب وأصبح محصورا في زاوية جغرافية محدودة.

بدأت إيران تحرك أوراقها بشكل خفي مذ بدأت المبادرة تسري كالسم في الجسد، أخرجت إيران أوراقها للعلن عن طريق جماعة العنف في شمال الشمال التي كانت أهدأ من أي وقت مضى لحظات الثورة قبل المبادرة.

تحركت في الجوف وأرسل عبدالملك رجاله إلى الجوف لكنه تقهقر بسبب أبناء الجوف، انشغل اليمنيون في الثورة فيما المبادرة تدور كجمل المعصرة دون أن تتقدم خطوة واحدة.

عاد الحوثي ليتحرك في حجة مسنودا بأذرع النظام ومستغلا بعض أدواته أيضا هناك من الشباب المقهورين من سياسات المشترك تجاه الثورة للسعودية ومبادراتها المسمومة بمرارة الغدر لثورة هي الأعظم، وهي التجربة الإنسانية المدهشة إذ انطلقت سلمية في بلد السلاح وهي الثورة التي قادها شباب.

ولا زالت اليمن في منتصف الطريق، قبل أن تسلم السعودية اليمن لإيران كما فعلت بالعراق وقبل أن يأتي بريمر آخر ويهبط المارنز في ميناء عدن، ويظهر حنش المهدي يطهر مفتدي الحوثي ويبدو صالح هبرة كما لو أنه عمار الحكيم ويختفي وجه ياسين والآنسي والإرياني وتظهر وجوه جاهزة من قبل لاعب محترف يمتلك قدرة فائقة في ملء الفراغ.

يتوقف المجتمع الدولي الذراع الأمريكي عن ممارسة الخداع.. المبادرة الخليجية.

يضغط الشارع السعودي على آل سعود عن تدمير اليمن وتكرار سيناريو العراق.

يعلن المشترك عجزه السياسي عن فرملة الثورة.

يضع الشعب وشباب الثورة الحوثي على محك المكاشفة وجها لوجه مع الشعب.

تم إنجاز كتلة وطنية تاريخية من الشباب والأحزاب والأكاديميين والصحفيين لا تستثني أحداً بما في ذلك الحوثيين والحراك تتمكن من إدارة الحسم الثوري والمرحلة الانتقالية بعد تقويض عائلة علي عبدالله صالح الذي عمل كملحق عسكري للسعودية ودمر مؤسسات الدولة المدمرة أصلا عن طريق إضعاف الجيش الوطني، وقام بتغذية الجماعات الدينية اللاوطنية لضرب الحقائق السياسية والمدنية ممثلة بالأحزاب والمنظمات وكذا إضعاف النسيج الاجتماعي بخلق الصراعات المستمرة.

وحتى لا تسلم السعودية اليمن لإيران كما فعلت بالعراق ويستيقظ الجميع في اليوم التالي للكابوس ينبغي أن يكون هنالك موقف من شخصيات وطنية وسياسية في حزب الحاكم كالإرياني مثلا ومن على شاكلته من الوطنيين نصف كم.

***