تعز تدفع فاتورة إخفاق صالح ( أسرار العنف المحموم )
بقلم/ صادق العامري..
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
الأحد 11 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:24 م

محرقة تعز التي نفذها صالح في (مساء 29/مايو/2011م) وكانت قبل حادث تفجير دار الرئاسة بثلاثة أيام وتزامن ذلك الحادث مع جمعة الوفاء لتعز , وفي الغالب فان الأحداث المتقاربة تصنع رابطا فيما بينها لتقارب زمن حدوثها

هذه الأحداث الثلاثة ارتبطت في عقلية صالح في رزمة واحدة, وهو ما يعني ان صالح كلما نظر الى حروقه استدعت تلك النظر تذكر تعز , ومع تكرار نظرات صالح لما حصل له تحولت تعز الى مأساة شخصية لصالح رغم ان تعز ضحية لجرائمه وعدوانه الإثم عليها , لكن قدر تعز انها ارتبط بحروق وجراحات صالح وتشوهاته الجسدية والنفسية

خصوصا وان تعز كانت رائدة في ثورتها الأمر الذي ولد حقد وكراهية عميقة لتعز من قبل صالح ونظامه العائلي , والمستبد دائما يرمي بما يقع له من مصائب على الأكثر كراهية في نفسه,

تضاعف الحقد على تعز مع إخفاق أدوات القمع العسكرية في إخماد الثورة السلمية بتعز , فرغم كل العنف المصبوب على تعز لا تزال الثورة السلمية شامخة تعبر عن قوة حضورها بشكل يومي بعيدا روائح البارود والاشتباكات المسلحة , وهذا الاستمرار الثوري السلمي عمق حالة الإحساس بالفشل الكبير لعسكر صالح , وهم يدركون أنهم باتوا في مصيدة لا فكاك منها الا بالتراجع عن مخططهم وإيقاف تنفيذه , هذا المخطط الذي لم يكتمل , كان يهدف الى إقناع أطراف دولية وإقليمية بقدرة صالح على إجهاض الثورة لضمان دعمهم الكامل, لكن تلك القوى اشترطت على صالح تقديم مؤشرات على ارض الواقع تعكس قدرته الفعلية على إجهاض الثورة كشرط لمنحه الضوء الأخضر, وفي هذا سياق وقع الاختيار على فض ساحة تعز والسيطرة على قبائل ارحب , فان نجح في ذلك سيمنح الدعم المطلوب والتغطية اللازمة لاستكمال اجتثاث الثورة

وكان اختيار تعز لعدة اعتبارات

أولها: ان تعز بساحتها تمثل تحدي حقيقي وليست سهلة المنال والقضاء على الثورة فيها يعنى امتلاك القدرة على إخماد المحافظات الأخرى وبصورة اقل سهولة من تعز

ثانيا: غياب الرقابة والحضور الدولي في مشهد تعز لان الإطراف الداعمة لمشروع إسقاط الثورة ليس دولا بالتحديد ولكن صناع قرار في بعض الدول بالإضافة الى دعم عدد محدود من الدول , لكنها اليوم لم تعد تدعم صالح لفشله في تحقيق أي تقدم على الأرض وأصبحت اغلب تلك الدول ضد صالح وبقوة تكفيرا عما بدر منها في أول الأمر كروسيا والصين على سبيل المثال

ثالثا : لن يكون من السهل تقديم تغطية إعلامية كاملة لما يحدث في تعز فوسائل الإعلام وكبار رجالها في العاصمة , الأمر الذي سيجعل التغطية شبه تقريرية لا تغطي حركة الأحداث وسرعتها ومضاعفاتها المستمرة على مدار الساعة

أما إخضاع ارحب ففي ذلك مؤشر على إخضاع القبائل الأخرى خصوصا وان في أرحب قوة عسكرية ضاربة للحرس الجمهوري, وفشل تلك القوات يعني عدم قدرة غيرها على تحقيق أي نصر على القبائل

خطوات المخطط الإجرامي

كان المخطط يقضي بتنفيذ حزمة من الخطوات المتتالية ,

تمثلت في :

الخطوة الأولى: اقتحام ساحة الحرية بتعز في غير وقت ذروتها أي في المساء لتخفيف المقاومة السلمية بالإضافة إلى ان الليل ساتر للإجرام السلطوي, بالإضافة إلى استهداف الإعلاميين وإرباكهم في لحظة الظلام الدامس

الخطوة الثانية : تنفيذ انتشار امني وعسكري مكثف في كل أرجاء المدينة لمنع أي تجمهر ولو كان لشخصين وضربه بعنف وخلق حالة من الرعب في أوساط السكان لمنع عودة أي شكل من أشكال الثورة السلمية في المدينة بقوة السلاح والعنف المفرط ضد أي محاولة لاستعادة الساحة او القيام بمسيرات

خطوة أخرى تكتيكية : تمثلت بإطلاق مجاميع مسلحة من البلاطجة ليلا ليقوموا بمناوشات وإطلاق نار بصورة مستمرة لتوفير مناخ مناسب وذريعة للقوات العسكرية لتقوم بدورها في قصف منازل السكان والقيادات المعارضة ورموز الثورة ,تحت ذريعة قيام انصار الثورة بالاعتداء المسلح على الثكنات العسكرية المرابط في مواقع متفرقة داخل المدينة وفي محيطها , هذا التكتيك الشيطاني من شأنه ان يجعل المدينة تحت سيطرة حالة من الرعب الليلي فإذا جاء صبح مكث الناس في منازلهم بتأثير الرعب الليلي , واستمرار حالة الرعب شرط لاستمرار السيطرة ومنع الفعل الثوري , ولهذا السبب اتسمت المواجهات بالنمط الليلي , ليرمي إعلام صالح بجريرة ما يحدث على أنصار الثورة

الخطوة الأخيرة : كانت تتمثل في القيام بملاحقات ليلية واقتحام منازل الثوار واعتقال القيادات والمؤثرين والشخصيات الفاعلة , وهذا الخطوة الم تتم لان الخطوات السابقة لم تتحقق كما رسم لها

نتائج المخطط

الخطوة الأولى سقطت في ايام قليلة حيث تمكن الثوار من استعادة ساحتهم رغم القصف والاعتداءات ولم يكن عسكر صالح يتوقعون هذا الاستهتار الشعبي بحمم مدافعهم و أزيز رصاصهم

في يوم جمعة الوفاء لتعز فرض الثوار تواجدهم من جديد بصلاة الجمعة, كما انهم نظموا مسيرات متواصلة كرد عملي على إسقاط مخطط عصابة الحكم العائلي ,وبعدها بأيام أعلنت تعز عن خمس ساحات ثورية كرد قاسي على مخطط صالح الرامي الى إجهاض الثورة , واستمرت الاعتداءات من آلة القمع العسكرية أسفرت عن خروج رجال تعز عن صمتهم فأعلن وجهاء تعز مسئوليتهم عن حماية الساحة

الخطوة التكتيكية في مخطط صالح هي التي استمرت حتى اللحظة ومازالت , وبقية التفاصيل تعلمونها من متابعتكم للإحداث اليومية

خلاصة المشهد يمكن سردها في الأتي:

سقوط مريع لمخطط صالح ولم يستطع التخلص من ورطته في تعز , لم يكن يتوقع كل هذا العزم والصمود , أرعبه صمود الأطفال وتحدي النساء , فهدير المدافع لم يصنع الرعب الذي أراده صالح , بل على العكس ولد تحدي يفوق قدرة القمع العسكرية

لم يستطيع أيضا إيقاف الفعل الثوري بتأجيجه للفعل العسكري وما يمارسه من استفزازات تستدعي تدخل صقور الحالمة , الا ان الصقور لا يزالون في مربع الدفاع عن النفس وعن التزامهم للثورة السلمية والحفاظ عليها وعل فعلها السلمي

صالح بفشله في السيطرة على تعز وارحب أرسل للداعمين له رسالة سلبية مفادها عجزه عن القيام باجتثاث الثورة , وبدورهم تعاملوا مع تلك الرسالة بالحكم النهائي على زوال حكم صالح العائلي , وان عليهم التعامل مع المستقبل

هذا يعني ان تعز وارحب هما اللتان نكبتا صالح لأنهما خلقتا مبررات زوال حكم صالح في نظر القوى التي كانت مساندة له وستدعمه ان افلح في انجاز المهمة الاختبارية , لكنه ما افلح ولن يفلح

حين وقع صالح على المبادرة كان بكل تأكيد يضمر الحقد على ارحب وتعز فهما سبب فشله الذريع وحين عاد ومنذ اللحظة الأولى لعودته الخاسرة استقبلت تعز وارحب حمم الموت وشهدتا عنفا غير مسبوق , وهما لا يعلمان سر هذا العنف , فتعز وارحب لم يقدما في نظرهما الا واجبا ثوريا , وهما لا يعلمان أيضا أنهما تدفعان ثمن اختيارهما كقربان لمنح صالح حق الاستمرار وهو فشل في ذلك لصمودهما ,

لذلك صالح ينتقم ولن يستمر فكلما أوغل في عنفه علق وغرق أكثر