ماسح الأحذية وأطول ثورة
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الثلاثاء 13 ديسمبر-كانون الأول 2011 09:18 م

يقال أنالثورة اليمنية شهدت أطول اعتصام بهذا الحجم العملاق يبقى في الشارع كاسرة رقم قياسي في جملة من الأرقام والمميزات والانجازات التي تحققها الثورة اليمنية كممر انتقال صعب وطويل لليمنيين ولكن الثابت فعلا أن هذه الثورة الطويلة ستنتج رقم قياسي أخر بأطول مجلس نيابي في العالم سيتجاوز عمره العقد من الزمن .

في إحدى الندوات بالقاهرة عندما تحدثت عن برلماننا الممطوط والممدد في حضور احد الأصدقاء البرلمانيين لاحظت أن النائب قد تحسس من الوصف معتبر إياه تهجم علي شخصه رغم انه احد النواب الشعبيين الذين يحظون بالقبول في دوائرهم,, لكنه استفاد كالجميع من التمديد الذي كان احد الوسائل التي ظل الحاكم يمارس بها واحدة من أسوء تجارب الالتفاف علي الديمقراطية ,, فهذا البرلمان الممدد ثم المؤجل والمنتهي حكما أتت المبادرة نافخة فيه الروح من الرماد بكل عيوبه ومشاكله .

الممارسات التي ارتكبها الحاكم لقتل روح العملية الديمقراطية في اليمن لم تقتصر علي ذلك فقط فرغم إن اليمن قد بدئت المسار الديمقراطي بشكل مبكر قياسا بجوارها العربي وتبنت التعددية الحزبية قبل الآخرين وكانت من المفترض أن يكون ذلك المناخ والتحول الديمقراطي رديف للوحدة اليمنية التي علق عليها اليمنيين أمالا كثيرة وبنو حولها الأحلام كمخلص لهم من حالة البؤس والتشرذم والتخلف والحكم التسلطي ,, إلا أن التجربة الديمقراطية تعرضت لطعنات قاتلة لا تقل عن الطعنات التي تعرضت لها الوحدة اليمنية نفسها فكما تم استهداف الوحدة اليمنية وتحويلها إلي مجرد غطاء يعطي الشرعية لذلك النظام المتسلط ,,شرعية معتمدة علي قوة السلاح والقتل والدماء بعيدا عن الشرعية التي خرجت بها الملايين التي طالبت بالوحدة في الشمال والجنوب وناضلت واضطهدت بسبب تلك الوحدة التي حولها النظام إلي سوط مسلط علي ظهورهم وسيف علي رقابهم يتم اضطهادهم باسم الوحدة بعد أن كان يتم التنكيل بهم في الماضي خوفا من هذه الوحدة .

كذلك الديمقراطية التي كان المفترض بها أن تحقق الأمل بتحويل إرادة الجماهير إلي أداة مباشرة للحكم والرقابة والمشاركة الشعبية في صنع القرار لتتحول إلي أداة لاستلاب إرادة الناس وممارسة القمع تحت غطاء الديمقراطية والأغلبية النيابية المزورة والصفقات السياسية في ظل عدم التوزيع العادل والمنصف للدوائر الانتخابية وسجل متلاعب به وغيرها من الآليات لتزوير إرادة الناس ,, ناهيك عن تكريس المفاهيم التسلطية في المجتمع وإفساده كمنظومة إنسانية وقيمية وأخلاقية ليكون متوافقا مع فساد نظام الحكم وفساد الآليات الديمقراطية ليستقبلها كأفضل ما يمكن الوصول إلية ويتكيف مع هذا الشكل المشوه بعيدا عن روح الديمقراطية الحقيقة ودورها المفترض .

هذه الخبرة اليمنية في تحطيم وتشويه والانقلاب علي التجارب العظيمة والأفكار النبيلة هي التي تبرر عدم الثقة التي يتعامل بها اليمنيون مع الأطروحات التي تبدو ظاهريا علي أنها خيارات مقبولة أو جيدة ,, فالثورة اليمنية بات يخشى عليها في هذه المرحلة الحادة من الاستلاب والتشويه والانحراف وخصوصا أن تجربة اليمن في الالتفاف علي الثورات والانقلاب عليها تحت مبرر الاتفاق والتوافق متكررة في تاريخ اليمن المعاصر ,,فهذه الثورة العظيمة التي قدمت ولا زالت تقدم الدماء والجهد والتضحية وبدئت في عملية التغيير ألقيمي والمفاهيمي خلال أشهرها الطويلة يخشى أن يتم إفراغها من مضمونها الحقيقي ومحاولة تصويرها أنها تتعارض مع الاستقرار والديمقراطية استعداد لوئدها .

وفي نفس السياق تأتي السوية السياسية التي أخذت طريق مختلف ومنفصل عن مسار الثورة مشبعة بسوء النية فالتوافقات عندنا عادة ما تكون مقدمة للازمات والتهدئة تكون المدخل للحرب فالابتسامات المزيفة بين المتخاصمين تنوب عن اللعنات والخصام هو النتيجة الحتمية للاقتسام ,, لكن الثورة اليمنية لم تنتهي ولن يستطيعوا إنهائها بمجرد صيغ لحل الأزمات السياسية بين القوى التقليدية لان هذه الثورة هي ثورة الشعب التي تصدرها الشباب ولن تكتمل إلا بتحقيق كافة أهدافها كاملة غير منقوصة بعيدا عن أي صفقة يتنازلون بها عن مطالبهم ودون الانجرار إلي حرب أهلية تفقدهم أقوى أسلحتهم وهي السلمية .

الموقف الذي حدث معي في الطريق للندوة عندما توقفت عند ماسح الاحذية المتجول وبداء يسالني عن اخبار اليمن بلهجته المصرية : "مبروك مش خلاص خلصتوا ؟" وعندما اجبته بالنفي

سالني: " هو مش الريس بتاعكو مشي خلاص؟ " فاجبته لازال موجودا

فسالني :"بيقولوا في واحد ثاني مسك مكانه " وعندما اخبرته انه نائبه وعضو في حزبه الحاكم

فقال :"ولاده والوزرا مودهومش السجن زي ولاد مبارك والوزرا بتوعه " فاخبرته انهم لا يزالون يسيطرون علي القطاعات العسكرية و يحتفظون بنصف الوزارات ومنها السيادية

قالها بتلقائية : "" معناها انتوا لسه ما عملتوش حاجه لغاية دلوقتي ""

هكذا اختصر تحليل الوضع ورغبت في العودة أدراجي وعدم الذهاب لندوات السياسيين والمفكرين فالشعب لا يريد الانجازات التي يحتاج إلي شرح مطول لكي يفهمها ,,لكنه يعرف بتلقائية الأشياء المباشرة التي يراها بعينه والمكاسب التي تلامس حياته مباشرة .