السعودية و قضايا المنطقة..الرؤية والفاعلية
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً
الأربعاء 07 مارس - آذار 2007 08:36 م

لاشك أن المنطقة العربية مليئة بالعديد من المشاكل المزمنة التي أخذت بتلابيب الأمة العربية والإسلامية منذ حقبة طويلة, أضيف إليها في الفترة الحالية ملفات أخرى وقضايا مستجدة، تستمد أحيانًا جذورها من جذوة تلك القضايا المزمنة, أو تذهب هذه الجديدة تخطّ لنفسها خطًا جديدًا، وتحفر لنفسها أخدودًا في كبد الأمة المكلوم.

ورغم العديد من المؤتمرا ت العربية التي تضم القادة العرب سنويًا, والتي غالبًا ما تفشل في الوصول إلى قرار يتعامل بفاعلية مع تلك القضايا؛ نظرًا لاعتبارات عدة, فإن المحور الثلاثي الذي تشكّل من السعودية ـ مصر ـ سوريا كان في العموم يشكّل الحد الأدنى من التوافق العربي، خاصة في القضايا المصيرية.

ولكن الدور السوري ارتهن إلى حد بعيد بإيران, خاصة في هذه المرحلة الحرجة, ورأى أن مصلحته ربما تكون في الأساس بالتحالف معها, لاسيما فيما يخص الملف اللبناني الذي تلتقي الإرادتان الإيرانية والسورية على العمل على الحفاظ على وضع مضطرب فيه، يساعدهما كورقة مضادة في التعامل مع الضغوط الأمريكية, إضافة إلى التطلعات الإيرانية في مد نفوذها الأيدولوجي هناك, ورغبة سوريا في بقاء نفوذها فيما تعتقد أنه امتداد طبيعي واستراتيجي لأراضيها, حيث العاصمة "دمشق" أقرب للبنان منها للداخل السوري, ومن ثم فهي تحت التهديد المباشر من قِبل "إسرائيل".

ورغم أن الدور المصري ظل حيويًا في بعض الملفات، لاسيما الملف الفلسطيني شديد التأثير في الأمن القومي المصري, إلا أنه قد تراجع بصورة كبيرة في بقية الملفات، خاصة ملف العراق وملف لبنان, حيث يقل النفوذ المصري فيهما.

ولاشك أن هذا التراجع المصري على الصعيد الإقليمي الذي قد يعود في الأساس لاختلالات داخلية قد ترك فراغًا واضحًا، استطاعت من خلاله "إسرائيل" وإيران أن تلعبا في ساحة شبه خالية من النفوذ, فاستطاعت الأولى أن تمارس سياستها بمعزل عن أي تأثير في فلسطين, فيما مدّت الثانية ذراعها لسرقة بعض الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى، وفي مقدمتهم لبنان والعراق, إضافة لنفوذها المتنامي على حرك حماس.

الدور السعودي..الرؤية والفاعلية

الدور السعودي في ظل هذه الأوضاع شديد التعقيد, فقد بدأ يستعيد زمام المبادرة من جديد, ويتدخل فيما يبدو بصورة ورؤية واضحة في الملفات الراهنة بشقيْها القديم المزمن, والجديد الذي أخذ مكانة حديثًا على خريطة الاهتمامات العربية والإسلامية.

أولاً: الملف الفلسطيني

ففي الملف الفلسطيني نجد أن الملكة العربية السعودية تدخّلت بنفوذها الديني والاقتصادي لإنهاء الصراع الدامي بين حركتيْ فتح وحماس, ووضعت اللبنات والركائز الأولية في صُنع حكومة توافقية بين مختلف الفصائل الفلسطينية، فيما عرف باتفاق مكة, والذي حسم إلى حدٍّ كبير الاختلافات الداخلية.

وعلى صعيد الصراع مع "إسرائيل"، ما زالت المبادرة السعودية المعروفة باسم مبادرة بيروت، التي تمخضت عن اجتماع قمة عربية في لبنان عام 2002، تشكل الأساس لأية انطلاقة تفاوضية مع الاحتلال, ورغم أنها لا تلبي الطموحات العربية والإسلامية, إلا أنها من خلال منظور الواقعية السياسية قد تشكل في رؤية بعض السياسيين ما يعرف في الاصطلاح السياسي الأكاديمي بـ"الممكن حاليًا".

ثانيًا: الملف اللبناني

وفي الملف اللبناني أثمرت الدبلوماسية السعوديّة التي نشطت في إقامة حوار مع إيران في "تبريد الملف", وتسكين الأوضاع لحين التوصل إلى حل يجنب البلد الانزلاق في هاوية الصراع الطائفي والأهلي، الذي وقفت على حافته بعد الخطوات التصعيدية من جانب "حزب الله" ـ الذراع الإيرانية في لبنان ـ

فبعد انعقاد القمة السعودية ـ الإيرانية في الرياض مطلع الأسبوع الحالي، بدأ سفير المملكة العربية السعودية في
لبنان لقاءاته مع القادة المحليين وزعماء الأحزاب؛ للتوصل
إلى تسوية تؤدي إلى إنهاء الأزمة القائمة, وعبّر عن رغبة المملكة في احتضان اجتماع ينهي الأزمة المحتدمة بين الفرقاء.

ولاشك أن التدخل السعودي, الذي يحتفظ بعلاقات وطيدة مع غالب الكيانات اللبنانية، وخاصة كتلة الأكثرية بقيادة "سعد الحريري", في هذا الملف حسم إلى حد بعيد التطلعات الإيرانية في الانفراد بلبنان وارتهانها, وجعل من الصوت العربي الأقوى نفوذًا، والذي يعوّل عليه في إنهاء الصراع في الوقت الحالي.

ثالثًا: ملف إيران النووي

وفي الموقف من الملف النووي الإيراني، تملك المملكة رؤية واضحة عبّرت عنها في كثير من المواقف, وتسعى حثيثًا لتنفيذها، وتقوم على أربع ركائز, عبر عنهما وزير الخارجية السعودي الأمير "سعود الفيصل" عقب ختام اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الأحد4/3/2007 .

الركيزة الأولى:   أن منطقة الخليج "ستتأذى" في حال عدم التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة الملف النووي الإيراني.. وهي لغة دبلوماسية تعني معارضة التدخل العسكري الأمريكي لإنهاء الأزمة

الركيزة الثانية:   أكد "الفيصل" على حق دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية السلمية, لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأت تضع اللبنات الأولى لمشروعها بالفعل.

الركيزة الثالثة:   ضرورة أن تعي إيران خطورة الموقف، وتسعى لإنهاء الملف النووي الذي يخل بأمن الخليج, ويطلق العنان للتخوفات التي من شأنها أن تدشن سباقًا للتسلح بين دول المنطقة

 

 

الركيزة الرابعة:   التعامل مع "إسرائيل" بذات المعايير وممارسة الضغط عليها للتخلي عن سلاحها النووي

ورغم الإصرار الإيراني على المضي قدمًا في برنامجها النووي، الذي قاله عنه الرئيس "نجاد" إنه "قطار بلا جوامح", فمن شأن هذه الرؤية السعودية التي تشاركها فيها عدة بلدان عربية أخرى، ومنها مصر، أن تضع إيران على خارطة الخيارات العربية بصورة واضحة, ولعل لفظة "ستتأذى"، التي أطلقها "الفيصل" عند سياقه لمعارضة العمل العسكري، ذات مدلول موحٍ لقادة إيران.  

رابعًا: الملف العراقي

وبالنسبة للملف العراقي شديد التعقيد والخطورة على أمن الخليج عامة، والمملكة على وجه الخصوص؛ فإن الرؤية السعودية تنطلق من عدة ثوابت من أهمها الأتي:

أولاً:   الرفض المطلق لتقسيم البلد على أي أساس طائفي, وهو الأمر الذي قد تتلاقى عنده المصالح الأمريكية والإيرانية.

ثانيًا:   عدم ترك الساحة للنفوذ الإيراني الذي يسعى لإضفاء صبغته العقدية الصفوية على الدولة وارتهانها كما الحال في لبنان.

ثالثًا:   إحداث توازن سياسي يعطي السنة حقوقهم التي سلبها الشيعة, مع وقف الانتهاكات وحملات التهجير التي تمارس بحقهم.

وقد يكون من غير الملاحظ حجم التأثير العربي في الملف العراقي حتى الآن, إذا ما قورن بالنفوذ الإيراني هناك, ولعل الإدراك العربي المتأخر للمخاطر الناجمة عن الاحتلال وتوابعه, مع الاستعداد الإيراني المبكر وتعاونها مع الاحتلال، قد جعل لها يد السبق هناك, ولكنّ مزيدًا من الدعم للسنة في العراق, وممارسة الضغط على إيران، قد يعدل نسبيًا من المعادلة التي تميل فيها الكفة لصالح المشروع الصفوي.

 

 

الإمكانيات والقدرات السعودية وكيفية توظيفها

وحقيقة الدور السعودي في التأثير انطلق من قدرات توافرت وإمكانيات تضافرت، لعل أهمها:

أولاً الثقل الاستراتيجي للملكة في المنطقة, كونها من أكثر الدول العربية تعاطيًا وفاعلية في الملفات المختلفة, وهو ما جعلها في قائمة الدول التي يتوافد إليها صنّاع القرار عند زيارتهم للمنطقة.

ثانيًا :   الإمكانيات الاقتصادية التي تزيد من قدرتها وإمكانيتها بين دول المنطقة, ومن خلالها تستطيع أن تمارس ضغوطًا أو تستميل أطرافًا لحل الصراعات، أو على الأقل التخفيف من حدتها.

ثالثًا احتفاظها بعلاقات ودية مع الدول الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، صاحبة التأثير في المواقف والقرارات الدولية المتعلقة بالمنطقة العربية.

رابعًا وجود المقدسات الإسلامية في السعودية يضفي مزيدًا من الهيبة والنفوذ, وربما كان هذا العامل من بين عدة عوامل أخرى ساهمت في "ولادة "اتفاق مكة.

خامسًا ارتباط المملكة بغالب الملفات الحيوية والجوهرية في المنطقة, وهو ما لا يتوافر لقيادة أخرى, اللهم إلا مصرالتي يمكنها أن تمارس قدرًا متساويًا من النفوذ في العديد من الملفات الأخرى.

سادسًا وجود المملكة في كل التجمعات الإقليمية تقريبًا, فهي دولة محورية فيما يسمى الرباعية العربية، التي تضم مصر والأردن والإمارات, ومن الراجح أنها ستستضيف القمة السباعية التي تشكّل محورًا مهمًا فيها, وتضم تركيا ومصر وباكستان وإندونيسيا وماليزيا والأردن بعد قمة الرياض المقررة نهاية الشهر الحالي.

 

 

الدور المصري..الغائب المنتظر

الدور المصري الرائد , قد أصابه بعض التآكل لأسباب نراها داخلية, وهو ما ترك فراغًا للقوى في المنطقة، لم تستطع الدول العربية الأخرى الراغبة في دور إقليمي أن تملأه حتى قيام المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة بفرض إرادتها وصياغة رؤية محددة حيال غالب الملفات، وسعت جديًا ناحية تنفيذها.

ولاشك أن بين البلدين نوعًا من التفاهم وقاسمًا مشتركًا يتيح قدرة أكبر على التأثير وفرض الإرادة العربية في مواجهة الغطرسة "الإسرائيلية"، ورغبات الهيمنة الإيرانية, خاصة في تلك الحقبة التي بدأت فيها الدبلوماسية الأمريكية تتوارى خلف غطرسة القوة التي التحقت بها.

فهناك ملفات في الحقيقة ما زالت بعيدة عن اليد السعودية، وهي أقرب منها للحالة المصرية, ومنها على سبيل المثال ملف دارفور, وجملة الإشكاليات المتعلقة بالسودان، التي تشكّل امتدادًا طبيعيًا لحدود مصر الجنوبية، وتشكل بعدًا استراتيجيًا خطيرًا، خاصة عند التعرض لملف المياه، والنفوذ "الإسرائيلي" المتغلغل في منابع النيل. 

وأخيرًا, وعلى الرغم من أهمية العمل العربي المشترك؛ إلا أن الأجواء الحالية لم تسفر في حقيقة الأمر عن شيء جدي؛ نتيجة الخلافات المزمنة ذات الطبيعة الشخصية والأجندات السياسية المختلفة والمتباينة, ومن ثم فإن الأساس الذي نراه الأصوب في التحرك في الفترة الراهنة، ينصبّ على ما يمكن أن يقوم به المحور الثنائي المصري ـ السعودي، إلى حين عودة سوريا إلى الحضن العربي مجددًا.

مفـكرة ألإسلام