أسرار حرب صعده
بقلم/ صحفي/عابد المهذري
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً
الإثنين 12 مارس - آذار 2007 08:48 م

مأرب برس – خاص

* كعادتها دائماً.. تأتي دولتنا بعد انتهاء المباراة.. أحياناً تلحق الوقت الإضافي فلا تستطيع تعويض الخسارة أو تقليص الفارق!!

* في صعدة.. الدولة آخر من يحضر المهرجان.. منذ زمن وهي بعيدة جداً عن ميدان الواقع.. جاءت الآن لتغطي سلبياتها المتراكمة منذ عشرات السنين في محاولة يائسة لاستعادة الهيلمان المفترض والهيبة مجروحة الكبرياء!!

ليس في صعدة فقط تحضر الدولة في وقت متأخر.. غالباً ما تكون آخر من يحضر.. وعندما تكون الحاجة القصوى يستدعي وصولها أولاً.. نجدها تتعمد ألا تصل.. وتأتي حينما لا يكون أحداً محتاجاً لحضورها.. وتأتي الدولة –عادة- ولأسباب مثيرة للاشمئزاز لخلط الأوراق واشعال الحرائق بدلاً عن فض الاشتباك!!

* أنها الدولة اليمنية الظافرة.. غريبة التصرف بإمتياز.. والعجيبة الأداء والتعامل حد الشفقة والقهقهة في آن.. هي دولتنا المغوارة.. الغارقة حتى أذنيها في مستنقع الفساد.. والمتورطة حتى الركب في أنهار الدماء المتدفقة من جروح وطن نازف بالحروب الداخلية!!

* لو حاولنا مناقشة ما طرأ في صعدة من انفجار مسلح للوضع منذ ثلاث سنوات.. سنكتشف أن الدولة ظلت غائبة عن المحافظة منذ قيام الثورة وإعلان الوحدة وديولة المؤتمر الشعبي العام.. إذ اقتصر حضورها في صعدة على تواجد شكلي عبر خطط سياسية عقيمة تقيس الأمور بمحاذير خاطئة وعقليات إدارية تتعامل مع الواقع بسطحية لا تستقري العمق.. لذلك ظلت صعدة في حسابات الدولة محافظة زائدة عن الحاجة.. قوبلت بإهمال رسمي وحرمان شبة متعمد!!

* هل سألت الدولة نفسها لماذا يحس أبناء صعدة بأنهم "مظلومين".. وهل وقفت عند هذه الجزئية بجدية واهتمام.. بالتأكيد أنها لم تفعل.. ولو فعلت ذلك لأجدت المعالجات المناسبة ووفرت كل هذا التعب والصداع الذي لحق بها جراء حروب صعدة الأربع.. هذه هي الحقيقة التي يجب ألا يتجاوزها الجميع!!

* أبناء صعدة لا يشعرون فقط بظلم وغبن الدولة فقط.. لأنهم كذلك بالفعل.. من قبل الحوثي ومن بعده.. أبناء صعدة مظلومون.. مهضومون.. محُارَبون.. مواطنون من الدرجة الثالثة في تصنيفات القيادة.. تحاصرهم الدولة بين قوسين وتلاحقهم بعلامات التعجب والاستفهام.. دونما مبررات واضحة ومقبولة!!

* أبناء صعدة.. دون غيرهم من أبناء الوطن اليمني.. مهمشون.. لا يحظون برعاية وتشجيع الدولة.. يؤدون ما عليهم من واجبات دستورية بزيادة وكرم القبيلي الأصيل.. ولا يحصلون على الحد الأدنى من حقوقهم المكفولة.. وبطيب خاطر يتعايشون مع هذا الظلم برضى وصبر.. ورغم كل التنازلات التي يقدمونها.. ما يزالون في نظر الدولة مشكوك في وطنيتهم وغير جديرين بالثقة المتبادلة.. أو يستحقون مبادلة مواقفهم الوطنية بالوفاء المفترض.. وكأن أبناء صعدة في مقاييس السلطة "عيال خالة" وليسوا كالآخرين أبناء تسعة شهور!!

* لم يشفع لأبناء صعدة وقوفهم الدائم مع الحزب الحاكم.. في كل انتخابات رئاسية ومحلية ونيابية يهدون "الخيل" أصواتهم على طبق من طيبة زائدة.. ينتظرون المكافأة في كل موسم.. ولا يجدون غير وعود كاذبة كالتي قبلها.. وهكذا دواليك.. أمور الحياة شغلت أبناء صعدة عن المطالبة بالمواطنة المتساوية.. وظل الجرح يكبر والهوة تتسع!!

* يبدو أن الدولة حددت لـ "صعدة" وأبنائها سقف معين من الحرية والمشاريع والوظائف وبقية الحقوق.. ويفعل فاعل.. ربما نسيت أن هذه المحافظة "الحدودية" البعيدة والنائية بحاجة إلى رعاية استثنائية واهتمام على نحو مختلف لاعتبارات عدة.. قد يكون أهمها.. امتداد نصف مديرياتها على الشريط الحدودي المحاذي للمنطقة الجنوبية السعودية.. حيث النهضة والاهتمام المستفز لمشاعر اليمنيين من أبناء صعدة الذين وصل بهم الحرمان إلى مشاهدة التلفزيون السعودي لعدم وصول بث التلفزيون اليمني إلى قلب المحافظة.. ناهيك عن بقاءهم عشرات السنين بلا مشاريع ماء وطرق وكهرباء وشعاع النور القادم من "نجران" يغرس فصوص الملح في جروح صعدة الملتهبة!!

* النفوذ السعودي في المحافظة.. استغل الفراغ الناتج عن غياب الرعاية الحكومية والاهتمام الرسمي بأوضاع السياسة والتنمية.. ليصل إلى حدود تهدد السيادة الوطنية.. وحتى الآن تكاد الهيمنة السعودية هي المسيطرة على تداعيات الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية داخل صعدة.. وهو الموضوع الذي سيكون محور مناقشة قادمة!!

* المهم.. الظلم هو قاسم المعاناة المشترك لجميع أبناء صعدة من مختلف الشرائح والتكوينات.. هذا الشعور ليس وليد اليوم.. لكنه حصيلة تراكمات مزمنة تمتد إلى الثمانينات من القرن الماضي.. تكرست كمفهوم بمرور الوقت.. ومع استمرارية السياسة المتبعة فيما يخص صعدة.. صار الإحساس ملازماً لتفاصيل الايقاع اليومي.. هناك من ساهم بشكل مباشر في تكريس هذا الإحساس.. وساهم آخرون بصورة غير مباشرة في تعزيز هذا الجرح دون انتباه من دولة ترفع شعار اللامبالاة!!

* الشواهد على الظلم والتجاهل والإهمال أكثر من أن تحصى.. غير أن الاستدلال بأمثلة قليلة قد يكفي لشد انتباه النوايا المتحمسة لترميم بؤر التوتر من خلال العودة إلى مربع القضية الأول.. وقد يكون التساؤل عمن اغتال حلم أبناء صعدة الأكبر مناسباً كبداية للمرور على الوجع بصراحة وصدق!!

* جامعة صعدة.. ظلت وما تزال حلم كل كبير وصغير في صعدة.. ومنذ عشرين سنة وهذا الحلم مجرد وعد يتحطم على رؤوس المتربصين بأبناء صعدة والمعادين لأي مصلحة تتحقق للمحافظة.. تعود الحكاية إلى مطلع التسعينات.. الرئيس الذي لا يزور المحافظة إلا مرة واحدة كل عشر سنوات.. جاء لإفتتاح كلية التربية بصعدة ومعه وعد قريب بإنشاء جامعة في المحافظة.. ومنذ ذلك اليوم لم تنشأ الجامعة سوى فوق أوراق الوعود الانتخابية مع أن مقومات إنشاءها متوفرة.. الأرض ودراسات الجدوى والتوصيات والمطالب تطرح بقوة ضرورة وجود جامعة في صعدة.. وفي كل لقاء مع الرئيس وكبار قيادات الدولة لا يطلب أبناء صعدة شيء آخر غير الجامعة.. ومع كل طلب، يتجدد الوعد مع ابتسامة تسلية وهزة رأس للمجاملة.. قبل عامين أو أقل كانت هناك جهود جبارة لبلورة هذا الحلم إلى واقع.. وبينما كان الصعديون منتظرين على نيران الشوق صدور قرار جمهوري بإنشاء جامعة صعدة.. إذا بالصدمة تلجمهم مع قرار إنشاء جامعة في عمران.. وأثناء الحملة الانتخابية الأخيرة شدد أبناء المحافظة على مطلب جامعة صعدة.. لكن مشرف المحافظة حينها بطريقته الخاصة أقنع الناس بأن إعلان الموضوع على هامش الدعاية الانتخابية للمؤتمر الشعبي العام سيكون مخالفاً للقانون باعتباره استغلالاً للمقدرات الحكومية.. ليظهر بعد أسبوعين إلى جوار الرئيس معلناً في مهرجان انتخابي بمحافظة حجة عن هدية الدولة لأبناء المحافظة بإنشاء "جامعة حجة".. وهو ما ضاعف استياء أبناء صعدة وزاد آلام جراحهم مع شعور محبط نتيجة الاستخفاف الذي يقابلون به.. ليس هذا فقط.. لقد بلغ الاستخفاف حيزاً يمس كرامة أبناء صعدة.. فالإعلان قبل أشهر عن قرار جمهوري بإنشاء جامعة في "أبين".. عمق في نفوس أبناء صعدة أحاسيس الظلم وزاد مشاعر الإهانة شبه المتعمدة.. كل ذلك يحدث والجميع يعرف أن أنشاء جامعة في صعدة معناه قطع شوط كبير على طريق إحتواء الفتنة ومعالجة أسباب وأثار التمرد الشبابي والفكري المسلح!!

* شباب صعدة يريدون أن يتعلموا.. الناس تواقون للاندماج في المجتمع المدني.. متحمسون لخدمة الوطن والتضحية في سبيل السلام.. لكن سياسة الدولة العوجاء تدفعهم مكرهين إلى العصيان والتمرد والخروج عن النص.. وحينما نجد من يقول أن الحوثي استغل الجهلة وأنصاف المتعلمين لا نجد من يقول بأن الدولة لم تساعد الناس على العلم والمعرفة.. وعندما نرى مئات الدرجات الوظيفية المخصصة لأبناء المحافظة تذهب إلى غير مستحقها من خارج صعدة بطريقة أو بأخرى يجب أن نتلمس العذر لأصحاب المؤهلات الجامعية الذي يقاتلون مع الحوثي بعدما أصابهم الإحباط على رصيف البطالة والفراغ بحثاً عن درجة وظيفة تحفظ آدميتهم!!

* عقب انتهاء حرب "مران" الأولى.. أعلنت القيادة اليمنية عن اعتماد ثلاثة ألف درجة وظيفية لأبناء صعدة في لحظة صحوة ضمير نادرة هدفها معالجة أسباب التمرد.. إلا أن أحداً لا يعلم أين ذهبت تلك الثلاثة آلاف وظيفة.. وأستطيع الجزم أن شاباً واحداً من صعدة حصل على درجة واحدة من تلك الدرجات.. من يدري.. ربما صادرها لوبي الفساد ومنحت حقوق أبناء صعدة لمن لا يستحقها.. شيء آخر يجب الإشارة إليه.. غياب الكوادر المؤهلة من أبناء صعدة عن المناصب الوظيفية العليا.. من يصدق أن قرية صغير في حاشد أو شرعب يعين منها عشرات المسئولين في مواقع إدارية كبيرة وفق حسابات ومحسوبيات تعتمد على غير القانون.. بينما لاتجد من أبناء محافظة بحجم صعدة إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد يتبوأون مناصب رفيعة!!

* أنا لا أبرر للتمرد والحرب بقدر ما أنا ضد استخدام القوة والعنف.. كما لست مباركاً لرفع السلاح في وجه الدولة ما دام هناك هامش ديمقراطي.. لكن ما يحدث هو إفراز طبيعي لإشكاليات سياسية الأمر الواقع.. واتحدى من يثبت العكس.. وفي الجعبة من الشواهد والأمثلة مالا يتسوعب التطرق إليه بهذه المساحة.. في صعدة.. الدولة تأتي بعد فوات الأوان.. وإذا ما حاولنا تفسير أسباب تدهور المحافظة وسوء أوضاعها عما كانت عليه في الثمانينات قد نكون مسكنا خيط العقل الأول.. وما دامت الذكرى تنفع المسئولين.. لابد من تذكير الجميع بحضور الدولة المتأخر أثناء اندلاع شرارة حرب صعدة عام 2004م.. لم تعرف الدولة أهمية طريق "صعدة – ساقين – حيدان" الذي ظلت تماطل في تنفيذه عقدين من الزمن.. إلا حينما نالت من الخسائر في الأرواح والعتاد ما لو كان الطريق موجوداً من قبل لوفر معظم الخسائر.. علماً بأن الطريق لا يتعدى مائة كيلو متر ولم يستكمل العمل فيه حتى اللحظة كما لو التنفيذ يحتاج إلى حرب جديدة كي ينتهي!!

* ما كان مفترضاً أن يكون بدون حرب على صعيد التنمية ومشاريع البنية التحتية.. دأبت الدولة ألا تقوم به في صعدة إلا بالحرب.. فالدولة لم تعرف أهمية وضرورة "الإعلام" لمحافظة صعدة إلا الأسبوع الماضي.. وبكلفتة وتخبط دشنوا ما أسموه "إذاعة صعدة" بالمزمار وأغاني الفنان "أبو نصار" بدلاً من تبني خطاب إعلامي هادف ذا رسالة وطنية تعمل على التعامل بذكاء مع ما تشهده المحافظة من توتر واحتقان شعبي وحرب مسلحة امتدت على نحو أكبر مما كانت عليه في الجولات الثلاث الماضية!!

* في حالة صعدة والدولة.. أن لا تأتي بالمطلق.. أفضل من أن تأتي متأخراً.. لأننا نعيش في سباق مع العصر.. وحين تأتي الدولة متأخرة بلا خطة واضحة وهي لا تعرف ماذا تريد بالضبط.. فإن الثمن يكون باهض الخسارة.. والاعتماد على نزعة العناد ونوازع المكابرة يزيد القضية تعقيد لا حاجة له حالياً.. فالتحديات التي يواجها الوطن لا تحتمل سياساته المزيد من اشعال الحرائق ما دامت قدرات التحكم بها وإمكانيات السيطرة عليها غير متوفرة الآن بما يكفي لمنع تجددها مرات أخرى..... اعتقد أن الفكرة وصلت.. فهل تصل الدولة هذه المرة دون تأخير؟!!