اليمن وموقعها من التحول السياسي
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 27 يوماً
السبت 24 مارس - آذار 2012 06:11 م

يختلف الكثيرون حول وصف الحراك السياسي والاجتماعي الذي حدث في اليمن بداية العام 2011 كلٌ حسب موقفه منها في الغالب. كثيرون من مواليي النظام السابق يستدلون على فشل الثورة اليمنية بنجاح المصرية حسب تقديرهم رغم أن كثيرين يرون العكس من ذلك، لأسباب ومخرجات متميزة عدة. لكن المشكلة هنا هي أن الموالاة تؤكد أن الثورة كان ينبغي أن تكون مقدسة ولذا فقد رسموا لها ملامح ومعايير وخطوات لازمة الحدوث ولا ينبغي أن يختفي أي بند منها. ونسوا أن الثورة ما هي إلا وسيلة للوصول إلى الهدف الأكبر وهو "التغيير"، الذي بدوره لا تحققه الثورة فور انتصارها مباشرة إنما تحتاج الى بضع سنوات (فترة انتقالية) تهيئ المناخ السياسي لصناعته.

وهنا أرى لزاماً المقارنة بين نتائج الثورتين ليستشف كل منا بطريقته فعالية ووضوح النتيجة. فالمبادرة الخليجية هي إصلاح سياسي مؤقت وحل مرحلي لبعض اشكاليات التي أبرزتها ثورة التغيير بسبب تعنت الحاكم بهدف تهيئة المناخ المناسب لعقد الانتخابات متعددة المستويات في مناخ آمن ونزيه ومحايد حتى يمكن للطرف الفائز في الحكم أن يحقق كافة مكونات التغيير. المبادرة هي إجراءات واضحة ومحددة ومزمنة خلال المرحلة الانتقالية يراقب تنفيذها "بصرامة" أعضاء مجلس التعاون الخليجي سواسية مع الأمم المتحدة تحت شرعية دولية متمثلة في قرارها رقم 2014. وكان أهم سلبياتها عدم محاكمة أعضاء النظام السابق.

الثورة المصرية: هي انتقال بعض أعضاء المستوى الأول في السلطة السابقة الى المجلس العسكري ليدير شئون البلاد حتى يسلمها لطرف مدني مجهول الهوية خلال فترة زمنية مجهولة التاريخ، وتعيش البلاد الان فترة انتقالية مجهولة المستقبل والاستراتيجية والمخرجات وهو الأمر الذي تسبب بانشقاق جبهة الثورة بشكل حاد بسبب عدم توحد المعارضة، حيث يفترض خلال هذه الفترة تحقيق الاعداد للانتخابات المتعددة بناء على الدستور الحالي وليس دستور معدل. وكانت أهم ايجابياتها محاكمة عدد محدود جداً من أهم رؤوس النظام السابق.

ورغم أن النظام السابق كانت له شرعية بحكم الانتخابات التي اعترف خصومه وقتها بأحقيته بها وإن شابها التزوير، ورغم أن وحشيته وإمعانه في القتل ثابت ومدان من قبل المجتمع الدولي قبل المحلي وإن كان أقل وتيرةً من بعض نظرائه العرب بالنظر إلى امتلاكه للجيش وفترة الثورة الطويلة التي وصلت إلى حوالي 10 أشهر، إلا أن الثورة اليمنية كانت هي الأنجح من بين نظيراتها، عدا تونس بسبب المستوى التعليمي والانفتاحي العام، كونها استطاعت الحفاظ على الانزلاق نحو حرب محتمة طالما خطط لها النظام طويلاً وهدد بها علانيةً، ليفضّل تحت الضغوط الدولية الاستئثار بنصف السلطة كتسوية لشرعيته الانتخابية وانتهاكاته الخطيرة لحقوق الانسان. وقبل ذلك بكثير فقد نجحت المعارضة في عصيانها المدني السلمي وفي خلق عزلة دولية كاملة لرأس النظام حتى أن الوسطاء الدوليون كانوا يأنفون التواصل معه ويكتفون بنائبه.

كما ان قبول الأطراف السياسية منذ وقت مبكر بالاحتكام الى خمس نسخ من مبادرة فصلها جميعاً النظام بنفسه قد فضح عدم شفافية النظام وعدم صدقه في وعوده ما لو استجابت الأحزاب للحوار الذي كان قد التزام بدعوته إليه، وانتهت باستصدار قرار بالاجماع من مجلس الأمن بإلزامه بالتوقيع على المبادرة الخليجية. وكان أحد أبرز أسباب ذلك الاجماع الدولي هو تعاطف العالم الذي صنعه الشعب اليمني كقصة نجاح حضارية سلمية لم يتوقع أحد أن تصدر من اليمن الشهير بصناعته عشرات من قصص الفشل والإرهاب والتخلف. وباستحضار الغالبية العظمى لثورات دول العالم النامي، فإن من الطبيعي بمكان أن يظل المشهد مراوحاً في الاستمرار في تشكيل الصيغة الجديدة للدولة بوتيرة متوسطة أو بطيئة وخاصةً في وجود الكثير من أنصار النظام السابق والعديد من التحديات والسياسات التي تحتاج إلى إصلاح. إلا أن من أفضل مخرجاتها وجود خطة إصلاح دائمة ومركزة ومزمنة تفشل الكثير من مثلها من الثورات في الإجماع عليها بتلك السرعة والسهولة وتتعرض خلال ذلك إلى الكثير من الاختلافات التي قد تنتابها أزمات وعدم ثقة وربما أحداث عنف قاسية.

وبالرغم من إلتزام الثورة بالسلمية مع توازن القوى العسكرية النسبي بين الطرفين، إلا أن التكتيك الأكثر نجاحاً للمعارضة كان بمنح النظام الحصانة المشروطة (وإن أفتى الكثير من القانونيين على عدم قانونيتها) مقابل الإبقاء على وقود الثورة مشتعلاً في جميع ساحات التغيير كضمان لتحقيق جميع بنود المبادرة، وهو الخطأ الذي ارتكبه المصريون عندما تركوا ساحات ثورتهم قبل الاطمئنان إلى سيرها في الطريق الصحيح، ليغدون في شدة الإختلاف بينهم على شرعية المجلس العسكري وفي شدة التباين حول رؤاهم الحاضرة والمستقبلية بل ان قضية المنظمات الأجنبية قد كشفت الكثير من نتائج تلك الثورة مع فارق التقدم في الإصلاحات الاستراتيجية التي حققتها كلا الثورتين مثل الانتخابات الرئاسية اليمنية الوفاقية ذات الطابع الانتقالي والنيابية المصرية الاعتيادية التي لم تسبقها تعديلات دستورية أو استفتاء شعبي على نظام المنافسة فيها وفي الانتخابات الرئاسية اللاحقة التي سيتنافس فيها حوالي 700 مرشح دفعة واحدة.

وباعتبار التعقيدات الكبيرة التي رافقت الثورة وما تلاها مثل المواقف المضادة من قبل الحراكيين والانفصاليين والحوثيين والقاعدة والأحداث الأمنية البارزة التي يشارك في تشكيلها قادة النظام السابق، إلا أني أقدِّر أن أحزاب المشترك التي نجحت وبتفوق في الحفاظ على وحدة القرار والانسجام فيما بينها رغم الاختلاف الأيدلوجي الواضح بينها وبصورة لا يمكن أن يضرب أحد نموذجاً بمثله في التاريخ، وفي استخدام التكتيك والتفكير الاستراتيجي إزاء تلك الأوضاع الذي يحلل نقاط القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات المحتملة التي قد تعتري طريقهم ووضعهم في الاعتبار كل الخطط البديلة لأي احتمالات سلبية تسعى لتقويض المبادرة الخليجية. ويعزى هذه النجاح والتوحد لاشتراكهم جميعاً في التخطيط والاتفاق على تنفيذ المبادرة على عكس فردية القرار أثناء الأحداث والذي كان يصنعه رأس النظام السابق وبإشراك عناصر منتقاة لا تنظر إلى الصورة العميقة للمشهد، ساعده في الفشل الإدراك أنه كان يخوض طوال الوقت حرباً إعلامية، كان النظام خلالها يدير إعلاماً بالغ الضعف والحجة، مظهراً تحت الأضواء كوادر فاسدة أو خرقاء سياسياً لا تتقبلها أي فئة من الجماهير وعدم ظهور النخبة بجانبه التي يحترمها ويثق بها الجمهور. كما فضح إعلام الطرف الآخر زلات ألسنتهم وأخطاءهم وتصرفاتهم غير الأخلاقية. وكان التفوق الإعلامي الأبرز يكمن في فشل الإعلام الحكومي في إظهار مشهد عنف واحد يخدش سلمية الشباب والأحزاب، بينما نجح إعلام الطرف الآخر، في فضح الكثير من تلك الأخطاء ساعده في ذلك وقوف جميع الصحف والقنوات الاعلامية العربية والعالمية إلى جانب الشباب. 

(يمكنكم الاكتفاء بالمقال حتى هذا الحد أو الاستمرار)

الثورة في اليمن أحيت جثة هامدة وأحيت بلداً كبل باتفاقات السلطة مع قادة الاطر القبلية والإرهابية والفاسدة، بل برزت الثورة اليمنية بصفتها تعبيراً عن إرادة الحياة بعد الموت. لهذا نشهد اليوم بروز هوية جديدة لأبنائها أكثر تواصلاً مع الهوية التي صنعها صالح، و أكثر اتصالاً مع نفسها وتاريخها. الهوية اليمنية الجديدة أكثر انتشاراً ولا تحتاج إلى زعيم أو قائد خالد، فهي تقود إلى بناء ثقة بالجمهور اليمني والرأي العام الجديد. لقد أدت الثورة اليمنية إلى بروز نخب جديدة وطاقات حالمة من بين قطاعات كبيرة من المجتمع. لقد تحول الشباب اليمني من شعب يخضع للسلطة وبعيداً عن مشاركته إلى شعب يصنع الحدث وللمستقبل.

انتصار الثورة لم يكن كاملاً، فالثورة كانت سلمية، واكتفت بإسقاط مرحلي محتم لرموز النظام و تعامل وفاقي مع نظام اقتصادي وإداري وقانوني قديم متآكل. ومن الطبيعي في أجواء كهذه أن ينزل إلى الشارع كوادر المؤسسات الحكومية الاقتصادية يحملون حقوق ومطالب شعبية متراكمة من عهود سابقة. وعلى رغم عدم اكتمال الثورة اليوم، فقد نجح الشباب في انتزاع سلسلة من القرارات التي لم يتخيلوا حدوثها مسبقاً. وفي الوقت نفسه على المشترك والشباب أن يحسبوا حساب قوى الثورة المضادة أكانت تطل عليهم من خلال أنصار حزب المؤتمر أو من خلال القطاعات الأخرى التي تخشى التغيير ونتائجه.

Ataqi2003@yahoo.com