على طريق الخلاص .. استحقاقات ثورية
بقلم/ صادق عبدالرزاق العامري
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 15 يوماً
الأحد 06 مايو 2012 07:15 م

إسقاط النظام ليس سوى البوابة الرئيسة للتغيير, لان النظام كان حائلا يمنع التغيير , وسقوط النظام يعنى امتلاك الفرصة لإحداث التغيير المنشود , ولا يعنى بأي حال من الأحوال ان التغيير قد تم , فالذين يعتقدون انهم سيصبحون في صباحهم وقد حل الورد مكان الأشواك هؤلاء يفتقرون الى الرؤية الصحيحة لطبيعة الثورات و صيرورتها , فإسقاط النظام ليس سوى نزع الشرعية عنه وإحلال شرعية تتوافق عليها جماهير الشعب , وإسقاط الشرعية لا يعنى ان النظام لم يعد له وجود على ارض الواقع , فالنظام ليست سجادة تُخلع وتُوضع بدلا عنها سجادة جديدة , النظام السابق أشبه بركام بحجم جبل من المتراكمات تغطي مساحة الوطن , فمنها ما هو سلوك انتهازي وممارسة لصوصية ومنها ما يندرج تحت منظومة القيم التدميرية , ومنها ما يندرج تحت مفهوم المصالح على حساب امن واستقرار الوطن , فإذا ما أضفنا اليها الفساد المتغلغل في كل مجالات الحياة , بالإضافة إلى حرب الانتقام التي يشنها بقايا النظام السابق , وفوق ذلك كله أوضاع معيشية صعبة وخانقة , وكل هذا الركام بحاجة الى التعامل بحكمة تفضي الى الحفاظ على كل ما هو جيد واستبعاد ما دون ذلك وفق رؤية وطنية وإنسانية تضع اليمن في الطريق الصحيح, بعيدا عن ثقافة الانتقام

فالثورات باعتبارها استحقاق تاريخي في مواجهة طغيان الحاكم , تمر بظروف متشابه إلى حد كبير ,فكل الثورات قامت لترفض الظلم والقهر وتنشد العدالة والأمان والكرامة والحقوق ,وفي هذا السياق فان الثورات لا تصل إلى مرحلة الاستقرار وجني الثمار الا حين يأخذ التغيير مداه الطبيعي وبدون حرق لمراحله , والذي قد يؤدي الى هشاشة في البناء الجديد بما يجعله غير قادر على تجسيد مقاصد التغيير بالصورة المنشودة ,الأمر الذي يجعل سلامة التغيير هو جوهر الاستحقاق الثوري فالثورة تعنى الخروج من الوضع الراهن وتغييره إلى وضع أفضل وليس العكس , وهذا أمر لا يتحقق فقط بعزل أركان الحكم السابق انما يتحقق من خلال إعادة ترتيب الأوضاع بما يسمح لعجلة التغيير بالدوران دون معوقات , وهذا الأمر مرهون بخطوتين أساسيتين هما 

الخطوة الأولى تتمثل في بسط نفوذ النظام الجديد وسيران توجيهاته في كافة مفاصل الدولة وهذا ما يطلق عليه اصطلاحا " نقل السلطة"

الخطوة الثانية وهذه خطوة قد تتزامن مع الخطوة السابقة بعد السير فيها الى حدود الإمساك بأهم المفاصل وتتمثل هذه الخطوة في إيقاف عملية التدهور للأوضاع المعيشية في حدود تامين الحد الأدنى لمتطلبات الحياة , ومع استمرار عملية التغيير تتدرج عملية تحسين أوضاع المواطنين وصولا إلى الحياة الكريمة التي تجسد جانب من أهداف الثورة

صحيح ان الثورات الشعبية تتشابه في الأسباب لكنها تختلف في الوسائل والأساليب , وهذا الاختلاف قد يؤدي الى فوارق في النتائج , فالثورات التي تسلك سبيل العنف لإحداث التغيير وإسقاط النظام , قد تخلق بسبب العنف نظاما استبداديا جديدا باسم الثورة والشرعية الثورية , فالسلاح هو سيد الموقف وتحت تأثير مناخات العنف تسرق الثورات , الأمر الذي يجعل تلك الثورات مرشحة للسرقة أكثر من الثورات السلمية , فالثورات السلمية يصعب سرقتها لأنه لا فضل لأحد على احد فيها فالكل فيها شركاء وتلك السلمية تعزز مناخات النقد ومطارحة الأفكار إذ لا عنف يقمعها وفي ظل تلك المناخات السلمية لا مجال لمصادرة الثورة او سرقتها فالصوت الشعبي الضاغط يشكل حصارا لأي مشروع استبدادي جديد ,

ومن ناحية أخرى فان الثورة السلمية لا تسمح بالمحاصصة ونماذج الاقتسام للسلطة , فهي ثورة الجميع بلا استثناء , وهي بذلك عكس الثورات التي تنتهج العنف , فالعمل الثوري المسلح يؤدي الى تشكيل مئات من الجبهات والتكوينات المسلحة التي يصعب تفكيكها بعد إسقاط النظام وتتحول إلى مشكلة وطنية, فتلك التكوينات العسكرية تريد حصتها باعتبار تلك الحصة استحقاق ثوري , لكن ذلك لا يعنى ان الثورات السلمية بلا فاتورة تدفع من قبل الشعب , ,

فالثورة السلمية ما ان تُسقط النظام حتى تظهر أمامها نتوءات وعاهات وعلل ومصائب جمة أنتجتها عقود من الحكم الفاسد, انه ميراث ثلاثة عقود من الحكم العسكري ثم العائلي المستبد

فالثورة السلمية ستواجه كل الأورام الخبيثة المستوطنة في جسد الوطن, وبقدر جسامة تلك الأورام وتداعياتها يكون حجم الأوجاع , إلا ان بروزها ظاهرة تشبه ظهور الدمامل الغليظة الفاسدة الناتجة عن جراثيم ومواد فاسدة في الجسم , خصوصا وان المناعة المؤسسية مفقودة مما يجعل الأورام كبيرة وشديدة الألم

, وما ان تظهر تلك الدمامل حتى تبدأ بإطلاق إفرازاتها العفنة ترافقها الآلام المبرحة, ولا يطول الأمر حتى يتخلص الجسم من تلك الأورام وأوجاعها , لكن ذلك مشروط بتجميد كل الأيدلوجيات و الولاءات لتبقى أيدلوجية الوطن والولاء للوطن هو الحاكم للفعل وردود الفعل.