لننتظر إنجازات شوقي هائل في تعز
بقلم/ عبدالملك طاهر المخلافي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 4 أيام
الأحد 20 مايو 2012 06:02 م

توطئة: بدايةً لا بد أن أشير الى حقيقة إدارية في غاية الأهمية قد لا يدركها الكثيرون، وهي أن ثمة فارق كبير جداً بين خصائص المدير والقائد، فالأول هو من يسعى للحفاظ على الوضع الراهن، ويكتفي بتسيير العمل الروتيني اليومي وحل مشكلاته، وفق منظور قصير المدى وفي إطار الأنظمة والقوانين النافذة، مكتفياً بالحد الأدنى من الأداء والإنتاجية، وبما يعفيه من المساءلة لا أكثر. بينما القائد الإداري هو من يمتلك رؤية بعيدة المدى لتغيير الواقع ولا يُغرق نفسه في تفاصيل ومشكلات العمل الصغيرة، وإنما يُفوض أمرها لمساعديه، ليتفرغ لرسم الرؤى والإستراتيجيات والبحث عن الموارد والتنسيق مع أطراف البيئة الخارجية، وذلك بهدف إحداث نقلة نوعية في الأداء، تحقيقاً للأهداف المنشودة. قصارى القول أن القادة وليس المديرين هم الذين يصنعون الفرق في أي مؤسسة أو مجتمع وفي أي مكان وزمان.

كذلك مما أود أن نشير إليه هنا حقيقة مهمة أيضاً قد لا يدركها الكثير من الناس، وهي أن ممارسة الإدارة في القطاع العام تختلف عنها في القطاع التجاري، وكذلك في قطاع العمل الخيري التطوعي، فكل قطاع يتطلب عقليات ونفسيات ورجال بمواصفات وقابليات خاصة، فالعمل الحكومي يتطلب رجال يعشقون العمل في هذا المضمار ولديهم استعداد للتضحية من أجله دون التفكير بالعائد المادي من ورائه، غايتهم في ذلك تجسيد قيم الخدمة العامة والنهوض بمستوى التنمية في كافة المجالات من أجل مجتمع مزدهر تظلله قيم العدل والمساواة والحرية والحياة الكريمة والوئام الاجتماعي، كذلك هم رجال التجارة والأعمال لديهم أهدافهم واهتماماتهم وقيمهم التي يسعون لتحقيقها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، أهمها: إحراز أكبر قدر من الربح وتوسيع الحصة السوقية والحفاظ على ميزة تنافسية ومركز مالي مريح. وهكذا قطاع العمل الخيري، لا يأمه سوى أولئك الرجال الذين لديهم الاستعداد النفسي والذهني للعمل التطوعي دون انتضار أي مقابل عدا إشباع حاجات ذاتية (روحية) وترجمة قيم ومباديء معينة يؤمنون بها. ومع ذلك يظل مجال العمل الحكومي هو الأكثر تعقيداً وتحدياً من العمل في إدارة القطاع الخاص لاعتبارات عديدة، وهذا ما أكد عليه علماء التنظيم ومنهم الأمريكي بول أبلبي ( Paul Henson Appleby , 1891 –1963 ) الذي شغل أحد المواقع المهمة في عهد الرئيس هاري ترومان، والذي أفاد بأن وظيفة الحكومة تختلف عن أي مهنة أخرى لأنها أوسع من أي شيء آخر، ولأنها معنية بالأبعاد الفكرية والعاطفية أيضاً، وهي ملزمة أن تراعي جميع رغبات الشعب وحاجاته وتصرفاته وأفكاره ومشاعره، إنها باختصار (النشاط السياسي). وتبعاً لذلك تختلف المؤهلات والقدرات المطلوبة للقيام بالمهام الحكومية عن المؤهلات المطلوبة لممارسة العمل في القطاع الخاص.

لا شك أن رجال الأعمال يحملون عقلية وثقافة وميول واهتمامات وأولويات خاصة يسعون لتجسيدها بأقصى صورة ممكنة، ومنها: هامش الربح، والكفاءة الإنتاجية، والرشد الاقتصادي، والجودة المرتفعة، والعائد على الاستثمار ...الخ، وهي قيم تختلف في طبيعتها والغاية منها إلى حدٍ ما عن القيم السائدة في القطاع العام التي يفترض أن يراعيها ويستحضرها فكراً وسلوكاً رجل الدولة، وأن يعمل بوحيٍ منها، وهي قيم العدالة والمساواة بين المواطنين، وإحداث التوازن التنموي والتمثيل البيروقراطي، والانحياز للمناطق المحرومة والنظر بعين العطف للفئات المهمشة والمعذبة في المجتمع، مع ضرورة إعطاء الاعتبار - طبعاً- للالتزام بقيم الانجاز والجودة والشفافية والمساءلة والمحاسبة وغيرها. إن مثل هذا النوع من القيم قد لا يعيرها رجل الأعمال والتجارة الكثير من الاهتمام، لأن أولوياته اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، وذلك بلا شك سلوك أناني وانتهازي مدمر للمجتمعات؛ الأمر الذي حدا بالعقلاء وأصحاب الضمائر الحية في العالم الى التفكير بآليات لتدارك الأمر وإصلاح الخلل، وذلك من خلال الدعوات المستمرة الى تنظيم مؤتمرات وندوات للتنظير لما يعرف بالمسئولية الإجتماعية للقطاع الخاص، وبما يضمن إعادة التوازن بين قطاعات وفئات المجتمع ويضع القطاع الخاص كشريك في قلب معادلة التنمية الوطنية الشاملة، بدلاً من بقائه مجرد كيان مصلحي لا يفكر إلا بعقلية (أنا أكسب وأنت تخسر) ولا هم له سوى امتصاص وشفط الثروات وتكديسها في حسابات فئة محدودة جداً من المواطنين، بل والأخطر من ذلك ترحيلها الى ما وراء الحدود القومية، وقد انتهى الأمر بهذا المسعى النبيل إلى اقناع أو احراج قيادات ومؤسسات القطاع الخاص لتبادر في ممارسة دور معين نحو تنمية مجتمعاتها عبر تبني برامج ومشاريع انمائية مختلفة (تعليمية واجتماعية وثقافية واقتصادية وبيئية) مع أهمية الالتزام من جانب منظمات القطاع الخاص بالسلوك الأخلاقي القويم في كافة عملياتها وممارساتها وسلوكياتها وصفقاتها داخلياً وخارجياً.

في ضوء ما سبق أرجو أن لا يُفهم أن القادة المستقطبين من القطاع التجاري للعمل في بيروقراطيات القطاع العام مصيرهم الفشل والاخفاق التام. وإنما تشير تجارب العديد من الدول والمجتمعات الأخرى في الشرق والغرب إلى أن بعض هؤلاء قد حققوا نتائج مبهرة، وأبرز مثال على ذلك المرأة الحديدية (مارجريت تاتشر) رئيسة وزراء بريطانيا خلال فترة الثمانينيات من القرن الفائت، والتي أحدثت تغيير راديكالي في الفكر الإداري ومناهج إدارة الحكومة ولا زال تأثيرها حتى اللحظة وعلى مستوى عالمي، ويرجع السبب في ذلك الى أنها أتت إلى الحكومة من خلفية وظيفية متحررة نسبياً من ثقافة القطاع الحكومي، ثم استعانت أثناء إدارة شئون الدولة بشخصيات فاعلة من القطاع التجاري.

وبالنسبة لمحافظة تعز باعتبارها وحدة إدارية من ضمن الجهاز المؤسسي للدولة، فهي مثل غيرها من مدن ومناطق الجمهورية قد عانت ولا تزال تعاني من الحرمان والتهميش وهشاشة الخدمات التنموية، ناهيك عن النظر إليها بعين التوجس والارتياب باعتبارها مثلت باستمرار نافذة للتنوير الفكري والثقافي والبوابة التي دائماً ما تهب منها رياح التغيير للوطن الأم، فهي من كان لها قصب السبق في قدح شرارة الثورات وحركات التغيير سابقاً وراهناً، ومن كان له الصوت الواعي والمسئول للإعتراض على انحرافات الأنظمة السياسية المتعاقبة، مما جعلها تحرص بشتى الطرق على احتوائها وتدجينها واخماد روح الرفض والتحدي لديها وعدم السماح لأيٍ من أبنائها ذوي القدرات المتميزة بالبروز على أي مسرح إلا بالقدر الذي يسمح به المركز ولأداء أدوار هزيلة أو بهلوانية مقززة تمجها بشدة نفسية المواطن التعزي، ولا أعتقد أن الأمر بحاجة لاستدعاء أمثلة على ذلك. لقد تعرضت تعز لمحنة كبيرة منذ ثورة فبراير 2012م مثلها مثل صنعاء وعدن وإب كمدن محورية وفاعلة في المشهد الوطني، حتى تمخض عن تلك الظروف الاستثنائية ما أطلق عليه حكومة التوافق الوطني، التي بدورها جندت مجموعة من الكوادر الشابة المعبرة عن نبض المواطن والحاملة لهمومه وأشواقه وتطلعاته لتحل محل القيادات التقليدية المجلوبة من المؤسسة القبلية أو العسكرية والأمنية، والتي ظلت جاثمة على صدور المجتمعات المحلية للمحافظات ردحاً من الزمن ولم يكن لها من مشروع لخدمة المواطن، بقدر ما كان وجودها مقتصراً على أن تكون عيناً للسلطة وآليات للإحتواء وتفتيت أي مبادرات اجتماعية بناءة خشية أن تتفاقم فتشكل تهديداً من أي نوع لسلطة المركز، هذا فضلاً عن سعيها الدؤوب لتحقيق أهدافها الخاصة المتمثلة في تحسين أوضاعها ومحاسيبها اقتصادياً ووظيفياً على حساب الاعتمادات والموارد المتاحة للمحافظة. ومن ضمن القيادات الشابة التي أفرزتها الحالة السياسية الراهنة، رجل الأعمال شوقي هائل سعيد، الذي ينحدر من أسرة تجارية عريقة، عرفت بالكفاءة الإدارية والصناعية والعمل بصمت بعيداً عن أضواء الإعلام وألاعيب السياسة.

وليس بجديدٍ القول أن الأخ شوقي هائل يُعد واحداً من الشخصيات القليلة التي لم تأتي من رحم الجهاز البيروقراطي ولم يُنط بها من قبل عملاً تنفيذياً حقيقياً في البنية المؤسسية للدولة، لذلك قد تعوزه بعض الأدوات والمهارات التي تعينه على العمل بفاعلية في جهاز اداري عام معقد ومحدود الموارد، إلا أن ذلك لا يعد عيباً في حقه أو نقطة ضعف في منهجه الإداري، بل يعتبر من وجهة نظر البعض ميزة جوهرية ونقطة قوة لمثل هؤلاء، لكونهم يفدون من خارج دائرة القطاع العام برؤية مختلفة وبايدٍ غير ملطخة بأي نوع من أدران الفساد والعبث بالمقدرات العامة، إضافة إلى أن قدومهم من قطاع الأعمال يجعلهم غير خاضعين بأي درجة من الابتزاز أو الارتهان الحزبي والسياسي أو نحو ذلك، فتغدو مواقفهم قوية وحجتهم مقنعة بشكل كبير عند اتخاذ أي قرارات مهمة تتعلق بأي جانب من جوانب العمل الحكومي.

 وبرغم أن الرجل قادم من خلفية وظيفية ومن مجال مغاير هو مجال الاعمال الذي يختلف بطبيعته وثقافته وأهدافه ومحدداته وحساباته عن مجال الحكومة، فقد يفتقر إلى حدٍ ما للحساسية السياسية وادارة لعبة التوازنات والمصالح المتعارضة على مستوى الوحدة الادارية المكلف بادارتها، غير أن ما يشفع له، ويجعلنا نتفاءل به، ونتوقع نجاحات وخطوات جادة منه على طريق النهوض بمحافظة تعز هو أنه (تعزي) الهوى والتوجه واللكنة والانتماء، ولم يكن يوماً ما بمنأى عن مشكلات وهموم ومعاناة المواطنين فيها، كما أن خلو سجله من الفساد الإداري الحكومي، وعدم ارتباطه بأي أجندة حزبية أو سياسية ووضعه المادي الخاص المريح، ناهيك عن أن الرجل تلقى تعليمه في دولة حديثة وله اطلاع دائم على تجارب الآخرين بحكم سفرياته المستمرة كرجل اعمال واستثمار. كل ذلك في تقديري سوف يعفيه من إضاعة الوقت والجهد في أمور الدحبشة واختلاق الحيل أو البحث عن مخارج وتكييفات لحالات فساد وتمرير مبالغ مالية ومصادرة أراضي و(بقع) هنا وهناك كما كان يفعل المحافظون السابقون، فهو في غنىً عن كل ذلك، ومن المتوقع أن ينفق كل وقته وطاقته في سبيل التخطيط والتطوير بفكر استراتيجي للرفع من مستوى التنمية المحلية في المحافظة. والأهم من ذلك أن تعز تمتلك قدرات ومقومات مشجعة سوف تساعده على النهوض بأوضاعها ومنها ما يلي:

•تمتلك محافظة تعز الموارد البشرية الكافية (يبلغ عدد سكانها 2393425، أي بنسبة 12%)، وهي على درجة جيدة من التأهيل والقدرة على العمل إذا ما توفرت لها البيئة المناسبة والحوافز المشجعة. ناهيك عن أبنائها المغتربين في شرق وغرب المعمورة، مما سيشكلون رافداً قوياً لعملية التنمية المحلية إذا ما تم التخطيط والتنظيم السليم لتوظيف تحويلاتهم ومدخراتهم في أوعية ومشاريع استثمارية آمنة.

•تمتلك المحافظة موقع جغرافي جيد ومنفذ بحري مهم يطل على البحر الأحمر، مما ساعدها على أن تكون منطقة مفتوحة نسبياً على الماء، وبالتالي الحصول على ميناء بحري يقدم التسهيلات اللازمة لحركة التجارة والصناعة فيها.

•تتمتع المحافظة بخصائص ومقومات ثقافية وتاريخية متميزة يمكن توظيفها في تشييد مشاريع سياحية ذات عائد اقتصادي مجدي، بالإضافة إلى أنها تصنف كمنطقة ذات ميزة زراعية جيدة.

•يتميز بن محافظة تعز بعقلية منفتحة ومستوى عالي من الطموح والمثابرة والديناميكية ومواكبة حركة العصر، ليس ذلك فحسب بل ويمتلك استجابة سلوكية مطاوعة للسلطة الشرعية والتعليمات النظامية وقابلة التشكل وفق مقتضيات الواقع، مما يساعد أي قائد إداري على العمل مع ابنائها بروح تعاونية دون أي مقاومة أو رغبة في تحقيق مصالح ذاتوية على حساب التوجهات والمشاريع العامة.

•تعشعش في مدينة تعز ثقافة السلام والتسامح والعيش الآمن، بدليل أن اليمن شهدت مئات الحالات من الاختطافات والتقطعات، إلا أن حالة واحدة لم تسجل في مناطقها، مما يشجع أي مبادرات أو برامج للاستقطاب السياحي والاستثماري في المحافظة.

أخيراً أجدني مضطرا لإسداء مجموعة من النصائح الذهبية للأخ المحافظ الجديد، وهي كما يلي:

1.عدم التسرع في الشروع في العمل وإصدار القرارات مهمة، إلا بعد تحليل مكونات البيئة الداخلية للمحافظة للتعرف على جوانب القوة والضعف وما لديها من ممكنات وموارد مالية وبشرية وتقنية ونحو ذلك.

2.من خلال تحليل الواقع الحالي للمحافظة حاول أن تصيغ رؤية واضحة لما تريد أن تكون عليه محافظة تعز عند نقطة معينة على خط المستقبل ولتكن عام 2020م. ترجم هذه الرؤية المستخلصة إلى خطة استراتيجية ذات أهداف بعيدة المدى ثم إلى خطط متوسطة وقصيرة المدى، ثم إلى برامج ومبادرات وإجراءات لتحقيق الأهداف المنشودة وفق جدول زمني دقيق.

3.هيء النفوس والعقول للتغيير وحاول إقناعهم باهميته وفوائده للجميع، وتحسس من أي ناحية سوف تأتيك رياح المقاومة، ثم فكر مسبقاً بكيفية السيطرة عليها.

4.حاول أن تشرك أبناء المجتمع بمختلف تكويناتهم ومشاربهم الحزبية والفكرية والمهنية في تشخيص وحل المشكلات وصنع القرارات وتطوير السياسات، واعتبر كل من له صلة بالمشكلة خبيراً في حلها

5.حاول التخلص من الطاقم الإداري الفاسد، وأحط نفسك بفريق عمل من ذوي المعارف الحديثة وأهل الخبرة والإيمان برؤيتك وتوجهاتك المستقبلية

6.أشعر الجميع أن التغيير قادم لا محالة، بل أن عجلة التغيير قد بدأت حركتها فعلاً، وذلك من خلال بعض القرارات والتغيير في الافراد والهياكل والسياسات.

7.تابع تنفيذ الخطط المرسومة من خلال الادارة بالتجوال واعتمد على مؤشرات رقمية للأداء، والإنجاز واحذر من التقارير الرنانة التي ترفع اليك بلغة عامة وحافلةً بمنجزات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، وفي مرحلة التنفيذ حاول أن تعلن عن بعض المكتسبات السريعة ليلمس الناس نتائج العهد الجديد.

8.استق معلوماتك من أكثر من مصدر، ثم حاول أن تجري مقارنة بين تلك المعلومات لتستبين الحقيقة، فالمعلومة الصحيحة أساس التوجه والقرار السليم. ولا تنسى السلطة الرابعة (الصحافة النزيهة) فهي أداة مهمة يمكن الاستعانة بها في تسليط الضوء على الثقوب السوداء وبؤر الفساد الإداري.

9.إعلم أن العمل العام يتطلب حد أدنى من المهارات السياسية والدبلوماسية للإفلات من بعض الضغوط بذكاءٍ وحنكة، ومن الصعب استخدام معايير القطاع الخاص الصارمة في مواقف عامة، كما أن (الحنق بالتعزية) ينم عن ضيق في الأفق وقلة في الحيلة، فابتعد عنه ماستطعت إليه سبيلا.

10. احرص على الأستفادة من الممارسات الفعالة والتجارب الناجحة لدى الاخرين في المنطقة العربية والعالم، مثل تجربة محمد بن راشد في إمارة دبي وتجربة اوردغان سابقاً في بلدية اسطنبول.