يمن المساكين والسكاكين .
بقلم/ عمرو محمد الرياشي
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 27 يوماً
الجمعة 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 07:34 م

أخطر ما يهدد وتصاب به الأمة ويجعل مصيرها ومستقبلها على المحك هو التفكير السطحي والعاطفي الذي قد يصحبه أحيانا مصلحة شخصية كشهره او إثبات أمر خاص وتغليبه على المصلحة العامة .

فحينما نتحدث عن مشروع الدولة اليمنية الحديثة نجد في أعماق الكثيرين من أبناء الشعب اليمني لهفه وشغف لرؤية هذا المشروع على ارض الواقع ليخرج واقع البلاد والعباد نحو مرحلة الاستقرار والأمن والعدالة في كل جوانب الحياة الخاصة والعامة . لكن في حقيقة الأمر ان مشروع الدولة الحديثة لا يروق لدى اخرين في اليمن وهم كثر سواء بشكل مباشر او غير مباشر وإن ادعى البعض منهم مناصرتهم لثورة التغيير ومطالب الشعب ... لماذا؟

فقيام دولة تفرض نفسها على التراب اليمني وتحفظ مصالح أبناءها يقض مضاجع لوبي الفساد وتوابعه في الداخل والخارج ويلغي مصالحهم التي قامت على أنقاض اليمنيين ودمائهم وأرواحهم .

تلك المصالح تأسست على معادلة سياسية اجتماعية بالدرجة الأولى للوصول الى التحكم والسيطرة على مصير اليمن وعزل المجتمع اليمني عن الإنفتاح الفكري والتجديدي لحياتهم.

فظل الشعب اليمني أسير قيود الموروث الثقافي المتأسس على الطاعة والإنقياد داخل لوحة مرسومة مسبقا ومحددة المعالم بإطارات مشوهه عن مضمونها فقُلبت معانيها ومقاصدها لأجل صناعة الإستبداد و البقاء والإستحواذ على مفاصل الدولة اليمنية ومقدراتها تلك معادلة حملت بداخلها ( – القبيلة – العسكر – الدين) فبدل ان تستخدم استخداما صحيحا يصب في مصلحة بناء الوطن اليمني نجد ان هناك مفاهيم جديدة حرفتها عن مسارها الصحيح لنحصد بعدها الفساد والفوضى التى أضاعت عقودً طويلة من حياة اليمنيين في أتون صراعات جعلت من اليمن بلدا وشعوبا خارج إطار الفترة الزمنية للعالم المحيط به .

لقد استغلت القوى الظلامية التأثير السلبي وإشباع وإشغال عقول اليمنيين بكثير من الصراعات مستغلة الموروث الثقافي الذي قيد كثيراً اليمنيين وجعلهم حبيسيه حتى استعصى الأمر وأوقف عجلة التطور والتنمية البشرية في اليمن .

بل وصل الامر ان يكون الإرث الثقافي والفكري في اليمن منقذا في احيانا كثيره للحكام المستبدين وسيفا على رقاب اليمنيين من اجل الدفاع عن الحكم في فترات طويلة فكانت القبيلة تقصي رعيتها عن نور يرون من خلاله طريق التخلص من التبعية العمياء واستقلالهم الفكري والمدني .

ونرى الدين بقساوسته جعلوا منه حجرة عثرة من خلال تحريف كثير من أساسيات وأبجديات الدين فظل الدين يورث لنا كشعائر وطقوس محددة المعالم وأُلغي ان الدين هو صناعة الحياة الكريمة بجميع جوانبها . حتى العسكر تخلوا عن العقيدة العسكرية الوطنية بولائها لليمن التي ناضل الأولين منهم من أجل التخلص من الاستبداد والظلم ومقارعة أعوانه فأصبح عسكري اليوم مجرد تابع وقابع تحت اوامر شخصيات لا علاقة لها بصالح الوطن اليمني والدفاع عن سيادته

في ظل هذه الأغلال التي مازالت تحيط بنا في اليمن نرى ان هناك مجتمعات قد تخلصت من وباء الجهل والإرث الثقيل للفكر الاستبدادي بشتى أنواعه المباشرة او غير المباشرة وكان على رأس هذه المجتمعات هم المثقفون والعلماء الذين كانوا رأس الحربة في لعب دور الريادة والتنوير الفكري في النضال الإنساني الثوري لإخراج شعوبهم ومجتمعاتهم من قضبان السجن الفكري والثقافي .

حقيقة ما دعاني لأكتب هذا المقال هو ما يحدث اليمن مع الأسف وفي خلال الأيام المنصرمة من مهاترات وتصريحات من بعض مشائخ الدين نحو بعض الشخصيات مثل ما صرح احدهم تجاه الأُخت/ توكل كرمان وقال أنها أسوء من ابن العلقمي وهذا يثبت أننا مازلنا نعيش إرث اجتماعي وثقافي غرس فينا ولم يكن لبعضنا من مفر سوى التشبع منه لا محاله .

وانا لست مدافعا ولا مهاجما عن توكل كرمان او أي شخصية دينية او مدنية ولكن ما اقصده هنا هو لماذا نستمر في أن ننهج العقلية والكيفية التي صنعت الإختلالات في أوساط المجتمع اليمني لمجرد اختلاف الأسلوب او عدم التوافق في النهج فيما بيننا كيمنيين فكيف يراد منا معالجة معضلات وتعقيدات تهدد كيان ومصير الأمة اليمنية .

وايضا ما نسمع ونقراء من الحرب الكلامية والإعلامية بين المثقفين والناشطين مثل الإعلامي/منير الماوري واطياف الوزير وجنسية زوجها ودخول الكاتبة / بشرى المقطري على خط الدفاع عن اطياف الوزير الخ القصة .

لا ننكر ان قضية الخلاف والتنافر السياسي والأيدولوجي امر شائع وطبيعي جدا في الحياة البشرية بين كل الأطراف وبإختلاف توجهاتها .... لكن عندما تتحول التجاذبات الى عداوة و شخصنة حتى النخاع ونترك الهدف المصيري لما يحمله المثقف او رجل الدين والسياسة من رسالة لخدمة أمته نقول الى هنا وكفى .

شئنا ام ابينا نرى من خلال تعاملنا ان موروث الاستبداد مازال مسيطر علينا حتى وإن لم نعترف به وذلك يظهر جليا في التصريحات والدخول في مهاترات أشبه ما تكون مراهقات سياسية ... ففي ظل أحلك الظروف وأصعبها وأوجاع الشعب اليمني تستفحل نرى البعض يحلوا له ان يغني على جوع اليمنيين وكيفية ازهاق أرواحهم وتمزيق صفوفهم اكثر مما هي ممزقه حتى خرجت منها السموم .

مهما حصل منا على الشهادة الأكاديمية او الرتبة العسكرية او المكانة الدينية نجد في اخر المطاف ان الموروث الثقافي والبعد الاجتماعي مازال هو المسيطر والسائد على طباعنا وطريق تعاملنا مع الآخرين في الاختلاف فيما بيننا .

فما يجري من مهاترات بين نخبة اليمنيين يمثل رافدا لتراث وجدنا أنفسنا عليه وهو الإقصاء الفكري وإلغاء الآخرين . الغريب إننا نستعدي بعضنا البعض كيمنيين ونستغرب لماذا يعادينا ويستحقرنا الأخرون .

لسنا ملائكيين في تصرفاتنا وتفكيرنا ولكن هناك حدود يجب ان لا نتجاوزها فيما بيننا لمجرد فرض الأراء فثقافة الإستعداء أصبحت تخلق روح انهزامية وتضيف عبء أخر على كاهل اليمن الجريح خصوصا ان اخطر ما يكون هو الإفلاس الثقافي والإخلاقي الذي يجعل من النخب اليمنية تلعب دور وروح النظام السابق ولكن تحت عباءة الثورة والدفاع عنها لنظل كما نحن عليه في مصاف الدول الفاشلة وبقيادة نخبها .

فإشغال الرأي العام بشخصيات مثل توكل كرمان او إثارة موضوع تغيير اسم مطار صنعاء إلى مطار توكل كرمان كما قال الإعلامي/ منير الماوري ... وغيرها من تغريدات وتصريحات بعض الشخصيات المحسوبة على رجال الدين والصحافة والكتاب يجبرنا على ان نطالب بتذكير الجميع بأن هناك قضايا وطنية وقومية تستحق منا ان نركز ونسلط الأضواء عليها فمعيشة اليمنيين في ظل الفقر والعوز والجهل والانفلات الأمني وما يتعرض له المجتمع اليمني من اختراقات مستمرة سواء فكرية او عقدية او سياسية تريد تقسيم اليمن الى مستنقعات للقتل والدمار مستغله ظروف قاهرة نمر بها جميعا كيمنيين هي في قائمة الأولويات القصوى لنهتم بها ولا نكون وقودا لها كل يريد ان يصنف الأخرين ويجعل لنفسه المرجعية الثورية دون سواه .

أخيرا ... في مثل هذا الظرف الزماني والمكاني ليس كل ما يخطر على القلب من الم وهمِ على اليمن يستطيع ان يخبر به القلم بكتابة ومقالة ... ولكن أردت أن نجد من العتاب ما يوصلنا جميعا لمفتاح باب قد عجز البعض منا ان يجد لحالنا جواب.

فاليوم نحن ملزمون جميعا أكثر من أي وقت مضى أن يكون مصير اليمن وهمومه أحق بان نهتم بها وتوضيح كيفية حلحلة عقده المتعقدة والوقوف مع لملمة الصفوف ولو بكلمة صادقة تجمع ولا تفرق فحب اليمن والتضحية له أهم من الشخصنة والتركيز على مواضيع ثانوية لا طائل منها.