الفتنة الكبرى
بقلم/ فهمي هويدي
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 26 يوماً
الأحد 28 يوليو-تموز 2013 06:07 م

لا نعرف في تاريخ مصر مذبحة قتل فيها ذلك العدد من المصريين بأيدي مصريين في ليلة واحده .

فعلها محمد على باشا والي مصر قبل أكثر من مائتي عام حين دعا أمراء المماليك وقتلهم جميعا فيما عرف بمذبحة القلعة (1811).

ورغم أنهم لم يكونوا مصريين إلا ان المذبحة دخلت التاريخ وظلت صفحة سوداء في سجل الباشا.

أما جرائم القتل التي وقعت بعد ذلك في حريق قصر الثقافة ببنى سويف وحريق قطار الصعيد وغرق عبارة السلام الشهيرة فإنها كانت ناتجة عن الإهمال الجسيم ولم تكن السلطة طرفا مباشرا فيها.

أما مذبحة رابعة العدويه التي وقعت ليلة أمس وتجاوز عدد القتلى فيها مائة شخص وتلك التي سبقتها أمام مقر الحرس الجمهوري التي قتل فيها أكثر من خمسين شخصا إضافة الى حوادث القتل التي وقعت في المحافظات الأخرى فإنها جرائم تحسب على السلطة.

أيا كانت الحجج والذرائع فإن القتل الذي تم بأمر من السلطة سواء في القاهرة أو خارج حدودها لا يمكن تبريره لا قانونيا ولا وطنيا ولا أخلاقيا.

ولايحسبن أحد من رجال السلطة – مهما علا مقامه – ان ما جرى يمكن قبوله حتى إذا تم في ظل تفويض شعبي مهما كانت قيمته ,

ذلك أننا لا نفهم ولا نتصور اننا بصدد تفويض بالقتل يحصد أرواح عشرات المتظاهرين او المعتصمين السلميين ويغرق الوطن في بحر الدماء.

إننا بازاء فتنه كبرى لوثت عقول وضمائر كثيرين ممن احتفلوا بالمذبحة او حاولوا تبريرها بقدر ما لوثت الدماء ايدي كل القائمين بالأمر في مصر , سواء الذين أصدروا أوامر القتل او الذي حرضوا عليه او الذين سكتوا عليه.

ومن المخجل ان يكون على رأس الدولة في الوقت الراهن رجل رأس المحكمة الدستوريه.

ومن المحزن أن يرأس الحكومة صديق استقال من منصبه كنائب لرئيس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف لان ضميره لم يحتمل الاستمرار في موقعه بعد مذبحة ماسبيرو التي راح ضحيتها ثمانية وعشرون شخصا ,

 ثم يلتزم الصمت بعد مذبحتي رابعة العدويه والحرس الجمهوري ,وفي حين يتساقط القتلى في أنحاء مصر كل يوم.

أما اصدقاونا الآخرون الذين توزعت عليهم مناصب الوزارة ونالوا من الرتب ما نالوا فلا اعرف كيف يسمح لهم ضميرهم الوطني او موقفهم الأخلاقي بالوقوف متفرجين على جثث القتلى ودمائهم النازفة.

لامجال للحديث الآن عمن أخطا او أصاب لأنه لا صوت ينبغي ان يعلو الان فوق صوت الدعوة الى الكف عن القتل والمطالبة بوقف لحظة الجنون الراهنة.

أدري انه حين يطلق الرصاص لا تكون هناك حاجه الى الكلام بل ان دوي الرصاص يحجب حشرجات الضحايا وانين المكلومين.

لكن دروس التاريخ علمتنا ان من يطلق الرصاصة الأولى لا يستطيع ان يتحكم في الرصاصة الاخيره.فضلا عن انه لا يستطيع ان يتحكم في عواقبها وتداعياتها.

وفي دروس التاريخ نماذج لحالات كان بعض المستكبرين ضحايا اغترارهم بقوتهم ولم يدركوا ان الرصاصات التي أطلقوها ارتدت الى صدورهم وعند الحد الأدنى فإنها أدرجتهم في سجلات التاريخ ضمن الأشرار والقتلة.

اذا كان لمثلى ان يتمنى شيئا في اللحظة الراهنة فلست أتمنى أكثر من ان يوقف القتل ويعود العقل الى مكانه هاديا ومرشدا.

لكن أخوف ما أخافه في ظل الافتنان بالتفويض المزعوم والاغترار بالقوة ان تتسع بحيرة الدم وان يهيمن الجنون بحيث ينضم الوطن في النهاية الى قائمه الضحايا.

-صلوا من اجل مصر في محنتها.