المؤامرة على مصر
بقلم/ مرعي حميد
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر
الأربعاء 21 أغسطس-آب 2013 03:26 م

الديمقراطية هي الآلية الوحيدة القادرة على تمكين الشعب من حقه في التحكم في السلطة على ارضه والتحكم في ثروته والمؤدية الى ذلك ،وتقف العقلية الاستبدادية كأبرز عدو للديمقراطية بهذا المعنى ومن ذلك عقلية مصادرة حق الآخرين في حكم انفسهم بأنفسهم كعقلية تسلطية فوق القطرية .إنّ رغبة الشعب والأغلبية منه على وجه التحديد تتناقض مع رغبات اصحاب المصالح الخاصة الذين لا يستطيعون النمو والوجود وانفاذ ارادتهم الأنانية إلا بتغييب ارادة الشعب عبر الحكم الاستبدادي الفاسد ،ان الطموح في السلطة اياً كان هدف الطامح يهدده ضعف الشعبية وعدم ضمان نزاهة الانتخابات ولذا فان من يتآمر على الديمقراطية هو صاحب الاغلبية الضعيفة ومن يرفض المشاركة الانتخابية ،لا الديمقراطية كآلية متكاملة،هو من لا يثق في النزاهة الإنتخابية،ومع هذا فانه قد يشارك مع انه موقن ان الفوز لن يحالفه ولكنه عبر المشاركة يفقد النظام المتسلط متعة الادعاء بديمقراطيته وانتخابيته وانتخابه بنزاهة كما انه قد يجد المشاركة الانتخابية وسيلة مهمة لخطاب الجماهير وتجديد الحراك الحزبي الداخلي وكسب مؤيدين جدد وحفاظ على من تم كسب تأييده وموالاته من قبل مع الاعذار للشعب انه قد تقدم ولكن عوامل عديدة لم تمكنه من أداة السلطة الاكثر فاعلية على المستويين الجمعي والفردي .الديمقراطية هي الضمان الوحيد للشعوب للنجاة من تبعات التنافس على السلطة بغض النضر عن اهداف المتنافسين في تنافسهم ،فمنهم من يعتبر السلطة هي وسيلة البناء والتنمية الوطنية ومنهم من يعتبر السلطة شهوة في حد ذاتها ولذا فهو ينافس للتمتع بها .وتبقى الجيوش هي الحامي لإرادة الشعب عبر تمكينه من المشاركة الانتخابية النزيهة وحماية ارادته التي لا تتحدد الا عبر الانتخابات الحرة والنزيهة .

لقد كانت الديمقراطية هي الوليد الطبيعي للربيع العربي الذي اتاح ويتيح لبلدان الربيع الانتقال من الحكم الاستبدادي الفاسد الى الحكم الديمقراطي الرشيد ،ولذا كان طبيعياً ان يقف ضد الربيع العربي الحكومات العربية المستبدة الفاسدة وان تسعى بكل ما اوتيت لتشويه الربيع العربي والعمل لإنشاء مصادات حتى لاتصل رياحه الى اقطارها على نحو تقديم اموال للشعب تحت مسميات متعددة وابرز نموذج ما عملته الحكومة السعودية واعتبرت ذلك انه جاء بمناسبة تماثل الملك السعودي للشفاء .

لقد جاء الربيع العربي ،ويتواصل، ليعيد للشعب حقه في التحكم في سلطته وثروته عبر الآلية الديمقراطية وفي مقدمتها الانتخابات الحرة والنزيهة .وقد ذهبت النخب المثقفة التي لا توجد لها شعبية مجتمعية تمكنها من الوصول الى السلطة فيما يمتلك خصومهم التاريخيين تلك الشعبية ،ذهبت تلك النخب تشوه الديمقراطية وترفض ديمقراطية الصناديق ،وفي تآمر فج منها على الانتخابات ذهبت تخترع اغرب وسيلة لتحديد الارادة الشعبية وهي بدعة الحشد في الشارع وهو ما يتناقض مع روح الانتخاب الذي يشترط له السرية حتى لاتصادر ارادة الناخب تحت الضغط والاكراه وكذلك تساوي الفرص في العمل لتحشيد الجماهير في طوابير الاقتراع وهي الالية الوحيدة التي تمكن من تحديد الارادة الشعبية بصورة صحيحة ومقنعة .

كان الاعلام وسيلة مهمة لصنع راي عام يوافق هوى الحكومات والقوى التي تعادي الديمقراطية من اجل مقاومة الربيع الديمقراطي عبر محاولة تشويهه ومنع وصوله الى معاقل استبداد جديدة وليكون نتاجه اينما حل يتوافق ونزوات اعداء الديمقراطية ،اعلام يسعى لتكوين حصانه شعبية ضد انتقال (عدواه) و صناعة راي عام مشكك في جدوى الربيع، وهو لا يخلو من انتقائية تجاهه بحسب موقف القائمين عليه ، وهو ينكر غالباً انه ربيع ،كما انه لا يسمي ثوراته ثورات ويتحاشى ذلك ،وسواء كان هذا الاعلام تلفزة ام صحافة ،والحديث هنا لا يشمل اعلام النظام القائمة في وجهه الثورة الربيع عربية وان كان كل ما سيأتي ينطبق عليه ولكنه يتفوق عليه اضافة الى انه مفضوح ومكشوف في عموم رسالته،و يمكن استخلاص السمات المشتركة والسياسة الاعلامية واولويات هذا النوع من الاعلام وهو يتناول احداث وتطورات ومشهد الربيع العربي في ما يلي:

1) يسكت عن الإيجابيات او يحاول الانتقاص منها

2) يضخم السلبيات المرافقة للمد الثوري الديمقراطي

3) يروج للخلافات البينية ويسعى لتأجيج نار الفتنة ما دام ذلك يخدم رؤيته

4) يركز على فداحة تكاليف الربيع من حيث القتلى والجرحى والمفقودين و احوال النازحين المأسوية ،بالرغم من ان للحرية والخلاص ثمنهما اللازم دفعه طال الزمن او قصر وهو كلما استطال ازداد.

5) يركز على مشهد المعاناة في مجالات الحياة المختلفة بسبب الثورة وتداعياتها وردة فعل المستبدين ضدها لإفشالها او عرقلتها.

6) يسعى جاهداً ليُثبت انه لا فرق في اوضاع البلد قبل الثورة وبعدها غاضاً الطرف عن ان الثورة ترث التدهور الذي كان حاصلاً وبسببه اندلعت الثورة وهو في كل ذلك يغض الطرف ان البلد لا زال حديث عهد بثورة وتغيير سياسي هو مفتاح لما بعده .

7) يميل الى تبني وجهة النظر الاقرب الى توجهه على حساب ما سواها وتوجهه غالباً يعادي الاسلاميين بصفة عامة والاخوان المسلمين بصفة خاصة.

8) يسلط الأضواء على أي بادرة للفوضى والتذمر والعنف عبر الأخبار والتقارير.

9) اعداد وادارة التقارير والاستطلاعات والبرامج بحيث لا يستضيف الا المرغوب فيهم ويستبعد غيرهم او يجعلهم اثنين مقابل واحد او يستضيف الاقل احترافية وقدرة على المناقشة وطرح الرؤى بفاعلية مع كثرة المقاطعة لهذا الاخير ومحاولة ابخاسه وقته النسبي وحيزه .

10) يختلق احداث مناسبة لرسالته و يُغيب المعلومات والحقائق التي لا تروق له، و يصنع تعميمات لا اساس لها من الصحة ولا الواقعية .

 لقد كانت مصر اهم دول الربيع العربي نابع هذا من اهمية مصر ومكانتها،وبالتالي كانت الديمقراطية فيها اهم الديمقراطيات وقد جاءت بالإخوان المسلمين الى السلطة عبر خمسة استحقاقات انتخابية مشهود لها دولياً بالنزاهة ،ومن هنا كان التآمر عليها من اعداء الديمقراطية ابرز واهم فصول التآمر ضد الديمقراطية،وقد شارك في التآمر عليها ثلاثة اطراف :

· طرف مصري تكون من ثلاثة شعب :طغمة النظام الذي اسقطته ثورة 25يناير الربيع عربية و نخبة علمانية ليبرالية لا شعبية جماهيرية لها مع عداء تاريخي للتيار الاسلامي والاخواني منه على وجه التحديد وهو صاحب الجماهيرية الشعبية بامتياز وكان هو دعامة انتصار ربيع مصر الديمقراطي في 11فبراير2012م والعمود الفقري لثورة يناير المجيدة ،وثالث الشعب قيادة غير وطنية لجيش مصر المصنوع امريكياً .

·الحكومات الخائفة من ان يصلها الربيع العربي وفي مقدمته الحكومة السعودية التي تناوئ تيار الاخوان المسلمين الذي يحمل الاسلام بشموله نقيضاً للانتقائية التي تحرص عليها الحكومة السعودية وتتبناها عبر علمائها ودعاتها التي تضمن بقاء نفوذ آل سعود على اكبر دولة نفطية تتحكم في الحرمين الشريفين المكي والمدني .

·الولايات المتحدة الامريكية التي تجد في حكم الجيش المصري بقيادته غير الوطنية خير ضامن لمصالحها في مصر ومنها استباحة مصر وابقائها تحت السيطرة .وهي الحاضن للمشروع الصهيوني في فلسطين المتعهد بضمان امنه واستقراره .

لقد سارت المؤامرة على الديمقراطية على ثلاثة خطوط متوازية : اولها تعويق حكم الرئيس المنتخب ديمقراطياً الدكتور محمد مرسي والنيل من مكانته والعمل على تشويه سمعته،وثانيها تشويه جماعة الاخوان المسلمين استناداً الى تاريخ نظيف تم تشويهه وإدعاء عريض بعدم وطنيتها بل وتآمرها على الوطن ووحدته ،وضعف أداء الحكومة بفعل التعويق مع ادعاء مستمر بتوجه الاخوان المسلمين الانفرادي (الأخونة) وثالث الخطوط التنظير الفج الغريب ومحاولة خلق وعي لا يؤمن بوجاهة (ديمقراطية الصندوق ) وقد سخرت اموال طائلة وعطلت ممكنات وطنية مصرية وعربية كان من شأنها الإسهام في نجاح تجربة الحكم الديمقراطي وكان لوسائل إعلام مصرية وعربية واجنبية دور في تنفيذ فصول المؤامرة التشويهية المستهدفة للوعي وخلق راي عام يقبل بالانقلاب ويقبل بالثورة المضادة ،وكانت نتيجة التآمر الانقلاب العسكري الدموي في 3يوليو2013م الذي البس لباس الثورة وتتعامل اطرافه معه وكأنه ثورة على الاخوان المسلمين وبالتالي مسعى مسعور للقضاء على الجماعة ،لقد كانت ثورة 25يناير ضد حكم استبدادي فاسد يرفض الديمقراطية،لقد كانت ثورة يناير المجيدة من اجل وطن يقوم الحكم فيه على اساس الديمقراطية التي تضمن له وفق مقدراته حقه في الحرية والعدالة والكرامة والعيش الآمن ،وانتصرت تلك الثورة وتحققت الديمقراطية ،غير ان نخب الحقد والعداء للتيار الاسلامي والإخواني منه خاصة كانت عقبة امام نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة وذهبوا يتآمرون ضدها نكاية بالاخوان المسلمين وانتظموا في معسكر اعداء الديمقراطية وكانت النتيجة الفاضحة الانقلاب الدموي وذهب اطراف الانقلاب واشخاصه ومنهم وزير خارجية السعودية يتحدثون ويمجدون ثورة (الثلاثين مليون زعم) هذه بالرغم من ان السعودية ضد منطق الثورات الربيع عربية ولكن كانت هذه المرة هي اكبر الداعمين للثورة (الانقلاب في الواقع والتفصيل على الديمقراطية الوليدة) و اسقط هذا الانقلاب الدموي اوراق التوت عن القوى المتلفعة بالإسلام والسلفية وخدمة مقدسات الإسلام و القوى المتلفعة بالدولة المدنية والديمقراطية ونشرها وحقوق الإنسان والدفاع عنها ومحاربة الإرهاب والذي نشهده في ارهاب الطغمة الانقلابية وتحول امر التآمر على الديمقراطية وكأنه حرب على الارهاب في محاولة بربرية مستمرة في تجريف الوعي وقلب الحقائق وضرب الشعب في الصميم عبر حرمانه الآلية الديمقراطية واضعاف التيار الاسلامي الوطني الحق .

يتحدث البعض في الديمقراطيات الناشئة عن أنّ من عوائقها عدم جهوزية الشعب للديمقراطية بسبب الفقر والأمية والأمية الثقافية اللتان قد يكونا منتشرين في شرائح مجتمعية مهمة من حيث العدد والقدرة التصويتية ،غير ان التحليل والنظر كانا غائبين عن معوق حقيقي وجيه وهو افتقار بعض النخب للإيمان بالديمقراطية والاعتراف بنتائجها وقبولها والتصرف وفقها لا بالقفز عليها والكفر بها،لقد كان هذا من ابرز دروس الانقلاب العسكري الدموي في مصر الذي بلغ من صفاقته لدرجة لم يستطع بعض رموز تيار الزعم بالمجتمع المدني الديمقراطي تحمّل رعونات الطغمة الانقلابية فآثر تقديم الاستقالة والرحيل خارج المشهد الساقط صانعوه في قعر الاجرام والافلاس الاخلاقي والقيمي.

لقد بينت احداث الانقلاب الدموي الغاشم انهزامية وافلاس والتيار العلماني الليبرالي وأنه يشكل خطر حقيقي على المشروع الديمقراطي كونه يعلي مصالحه الحزبية ،تماماً كما يعلي مصلحة افراده الماديين النهمين للمال والمسكونين بشهوة السلطة والتسلط ، كل ذلك على حساب مصلحة الشعب والوطن الحقيقية لا الموهومة،واثبتت احداث الانقلاب، القائم على ترويج الأكذوبة السوداء لدرجة تصديقها من قبل مروجيها والبناء عليها،أثبت أنّ من العرب عسكريين ومدنيين من هو مستعد ليجدد تاريخ الهمجية والإجرام ولوكان غير محتل غاز إنما ضد ابناء شعبه وابناء الامة التي ينتسب لها زوراً وبهتاناً ،و اثبتت بطولة وثبات التيار الإسلامي المشارك في التصدي بفعالية للانقلاب البربري وانحيازه إلى إرادة الشعب والدفاع عنها مهما كانت التضحيات كما بينت ايمانه الحق بالديمقراطية والنضال السلمي في سبيل تحقيقها والحفاظ عليها ،وثبتت الاحداث حكمة ونبوغ وزعامة الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي الذي يظل هو رمز الشرعية الديمقراطية والملحمة الوطنية التي تتصدى للطغمة الانقلابية وملهمها الى جانب شهداء الملحمة الذين هم الهام ثوري مستمر،كما بينت هذه الاحداث هذا استعداد الشعب للإلتفاف حول القوى الوطنية الحقة والصمود معها في سبيل مصلحة الوطن ومهما كان الثمن اللازم دفعه على هذا الدرب .وبينت احداث الانقلاب على الديمقراطية ان ابوّة المشروع الديمقراطي الوطني قد انتقلت فعلياً من المعسكر الغربي الى المعسكر الشرقي ممثل في التيار المصري الديمقراطي بزعامة الرئيس محمد مرسي بعد ان اثبتت الاحداث أنّ اوباما انما كان بطل و(نبي) الديمقراطية الكذاب الذي جاء في مطلع رئاسته الى مصر وتركيا يتنبئ بها ويدعي حمله لرايتها للشعوب المحرومة منها كأفضل ما انتجه الفكر الغربي الحديث كمفتاح لا غنى عنه للشعوب لتحقيق التنمية والازدهار،واذ به يتورط في تأييد و دعم الانقلاب على اول ديمقراطية عربية.

لقد اتخذ اعداء الاخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي من وقوف الاسلاميين والاخوان خاصة في وجه الانقلاب الذي هدفه حرمان مصر من أي مكتسبات لثورة 25يناير الربيع عربية ويحرمها الآلية الديمقراطية ذريعة للانتقام و للنيل من الاخوان المسلمين وتشويههم واضعافهم وبما يقلل فرصهم التنافسية في أي انتخابات نزيهة قادمة في حال سقوط الانقلاب القادم لصالح النخب العلمانية والليبرالية المفلسة المتفحمة الضمير المفتقدة للشعبية وسواء كان رموزها وقادتها مدنيين او عسكريين.

لقد كانت المحصلة في التآمر على الديمقراطية المصرية تفريغ لثورة 25يناير المصرية الديمقراطية من محتواها وثمرتها واستبدالها بحكم ديكتاتوري متغطرس غاشم،ومجازر دموية يندى لها الجبين تسقط كل معنى انساني عن المتورطين في الانقلاب وتدعيمه ،وإنحراف بشع للجيش والأمن عن أداء رسالته الوطنية المفترضة المتمثلة في الدفاع عن الوطن وبنيه لا هدر ارادتهم وكرامتهم و اعمال آلة القتل والخراب في صفوفهم حتى اصبح عدو الشعب الحقيقي كامن بين صفوف جيشه وشرطته،ردة تسلطية بغيضة وحرمان مؤقت على الأقل للشعب والوطن من النتاج الإيجابي للديمقراطية وسقوط اخلاقي وقيمي لحكومات التآمر وقواه واشخاصه وعلو قيمي و وجودي للمدافعين عن الديمقراطية وحق الشعب المصري في التحكم في سلطته وثروته عبر الآلية الديمقراطية الضامن الوحيد لذلك وانفضاح القوى التي تدعي الديمقراطية وتزعمها وتروج لها وترعاها دولياً ولم تكن بعضها تكف عن الحديث عن الخوف من عدم قبول التيار الإسلامي للديمقراطية.

غير أنّ السيناريو المصري مستمر في أحداثه وفصوله،وفي الوقت الذي نجد أنّ السيناريو التمثيلي الذي هو تمثيل للواقع بصورة متطابقة او متشابهة يبدأ بانتصار المجرم المبطل ولكن البطل الحقيقي ينتصر في النهاية وفي حال الجرائم ضد الانسانية فان السيناريو الارضي له جزء ثان آخروي يُقتص فيه للمظلومين من الظالمين ،وهذا اليقين عاصم من الوقوع في براثن الالم واليأس الديمقراطي والوقوع في الخطاء والتجاوز .وحين ننظر الى التجارب الديمقراطية نجد غناء ودروس مهمة وتبقى تركيا خير مثال وتجربة ،فقد جوبهت الديمقراطية بتآمر العسكر وانقلاباتهم وعربدتهم ولكن صبرت قوى تركيا الوطنية وصابرت وجنت الثمرة لشعبها ووطنها العزيز المتقدم اليوم . وفي واحدة من أقسى المنعطفات كان قبله لحزب السلامة الوطني حضور شعبي كبير ومؤثر حتى انه في فترة شارك في الحكومة ولوضع حد لمكانة الحزب وتعاظمه رغم المؤامرات المتتالية وفي 6-9-1980م نظَّم حزب السلامة الوطني مظاهرة كبرى في مدينة قونية بمناسبة يوم القدس العالمي شارك فيها أكثر من نصف مليون تركي وفدوا من كل أنحاء تركيا، وهتف فيها المتظاهرون: "نريد الإسلام ولا نرضى بسواه" وحملوا في مقدمة المظاهرة مجسماً ضخماً لقبَّة الصخرة المشرفة، ولافتة عريضة تحمل شعار الإسلام الخالد: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

وفي اليوم التالي 7-9-1980 كانت الإذاعة تذيع البيان رقم (1) معلناً انقلاباً عسكرياً بزعامة الجنرال كنعان إيفرين، وفي 11-9-1980م صرَّح قائد الانقلاب بأن الجيش تدخَّل ليوقف المدَّ الإسلامي، وليوقف روح التعصب الإسلامي التي ظهرت في مظاهرة قونية.

وفي عددها الصادر في أعقاب وقوع الانقلاب نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية على غلافها صورة لقائد الانقلاب الجنرال كنعان إيفرن مع تعليق يقول: العسكر يوقفون المد الإسلامي. وأسهبت في صفحاتها الداخلية في الحديث عن الانقلاب الذي جاء لينقذ العلمانية في تركيا من خطر الإسلاميين.

فاعتقل نحواً من 130 ألف شخص من اتجاهات مختلفة ، وصدرت أحكام بالإعدام في حق 3600 شخص . وتم إلغاء الأحزاب السياسية والدستور والبرلمان ،وقام الانقلابيون بحل الأحزاب، وفرضت الإقامة الجبرية على زعمائها، باستثناء أربكان الذي اقتيد إلى السجن، ثم رفعت الإقامة الجبرية عن زعماء الأحزاب، بينما مثُل أربكان وإخوانه من قيادات حزب السلامة الوطني أمام محكمة عسكرية في 24-4-1981 ، وفي نفس اليوم صرح رئيس الوزراء الذي عيَّنه الانقلابيون بولند أوسلو بأن حكومته ضد الإرهاب الشيوعي الأحمر، وضد الإرهاب الإسلامي الأسود، وأنه لا مكان في تركيا الحديثة للإخوان المسلمين الذين ينتهكون العلمانية (كما جاء حرفياً في التصريح).

وكانت لائحة الاتهام ضد البروفيسور أربكان وإخوانه زاخرة بالتهم، ومنها:

1 - العمل على تبديل قوانين الدولة العلمانية بمبادئ تقوم على أساس الإسلام.

2 - رفع الحزب لشعارات وهتافات منافية للعلمانية منها: محمد قائدنا، سنحطِّم الأصنام، سنقيم دولة الإسلام، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (81)(الإسراء).

3 - إلقاء أربكان خطبة في الحجاج الأتراك في عام 1977م قال فيها: يجب أن نبحث فيما إذا كان حكَّامنا يحكموننا بالقرآن أم لا..!

4 - إصرار الحزب وزعيمه على المطالبة بفتح مدارس تحفيظ القرآن، وإعادة الصلاة في مسجد أيا صوفيا (حوَّله أتاتورك إلى متحف).

5 - مطالبة الحزب بجعل يوم الجمعة عطلة رسمية بدلا من الأحد، وأن يتم اعتماد الزواج الشرعي بدل المدني.

6 - اتهام الحزب لأتاتورك بأنه كان ماسونياً.

وحكمت المحكمة في 24-2-1983م بحلِّ حزب السلامة الوطني، وبالحكم على أربكان بالسجن لمدة (4) سنوات، وبأحكام أخرى على العديد من قيادات الحزب، وكانت التهمة التي أدينوا بها: معاداة العلمانية والسعي لإحلال الشريعة الإسلامية بدلاً عنها.

وتفرّد قائد الانقلاب العسكري كنعان أيفرين بحكم البلاد مدة 7 سنوات، صاغ خلالها دستوراً أكثر علمانية، ضَمِنَ لقادة الانقلاب العلمانيين حصانة دستورية إلى الأبد! وبعد خروجه عن السلطة تمت محاكمته ،فيما عادت تركيا تدريجياً الى الديمقراطية المتوازنة رغم النكسات التي تعرضت لها وتجاوزت الديمقراطية التركية معظم العقبات في ظل حكم حزب العدالة والتنمية المستمر منذ عام 2002م .

يكتب احمد منصور في مقال له عن ايفرين : ((لكن الأيام دارت وبعد أكثر من ثلاثين عاما من الانقلاب تغير كل شىء وسقطت الحصانة التى منحها لنفسه وفتح ملف الانقلاب وحول إيفرين للمحاكمة هو ومن بقى على قيد الحياة من جنرالاته، وقد سعيت لأحصاء التهم التى وجهت للجنرال إيفرين والجرائم التى ارتكبتها فوجدت وكالة جيهان التركية للأنباء نشرت تقريرا فى 14 سبتمبر 2010 يحوى ملخصا عن الجرائم التى ارتكبها الجنرال كنعان إيفرين بحق الشعب التركى بعد القيام بانقلابه نقلا عن كتاب ألفه الصحفى التركى «أوغوز جوفن» كان من أهمها

1ـ اعتقال 650 ألف شخص تعرضوا لشتى صنوف التعذيب.

2ـ قيد مليون و683 ألف شخص فى سجلات الأمن،

3ـ حوكم 230 ألف شخص فى 210 آلاف قضية سياسية.

4ـ حكم بالإعدام على 300 شخص نفذ الحكم فى 50 منهم

5ـ قتل 171 شخصا تحت التعذيب، وتوفى 144 فى السجون ومات 14 بعد الأضراب عن الطعام وانتحر 43 شخصا فى السجون وقتل 16 خلال محاولاتهم الهروب بينما لايزال الآلاف فى عداد المفقودين.

6ـ فر ثلاثون ألف شخص من المعارضين السياسيين من خيرة العلماء والمفكرين وطلبوا اللجوء السياسى خارج تركيا، كما نفى 14 ألفا من المعارضين خارج البلاد.

7ـ أقيل 3654 مدرسا و120 أستاذا جامعيا و47 قاضيا من وظائفهم بسبب معارضتهم السياسية للعسكر.

8ـ اعتقل مئات الصحفيين، وطلبت عقوبة السجن لمدة أربعة آلاف عام لـ400 صحفى صدرت أحكام بحق 31 منهم ومنع الصحفيون من النشر 300 يوم وتم ملاحقة الصحف وإغلاقها وحرق أعداد منها بعد صدورها.

إنّ المؤامرة الجارية فصولها ضد مصر :ديمقراطيتها ووعيها وصفها الوطني الراشد ،مصيرها السقوط وسقوط رموزها المهين والفشل في مراميها واهدافها رغم الأذى،وسيعود لمصر بصمود وتضحيات شعبها وطلائعها الوطنية من كل التوجهات وجهها الديمقراطي ،سيعود هذا في مسيرة نضال سلمي عنوانه المظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني والبيانات ورفع القضايا امام المحاكمات والكتابات الحرة وغيرها من وسائل النضال السلمي مع صمود الرئيس المنتخب وتمسكه بشرعيته في وجه الطغمة الدموية،وان اضطرت قوى مصر الديمقراطية الحية لخوض الثورة المسلحة دفاعاً عن ارادة شعبها التي اغتالها العسكر وشركائهم في المؤامرة من داخل مصر وخارجها ،ستكون (اسرائيل) مستفيد من عمل مسلح ولكن لن تكون فائدتها اكبر من الفائدة التي سيجنيها الشعب المصري فلابد مما ليس منه بد ومصلحة الشعب المصري اولى بالأنفاذ والرعاية وان كان هناك مستفيد متربص بمصر،ولن يكون العمل العسكري غريباً في مسيرة العمل الوطني ففي تجربة ديمقراطية جنوب افريقيا تجربة ملهمة في مسار ديمقراطي يغلب عليه السلمية فبعد أن قامت حكومة جنوب إفريقيا العنصرية بحظر نشاط المؤتمر الوطني الإفريقي عام 1960م، نجح نيلسون مانديلا في تكوين تنظيم عسكري أطلق عليه (رمح الشعب) لمناهضة التمييز العنصري. وبدأ مانديلا بتجديد نضاله السري ضد حكومة الأقلية البيضاء، حتى قبض عليه سنة 1962م ، وحكم عليه بالسجن المؤبد.. وفي أغسطس عام 1990م، أصدر مانديلا أمرًا بإيقاف الكفاح المسلح ضد الحكومة الذي ظل مستمرًا منذ عام 1960م. وانتخب مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الإفريقي عام 1991م.وفي العاشر من مايو عام 1994م أجريت أول انتخابات حرة يشترك فيها البيض والسود فاز فيها مانديلا ليصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا بصورة رسمية، وانتهت ثلاثة قرون أو أكثر من التمييز العنصري في تلك البلاد. واذا كان مانديلا وتنظيمه قد واجه عنصرية عرقية فان مصر اليوم تواجه عنصرية سياسية و الغة في الدم والهدم والعربدة .

تتحمل طغمة الانقلاب ومؤيديه ومعاونيه وزر الدماء والجراحات والخراب والإجرام الذي يحل بمصر بفعلهم الشنيع الذي لا مبرر له وانما هو استجابة لأهوائهم ومطامعهم وسيبقى العار مرافق لاسمائهم،و ستعود الديمقراطية وان كان بعد تسلط للطغمة الانقلابية العسكرية لبعض الوقت وبعد ضريبة باهظة جديدة تُضاف وتكمل الضريبة التي دفعها الشعب المصري في ثورة 25يناير2011م المجيدة التي اندلعت لتقضي على حكم العسكر التسلطي الفاسد الذي دام 60عاماً متصلة في مصر.