مبادرة الرئيس تصنع أزمة
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 21 يوماً
الثلاثاء 02 أكتوبر-تشرين الأول 2007 03:03 ص

مأرب برس – خاص

المتأمل في سياق المبادرة السياسية المقدمة من قبل الرئيس على عبد الله صالح وما أعقبها من تصريحات وتحركات تنظيمية من كلا الطرفين " الحاكم والمعارض " يكتشف ثمة ملامح لأزمة سياسية جديدة تلوح في ألأفق .

مبارده الرئيس وبغض النظر عن محاسنها ومساوئها يمكن أن يستغلها " الخٌصماء السياسيون " في الدخول إلى متاهات ومناكفات جديدة من الصراع السياسي في اليمن , ولربما جيرها كل طرف طمعا في تحقيق مكاسب سياسية في المرحلة القادمة خاصة والانتخابات النيابية على لأبواب وتفصلنا عنها بضعة أشهر لا غير .

بل لقد بدأت تلك المناكفات من أول لحظاتها الأولي بعد أن رفضت أحزاب اللقاء المشترك تلك المبادرة , ول أول وذالك عبر الرد الرسمي من قبل الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام حيث عبرت في بيانها الصادر عن استغرابها واستهجانها من ما أسمته " الموقف العدمي من قبل أحزاب اللقاء المشترك " ووصفت أمانة الحاكم موقف المشترك بأنة " موقف يكرس كل يوم مواقف تدميرية ودعوات متشنجة لا تدل إلا على رفض للمبادئ والممارسة الديمقراطية وخروجاً عن الثوابت الوطنية وأسس العمل السياسي .

هذه المناكفات الإعلامية هي التي ستعمل على إلهاء الرأي العام اليمني عن العديد من الهموم الحالية والمدرجة ضمن أهم أجندة كلا الطرفين .

شخصيا أميل للتوصيف الذي طرحة الدكتور محمد الصبري أمين عام مجلس الوزراء السابق والباحث والخبير الاقتصادي والمقيم حاليا الولايات المتحدة الأمريكية وأحد المشرفين على عملية إعداد البرنامج الانتخابي للرئيس " صالح " بأن مستشاري الرئيس" في الحزب الحكم " أخطئوا مرتين: عندما أنحرفوا بطبيعة الدعوة لأحزاب اللقاء المشترك مع رئيس الجمهورية من لقاء ودي إلى لقاء عملي ، وكذلك عندما أوعزوا للأخ الرئيس لتقديم مبادرة كان من الأجدر أن تقدم باسم - حزب المؤتمر الشعبي العام - وليس باسم "رئيس اليمن" بحيث لو تم رفضها لأسباب سياسية لم يكن هناك أي حرج على رمزية مكانة الرئيس السياسية والاجتماعية، فضلاً أنه لو تم تقديمها مؤسسياً باسم المؤتمر الشعبي العام سيكون لها أكبر الأثر في مؤسسة العمل الحزبي وإعطاء فرصة لبقية الأحزاب للتعاطي مع تلك المبادرة بحرية ومن دون إحراجات، بالإضافة إلا أنها ستجعل من فخامته كرمز وطني وأب لجميع الأحزاب يلعب دور الحكم بين مبادرات المؤتمر ومبادرات اللقاء المشترك.

اليوم وبعد الرفض الرسمي يقف رئيس الجمهورية في موقف " محرج " كونها قدمت من أكبر شخصية سياسيه في البلد.

هذا الخطأ لم يتنبه له الأخوة في قيادة المؤتمر إلا نهاية المطاف بعد أن وقعوا في خطأ كبير , ووجهوا رسميا من كبرى أحزاب المعارضة اليمنية بالرفض ويا ليت وصل الأمر إلى الرفض فقط بل وصل الحد إلى المسخرة بمبادرة الرئيس حيث وصفها الناطق الرسمي للقاء المشترك في حديثة لقناة الجزيرة بأنها ليست مبادرة وإنما " خواطر رمضانية " .

الحزب الحاكم وبعد أن تيقظ على حقيقة الأمر لجأ إلى عدد من التحركات الشعبية في إظهار المبادرة ودورها الريادي في بناء اليمن الحديث وذالك حفاظا " على ماء وجه الرئيس " أمام الرأي العام المحلي والعالمي .

التحركات الشعبية بدأت سريعا ومن أٌولى أيام طرح المبادرة حيث ,بدا الحزب الحاكم أولى هذه التحركات الشعبية من محافظة عدن حيث خرجت مجاميع بشرية هتفت لتعلن مباركتها لمبادرة التعديلات الدستورية التي أعلنها الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية .

كما سارعت تلك الأجندة في الحزب الحاكم في توجيه وزارة الإعلام لتقطع على الناس برامجهم الرمضانية ليتم بث حلقة خاصة " عن مبادرة الرئيس.

ثمة صراعات خفية تدار تكشف مدى الأزمة التي وقع فيها الحزب الحكم خاصة بعد رفض المشترك لها .

المتابع بعمق لتحركات الحزب الحاكم والساعي بكل ما أوتي من سلطة يجد أنة يعمل بخطى متسارعه في إقناع الرأي العام وعامة الناس بهذه المبادرة بعد فشلهم في إقناع أحزاب اللقاء المشترك والنخب المثقفة فيه .

حيث لجوا إلى منظمات المجتمع المدني ليكون منطلقا للإقناع , حيث نقلت وسائل الإعلام الرسمية أن الجهود تسعى لحشد " 1200 شخص من 400 منظمة من منظمات المجتمع المدني حيث سيلتقي بهم الرئيس ويطرح مبادرته.

لكن أول موعد تم الإعلان عنة مع هذه المنظمات قد أوجل, ونسبت مصادر رسمية إن اللقاء الذي كان مقرراً عقده مع الرئيس علي عبدالله صالح وقيادات منظمات المجتمع المدني في اليمن لإطلاعهم على المبادرة قد تأجل بهدف إتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني من مختلف المحافظات في الوصول إلى صنعاء والمشاركة في الاجتماع.

واستباقا لأي نقد قادم تجاه هذه المبادرة باشرت الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام بإصدار بيان رسمي قالت فيه " إنها ليست ملزمة على الإطلاق بمواقف أحزاب اللقاء المشترك وأنها تضع الحوار حول التعديلات الدستورية في مقدمة مواضيع الحوار الأخرى وستواصل الحوار مع الأحزاب والتنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بعيداً عن أنانية أحزاب اللقاء المشترك التي ينبغي أن تغادر موقفها العدمي وتتخلص من عقدتها وأزماتها الداخلية رغم أن الأحزاب الموالية للحزب الحاكم قد " أعلنت موقفها " بالمباركة من أول لحظة, وهو ما سيكون كذالك مع بقية منظمات المجتمع المدني .

المتابع للحالة النفسية للرئيس في خطابه عند طرحة للمبادرة يستشف ثمة " أحاسيس " نابعة من الرئيس توحي بأنه لابد من تغيير النظام الحالي إلى نظام رئاسي , كون الناس يحملوا الرئيس كل خطأ يقع في البلاد..إذا ً فلا بد من صلاحيات أوسع حتى يستطيع الرئيس أن يمارس دورة ومسئولياته أمام شعبة " هكذا أوضح في خطابة .

نحن كمتابعين وككل اليمنيين يعلمون أن كل مقاليد ألأمور هي بيد الرئيس " بل أن النظام الحالي هو نظام رئاسي " في واقعه التنفيذي وذالك لصلاحيات الرئيس التي تتجاوزت كل الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء ألخ ...

ولو تأملنا في جملة من التصريحات التي " ترامي " بها الطرفان خلال اليومين الماضيين, ليكشف عن مدى الاحتقان السياسي الجديد الذي تلوح معالمه بوضوح .

" طارق الشامي " المسئول الإعلامي بالحزب الحاكم أول من بدأ بتفجير شرارتها عندما وصف غياب أحزاب المشترك عن حضور دعوة الرئيس بأنها " فضيحة سياسية " وهو تعبير يحمل في ثناياه إشارات خفية عن مدى الغيض الذي يكنه الحزب الحاكم من موقف المشترك , كما أني لم أجد هذا التوصيف في قائمة الشتم السياسي " خاصة عند غياب محافل " الساسة وقادة الرأي " فهل كل من غاب عن دعوة لأي رئيس أو زعيم فهو يرتكب فضيحة , تعبير قد يكون الشامي زل بة لسانه لكنة يعبر عن حقيقة مشاعر قوم تجاه آخرين .

وحول أولى توضيحات المشترك في رفضهم الدعوة قال الأستاذ عبد الوهاب الآنسي الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح أن جميع أحزاب اللقاء المشترك رحبت بالدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية موضحا بان البيان الذي صدر عن اللقاء المشترك بهذا الخصوص كان واضحا .

وقال الأنسي في تصريحاته " لدينا في المشترك قناعة أن أي دعوة من الأخ الرئيس لا نتردد في استجابتنا احتراما لهذه المسئولية واحتراما لهذا المنصب وهذا ما حدث أنه عندما وجهت إلينا الدعوة رحبنا بها, مشيراً إلى أن الدعوة التي وجهت لهم قد تضمنت بان هذا اللقاء لقاء ودي لغرض تلطيف الأجواء وتهيئة أجواء أفضل للحوار القائم بين الأحزاب الممثلة في مجلس النواب .

وأوضح أمين عام الإصلاح أن ما أدى إلى الاعتذار هو الحملة التي شنتها الصحف الرسمية (العامة) الممولة من مال الشعب اليمني ووسائل إعلام الحزب الحاكم ضد أحزاب اللقاء المشترك كأحزاب مجتمعة وكل حزب على حده وصلت إلى درجة الاتهامات الباطلة والغير مسؤلة ,

وأشار أيضا إلى أن هناك شخصيات محسوبة على النظام غير راضية عن هذا الحوار ولذلك تستخدم مثل هذه لأساليب للالتفاف على اى حوار جاد , وأوضح أنه تم تحويل اللقاء من جلسة ودية كان يتمنى المشترك أن يستمع فيها إلى ما لدى الرئيس من رؤى وأفاق جديدة تدفع بالحوار القائم للأمام إلا أنهم فوجئوا بتحويلها كبديل عن الحوار القائم تخلصا من استحقاقاته .

محمد قحطان أحد أهم الشخصيات القيادية في المشترك كان أكثر القوم عنفا في ردة على مبادرة الرئيس حيث قال " إن المبادرة الرئاسية بشأن التعديلات الدستورية جاءت لتحل مشكلة الرئيس من الضغط الشعبي بعد موجة الغلاء الفاحشة ولم تحل مشكلة الشعب.

وأضاف قحطان: إن السلطة الحاكمة تهدف من وراء هذه التعديلات التجديد لرئيس الجمهورية فترة رئاسية جديدة مدتها عشر سنوات كل دورة خمس سنوات واذا انتهت الخمس يتم إجراء تعديلات جديدة وهكذا.

حتى الحوثي لم يلتزم الصمت تجاه مبادرة الرئيس بل صفها بأنها ليست إلا طريقة أخرى للخداع والالتفاف على مطالب الإصلاح الحقيقية التي كان اليمنيون ينتظرونها.

 أما الموقف الرسمي من أحزاب المشترك حول هذه المبادرة فقد أعتبرها هروبا من مواجهة الاستحقاقات الوطنية الراهنة المتمثلة بضرورة حل مشكلة المطالب الحقوقية والوطنية لأبناء المحافظات الجنوبية ومعالجة موجات ارتفاع الأسعار ومواجهة البطالة والفقر المتفشي في المجتمع والوقوف بجدية وبرؤية سريعة لحل هذه المشكلات والاستجابة للمطالب الشعبية ومكافحة الفساد واتخاذ إجراءات صارمة بشأنه.

و أكد اللقاء المشترك على أن الإصلاح الانتخابي هو المدخل الحقيقي للإصلاح السياسي .

الحزب الحاكم حاول المناورة بشكل أو بأخر عبر وسائل إعلامية الحزبية والرسمية حيث " صورت المبادرة بأنها ثورة " في إيجاد اليمن الحديث .

وحول مؤيدي مبادرة الرئيس أعتبر أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس جامعة صنعاء الدكتور أحمد الكبسي أن "تطبيق النظام الرئاسي" يعتبر أكثر تماشياً مع طبيعة المجتمع في اليمن ومكوناته الثقافية والاجتماعية .

وقال أن النظام البرلماني غير ملائم للبيئة اليمنية بكل مكوناتها "لأننا نريد شخص مسئول يتجه إليه الكل " .

وبحسب أستاذ العلوم السياسية فأن النظام البرلماني يتطلب إعداد الشعب وتغيير ثقافته وقناعاته وتهيئته خلال (40-60) سنة، حتى تظهر فيه أجيال تغيرت ثقافته كما في بريطانيا والهند" .