اليمن بلد الأسرار العجيبة
بقلم/ توم دويني - ترجمة - عماد طاهر
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
الأربعاء 02 يناير-كانون الثاني 2008 08:10 ص

في أول صباح لي في صنعاء – عاصمة اليمن لم توقظني إلا الدعوة إلى الصلاة ( الآذان ) من نواحي متعددة لقد كان زجاج النافذة يتحرك منها ويبدوا أنها هزت أساس الفندق الذي أنام فيه ، لقد امتدت من منارة إلى أخرى كما لو كانت المدينة القديمة غرفة ذات صدى هائلة ل قد كان صوت الدعوات واخز ولطالما كنت أتسأل ما إذا كنت قادراً على النوم مرة أخرى .

لقد لمحت من نافذتي مجموعة من العباد ذاهبون نحو أقرب مئذنة والأوشحة ملفوفة حول رؤوسهم لدرء برد ال صباح بعد كل المحاولات قمت بتشكيل سدادة للأذان إلا أنني عبثاً حاولت وبعد أن اغتسلت وانتهيت من ارتداء ملابسي توقفت دعوات الصلاة كما لو أن أحد ما ضغط على زر الغفوة بقوة.

كنت ارتشف قهوة ثقيلة في سقف الفندق بعد ذلك أصبحت المدينة القديمة حية مع جميع طوابق الفندق السبعة في الأسفل وعلى مرأى العين رأيت الصحون الفضائية اللاقطة وكان هناك سيارة أجرة وحيدة تلف في أحد الأزقة ، وعدد قليل من أعمدة الكهرباء الضئيلة النور فبالرغم من التقدم التكنولوجي إلا أن صنعاء القديمة ما زالت تحتفظ بأقدميتها كعاصمة في العصور الوسطى ، ومازالت حدود أسوار المدينة قائمة وبعدد من الأحجار المصقولة والتذكارية ومطوقة بأسواق معقدة الطرق وزرائب لتحفظ المواشي التي جلبت إلى السوق ، وحدائق خضراء مورقة مزروعة بجوار المساجد ، ومباني شاهقة مبنية من الحجارة والقرميد ( بستة أو سبعة طوابق طويلة الكثير منها يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر ) وقد زينت هذه المنازل بإسراف بالجبس الأبيض والتي تقوم بمهمة اختيار الزخارف منمقة ، ونوافذ الطابق العلوي مصنوعة من المرمر أو الزجاج الملون لترى المشاهد الرائعة لمنظر المدينة والجبال التي تحيط بها في وقت مبكر من ناطحات السحاب .

على الرغم من الفن المعماري الرائع والثقافة التقليدية البكر والمشاهد المذهلة والبنية التحتية السياحية المقبولة إلا أن اليمن يشهد عدد قليل من الزوار معظمهم من أوروبا فمعظم المسافرين إليها يخافون من شبح الحرب الأهلية والتقارير المرفوعة عن الهجمات الإرهابية مثل تفجير المدمرة الأمريكية كول في عام 2000م وتحذير السفارات لرعاياها من السفر إلى اليمن لكن الناس على استعداد بقبول تلك المخاطر المحتملة واستكشاف هذه البلاد المسلية ، المتعة التي تأتي إليها فقدت في تدفق الحياة هناك وليس من الزيارات للأماكن الميتة أو الجديدة المأهولة بالمرابحين والسياح.

على الشارع الرئيسي لسوق صنعاء النساء المحليات الفاتنات بالعباءة السوداء في متاجر لشراء الملابس الملونة التي لم أر قط مثل لباسهم ، وهناك حشد من العمال الصغار يبيعون البطاطا والبيض المسلوق مع الملح الخشن والفلفل الأحمر ، وهناك بائع فاكهة يرتدي قفازات مطاطية سمكية يختار بعناية التين الشائك من عربة اليد ويزيل الشوك من قشرته فالأطفال والرجال في شمال اليمن يرتدون بدلات غريبة غير البدلة الغربية التي تتناسب مع الجلابية فالإكسسوارات تتوج الخنجر المنحني المسمى بـ" الجنبية " التي هي معمدة في غمدها بشكل غريب والتي تطوق الخصر فاليمن توجت منذ زمن طويل بإسم العربية السعيدة لأنها كانت مغطاة بالحقول الخصبة التي جعلت منها أغنى مكان في الأرض .

فأسواق المدن مثل صنعاء اشتهرت بتجارة البخور والبن والمواد الغذائية ، لكن في الوقت الحالي فالذهب الأسود والغاز الطبيعي الورقة الرابحة عندها تفوق تجارة اللبان والمر .
 

الغريب في ذلك كله أن أحد الشخصيات الذي استطاع نيل الثقة للحفاظ على أجواء اليمن القديمة هو المخرج والشاعر الإيطالي بيير باولو بازوليني الذي زار صنعاء عام 1970م ليصور مسلسل فيه.

بازوليني كان لديه قلق من أن تبقى صنعاء معزولة لمدة طويلة، لكنها انفتحت على العالم لقد تناول آلته التصويرية وجه بها نداء عاطفي إلى اليونسكو لدمج صنعاء القديمة في التراث العالمي .

فبعد (37) سنة من مشاهدة مقاطع صغيرة من فيلم بازوليني ( فان جدار صنعاء القديمة ) نجح في الأخير من دخول التراث العالمي .

أضفت المدينة على الحياة في تطلعاتها الوثائقية تميزاً فعليا فمن صنعاء القديمة إلى صنعاء اليوم . إلا أن جدران المدينة من الخارج في حالة خطر والعديد من المناطق فيه دمرت أو في حالة تحول.

التقيت في صنعاء ماركو ليفا يديوتي وكان بازوليني خليفته في الكفاح لحماية صنعاء من ويلات العالم الحديث لقد وصل ليفايديوني إلى اليمن وهو في الخامسة من عمره عندما أصبح والده الطبيب الشخصي لآخر ملوك اليمن الإمام أحمد بن يحيى.

كان أبرز شخصية أجنبية في المدينة في الوقت الذي كان الأجانب غير معروفين تقريباً عند سكانها.. لقد ذهب السيد ليفايديوتي لإيجاد شركة رائدة للسفر هي شركة تورنج العالمية وعاش أخيراً في مبنى قديم أعيد ترميمه في الحي العثماني القديمة في صنعاء .

لقد قادني إلى المشي في المدينة القديمة وبدأنا المشي في السايلة الطريق الحديثة التي قامت برصفها اليمن كمعونة مقدمة من الولايات المتحدة لتحمي المدينة القديمة من الفيضانات عندما تمطر ، ومن هذه الزاوية لم يكن هناك سوى المباني العالية والمآذن والمساجد الظاهرة ولم يكن هناك شيء سوى المدينة الجديدة بما فيها من الأهوال الملموسة والمباني الطويلة.

لقد تجولنا في الأكشاك القديمة المملوءة بصوان التاريخ الصعب وبائعي التوابل القديمة الذين يبدون صغاراً مقارنة مع الأكوام الضخمة للمسحوق اللاذع والمورق بعد ذلك وجدنا في ساحة صغيرة في قلب سوق الملح رجال مع دراجاتهم النارية المزعجة ليترجل من دراجاته بسرعة ويتناول وجبة خفيفة من ثمار البرسيمون المحفوظة ثم يتناول بملعقته المحروقة من الصينية لجمع مزيد من شراب السكر.

تم قادني السيد ليفايديوتي إلى واحد من الفنادق القديمة في المدينة والتي كانت نوع من المنازل القديمة لكن بعض التجار لا يزالون يسكنون في غرف الطابق الثاني تنظر من خلالها إلى الفناء المركزي حيث تترك حيوانات الضيوف فيها بينما هم يقومون بالأنشطة التجارية .

لقد خرجنا وألقينا نظرة على بعض المساجد التي نمر عليها والتي بنيت هياكلها بأسلوب يبدوا أنه يضاهي الفن المعماري للمنازل ولسوء الحظ أن غير المؤمنون ممنوعون من دخول هذه المساجد في اليمن ، ولذا لم يكن بوسعي إلا إلقاء نظرة لهذه الأماكن المقدسة من الخارج .

فالزائر لليمن لأول مرة يواجه بثلاث صور إيقونية التي من شأنها أن تعزز بدون شك الخوف وتقوده إلى هواجس أولية بشأن الذهاب إلى هناك ترى هناك الصور الفوتوغرافية في كل مكان على الدراجات النارية وجدران المقاهي فالصور الأكثر شيوعاً هي صور زعيم اليمن الرئيس علي عبد الله صالح بمجموعة أزياءه العسكرية الفخمة .

 

والصورة الثانية الأكثر شعبية هي صورة صدام حسين الذي أصبح البطل القومي بعد تحديه في حرب الخليج الأولى للغرب والصورة الثالثة لزعيم حزب الله في لبنان الشيخ حسن نصر الله الذي دعا إلى استخدام السلاح ضد إسرائيل جعل منه بطل حتى في اليمن بالرغم من كونه شيعي إثنا عشري ، فمعظم اليمنيون ينتمون إلى طوائف متعددة .

وفي زيارتي السابقة ذهبت أعدوا في الصباح وسمعت صاحب تاكسي يشكو أسعار الغاز التي زادت بين عشية وضحاها ، وبعد ساعات قليلة شاهدت آلاف من مثيري الشغب في الشوارع وسمعت إطلاق نار بعيد .

بالرغم ما يحدث للسياح من خطف وآخره التفجير الانتحاري الأخير الذي أدى إلى مقتل سبعة سياح أسبان والعجيب أن العديد من المسافرين يأتون إليها بكثرة وذلك لما تمتاز به اليمن من سحر كبير جد .

فقد تسألني لماذا أتيت إذاً ؟! فأجيب عليك :لقد أتيت لأجد طريق الحياة الصحيحة والقديمة والتي ما زالت إلى حد كبير غير متغيرة يزعم الكثير من أن السياح بحاجة إلى الحذر واليقظة إلا انه في هذا البلد تشعر بالكثير من الأمان والواقع أن الهجمات القليلة على السياح انتهت.

هناك مكانين بارزين في اليمن هما مدينة صنعاء القديمة والواحة الشرقية لوادي حضرموت .

قررت أن أذهب جواً إلى حضرموت .إلا أنني قبل أن أغادر جواً إليها في الشرق ذهبت غرباً إلى جبال حراز التي تحيط بصنعاء ربما كان أفضل للتعرف على القرية التي تعود إلى القرن الحادي عشر التي تسمى ( الهجرا ) الصخرية المنحوتة في الصخر .

الحقول الخضراء معشبة وفي الطريق خارج المدينة مررنا بأرض قاحلة على بعد يمكنك من التقاط صورة بعيدة للأرض القاحلة .

فبعض الحقول مورقة بالقات ( الورق الأخضر المخدر ) الموجود في كل اليمن الممضوغ بشكل يومي من قبل الجميع من سائقي سيارات الأجرة إلى المشائخ فسائقنا أصر على أن نتوقف في سوق المدينة لشراء القات لقد تبعته إلى دكان مظلم حيث يوجد رجل وحوله أكوام قات .

فالسائق تنقل من دكان إلى دكان ويفرك الورق بإصبعيه ورجع إلى أول عرض ليساوم على السعر وأخيراً اختار ربطة بحجم قياسي مجموعة طويلة .

كانت فروعه رطبه وملفوفة بورق السيلوفان وأعطاه ما يعادل (8) دولار وهو ثمن باهظ في بلد مثل اليمن .

وعلى مشارف سوق المدينة سحب السائق علبه مملوءة بالويسكي الاسكتلندي الغير المشروع والذي يوجد بعلب مهربة من الهينكين وهو مشروب كحولي خطير.

بعد أن مكثنا في كوخ خشن في مناخة حيث يقوم اليمنيون برقصات تقليدية بالجنابي إلى ساعات متأخرة من الليل كان هناك الكثير من السائحات الفرنسيات تستدرجهم للرقص قاعة الرقص ليحتفلوا بثقافتهم المتعددة .

قطعنا بعض الأميال إلى الخوطيب القرية الأكثر أناقة على ما رأيت في اليمن من القرى مساجدها المجددة بطريقة حديثة ومنازل المهاجرين الأنيقة والينبوع المتدفق والحديقة الجميلة المنظر تبين بعد ذلك أن هناك قبر بني في القرن الثاني عشر لرجل دين ينتمي إلى طائفة تسمى الإسماعيلية وهو الآن وقف ضروري للمهاجرين الآتون من الهند وباكستان فالإسماعيلية هي طائفة من المسلمين بقيادة آغا خان .

إن الجبال التي تحيط بالمدينة غير اعتيادية تتدلى منها حقول خصبة تتوجها قلعة في قمة الجبل لتريك أنها ما زالت على استعداد لمقاومة الحصار الطويل الأمد بدأت الشمس تحرق برد الصباح رغم الضباب الذي يلوح بكثافة على طول المسافة .تنزهنا سيراً على الأقدام بين أشجار الأكاسيا ولوحنا للرجال الذين كانوا يحرثون الحقول.

وبالقرب من منطقة الهجرا توقفت والتقيت بسائح أمريكي أسمه ليو ميوري يقيم في هونج كونج وقد طاف جميع أنحاء العالم وعندما بدأت السماء تمطر دخلنا إلى الفندق لنشرب الشاي ثم تجولت مع إحدى الأمريكيات تتكلم الإنجليزية قالت إنها قامت برحلة من سولو إلى اليمن مع جولة إلى المملكة العربية السعودية كان هؤلاء هم الاثنين الأمريكيين الذين التقيتهم في الرحلة بعد ذلك بيوم سافرت على متن طائرة إلى حضرموت التي كان يتواجد فيها عدد قليل من السياح ولاحظت الحضارم يعودون إلى بيوتهم.فأصحاب حضرموت يرسلون أولادهم إلى الخارج وذلك لجمع الثروة والأكثر شهرة من هؤلاء هو أسامة بن لادن والد محمد بن لادن.

فما يزين حضرموت هو وادي حضرموت أطول وأخصب وادي في شبه الجزيرة العربية فمدينة شبام تتوج حضرموت لكن يبدوا أن مدينة شبام تبدوا مشلولة لقلة السياح فيها إلا من الأوروبيون الذين يأتون ليلقون نظرة على أبراج شبام .

هناك بعض من الماعز الذين يأكلون من القمامة وقليل من الأطفال محبين المغامرة يطاردون الماعز والسياح معاً وكان الجو فيها حاراً جدا لقد عللت ذلك بأن المقيمين لا يستطيعون العيش إلا داخل بيوتهم لذا قررت أن استأجر عربة وأعود إلى هناك عند الغسق قبل غروب الشمس بساعة فعندما يبرد الجو يمكنك التجول في الشارع .

اتجهت نحو مدينة شبام التي تبعد بحوالي أربعة أميال إلى الغرب وعند مدينة الحوطة كان هناك صياح وصرخات الأطفال ترحب بي لاتناول شيء من البطاط المقلية عبرت بعض المراعي حيث كانت النساء ترعى الماعز على جانب الطريق وكن يرتدين معاطف تميز وادي حضرموت لقد كن مغطيات من الرأس حتى القدمين وعلى رؤوسهن قبعات من القش التي توزع لها الهواء ليكون بارداً .

تجولت هناك ودخلت بستان نخيل معشب وشاهدت مدينة شبام عن قرب لقد كانت أبنيتها طويلة جدا وضيقة وأبراجها مبنية من الطوب المكون من الطين المحشورة معاً بكثافة داخل جدران المدينة فالمسافر الانجليزي فرياستارك سمى هذه المدينة في عام 1930م بـ( منهاتن الصحراء ).

تراجع الآخرين إلى قمة التل ليقدموا صورة ظليه للمدينة عند الغروب بينما العشرات منهم انتزع صور على بعد ميل من الجبل بعد ذلك دخلت من البوابة الرئيسية المطلية باللون الأبيض إلى المدينة .

وعلى اليسار كان هناك منطقة صغيرة مغطاة بسجاد يجلس فيها الرجال ليلعبوا لعبة ( الدومينو ) في ظل تضاؤل أشعة الشمس في المساء ويرتشفون أكواب من الشاي اللاذع والحلو .
 

لقد جلست وطلبت كأساً من الشاي مثلهم وكان هناك حكيم السكان منعزلاً في الداخل أثناء غروب الشمس ثم خرج إلى المتجر ليشتري حلوى لزجة من الثلاثة البائعين وكان الناس يتدفقون إلى المسجد للصلاة في نهاية اليوم وكان ضوء القمر الأزرق يلقي بضلاله اللين على الزقاق المتسخ .

يمكنك أن ترمق بنظرك بين جدران المدينة التي تبدو كجدران مدينة صنعاء القديمة لترجعك إلى قرون مضت .

بالنسبة للزوار الذين يأتون من الولايات المتحدة أنسب طريق لهم للوصول إلى اليمن هي عن طريق دبي ومن دبي هناك طيران اليمنية تقدم رحلاتها باستمرار إلى صنعاء .

*المصدر / نيويورك تايمز – المؤتمر نت