حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة عربيا
بقلم/ أ.د/محمد بن حمود الطريقي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 19 يوماً
الخميس 28 فبراير-شباط 2008 07:26 ص

«يعود الحديث عن حقوق الانسان وحقوق المعاقين على الوجه الاخص ليعيد نفسه تارة وينوح ويئن تارة أخرى من الصخرة الصماء التي يصطدم بها ويترنح أمام الإهمال المتعمد والنفي القسري لأبسط حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في حين يلقى المدافعون عنها وحملة رسالتها تشويها يتراوح بين الإقامة الجبرية لفكرهم الإنساني وبين اغتيال شخصياتهم لأنهم يطلبون البرد من حميم النار.. وهذا حال واقعنا العربي منظمات وأنظمة».

لقد كتب معي التاريخ مسيرتي في هذا المجال منطلقا من حق التأهيل الأساس في تأمين احتياجات المعاقين وتوطين تقنياتها وتطويرها بسمة عربية ذات مستويات عالمية, مرورا بالحقوق المدنية والرعائية لهذه الفئة في شتى مجالات حقوق الصحة والتعليم والتوظيف وأنساق التاهيل الشامل, كما مرت هذه المسيرة بمراحل الدعوة والإعلام والاتصال عبر مطبوعات واصدارات متخصصة منتظمة ونحت نحو الجانب التوعوي التثقيفي ووصلت في حدودها المعرفية الى إصدار الموسوعات المتخصصة ذات الأبعاد الانسانية العامة وتابعت المسيرة هديها في الحضور والمشاركات والإعداد والتنظيم للمؤتمرات العلمية والأدبية وورش العمل المتخصصة واطرد أمرها حتى وصلت الى براءات اختراع عالمية واستمرت في استراتيجيات الحقوق الإنسانية بين مجالس ومؤسسات ودور ومراكز ومنظمات معرفة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وساعية لتشكيل آليات ضغط ناجحة وملائمة في ذات الوقت من أجل تفعيل التشريعات المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة مدركة التوجه العالمي في تشكيلاتها المتعددة, عهود, ومواثيق, وأنظمة وقوانين ووثائق واكتسبت على مدى عمر طويل وخبرات متراكمة خصوصية في الطرح وكل هذا وذاك نجح عالميا وسقط عربيا ولكن لا عيب في الخيل بل كل العيب في الخيال!!

ان جزءا بسيطا من هذه المسيرة في دول العالم المتقدمة مهد لأرضية خصبة لإكساب ذوي الاحتياجات الخاصة حقوقهم المشروعة بفضل تفاعل الانظمة معها والشعور بمسؤولية المناصب الرعوية والجهات الحكومية المعنية وبفضل حضور انظمة العدالة الانسانية بكافة مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتعليمية والاعلامية والتنموية بصفة عامة وبفضل استراتيجيات التنسيق بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني على أساس المساندة واعتبار الآخر وفق مقاييس الحضارة الإنسانية.

وأما في منطقتنا العربية فلم تكف هذه المسيرة لتحقيق انجاز يكر او يشار اليه بالبنان الا ما ندر. كما ان غياب التفاعل المطلوب من الأنظمة واعتبارات المناصب الرعوية على أسس سلطوية وتفكك التدبير الاداري في الجهات المعنية بتطبيق هذه الحقوق وسياسات التجهيل المبني على أفق الإعلام والإصدارات الموجهة ثقافيا وعدم اعتبار المنجزات الرائدة علميا وتجاهل الأسس التربوية المنبثقة من أسس المعرفة تعليميا وتضليل الرأي العام العربي إعلاميا بالمنجزات الوهمية وقصور الأجهزة الحكومية على مستوى التفعيل والرقابة والمتابعة تنمويا. كل ذلك أدى الى فشل أقرب الى السقوط الإنساني لأن حقائق التشريعات ذات تفعيلات كاذبة!!

فما معنى ان يحفظ حق المعاق في الصحة تشريعا وهو لا يجد مأوى او ملاذا لتلبية احتياجه الصحي الا باستثناءات لا تستند الى إطار حقوقي؟! وما معنى أمية المعاق العربي التي تتفشى بين اجيال هذه الفئة والتشريع الخاص بحق التعليم أصبح شعارا زائفا على طرقاتنا يقرأه فيصفق في حين يبكي عليه من يعلم كل الحقيقة لا نصفها وهذا حال كل حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. إن أي تجربة أو مدخلية نقاش يراد عرضها يجب ان تحمل كل الحقيقة وان تشخص الواقع بكل صدق ومكاشفة دون محاباة او مواربة ودون تمييز او انطلاق من مرجعيات شعارات الأنظمة المبتذلة في حقوق الانسان وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة, كما لابد لكل تجربة ان تستعرض مراحل إخفائها وفشلها بالاسباب والمسببات والتداعيات قبل ان تستعرض منجزاتها التي عادة ما يشهد بتواضعها في المنطقة العربية.

إنني في هذه السطور لست من دعاة جلد الذات ولا ممن يستظلون باليأس او التشاؤم بل اني احاول ان أبني هوية التجربة الانسانية العربية على أسس صادقة غير موجهة سياسيا أو اقتصاديا او ثقافيا وغير قابلة للتغيير وفق الأهواء السلطوية وذلك لا يكون إلا من خلال تشخيص الواقع الانساني لذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة العربية سلبا وإيجابا وتعزيز ومتابعة تعزيز إيجابيات المرحلة وتقدير التجارب الناجحة والاعتراف بها وانمذجتها وفق إطار متكامل قابل للتطبيق وفق كل مستوى عربي داخل حدود الدولة والاعتراف بالسلبيات وعدم التغطية عليها او اختلاق الأعذار للجهات المسؤولة عنها خاصة في الإطار الحكومي ومعالجة الخلل بتحليل السلبيات على مستوى الفعل السلبي والفاعل السلبي وبمعنى آخر المعالجة والتأهيل للخطأ ومرتكب الخطأ, كما لابد من إيجاد شراكة دائمة متكافئة بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المعنية لضمان تعزيز الايجابيات ومعالجة السلبيات وفق نظام الانسجام لا التلاحم وإشراك الرقابة وفق المنظومة العالمية بخصوصية عربية دون توجيه خارجي عبر تطوير آليات المشاركة العربية في القرار العالمي الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة على مستوى الحقوق.

من هذه السنة يمكن لنا ان نبدأ بناء جديدا في هذا الإطار على عناصر الشراكة مع مؤسسات الدولة والتي غالبا ما نحاول استخدام اسلوب العزلة لضمان أنساقها السياسية خاصة ان القضايا الانسانية وفي مقدمتها قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وما يتعلق بالتحديد في موضوع (الحقوق) اصبحت استراتيجية صالحة لإعلان الحرب باسم الديموقراطية على مصائرنا العربية والتي لا تزيد الوضع القائم الا سوءا بمزيد من الإعاقات والتشريد الحقوقي الانساني.

لعل دساتير وأنظمة منطقتنا العربية تعتبر على الصعيد النظري من أرقى الدساتير والأنظمة العالمية في شؤون الرعاية الإنسانية إن لم تكن ارقاها في حفظ وحماية الكيان الانساني وقد زادها زهوا على زهو ما ألحق بها من تشريعات وانظمة خاصة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة سواء على المستوى المحلي لكل دولة او على المستوى الوحدوي العربي ولكن متعلقات التنفيذ والتفعيل ومراقبتهما تجعل من هذه التشريعات ما هو أقرب الى الأكذوبة بفعل تهميش القدرة وتمكين السلطة والحجر على الكفاءات العربية القادرة على إنضاج الحالة الحقوقية العربية.

وان تسنى لي في هذه السطور ان اعرج على تجارب عربية في مجال حقوق ذوي الاحتياجات فإني لا حق لي في ان انظر أبعد من مرمى تجربتي السعودية وما تسنى لي الاطلاع عليه في التجارب اليمنية والسورية واللبنانية والاردنية والاماراتية والعمانية والقطرية والبحرينية والتونسية والمغربية والمصرية والسودانية وغيرها فضلا عن التجارب العالمية وهي - أي التجارب العربية - طالها الاخفاق في مقصد ونالها الانجاز في مقصد آخر ولكني اذا ما كنت امثل الصوت السعودي فإني انظر الى تشريعات راقية وصناعة قرار من الطراز الانساني الأول كما انظر بعين المكاشفة الى سرعة تنفيذ ما تعطل من هذه التشريعات وكذا الحال في كل بقعة عربية اذا ما كان صوتي هذا صوت العربي. ان التجارب العربية والنقاشات التي تعرض في كل لقاء حول حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة عادة ما تتجاهل مفصلية جهات التنفيذ وتلقي اللوم بكامل عبئه على رأس النظام بل وتربطه بفشل السياسات وان كان في ذلك وجهة نظر فإن الحقيقة الكاملة تحمل المسؤولية لجهات التنفيذ خاصة الحكومية التي تعاني في منطقتنا العربية.

من مأمن الحذر نجد ما من بد أن ننبه كل المعنيين من شرك الوقوع في المحظور العربي المعتاد المتمثل عادة بتوصيات بلا تنفيذ ومجاملات ممقوتة للأنظمة ومحاباة لرؤوس الأموال الداعمة وقبل كل هذا وذاك ان نسقط في شرك الخوف على مستقبلنا من ان تطاله قساوة كلمة الحق خاصة أننا في عهد الحريات المسؤولة التي لا تتطاول في التعبير او تدس السم في مستوردات الألفاظ والمفاهيم القادمة من الغرب بل على العكس تماما فالفضاء مفتوح والآذان صاغية إذا ما أحسنا الدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وكل المطلوب الحقيقة والحقيقة كاملة.