سقوط النُخبة
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 10 سنوات و شهر و 22 يوماً
الخميس 02 أكتوبر-تشرين الأول 2014 10:29 ص

من غير الممكن استشراف اللحظة الراهنة وآفاقها؛ إذ مازالت الحالة سائلة ولم تتشكّل ملامحها الكاملة بعد بالرغم من الواقع الذي فُرض على الأرض بسيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء بشكل شبه كامل؛ إذا استثنينا الرئاسة وبعض الأجهزة الأمنية وألوية الحرس سابقاً والأمن المركزي؛ غير أن ذلك لا يعني شيئاً في ظل «سيادة» إرادتها على العاصمة ككل، ولو إلى حين.

وفي هذه اللحظة الغامضة والمفتوحة على كل الاحتمالات يبدو الأمر الأكثر وضوحاً؛ خيانة النُخبة السياسية لليمن واليمنيين، ومسؤوليتها في إيصال اليمن إلى هذا الوضع الذي لا تُحسد عليه.

كان واضحاً منذ بداية «المرحلة الانتقالية» أنها أشبه بمخطّط استنزاف وتدمير لليمن؛ على عكس العناوين التي استظلت تحتها؛ مثل نقل السلطة سلمياً ونقل البلد من وضع لا دستوري إلى وضع دستوري واستعادة الدولة وهيبتها.

ومع ذلك بقي الأمل قائماً وإن كانت مساحته تتقلّص مع كل محافظة تسقط وكل انكماش لسلطة الدولة وبقية الاختلالات الأمنية المخيفة في عموم اليمن المتوزّعة بين الإرهاب و«القاعدة» وتفجيرات أنبوب النفط والكهرباء وغيرها، .

استهلكوا زمن الانتقالية في مؤتمر الحوار، ولم يصغوا إلى كل الأصوات والتحذيرات التي كرّرت على مسامعهم أن وجود الدولة أهم من تغيير شكلها، وأن السكوت عن تدميرها على الأرض لا يبقي أي جدوى أو معنى للحوار ومخرجاته، ولا لأي شيء.

لقد فرّطوا بكل شيء: بالعاصمة، والجيش، والثورة، والمبادرة الخليجية، والقادم أسوأ.

*****

 جميع الواجهات السياسية في كل الأحزاب بجميع توجهاتها وتناقضاتها؛ اختفوا فجأة وتبخّروا في الهواء، أو ربما هبطوا تحت القاع الذي كانوا يتربّعون فيه، أو ربما تحوصلوا، أو ربما فرّوا كلهم من العاصمة التي دمّروها، أو ربما قرّروا هذه المرة العودة جميعاً إلى الإقامة بجانب المداكي المعطبة في الغرف المغلقة، وهذه المرة ليس لممارسة «السياسة السرية» بل لحراسة شنطاتهم الممتلئة بالدولارات، ودواليبهم وغرف نومهم؛ فالوضع لا يطمئن النُخبة الإسفنجية التي دمّرت اليمن وعمرت بيوتها ؛ في ظل وضع أوصلونا إليه «بسلام آمنين» وصاية دولية وحالة اللا دولة وجحيم مفتوح على كل الاحتمالات.

الغريب والعجيب أنهم كلهم في الجبن ملّة واحدة مهما تعدّدت انتماءاتهم واختلفت نغماتهم وتنوّعت مواقعهم «سلطة ـ معارضة» فقد استووا في لحظة الانتقام التاريخي من اليمن واليمنيين كسبيكة واحدة لها نفس اللزوجة ونفس رائحة الخيانة ونفس ريبة المخاتلة ونفس كثافة الرخاوة ونفس أسانيد التنصل ونفس أسطوانات التمويه ونفس كابلات الارتباط والعمالة للخارج ونفس العفونة التي تصدر من جثة النُخبة السياسية التي أعلنت وفاتها، ولم تجد من يكنسها بعد.

«إكرام الميت دفنه» ودفن جثة النُخبة السياسية المتعفّنة يتم بإزاحتها من حقل الشأن العام في الدولة والسلطة والأحزاب وبقية واجهات الشأن العام ومنابره المحتلّة من قبل جثتها الممتدة والمستدامة.

***

ودّعت اليمن أمس الأول الفنان عبدالوهاب الكوكباني، أحد الثلاثة الإخوة الذين سجّلوا أسماءهم في قائمة فناني اليمن ومبدعيها.

 الإخوة الثلاثة الذين أسهموا في إعطاء الحياة معنى الفرح وجعلوها أكثر بهجة بأغانيهم، فلقد أعطوا مجتمعهم شيئاً يدوم، شيئاً يمكن الاحتفاظ به في وجدان الناس وتاريخهم إلى الأبد: نمطهم الفني وإبداعاتهم الغنائية.

رحل الفنان عبدالوهاب الكوكباني ليلحق بأخيه محمد، فيما لايزال «سعد» الفنان الثالث في الفرقة الفنية اللافتة التي شكّلوها وميزتهم؛ لايزال على قيد الحياة؛ غير أن المخجل أننا كمجتمع لا نعرف عنه شيئاً منذ سنوات طويلة أعقبت اعتزاله، أو انكفاءه مع رفيقي رحلته الفنية وأخويه بعيداً عن الأضواء والكاميرات؛ ربما لأن دولتنا ومجتمعنا، كلاهما مشغولون منذ سنوات طويلة بالحروب والصراعات العنفية والكراهيات المذهبية والدينية والمناطقية والطائفية التي تزدهر وكأنها بضاعة المرحلة وعنوانها والمعبّر الحصري عنها.

وهي مرحلة كئيبة وسوداء وتبعث كل ما هو قبيح وقاتل للذات الإنسانية التي ينتزع منها سمتها الأساسية، الاحتفاء بالحياة والإحساس بروعتها والتحليق في عوالم الجمال من خلال طاقاتها الخلّاقة الكامنة في النفس والمختزنة في أعماقها.

 وداعاً أيها الكوكباني المبدع، وليرعى الله روحك في الأعالي أيها اليمني الجميل والفنان البديع عبدالوهاب الكوكباني.