يوم الزينة
بقلم/ د.علي الزبيدي
نشر منذ: 7 سنوات و 7 أشهر و 5 أيام
الثلاثاء 18 إبريل-نيسان 2017 02:37 م
المفارقة سيدة الموقف في صناعة النهايات " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة "
لكل شيئ اذا ما تم نقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان
واذا تم أمر بدا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم.
تلك مؤشرات لمفارقة النهاية وهي غيض من فيض من المقولات ومما تؤكده التجارب ويحكيه التاريخ ويصدقه الواقع الذي يحكي صلف الكمال، وجنون العظمة الذي قد يتراءى لكل ذي باع قادر على التسخير؛ ولم يكن أقدر ولا أطول باعا من فرعون .. ولم يأت جنون العظمة الذي أوصله الى ادعاء الألوهية ليأتيه بين ليلة و ضحاها؛ بل لقد كان طفله الذي نماه ورباه وسقاه من لبن ضعف واستكانة من يحكمهم، من غبائهم، من هلعهم على الحياة ، من رؤيتهم القاصرة التي لا تتجاوز أقدامهم.
كبرت العظمة لدى فرعون فضربت في الأرض أطناب وجذورا ، وفي السماء أغصانا باسقات، علوها علو الصرح الذي صنعه وهمه ليطلع الى الاه موسى في ندية تخيلها وبناها أفقه الضيق المتعالي كالدخان. وأوصله إلى يوم حتفه يوم الزينة.
يوم الزينة كان لحظة من لحظات الاكتمال المفعم بالنقص والمؤذن بالنهاية؛ لقد طال عناء بني اسرائيل واستطال غي فرعون وفاض كل بما لديه حتى أزف يوم الزينه.
لم يكن يوم الغرق هو يوم نهاية فرعون بل كان يوم الزينة؛ يوم حشر الناس بزهوه ليرتفع؛ فإذا به يقع!
يوم خطط أن يرفع عصيه في وجه موسى؛ فغلبته عصى موسى،
يوم قدم أذرعته في البطش سحرته المقربين فارتدت ا إليه لتضربه في مقتل
يوم الزينه كان يوم الاكتمال بحسابات فرعون وأهل الحشر كبشر لا يشكون في ذلك؛ حتى موسى وهو نبي دب الى نفسه الهلع ؛ لولا أن الله ثبت فؤاده ، وكان يوم الزينه في الوقت ذاته يوم نهاية تكتحل به عيون المقهورين في الارض؛ فتقر نفوسهم وهم يترعون ما كان ينقصهم من إيمان من خطاب السحرة الذي سحر القلوب، وشرخ ملك فرعون نصفين قبل أن تنغلق عليه فلقتا البحر لتسدل الستار على الكمال الوهمي، والعتل المهترئ أمام قدرة العدل وساعته تلك التي لا يوقفها اذا حانت شيئ .
المستضعفون يبحثون عن معجزات من شدة الارهاق في ليل الظلم الطويل .. لا يقفون كثيرا عند سنن الله، وليس لديهم منطق كاف ليثبتهم من زيغ البلاء وازيز الفتن ،
لا يقرأون السنن الثابتة التي تجري على الطغاة اذا توفرت لها الشروط بيد أن اكتمالها ينصغهم على غير موعد.
ليس كل حشر علامة قوة وإن تكرر، وإن بدا للناظر أنه اكتمال فهو نقص، وليست العبرة في كمية الجموع بل بنوعيتهم، وما يدفعهم ، وما يترتب على جمعهم ؛بل بمدى ما يحدثه هذا الجمع وبأعلام النهايات ترفرف في أزقة القلوب اليائسة والنفوس البائسة، وأولا وآخرا بمن يحركه ويقود دفته .
يمكن للمرء أن يكون أداة في الأسباب لكنه ليس بالضرورة ان يكون أداة في النتائج. وذلك هو شأن الحشود عادة التي تتحول من أداة فاعلة بيد الحاشد إلى جماهير تشهد فصل المسرحية الأخير الذي يعصف بمنطق الاشياء ويحدث مفارقة دويها لا يخبو.
حين تنفخ الجموع بقائدها إنما تنفخ فيه فراغه الأخير حتى تكتمل السنن في الأخد الإلهي وهم لا يشعرون، وهم لا يدركون أنهم يصنعون النهاية.
من نفخوا في فرعون نفخته الأخيره كانوا هم من أوصلوه الى حبل النهاية، وتجاوزوا الإغراء والتهديد في وقت واحد، في تحول أسطوري وصمود لم يشهد له التاريخ مثيلا .
يو الحشر أو يوم الزينة كان يوم عرس زُف فيه فرعون إلى قدره الحتمي، وتُوج فيه ملكا على المحنطين عبرة وعظة، لتكون لمن خلفك آية.. وملكا على كل جامع للحشود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إن هاجس التحولات يهمس في آذان المتعبين لعل الزمن كفيل بالحسم وليس هلع النفوس ونفاد صبرها ، والألم الذي يفت في العظم ليس كافيا لتعجيل نتائج الحشد على الحاشدين ؛ بل هو اكتمال الشروط ، وتباريح النهاية.