سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات
منذ بداية المفاوضات الخاصة بحل النزاع في اليمن، والتي تعقد برعاية الأمم المتحدة، تصر السلطة اليمنية التي يعترف بها العالم على أن تكون مرجعية هذه المفاوضات هي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي، وتحديدا القرار رقم (2216). وحتى الوقت الراهن لم تفلح أكثر من جولة من المفاوضات، بما في ذلك المفاوضات الطويلة التي عقدت في دولة الكويت العام الماضي وامتدت لما يزيد عن مائة يوم، من تحقيق أي تقدم يذكر بما في ذلك إجراءات بناء الثقة التي كان الوسطاء يحرصون على تحقيق الحد الأدنى منها.
ومنذ تلك الفترة والطرفان، وكذلك الوسطاء لم يستطيعوا أن يتحركوا خطوة للامام، أو حتى الاتفاق على موعد جدي لعقد جولة جديدة من المفاوضات. ويشير كل ذلك إلى أن هناك مشاكل جوهرية تعتري المفاوضات. ويمكن الإشارة هنا إلى قضية المرجعيات، كأحد هذه المشاكل؛ فهذه المرجعيات ليست صعبة التحقيق فقط ولكنها أيضا معقدة وغير منسجمة والكثير منها قد تجاوزتها الأحداث.
فالمبادرة الخليجية، التي أتت كتسوية للثورة على نظام الرئيس السابق صالح، كانت تنص على تقاسم السلطة بين حزب المؤتمر الشعبي –الحزب الحاكم قبل الثورة- والأحزاب التي قامت بالثورة. فكان من أهم بنودها تولي عبدربه منصور هادي الرئاسة، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس حزب المؤتمر وأمينه العام، فيما تحصل الأحزاب "الثائرة" على منصب رئيس الوزراء ونصف أعضاء الحكومة، والنصف الأخر يذهب لصالح حزب المؤتمر فيما عُـرف بحكومة الوفاق. وقد حددت المبادرة للرئيس وللحكومة فترة عامين لاكتمال انجاز الأمور التي تضمنتها المبادرة والآلية التنفيذية الملحقة بها.
وبالنظر إلى ما آلت إليه الأمور في اليمن نجد أن أهم البنود والأفكار والغايات التي تضمنتها المبادرة لم تعد صالحة، وليس هناك من تنفيذ حقيقي لها منذ سبتمبر 2014؛ فالرئيس هادي، والذي أتى باتفاق الأطراف السياسية، تم التمديد له، عاما إضافيا عبر مؤتمر الحوار. وهو ما جعل خصومه، وتحديدا الرئيس السابق صالح يرون بان فترة حكمه "القانونية/السياسية" انتهت في 21 فبراير 2015. أما حكومة "الوفاق" بزعامة باسندوة فقد تم اسقاطها في 21 سبتمبر 2014 (يوم دخول الحوثيين صنعاء)، والتي يُـعتقد أنها اسقطت عبر التفاهمات الضمنية والفعلية بين الحوثيين والرئيس هادي، وتم على أنقاضها تشكيل حكومتين الأولى بزعامة خالد بحاح وسميت "حكومة الكفاءات" والثانية الحكومة الحالية بزعامة أحمد بن دغر، والتي يعتبرها البعض غير شرعية كونها لم تستكمل المقومات الدستورية التي تمنحها الشرعية؛ حيث أنها أتت عبر قرار تعيين من قبل الرئيس، وليس قرار تكليف، ولم تحصل على ثقة البرلمان كما ينص عليه الدستور اليمني النافذ.
ووفقا لما ذكر؛ فإن المبادرة الخليجية لا تصلح أن تكون مرجعية للمفاوضات كون كل بنودها الرئيسية لم يعد لها وجود.
أما مخرجات مؤتمر الحوار (المرجعية الثانية للمفاوضات) فإنها تعاني من مشاكل شكلية وموضوعية؛ فالمخرجات هي أشبه بمسودة ورشة عمل ضخمة؛ فهي تحتوي على أكثر من 1700 قرار وتوجيه، تتضمن قضايا كثيرة جدا تتفاوت في أهميتها ما بين القضايا المتعلقة بالمحافظة على بيئة الطيور المهاجرة، وقضايا تمس شكل الدولة وأسس وجودها، كما أن هناك عدم انسجام في بعض القرارات يصل حد التناقض. وعمل بهذا الشكل والحجم لا يمكن أن يشكل مرجعية واقعية لحل نزاع حربي، كما هو حاصل في اليمن.
ومن الناحية الموضوعية يرفض الرئيس السابق علي عبدالله صالح مخرجات الحوار بشكل صريح، وتحديدا الشق المتعلق بتغيير شكل الدولة من بسيطة إلى اتحادية؛ ويشارك الحوثيين صالح ضمنيا رفضهم لمخرجات الحوار، وإن لم يقولوها بشكل علني كما فعل صالح؛ إلا أن سلوكهم العام يشير إلى أنهم يرفضون مخرجات الحوار، وكذلك الدستور اليمني والنظام الجمهوري. وبما أن صالح والحوثي واللذان يشكلان الطرف الأخر في معادلة الحرب والتفاوض، يرفضان هذه المخرجات فإنها تصبح غير مؤهلة لتكون مرجعا للمفاوضات.
وفيما يتعلق بالمرجعية الثالثة، وهي قرار مجلس الأمن رقم (2216) فأنها غير واقعية من وجهة نظر الكثيرين؛ فالقرار ينص ضمنيا على عودة الأمور إلى ما قبل الانقلاب الذي نفذه الحوثيون خلال عامي 2014/2015، حيث يطالبهم بالتراجع عن كل القرارات والخطوات التي قاموا بها منذ سيطرتهم على صنعاء، وبالتحديد الانسحاب من المدن، وتسليم السلاح الذي نهبوه من المعسكرات، والخروج من مؤسسات الدولة، وعودة الرئيس هادي للحكم في صنعاء. وهذه المطالب تبدو غير واقعية ولا تعكس موازين القوى على الأرض، فقبول الحوثيين بتطبيق هذا القرار يعني بشكل عملي إعلان الاستسلام والهزيمة، وهو أمر لا يمكن تخيله، بعد أكثر من عامين من الحرب، التي لم تستطع أن تهزمهم أو حتى كسر شوكتهم.
ونتيجة لكل ما ذكر؛ نجد أن الكثير من الوسطاء والدبلوماسيين الغربيين يعترفون، خلف الكواليس، بعدم واقعية المرجعيات الثلاث، ويعتقدون بأن الرئيس هادي، والحكومة التابعة له، يتمسكون بهذه المراجع من أجل إطالة بقائهم في السلطة. ووفقا لذلك قامت بعض الدول، وتحديدا الولايات المتحدة، بالضغط على الرئيس هادي، للتراجع عن التمسك الصارم بتطبيق تلك المرجعيات، والذي ظهر في ثنايا ما سمي بمبادرة كيري (وزير الخارجية الأمريكي السابق) وخارطة الطريق التي تقدم بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن إسماعيل ولد الشيخ، والتي تجاوزت في مضمونها الكثير من النقاط الرئيسية في قرار مجلس الأمن رقم (2216)، وهو الأمر الذي جعل الرئيس هادي وحكومته يرفضون تلك المبادرة والخارطة. وهو الرفض الذي يبدو طبيعيا ومفهوما بالنظر إلى أن تجاوز المرجعيات المذكورة سيمس بمركز هادي وحكومته، ويلغي وجودهم في نهاية المطاف.
وبما أن الأمر على ذلك النحو؛ فمن المرجح أن تبقى العملية السياسية في اليمن حالة جمود، وكذلك الأوضاع العسكرية على الأرض التي تشهد جمودا نسبيا منذ فترة طويلة. وهذا الجمود يخدم مصالح أطراف كثيرة داخل السلطة الشرعية والطرف الانقلابي. فالرئيس هادي، ومعظم أفراد حكومته متيقنون بأن التسوية السياسية في حال انجازها بعيدا عن المرجعيات، ستؤدي إلى إزاحتهم من مراكزهم أو إضعافهم في أحسن الأحوال. وهذه النتيجة يمكن فهمها بالنظر إلى أن هادي وفريقه، باستثناء حزب الإصلاح، لا يمتلكون قوة سياسية/عسكرية حقيقية يضمنون من خلالها الابقاء على سلطاتهم أو جزءا منها؛ فأي عملية سياسية أو حتى نصر عسكري، ستنهي الوجود السياسي لهادي ومعظم فريقه، وفي أحسن الأحوال ستقلص سلطاتهم إلى حد كبير؛ فالرئيس هادي لا يمتلك حزب سياسي أو قبلي أو جهوي يستند عليه. كما أنه لا يمتلك قوات عسكرية كبيرة تدين له بالولاء؛ فالقوات، التي تقاتل تحت مظلته، هي في الواقع قوات تابعة لقوى سياسية أو دينية، أو جهوية، لا سلطان له عليها، ومن ثم فإن النصر العسكري –في حال انجازه- سيتم لصالح تلك القوى أو بعضها.
أن اصرار الرئيس هادي وفريقه على المخرجات المذكورة لا يعني بأن الطرف الأخر لديه نوايا حسنة ورؤية واقعية للحل؛ فالحوثيون ليس لديهم الرغبة أو الاستعداد للقبول بأي تسوية سياسية؛ فطبيعة الحركة الحوثية (الشمولية ، المليشياوية ، القروسطية ، السلالية) تجعل من الصعب عليها القبول بأي تسوية سياسية تؤسس لنظام ديمقراطي أو حتى شكل من أشكال الشراكة التوافقية. وهم بذلك يلتقون بشكل عملي مع الرئيس هادي في إبقاء الاوضاع على حالها أطول فترة ممكنة.
ومن كل ذلك نستنتج بأن المفاوضات وفق المرجعيات الثلاث ليست إلا حيلة لإطالة أمد الصراع وليست وسيلة لحله، وهو الأمر الذي يتطلب لمن يهمهم السلام في اليمن وإنهاء المعاناة التي يعيشها سكانه البحث عن أفكار ووسائل جديدة للمفاوضات. ومن ذلك الدخول للمفاوضات بدون شروط مسبقة أو مرجعيات، وإن كان هناك من مرجعيات ينبغي أن تكون مرجعيات موضوعية من قبيل: الديمقراطية ووحدة الدولة وسيادتها ورفض المليشيات من كل الأطراف وغيرها من الأسس التي تقوم عليها الدول.
إلى جانب ذلك ينبغي التفكير في تغيير أطراف التفاوض فالصيغة الحالية (سلطة وانقلابيين) لم تخدم العملية التفاوضية، كما أكدته التجربة، وأي عملية تفاوضية حقيقية في المستقبل ينبغي أن تتم بين الأطراف التي لها وجود فاعل وحقيقي على الأرض، وهو ما يعني اقتصار المفاوضات على القوى السياسية/العسكرية، المتصارعة وليس بين سلطة لا تملك نفوذ على الأرض وانقلابيين يسيطرون على العاصمة وأكثر من 70% من سكان الدولة. فاستمرار التفاوض وفق الصيغة الحالية نتيجته واضحة، وليس إلا حيلة لاستدامة الوضع الراهن، وضرب من العبث.