قضيتي مع معرض الرياض وأصل الحكاية
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 6 سنوات و 8 أشهر و 5 أيام
الإثنين 19 مارس - آذار 2018 08:55 م

«الكتاب.. مستقبل التحوّل»، عنوان متميز اخْتِير كشعار لمعرض الكتاب الذي يقام حاليا بالرياض، ظاهرة إبراز دور الثقافة والوعي في بناء المستقبل، غير أن تجربتي مع المعرض جعلتني أرى أن ذلك الشعار يُخفي وراءه انغلاقا واستبدادا فكريا، وانتقائية في المضامين تُمَرَّر وفقا لمصالح زمرة سياسية وإعلامية لخدمة توجهاتها الجديدة.

قصتي مع معرض الرياض 2018 وجدتُها ضرْبًا من ذلك الإرهاب الفكري، وإخضاع الملتقيات الثقافية العامة الدولية لسياسة النظام، حتى إنْ خلا المعروض من أيّ مضامين تُشير من قريب أو من بعيد إلى السياسات السعودية، فيكفي ألا يكون الكاتب مُهادِنا مُنحازا إلى تلك السياسات حتى يُصبح ذلك مُبرِّرا لمنع عرضِ نِتَاجِه الفكري في المعارض.

«نصف المسافة» هو عنوان كتابي الأول الذي طُبع منذ حوالي شهر ونصف الشهر، وانتظرتُ مع قُرّائي عرضه في أقرب المعارض الدولية، فأدرك الكتاب معرض الرياض، لكننا فُوجئنا بمنع عرضه من قبل الجهة المشرفة على المعرض.

الدكتور عبد الرحمن العاصم، المُشرف على المعرض، صرح لوسائل إعلام محلية، أن الكتب التي تثبُتُ مخالفتها، يتم استبعادها فورا وتطبيق الأنظمة بحق دار النشر التي تعرضها، وهنا أطرح سؤالي للمشرف على الملأ: أسألك بالله هل قرأتَ كتابي؟ هل قلَّبت صفحاته ووقفتَ على أي مخالفة في ثناياه؟ يقيني أنك اكتفيت برؤية اسمي على الكتاب. أقول ذلك عن يقين، لأن الكتاب من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، بعيد كل البعد عن التطرق للأنظمة العربية وسياساتها، وإنما مضمونه إيقاظ الهمم وبعث الدافع الذاتي للعمل والإنتاج وتطوير الذات، والتخلص من أسر المفاهيم المغلوطة حول علاقة الدنيا بالدين والنظرة إلى الذات، وإعلاء شأن الجهد الفردي، وبيان أهمية المنظومة القيمية والأخلاقية، والتأكيد على الهوية، وتناول بعض الأمراض الاجتماعية والفكرية، والتأكيد على محورية دور التعليم في صناعة النهضة، والإشارة إلى ضرورة الاكتفاء الذاتي، وغيره من القضايا اللازمة لصناعة وتهيئة الفرد المسلم، ولم تتطرق بأي شكل من الأشكال للأنظمة والحكام ولا لسياسات الدول، فهل قرأت كتابي حقا يا سيادة المُشرف على معرض الكتاب في الرياض؟

لقد جاء استبعاد كتابي من معرض الرياض نِتاجا لموقفي الرافض لسياسات ولي العهد، سواء في ما يتعلق بالحصار الجائر على قطر، أو الارتماء في أحضان العولمة والتغريب، وتغيير وجه الحياة العامة في المجتمع السعودي، بما يظهر التبني الرسمي للدولة لقيم العولمة والليبرالية، وإبراز الوجه الليبرالي الذي يسُرّ الناظرين في البيت الأبيض، وغير ذلك من التوجهات السعودية الجديدة التي لا يسكت عليها محبٌ للسعودية وأهلها. لقد أُسقِط من سجلاتي، أنْ كنتُ أول الكُتّاب المتخندقين مع السعودية في مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة، وبشرّت عن قناعة راسخة بضرورة الالتفاف حول «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين المُعتدين، الذين يتحركون في اليمن بأجندة إيرانية، وأن ذلك هو وقت تناسي الخلافات مع المملكة. وأُسقِط من سجلاتي، أنني دُعيتُ إلى جبهات القتال على الحدود لنقل الصورة كما هي أمام القارئ العربي، ولا أنسى أيامًا قضيتها على الحدود رفقة إخوة لي في الدين، ولبست خوذة الحرب، وعدتُ من أرض المملكة أُبشّر بعهد جديد، واتُّهِمتُ حينها من الصديق قبل العدو بالتطبيل والتزلف والعمالة للسعودية، التي يشهد الله أنني لم أتلقّ منها ريالا واحدا، وإنما كان عملي حِسبة، ونصرة لما أراه حقا، فكان الإخوة السعوديون يُمطرونني بدعواتهم، وشهاداتهم بأنني نصير الحق والحقيقة، وكنت على موعد مع الكتابة في صحيفة «الحياة»، رغم توجهاتي غير المألوفة على صفحات الجريدة المعروفة.

لكن المواقف تُبرز وجهَ الحقائق، فما إن دافعت عن داعية سعودي معتدل تمّ إيقافه عن الكتابة ثم اعتقاله بغير جُرْم، حتى أخطرتني الصحيفة بأنه تم استبعادي، رغم أنني لم أكتب دفاعي هذا في مقالة على صفحاتها – التي كتبت فيها مجانا – وإنما على حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي. لم أعبأ بذلك الإجراء، ولم أُشخْصِن القضية، وظللت على دعمي لمواقف السعودية العادلة وحقها في حماية أمنها الوطني ضد الأطماع الإيرانية، إلى أن بدأت الأزمة الخليجية، وفرضت السعودية مع دول أخرى الحصار على قطر. لم يتغير شيء سوى أنني انتصرتُ لمن أراه مظلوما ضد من أراه جائرا، وأبديتُ رأيي في ذلك الحصار بكل حيادية ونزاهة، لا أخرج في نقدي لتلك السياسات عن إطار الأدب، لكني استجلبتُ لنفسي بذلك الموقف سخط النُّخب السياسية والإعلامية في المملكة، فكان الاتهام في هذه المرة بالعمالة لقطر، ويا لضياع المبادئ والمعايير. الحمد لله الذي جعل ابتلائي مع الناس، ولم يجعله في ديني ومبادئي وأخلاقي، وليعذرني القارئ، إن كان ما تطالعه عيناه في هذه الكلمات يُعتبر ضمن الشأن الخاص، لكنني أجده متقاطعا مع الشأن العام أيضا، عندما تُغتال حرية الفكر والرأي والثقافة بهذا الشكل التعسفي. لقد كان المفكر محمد الغزالي على حق في استيائه إذ يقول: «لا أعرف أمة تضع السدود أمام عقلائها كالأمة الإسلامية، الرأي فيها لمن يملك الكلام لا لمن يبصر الحق! والغلبة لمن يملك العصا لا لمن يسوق الدليل». ظني أن المملكة لم تشهدْ حَجْرا فكريا وثقافيا على هذا النحو، فقبل سنوات، سُمح لمؤلفات عبد الرحمن منيف بالتواجد في المعارض السعودية، وعلى رأسها رواية «مدن الملح»، التي شنّ فيها هجوما شرسا على المملكة، بعد أن كان منفيًّا سياسيًا بسبب انتقاده للنظام السعودي، فما الذي تغير بين الأمس واليوم؟

إنني أناشد الجهة المُشرفة عن المعرض، بالبحث والتنقيب في المعروض، من الكتب الإلحادية، وكتب الإثارة الجنسية، والروايات التي أحدثت جدلا واسعا لاحتوائها على مضامين مخالفة للعقيدة كرواية «أولاد حارتنا» للكاتب المصري نجيب محفوظ، كما أنصح بتفقد القوائم بدقة للوقوف على كتاب «حتمية التغيير على الشرق الأوسط الكبير» الذي تناول النظام السعودي بشكل سلبي. إفعلوا ذلك قبل أن تستبعدوا كتاب «نصف المسافة» على خُلُوّهِ من كل ما يُخالف قواعد النشر، لكنه اتَّضح الخلل في المعايير والانتقائية في السماح للمعروض. لقد استقبلتُ الرسالة بوضوح، يريدون أن يُصوروا لِقُرَّائي أن المجتمع السعودي يأبى القراءة لي ويلفظني، لكنني أبشرهم بأن أمَةَ اللهِ الفقيرة إليه ، قد أتتها عشرات الرسائل من داخل المملكة، تطلب شراء كميات كبيرة من الكتاب بغرض نشرها وتوزيعها مجانا للقراء، إسهاما منهم في نشره بعد منعه في المعرض، الأمر الذي يعبر عن طبيعة العلاقة التي تربطني بالمملكة الحبيبة، والتي ما زلت أساندها بجهودي المتواضعة في قضاياها العادلة، وأنتقدها بأدب وأمانة بما أراه في صالح السعودية والأمة بِصفة عامة، ولست بالذي يفجُر بالخصومة، ولا أخوض أي معارك ضد الشعب السعودي، ولا أخلط الأوراق، معركتي ضد زمرة سياسية وإعلامية تجرّ المملكة إلى الهاوية، وأكرر ما قلته أمس: الشعب السعودي باقٍ والحُكّام يذهبون ويأتي غيرهم.

ولا أقول إلا ما قاله الأديب:

هو الحق ما دام قلبي معي

وما دام في اليد هذا القلم..

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

كاتبة أردنية