آخر الاخبار
هل تتكرر تجربة جنوب السودان البائسة في جنوب اليمن ؟!
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 01 يوليو-تموز 2020 06:36 م
 

بالأمس التقى السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، برئيس الوزراء معين عبدالملك وبمستشار الرئيس أحمد عبيد بن دغر وبرئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، كما التقى رئيس البرلمان سلطان البركاني وهذه اللقاءات هي غير الاتصالات التي اجراها بعدد من قيادة الأحزاب اليمنية والمستشارين والمبعوث الأممي جريفيث الذي وصل إلى الرياض مساء الاثنين ليلحق بمباحثات المرحلة الثانية من تمكين الانتقالي عبر اتفاق جديد ينفذ شقه السياسي فقط ليخطو الانتقالي خطوة جديدة نحو ما يطمح إليه من قيام " الدولة الجنوبية " .

* الدور البريطاني النشط الداعم للانفصال

الدور البريطاني النشط في التمكين للانتقالي الذي يسعى لانفصال جنوب اليمن وإقامة دولة جديدة فيه يذكرني بالدور البريطاني في جنوب السودان قبيل انفصاله حيث كانت وما زالت بريطانيا تقود مشاريع التفتيت والتقسيم في المناطق الرخوة بالعالم العربي بينما رفضت بريطانيا وسائر الدول الأوربية وبقوة وحزم محاولة الانفصال في إقليم كتالونيا الإسباني في 27 اكتوبر تشرين 2017م ورفضت هذه المحاولة وشجبتها بشدة في الوقت الذي تشجع أية محاولة للانفصال في الدول العربية والإسلامية وبقوة وهو أمر لافت يدعو للتأمل ، وحين أصدرت المحكمة العليا في إسبانيا في 14 أكتوبر تشرين 2019م أحكاما بسجن تسعة من قياديي حركة الانفصال في كاتالونيا وثمانية انفصاليين آخرين، لمدة تتراوح بين 9 و13 عاما ايدت الدول الأوربية بقوة هذه الأحكام ، بينما يتم تسويق قادة الانفصال في الدول العربية باعتبارهم رموزا وقيادات وطنية ويتم استقبالهم في مجلس العموم البريطاني وتسهيل فتح مكاتب لهم في الدول الغربية ودعمهم بكل السبل والوسائل .!

* ازدواجية المعايير الأوربية بخصوص الانفصال

من المؤكد أن في انفصال جنوب السودان تجربة لافتة وهامة لكنها منسية ولم يستفد منها أحد ولا يتحدث عنها الإعلام العالمي والعربي إلا نادرا رغم أن هذه التجربة توضح المصير البائس لتجارب الانفصال في العالم العربي وازدواجية التعامل الأوربي والغربي الذي يشجع فرص التقسيم والانفصال في العالم العربي ويدعمها بكل السبل والوسائل وفي الوقت نفسه يرفض وبشدة أية محاولات للانفصال في أوربا وأمريكا ويتوحد ضدها ويعارضها بكل قوة ، فهم حريصون على بقاء دولهم قوية وموحدة بينما يسعون لتقسيم وتفتيت الدول العربية والإسلامية وخلق الفوصى والعنف والصراعات فيها .!!

بعد تشجيع بريطانيا والغرب عموما لجنوب السودان على الانفصال شاهد الغرب هذه الدولة الوليدة تنزلق إلى أتون العنف والفوضى والحرب الأهلية ووقف موقف المتفرج تارة والمغذي للعنف والصراع تارة ولم يقدم سوى مبادرات خجولة وبيانات باهتة تدعو للسلام المصالحة رغم أنه قادر على إيقاف نزيف الدم فيها ، لقد تناساها وتجاهل ما يحدث فيها رغم أن الدول الاوربية والغربية بحكوماتها ومنظماتها وإعلامها ظلت على مدى نصف قرن تدعو أبناء جنوب السودان للانفصال عن الشمال وتدعم هذا الانفصال بكل السبل والوسائل وكانت هذه الدول تبث دعايتها في أوساط أبناء جنوب السودان وتؤكد لهم أنهم مضطهدون تم نهب ثرواتهم وتهميشهم وأنهم عند قيام دولتهم سيعيشون في رفاهية وثراء في مستوى السويد والنرويج وأكثر ، وكانت هذه الدعاية تجد استجابة وصدى كبير لدى الجنوبيين فهم يجدون أنفسهم مختلفون ثقافيا عن الشمال فالشمال هم عرب ومسلمون بينما الأغلبية في جنوب السودان من المسيحيين ومن قبائل غير عربية كما أن النفط موجود بكثافة في أراضيهم وهم قليلون مقارنة بالشمال حيث الكثافة السكانية العالية وظلت هذه الحقائق المبتورة والتي تستند إليها الدعاية الغربية تتواصل ويتم بثها بمختلف السبل والوسائل حتى شكلت قناعة لدى أبناء الجنوب بأنهم يتعرضون لنهب ثرواتهم من قبل النظام في الشمال والذي يضطهدهم ويهمشهم ولم يقدم لهم الخدمات والرفاهية المنشودة وكان في هذا الطرح بعض المصداقية لكن الحقيقة أن النظام السوداني وبسبب الفساد والحروب والبيروقراطية والعقوبات الامريكية المفروضة ضده لم يقدم لكافة أبناء السودان في الشمال والجنوب ما كانوا يأملون من خدمات ورفاهية لكن الأوضاع أيام الوحدة كانت أفضل بألف مرة من الأوضاع بعد الانفصال بشهادة الجنوبيين أنفسهم .

* ما الذي تحقق بعد انفصال جنوب السودان ؟!

فشلت كل مساعي المصالحة وكل دعوات إبقاء السودان دولة واحدة اذ واصل الكثير من أبناء جنوب السودان للحرب التي تشنها الفصائل الجنوبية المتمردة الداعية للانفصال وقيام دولة الجنوب وواصلوا الحرب ضد الشمال وكانوا ينقضون اي اتفاق سلام يتم التوقيع عليه ، وبعد ضغوط اوربية وأمريكية وموافقة أممية تم إقرار الإستفتاء لتقرير المصير في جنوب السوادن والذي كانت نتيجته أن الأغلبية في الجنوب قد أختارت الانفصال عن الشمال وهو ما تم وذهب البشير يومها إلى جوبا وشاهد إنزال علم السودان وارتفاع علم دولة جنوب

السوادن برئاسة سلفاكير ميارديت في 9 أيلول تموز 2011 م كما أدى رياك مشار اليمين الدستوري بصفته نائبا للرئيس وتم الإنفصال ولكن ماذا حدث بعد الفرحة التي عمت الجنوب بولادة الدولة الجديدة التي روج لها الإعلام الغربي بأنها ستكون " سويسرا أفريقيا " أو سنغافورة جديدة ؟!

بعد ولادة الدولة الجديدة لم يدم السلام سوى أشهر قليلة ثم نشبت الحرب مع الشمال اذ تحركت قوات الدولة الوليدة للسيطرة على حقول أبيي المتنازع عليها مع الشمال والغنية بالنفط وبعد أشهر من الحرب تمت هزيمة قوات سلفاكير وأقر المجتمع الدولي أن حقل هيجليج النفطي يتبع الشمال ونصحت الدول الغربية سلفاكير بامتصاص الهزيمة وسحب قواته وتوجيه جهوده لبناء الدولة الجديدة.

* نشوب الحرب الأهلية في الجنوب

توقفت الحرب مع الشمال ولكن الخلافات انفجرت مجددا بين سلفاكير ونائبه رياك مشار الذي عارض ترشح سلفاكير لولاية رئاسية جديدة حينها أعتبر سلفاكير أن رياك مشار قد خانه وصار يتطلع لكرسي الرئاسة فقام بعزله من منصبه كنائب للرئيس في يوليو تموز 2013م بتهمة محاولة الانقلاب على الرئيس سلفاكير كما تم حلّ الحكومة وكانت طريقة عزل مشار مهينة للغاية وابتلع مشار الاهانة ثم تحرك ليجمع المعارضين لسلفاكير وزعماء قبيلة النوير ويحرضهم ضد سلفاكير وبعد عزل الرئيس سلفاكير لوزراء من الموالين لغريمه رياك مشار ازداد الخلاف السياسي وايقنت قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار أنه تم اقصاءها من السلطة والثروة بشكل نهائي لصالح قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها سلفاكير ولذا فقد زجت بالآلاف من أفرادها في المليشيا التابعة لمشار و منذ ديسمبر انزلقت جنوب السودان في الحرب الأهلية الطاحنة قتل فيها عشرات الآلاف

ونزح الملايين للشمال وارتكبت المليشيات المسلحة أبشع الجرائم بحق خصومها في جنوب السودان من قتل وحرق واغتصاب وبمشاركة فصائل المرتزقة من أوغندا وغيرها وتفرجت الدول الغربية على ما يحدث ولم تحرك ساكنا سوى بعض البيانات والقرارات الأممية التي لم تقدم ولم تؤخر وبعد سنوات من الحرب تم إبرام اتفاق سلام بين سلفاكير في 26 أغسطس/آب 2015م ومشار ورغم توقيع الاتفاق فقد ظلت المواجهات مشتعلة بين الجانبين حتى 26 أبريل/نيسان 2016 حيث وصل رياك مشار إلى جوبا حيث أقسم اليمين الدستورية نائبا للرئيس ، وهو المنصب نفسه الذي كان تسلمه بين يوليو/تموز 2011 ويوليو تموز 2013م ويوم 29 من أبريل/نيسان شكل مع سلفاكير حكومة وحدة وطنية .

* اشتعال الحرب وغياب السلام

وبدأ كأن جنوب السودان تتجه نحو الاستقرار والسلام وحينها وجد امراء الحرب وتجار العنف وقادة المليشيات وخصوصا في قبيلة الدينكا الذين أثروا من هذه الحرب ان إحلال السلام لن يكون في صالحهم فافتعلوا في التاسع من من يوليو/ تموز 2016م مواجهات دامية في محيط القصر الرئاسي أثناء اجتماع بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار لبحث ترتيبات اتفاق السلام واللذين قالا إنهما لا علم لهما بسبب اندلاع القتال ودعوا إلى الهدوء وقتل في تلك المواجهات 115 من الطرفين 80 من قوات سلفاكير و35 من قوات مشار وبعدها لم يعم السلام كما كان متوقعا ففي 23 يوليو تموز عزل سلفاكير مجدد نائبه رياك مشار وقام مجددا بعزل 6 من الوزراء الموالين لرياك مشار واندلعت الحرب مجددا وبعد حرب أهلية قتل فيها 400 ألف شخص غير الجرحى والمفقودين وغير الملايين الذين تم تشريدهم تم في 22 فبراير شباط 2020 م إبرام اتفاق سلام بوساطة السودان " الشمال " يهدف إلى إنهاء ست سنوات من الحرب الأهلية في جنوب السودان وعاد مجددا رياك مشار ليؤدي اليمين الدستورية نائبا للرئيس سلفاكير وفي مراسيم أداء القسم في العاصمة جوبا بحضور رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس المجلس السيادي في السودان، عبدالفتاح البرهان أدت اليمين الدستوري ايضا ريبيكا غرنغ، أرملة المؤسس لجنوب السودان جون غرنغ كنائبة للرئيس إلى جانب شخصين آخرين .

* تبخر أحلام الرفاهية والاستقرار والتنمية

بعد انفصال جنوب السودان ظن السودان أنه قد تخلص من مشاكل الجنوب خصوصا وأن الحرب التي كانت تشتعل وتنطفئ بين الجيش السوداني والحركات المسلحة المطالبة بالانفصال في جنوب السودان قد كبدت السودان أكثر من 90 مليار دولار اضافة لعشرات الآلاف من القتلى والجرحى على مدى نصف قرن ولكن السودان لم يتخلص من هذا الصداع المزمن فقد أدت الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى نزوح الملايين إلى شمال السودان وهو ما ضاعف من العبء الذي يتحمله السودان الذي عاد ليمارس دور الأخ الأكبر ويقوم بإبرام الوساطات بين الأطراف المتناحرة في الجنوب ويبذل جهودا للمصالحة بعد ان تخلى المجتمع الدولي عن جنوب السودان وبعد ان كان يسوق لدولة الجنوب بصفتها سويسرا أفريقيا وسنغافورة الجديدة ونرويج أفريقيا ليكتشف أبناء الجنوب أنهم قد وقعوا في الفخ الكبير وأن الثروات النفطية والحيوانية وقلة السكان ليست هي العوامل الضامنة للاستقرار والتنمية والرفاهية إذا غابت الدولة وان

عدمت الرؤية الإستراتيجية للنهوض والتنمية والاستقرار وتحولت قيادات الدولة لتسخر امكانياتها في صراع قبلي وقروي وأصبح الهاجس الأكبر هو كيفية البقاء في المنصب والسيطرة والثراء وتمكين أبناء قبيلتي وأهل منطقتي على حساب الآخرين .

* هل تتكرر التجربة في الجنوب اليمني ؟!

لا أحد يستطيع الجزم بأن ما حدث في جنوب السودان قد يحدث في جنوب اليمن وإن كانت تجارب الانفصال في العالم العربي تبدو متشابهة ولا تبشر بخير ، ونحن نتمنى لإخواننا في جنوب اليمن كل خير ، ونتمنى لهم السلام والرخاء والاستقرار ، وهذا الطرح هو من باب النصح ولفت الأنظار إلى التجارب المماثلة وضرورة دراستها والاستفادة منها رغم أن هذا الخطاب في الظروف الراهنة لن يجد صدى وتفاعل ايجابي في جنوب اليمن الذي تؤكد مؤشرات كثيرة أنه يتجه إلى الانفصال والتفتت إلى دويلات واقاليم وسلطنات بدعم وتنسيق عربي ودولي ورغم ان قيادات الانتقالي قد فشلت بشكل مخيف في إدارة مدينة عدن حتى بعد إعلانها " الإدارة الذاتية " رغم توفر كل الإمكانيات وعوامل النجاح إلا أنها عجزت بشكل لافت عن إدارة هذه المدينة الصغيرة وتحقيق أدنى متطلبات المواطن من الخدمات والأمن والطب وغيرها وحولت قيادات الانتقالي مدينة عدن إلى بؤرة للفوصى والعنف والفساد والتحريض المناطقي والعنصري وتفشى فيها الاغتيالات واقتحام المنازل واعتقال الناس من منازلهم بغير تهمة حتى صار كثيرون يخشون من مجرد المرور بها .!

نقول : ربما يراجع إخواننا في الجنوب قناعاتهم حول الوحدة بعد عدة سنوات من الإدارة الذاتية ومن دولة الجنوب القادمة وخاصة اذا انزلقت مناطق الجنوب - لا قدر الله - إلى صراعات مناطقية وقبلية وسياسية وحين ينزح الكثير منهم إلى الشمال وحين تصل عدد الفصائل المسلحة المتناحرة في الجنوب إلى عشرات الفصائل والقوى والأجنحة وحين تطحن الحرب الأهلية والصراعات الالاف وحين لا يجدون لا سفير بريطاني ولا مندوب إماراتي ولا قوات تحالف تفض الاشتباكات في خطوط التماس كما يحدث الآن في أبين وحينها سيتذكرون بحنين وشوق أيام الوحدة مع الشمال على ما فيها من أخطاء وقصور وسيقولون : رعى الله تلك الأيام فنحن لم نجن من الإدارة الذاتية والدولة الجنوبية إلا الحروب الصراعات والموت وخراب الديار فأصحاب مشاريع القرية لا يبنون دولة ولا ينهضون بوطن ، ولكن من يستمع الآن في جنوب اليمن لخطاب العقل والحكمة ويدرس تجارب الانفصال والتقسيم والصراعات والدويلات والنزاعات من حولنا في جنوب السودان وفي الصومال وغيرها ؟!

وختاما فإننا لو سألنا اي إماراتي : متى نهضت الإمارات ؟

سيجيب : بعد الاتحاد الذي أقامه الشيخ زايد ..وهكذا هم نهضوا بعد الاتحاد لكنهم يسعون لتقسيم اليمن ودعم الإنفصال فيها لأنهم لا ينظرون إلا من نافذة مصالحهم في اليمن ولو كانت على حساب وحدة الشعب اليمني ومصالحه وأمنه واستقراره .