عرس المومري أول حشد خارج سلطة الحوثيين ما دلالاته؟
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 3 سنوات و 4 أشهر و 18 يوماً
الأحد 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 07:25 م
  

شكل الحشد الجماهيري، الذي حضر ميدان السبعين في العاصمة صنعاء بالأمس للمشاركة في عرس الـ"يوتيوبر" اليمني مصطفى المومري حدثاً له دلالاته، حيث حضر الآلاف طواعية وتلبيةً لدعوة شخص عادي دعاهم إلى مشاركته فرحته بتسجيل طريف، فحضروا من كل أحياء أمانة العاصمة صنعاء، ومن خارجها بشكل أكبر مما توقع، مما دفع السلطات في صنعاء لاقتحام ميدان السبعين، وأخذ العريس "المومري"، وإجباره على مغادرة الميدان، لتفريق الفعالية العفوية وتحت لافتة "الدواعي الأمنية" .. سنحاول في هذا التحليل رصد أبرز دلالات هذا الحدث:

* ــ الرغبة في الفرحة والحياة الطبيعية

منذ سنوات عجاف عاش أبناء اليمن حياة صعبة، خلت من الفرحة والانطلاق العفوي والتعبير عن الحياة الطبيعية دون خوف، سنوات من الحرب والرعب والقصف والخوف وانعدام الأمن والرواتب وتوقف الفعاليات الرياضية والجماهيرية والفنية التي تحدث في ظل حياة سوية، وفي ظل وضع طبيعي، ولذا لم يشكل هذا العرس الاستثنائي رغبة في إسعاد هذا "اليوتيوبر" فحسب، بل ومحاولة شعبية عفوية لكسر هذا الروتين الإجباري، الذي يعيش فيه الناس، حيث تحول الوطن إلى ما يشبه سجن كبير، فكان هذا الخروج كرغبة من الناس في التنفيس عما يعيشونه منذ سنوات من القهر والكبت، ورغبة في العيش وفق الحياة الطبيعية.

يؤكد لنا هذا الحشد الفرائحي غير المسبوق أن اليمنيين شعب محب للحياة وللفرح وللحرية وللانطلاق العفوي وتحطيم القيود والروتين القاسي، الذي يعيشه، وقد مثل هذا العرس الجماهيري غير المسبوق التعبير الصادق عن هذه الرغبة المكبوتة.

   نهاية أكذوبة "الحشد مقياس للشعبية"

لقد أكد الحضور الجماهيري الحاشد، في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء بالأمس، أن الحشد الذي نظمه الحوثيون مؤخراً في ذكرى المولد النبوي ليس دليلاً على شعبيتهم، وإنما هو لأسباب عديدة، أبرزها: حب الناس للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولعاطفتهم الدينية، وأن أية سلطة أمر واقع قادرة على حشد الناس وفرض الحضور الجماهيري، إذ يكفي التوجيهات الرسمية في المرافق والمؤسسات الحكومية والتهديد بالعقوبة لدفع عشرات الآلاف من الموظفين لحضور أي فعالية لدفع التهمة عن أنفسهم، وتجنب العقوبة، وإثبات الطاعة، خاصة وأن الكثير من المؤسسات في صنعاء صارت، مؤخراً، تصدر توجيهات رسمية لكل موظفيها بحضور الفعاليات التي تدعو إليها جماعة الحوثي، وتشترط عليهم التقاط الصور الجماعية في الميدان، كدليل على حضورهم، إضافة إلى أن الحشد عادة ما يتم بالترغيب عبر وسائل الإعلام ودفع الأموال وتوجيه المؤثرين للحشد بمختلف الطرق والوسائل، إضافة إلى حضور أنصار الجماعة والمستفيدين منها، ورغبة الكثير من الناس بإبعاد التهمة عنهم، بحضور مثل هذه الفعاليات، حتى لا يتهمون بولائهم للشرعية والتحالف السعودي - الإماراتي "(العدوان).

من دلالات عرس "المومري" أن الحشد الكبير في الميادين والساحات العامة، ومنها ميدان السبعين في صنعاء ليس دليلا على شعبية الحوثيين، ولا على شعبية السلطة التي كانت قبلهم، ولكنه دليل على أن من يمتلك السلطة يستطيع الحشد، لكن هذه الحشود لا تحمي أي سلطة أمر واقع من السقوط، ولا تضمن لها البقاء، فقد حشدت السلطة قبل سقوط صنعاء حشوداً كبيرة في فعاليات وتظاهرات، ولكن هذه الفعاليات صارت ذكرى، وربما كان الحشد الكبير في جنازة القائد العسكري اللواء حميد القشيبي في صنعاء بتأريخ 23 يوليو/ تموز 2014م هو الحشد الأكثر حضوراً وعفوية وصدقاً، لما مثله هذا القائد من حضور مؤثر في وجدان اليمنيين بعد صموده في قتال المليشيا الحوثية لشهور، رغم خذلان السلطة والتآمر المحلي والإقليمي والدولي عليه، رغبة في إزالته، حيث مثل عقبة كبيرة أمام وصول الحوثيين إلى صنعاء.

   الحوثيون والخوف من الجماهير والحشود

الحركة الحوثية كأي سلطة أمر واقع تخشى الحشود والجماهير العفوية، التي لا تقودها هي، فهي تخشى الثورة عليها، وتخاف من الجماهير، وتخشى الغضب الشعبي، وهذا السبب الذي دفعها لاقتحام ميدان السعبين، وإجبار العريس مصطفى "المومري" على مغادرة الميدان، وقامت بإرغامه على العودة إلى منزله، وتعهده بدعوة الحضور إلى الانصراف تحت لافتة "الدواعي الأمنية"، وعدم القدرة على تنظيم الحشود الجماهيرية الكبيرة، وخشيته من خروج الوضع عن السيطرة، "وقصف الرئيس الأمريكي ترامب للفعالية"، كما ظهر في بث مباشر للحاضرين في قاعة العرس، وهي تبريرات غير مقنعة، لكن الجميع قد أدركوا بأنه قد تعرض لضغوط كبيرة أجبرته على ترك الحضور، والذهاب إلى منزله ثم شكرهم واعتذر إليهم مكرهاً.

من الدلالات الهامة التي أكدها عرس "المومري" أن سلطة الأمر الواقع في صنعاء ظهرت ضعيفة أكثر مما يتصور الناس، وتلك الحقيقة التي غابت عن كثيرين.

هذا الحشد الجماهيري بقدر ما أظهر حب أبناء اليمن للحياة والفرحة ورغبتهم في إسعاد بعضهم، أكد كذلك على أن الحشد الجماهيري ليس مقياساً على شعبية أي سلطة، ولا دليل على حضورها الجماهيري وقوتها وتمكنها، كما أظهر اقتحام ميدان السعبين من قبل القوات الأمنية المخاوف الكبيرة للسلطة من أي حشد جماهيري خارجاً عن سلطتها، حتى ولو كان عرس، كما أظهر أيضا أن "اليوتيوبر "، ومن لديهم حضور وتأثير في مواقع التواصل الإجتماعي قادرون على الحشد وصناعة الأحداث والتأثير في الناس وإخراج الآلاف إلى الشوارع وقيادة التغيير في المرحلة القادمة، وهو أمر له دلالاته.

نقلا عن موقع قناة بلقيس