حماس.. وإيران.. وأنا
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 11 شهراً و 18 يوماً
الأربعاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2023 08:27 م
  

كلماتي هذه أبثها فقط لمن كان دستوره القرآن القائل {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55- 56].

إلى هؤلاء الذين يستظلون بعقيدة الإسلام الصافية، والتي تتضمن الولاء والبراء، الولاء لله ورسوله ولكل امرئ مسلم، والبراء من كل من يعاديهم.

تلك العقيدة التي جعلت المحبة والموالاة معيارا ربانيا لا شخصيا، فالمؤمن يحب كل ما يحبه الله ورسوله، ويبغض كل ما يبغضه الله ورسوله، فلا مكان لمعيار الأهواء أو الانتماءات الجزئية الضيقة أو الشعارات البراقة المصطنعة على خلاف ما يرضي الله تعالى.

أتكون الأرض هي معقد الولاء والبراء؟

كلا، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والوطن حينما كان الإسلام، وإلا لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم مكة التي ولد ونشأ وترعرع فيه وله فيها أهل وسكن.

أيكون الأشخاص هم معقد الولاء والبراء؟

كلا، فما من إنسان معصوم بعد الأنبياء، والمرء تتناوب عليه الحادثات، تغيرن من توجهاته ومسالكه، فقد يصبح بحال ويمسي بأخرى، فليس منهم أحد ببعيد عن الفتنة.

أسوق هذه المقدمة لكي أقوم بالتأسيس عليها في مسألة باتت فضفاضة مميعة غير محسومة، تتجاذبها التوجهات والأهواء والأذواق، يختلط فيها الحابل بالنابل.

تلك المسألة هي علاقة حماس بإيران وما يتفرع عنها من مواقف تتخذها النخب والجماهير حيال إيران ما بين مؤيد ومعارض، ما بين مادح وذام، ما بين مُطَمئِن ومحذر.

الحكاية وما فيها، أن حركة حماس قد أطلقت ثناءها ومدحها لإيران التي دعمتها في وقت تخلى فيه العرب عن دعم المقاومة، فانعكس ذلك على بعض النخب العربية الإسلامية وقواعدهم الجماهيرية للاستغراق في مدح إيران وتجميل وجهها، ونسيان كل جرائمها تجاه الشعوب العربية الإسلامية، وصلت إلى حد أنهم يطالبون غيرهم – ومنهم أنا إحسان الفقيه- بسلوك النهج نفسه، بدعوى أن هذا ليس وقته.

أقول وبالله التوفيق، لم أعترض طرفة عين على ذلك المديح الذي كالته حركة حماس لإيران، لأنه من باب المكافأة لمن أسدى المعروف مهما كانت ملته أو طائفته أو توجهاته، فحماس قد أُغلقت في وجهها الأبواب، وتخلى عنها الأقربون، ولم تجد أمامها سوى الباب الإيراني لتطرقه، فدعمتها إيران دعما غير مشروط، رغم أنها تستفيد من ذلك بتجميل صورتها أمام العالم السني بعد جرائمها الطائفية المعروفة، وكونها تدرج في دعايتها حركة حماس ضمن محور المقاومة، فهذا بلا شك يرفع أسهمها.

إذن، موقف حماس من إيران طبيعي جدا، ولا غبار عليها فيما فعلت، المشكلة الحقيقية في النخب الفكرية والثقافية والسياسية التي استنسخت موقف حماس من إيران، بلا داعٍ وبلا مبرر.

خطورة ما تفعله هذه النخب يتمثل في إسهامها بتمييع القضايا، والخلط في وجدان الشعوب العربية والإسلامية بين الصديق والعدو، وإسهامها في عدم وضوح الرايات، والتغطية على التاريخ الأسود لإيران الطائفية.

بدعوى أن هذا ليس وقته، تُجمل هذه النخب وجه إيران رغم العلم اليقيني بأن لها مشروعا مشابها للمشروع الصهيوني، فلم يعد خافيا على متابع أو قارئ مهتم، أن إيران لها مشروع قومي فارسي مُحمل على رأس طائفي، تتخذ من التشيع رأس حربتها، تجمع الانتماءات من هنا وهناك من شتى بقاع الأرض على الولي الفقيه، ويفقد أتباعها في الدول العربية انتماءاتهم لأوطانهم، بل كثير منهم يطعنون هذه البلاد من الداخل.

كيف تريدون لنا أن ننسى قتال الحرس الثوري الإيراني إلى جانب طاغية الشام بشار، ضد أهلنا في سوريا، وإحداث القتل والتدمير بأمر من طهران، وإحداث تغيير ديموغرافي في سوريا يهددها بالتقسيم؟

كيف ننسى أن ذراعها في لبنان أحد أبرز الأسباب لعدم استقرار ذلك البلد، فحزب حسن نصر الله يمثل إيران داخل لبنان باعتراف حسن نصر الله نفسه، وكيف ننسى أن هذا الحزب الذي أطلق بضعة صواريخ ضد الصهاينة لزوم مسك العصا من المنتصف وعدم إيصال الهجوم إلى درجة حرب، وعدم المشاركة الفعلية الجادة في القتال الدائر رغم الجعجعة المستمرة حول نصرة الأقصى، كيف ننسى أن هذا الحزب ذبح أشقاءنا السوريين في القصير لصالح بشار بأمر من طهران؟

وكيف ننسى أن إيران قامت بالشراكة مع الولايات المتحدة في تدمير وتحييد العراق تلك القوة العربية الإسلامية التي كانت ترعب الصهاينة، قامت إيران باقتسام الكعكعة مع واشنطن، حتى غدا العراق محافظة إيرانية.

وكيف ننسى أن الحوثي لم يعث في اليمن فسادا إلا بدعم من إيران، فهو ذراعها في ذلك البلد الذي أنهكه القتال وأوصله إلى خطر المجاعات والأوبئة.

إن الاسترسال في تحسين وجه إيران يطمس كل هذه الحقائق، ويغرق هذا الجيل والأجيال اللاحقة في حالة من عدم التمييز بين الصديق والعدو.

عجبا لهؤلاء، يلزمون بما لا يلزم، هم يضعون حتمية بغيضة مفادها أن دعمك للمقاومة في غزة يستلزم أن يكون هذا موقفك من إيران. هذا عبث، وكما قلنا هو سائغ بحق المقاومة التي تخلى عنها العرب وتوجهت إلى إيران على قاعدة الضرورة، فما الذي يحتم علينا نحن أن نحسن وجه إيران ونسكت عن جرائمها طالما أننا ندعم المقاومة الفلسطينية؟!

وحتى لو بنوا رأيهم تجاه إيران نصرةً للمقاومة، فأنا قد بنيت موقفي نصرةً للعقيدة التي تحفنا جميعا كمسلمين من أهل السنة، وبنيته على ضرورة تمايز الصفوف وعدم الخلط ودفع الالتباس عن الجماهير وخاصة الناشئة.

علم الله أن غزة في سويدا قلبي، وأن المقاومة تاج على رأسي، وأفتخر أن في أمتي أمثال هؤلاء جند الله وأوليائه، الذين ينوبون عن الأمة بأسرها في جهادهم ضد الصهاينة، لكن كما يقال هذه نقرة وهذه نقرة، تعاطفي ودعمي ومحبتي للمقاومة لن تجعلني أسهم في تمييع القضايا وتحسين الأوجه القبيحة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون