الاعلام الجديد في اليمن... وعود المستقبل
بقلم/ حمدي البكاري
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 7 أيام
الأربعاء 16 سبتمبر-أيلول 2009 01:12 ص

يراهن محمد الصالحي على أنه " ليس وحده " لكن هل سيكون هذا هو شعوره لولم يكن صحفيا؟ كثيرون يستبعدون ذلك ويقدمون الادلة...

  يعمل محمد مديرا لتحرير موقع مأرب برس الالكتروني وهو من المواقع اليمنية الإخبارية كثيرة التصفح حسب قراءة المؤشر الرقمي في واجهة الموقع وفي ذات مرة من مرات التغطيات الإخبارية لاحظ جار الله الصالحي- قريب

محمد- وهو يعمل مصورا في الموقع أن أفرادا من الأمن يلاحقونه أثناء التقاطه صورا لأثار محاولة هجوم مسلح في العاصمة اليمنية صنعاء استهدف موكبا للسفير الكوري الجنوبي..بالكاد التقط صوره, ثم أوقف سيارة تاكسي وغادر المكان.

عندما جاء جار الله الى موقع الحدث كان يستقل سيارة محمد لكنه عندما لاحظ أفراد الأمن يركضون نحوه عاد الى مقر الموقع الالكتروني بسيارة تاكسي تاركا سيارة محمد هناك.

كان المصور الشاب يرى في هذا القرار: اولا امكانية الحفاظ على ما ظفر به من صور وهذا يعني ثانيا:تحميلها على الموقع منفردا بذلك, اما سيارة محمد فيمكن العودة اليها حين يهدأ الموقف ...على الارجح هكذا استقر التقدير لدى جار الله

حتى الآن هو نجح في تنفيذ الجزء الأول من القرار.وبالنسبة له فقد استطاع الوصول الى المكتب ومعه الصور وبعض زهو بالتفوق والانجاز والإفلات من قبضة الأمن لكن ذلك لم يدم طويلا.

بث الموقع الخبر مصحوبا بالصور لكن المتصفحين قرأوا أيضا العنوان التالي :اعتقال محمد وجار الله الصالحي ..لاحاجة هنا للتفاصيل فعندما عادا لجلب السيارة كان الأمن في انتظارهما.. وماكان يكفي للرضا المهني المعزز بابتسامة المتصفحين قابله عدم رضا أفراد الأمن من نجاح جار الله وبراعته في الافلات منهم .. كان الأمر لايستحق لكن الأمن كان لهما بالمرصاد فاقتادهما الى السجن في ذلك اليوم , 18 مارس 2009م قضى محمد وجار الله ساعات عصيبة في مبنى إدارة الأمن السياسي في العاصمة صنعاء .

لاغرابة فمشهد كهذا يكاد يكون مكرورا في اليمن الذي يخوض معتركات التحول إلى بلد ديمقراطي بنفس طويل غير ان الجديد هنا يتمثل في انبعاث تلك الإشارة ببدء المواجهة ربما بين السلطات والإعلام الجديد .

هذه المادة التي أعدت كمتطلب تدريبي هي محاولة لتسليط الضوء على راهن التعامل مع تقنيات الإعلام الجديد في اليمن ..قراءة غير مكتملة للتحديات واستشراف يستدعي نقاش وعود المستقبل.

"شاهد".. المشوار بدأ..

مطلع مايو2009م منعت السلطات توزيع صحيفة المصدر الأسبوعية المستقلة ضمن ست صحف مستقلة أخرى بدعوة نشر مايمس الوحدة الوطنية وبينما كانت الصحيفة قد اكملت طباعة عددها الاخير كان هناك من ينتظر في بوابة المطبعة لمصادرة الكمية البالغة خمسة عشر الف نسخة .

في ذلك اليوم بث موقع المصدر اون لاين التابع للصحيفة مقطع فيديو عن عملية مصادرة الصحيفة من المطبعة http://www.marebvideo.com/watch.aspx?vid=588&action=searchSimilar

اظهر الفيديو أشخاصا أمام المطبعة يقومون بنقل الكمية ويضعونها في وسيلة نقل ثم يغادرون...لقد سجل المقطع لحظة مهمة من حياة الصحيفة كما سجل أيضا حدثا إخباريا بطريقة حية... كان فيديو المصدر يقول للناس: انظروا ..هذا ماجرى لنا.. انكم تعرفون الآن لماذا لانتواجد هذا الأسبوع في السوق.

ورغم ان السلطات قامت بعد يومين فقط بحجب موقع المصدر اونلاين الا ان مقطع الفيديو كان قد انتشر وجرى تحميله في اكثر من مكان الكتروني.

اكثر من حدث يمني يمكن مشاهدته عبر مقاطع فيديو يلتقطها صحفيون او هواة ويبدو ان تقنيات الفيديو بدأ ت بالوصول التدريجي الى بوابة الصحافة الالكترونية اليمنية ففي ابريل 2009م بدأ موقع مأرب برس خدمة بث مقاطع الفيديو http://www.marebvideo.com  متيحا للمتصفحين إمكانية إضافة المقاطع التي يريدونها وكذلك التعليق على المقاطع المبثوثة.

يقول محمد الصالحي مدير الموقع انه خلال أسابيع تم تحميل أكثر من 600 مقطع وانضم أكثر من 500عضو للخدمة وهناك حوالي 700تعليق .

مارب برس ليس وحده من يبث مقاطع الفيديو فهناك ايضا موقع التغيير نت الذي ادخل خدمة الفيديو العام الماضي http://www.al-tagheer.com/all_video.php

وخدمة الصحوة نت عبر الصحوة يوتيوب http://www.youtube.com/alsahwanet التي انطلقت في اكتوبر 2008 م بعد ست سنوات من انطلاق الموقع .

الكثير من الصور ومقاطع الفيديو عن الاحداث مثبته على اليوتيوب ومواقع اخرى لاسيما تلك التي لاتستطيع القنوات التلفزيونية الوصول اليها..مثلما يحدث في بعض احتجاجات محافظات في جنوب البلاد, لكن الكثير من هذه المقاطع يجري التقاطها عبر اجهزة الموبايل مايعني الضعف في الجودة.

على مستوى التدوين يمكن العثور مثلا على 3026 مدوّنة / مدونات من اليمن في موقع مكتوب مطلع حتى مايو 2009م كذلك توجد مدونات في مواقع اخرى وبعضها ترفق مقاطع فيديو غير ان ذلك لايحدث دائما.

ومؤخرا انشئت العديد من المجموعات اليمنية على الفيس بوك التي تناقش في معظمها الأوضاع السياسية بعد ان كان ذلك غائبا في الشبكة.

هناك بدايات تكاد تكون واضحة لاقتحام مجال الإعلام الجديد غير انه في المقابل هناك عديد معوقات تجعل من هذه الخطوات إما متعثرة أحيانا او بطيئة أحايين كثيرة. وفي الحالين بدا ان التأثير القائم على مناشط الاعلام الجديد محدودا وفي ذلك اتساق مع إرهاصات البداية.

من يحضر اكثر؟

اذا كنت صحفيا في اليمن وتقوم بفتح بريدك الالكتروني باستمرار فمن النادر الاتجد رسالة واردة من الصحفية والمدونة سامية الاغبري.

سامية تعمل حاليا سكرتيرة للجنة الحريات بنقابة الصحافيين اليمنيين وغالبا ماترصد حالات الانتهاكات واخبار المحاكمات واي احداث لها صبغة انسانية وحقوقية .. مراسليها الالكترونية والتي تذهب الى قائمة طويلة من الاسماء تطلعك غالبا على موعد ندوة او حلقة نقاشية اوجلسة محاكمة او تحيطك بموقف جهة ما في قضية ما... حتما ستجد هناك مايثير فضولك .

ربما من حسن حظك كصحفي ان تجد في بريدك رسائل كهذه..لكن –لاحظ- لكونك صحفيا فقط مايعني ان الاهتمامات الالكترونية تتوافر على الوسط الصحفي اكثر من غيره من القطاعات ..انها وفرة الى حد كبير تأتيك من منابع شتى.

من ناحية الحضور تبدو الصحافة المطبوعة في اليمن هي الأكثر تصدرا لتقديم معلومات متعدد الأوجه اما وسائل الإذاعة والتلفزة فملكيتها مايزال حكرا على الدولة هي تحضر ايضا لكنه حضور يمكن وصفه بأنه من طرف واحد ما يجعل مشاهدين كثر ينصرفون الى فضائيات اخرى.

  زمنيا دخول الصحافة الالكترونية كعنصر جديد في معادلة المعلومات والآراء.. لايجتاز السبع سنوات تقريبا لكنه استطاع خلال هذه الفترة ان يخطو خطوات لافتة تجعل المتبع لشبكة الانترنت يلحظ ان قابلية اليمنيين وبالذات الجيل الجديد للبحث عن فضاءات يسير بخطى معقولة بالقياس الى حركة المج ومن المهم ايضا الاشارة هنا الى الحركة النشطة لليمنيين في الخارج داخل شبكة الانترنت.

  تعال نقوم بجوجلة على كلمة اليمن ستجد ضمن نتائج البحث..مجموعات بريدية..منتديات ,مواقع متنوعة ,تعليقات وتفاعلات على الأخبار والآراء ..وأيضا هناك مدونات ومقاطع فيديو ومجموعات في شبكة الفيس بوك والى حد اقل ثمة يمنيون في " التوتير" موقع المراسلات النصية الشبيهة برسائل الموبايل وكذلك في "الماي سبيس "موقع تحميل الصور وينسحب ذلك على التشبيك التفاعلي الالكتروني المتسق مع ضاءله عدد المتعاملين مع الانترنت في البلاد قياسا ببلدان عربية اخرى . كما يمكن للمتتبع ملاحظة الاقبال الكبير على المنتديات التفاعلية واحتوائها من حيث الموضوع لفضاءات جديدة في طرح الرأي السياسي والاجتماعي كما يظهر ذلك في موقع المجلس اليمني الذي يدار من خارج اليمن ويقدم آراء جرئيه وكذلك منتدى حوار الذي يرأسه الناشط الالكتروني عبدالرشيد الفقيه الذي ميز الموقع بإجراء حوارات صحفية مع شخصيات سياسية واعتماده كسياسة للموقع على مشاركات اسماء حقيقية في اغلب الحالات بخلاف موقع المجلس اليمني الذي يدار من خارج البلاد وكثيرا ما نرى مشاركات بأسماء وطبقا لنبيل الصوفي الذي يملك ويرأس تحرير موقع نيوز يمن http://www.newsyemen.net /فان الإحصاءات لعدد زوار "نيوزيمن" وصلت الى 36 مليون و61 ألف زيارة منذ , بينهم 14.207596 في عام 2008م.

وأوضح الصوفي في مقال بثه الموقع في مايو 2009م بمناسبة مرور اربع سنوات على انطلاقه: ان هناك أكثر من 10 مليون زائر من هذا العدد هم من داخل اليمن .

ويعد موقع " مأرب برس" http://marebpress.net / الذي انطلق مطلع 2006م وموقع التغيير نت http://www.al-tagheer.com / من اكثر المواقع اليمنية الإخبارية تصفحا حسبما تشير الاحصاءات.

ويمكن للمتتبع رصد حجم الردود والتعليقات على ماتبثه هذه المواقع الإخبارية ومثيلاتها ليتأكد من ان الصحافة الالكترونية الاخبارية تتصدر اهتمامات المتعاملين مع الانترنت وهو اهتمام يعبر عن حداثة التعامل مع تقنيات الاعلام الجديد في البلاد والتحديات المصاحبة له.

تحديات... وامال

من مقهى انترنت الى آخر يتنقل عزت مصطفى, عزت وهو صحفي ومدون ونشط في المراسلات الإلكترونية الإخبارية يقاوم كل متاعب ومشكلات مقاهي النت لكنه في النهاية يكسب حضورا متقدا في الفضاء الالكتروني.

يستطيع عزت ان يقودنا مباشرة الى أسباب ضعف إقبال اليمنيين على الاعلام

الجديد: "سوء خدمات الإنترنت، وضعف مستوى التعليم خاصة في مجال الحاسوب، وارتفاع أسعار الاشتراك في هذه الخدمة" لكن العامل الأهم والحديث لعزت - هو تدني مستوى الدخل ما يجعل توافر امتلاك أجهزة كمبيوتر صعبة ، إذ أن الغالبية العظمى من مستخدمي الانترنت في اليمن يستخدمونها من مقاهي انترنت لساعات محدودة.

في الاحصائيات تأكيد لما ذهب اليه عزت فبحسب شركة "يمن نت" وهي شركة تملكهما الحكومة وتعد المزود الوحيد لخدمة الانترنت في البلاد فإن عدد المشتركين في الخدمة بلغ حتى ابريل 2009م أكثر من 330الف مشترك اما المستخدمين فهناك اكثر من مليون مستخدم ويوجد أكثر من ألف مقهى نت 60% منها في العاصمة صنعاء .

المهندس عامر محمد هزاع مدير عام شبكة تراسل المعطيات والانترنت في الشركة قال ذلك لموقع سبتمبرنت في ابريل 2009م واضاف: ان معدل تصفح اليمنيين لشبكة الانترنت لا يقل عن 4ساعات يومياً . لكنة ليس كذلك بالنسبة لمشتركي خدمة الـ ADSL وعددهم 30الف من مجموع الـ 330الف وهو يقول أنهم يلاحظون ان عدد من يدخلون في نفس الوقت يتجاوز الـ 8الف مشترك بمعدل 120 الف ساعة في اليوم كما قال.

هذا الوقت الضئيل الممنوح للنت له مايفسره من أسباب.. واذا كان محمد الصالحي مدير تحرير موقع مأرب برس يقضي امام شاشة الكمبيوتر من سبع الى تسع ساعات يومياً في متابعة تطورات الأحداث فان الصحفي والمدون احمد النويهي الذي يعيش في مدينة تعز -الى الجنوب من صنعاء -لايعطي الانترنت سوى ثلاث ساعات فقط من وقته اليومي رغم امتلاكه ثلاث مدونات على الشبكة.

انه منشغل بأعمال أخرى تجعله أكثر قدرة على مواجهة المتطلبات المعيشية له ولأسرته. لكن ماهي امكانية التعامل مع النت في أماكن العمل؟ يبدو ذلك صعب أيضا . ربما أكثر مما نتصور, يقول عزت ان استخدام الصحفيين للنت باعتبارهم الشريحة الأكثر يكاد منعدما في أماكن العمل . هو يبرر ذلك بعدم كفاية أجهزة الكمبيوتر الموجودة في الصحف ، إضافة إلى أن معظم الصحف تصدر أسبوعيا وبالتالي فإن ساعات عمل الصحفيين فيها محدودة وتقتصر على اليومين الذين يسبقان موعد الإصدار، بمعني يومي عمل (أسبوعياً) في مقار الصحف ليس كافياً للارتباط والتفاعل مع تقنيات الإعلام الجديد، ويزيد على ذلك عدم الاستقرار في العمل لمدد طويلة، إذ يظل الصحفي اليمني يتنقل في العمل من وسيلة إعلامية إلى أخرى، كما أن كثير من الصحافيين يرتبطون مع الصحف بنظام القطعة إذ يعملون على إعداد المادة الصحفية من خارج مقر الصحيفة ومن ثم يرسلونها للنشر مكتوبة يدوياً لتعيد الصحيفة طباعتها على أجهزة الكمبيوتر كما قال عزت.

التدوين..حالة استكشاف

التحدي التكنولوجي والوقت الممنوح لشبكة الانترنت أيا كانت أسبابه فان له بالغ الأثر في جعل التفاعل مع تقنيات الاعلام الجديد محدودا ولعل في حال المدونات مايفسر ذلك أكثر.

لنمر على التدوين قليلا حيث نقاش المُنتَج وأسلوبه:

لم تكن المدونة والصحفية سامية الاغبري تدرك أهمية التدوين" في بداية تجربتها. تقول: كنت ارى التدوين صعبا ومملا , ولكني ومنذ مايقارب الثلاث سنوات وبعد ان تلقيت دورة تدريبية ,عرفت كيف انني في المدونة اكتب ما أريد وبالطريقة التي أريد بعكس المواقع والصحف التي لها سياسة تحريرية محددة إنني اكتب الآن دون سقف لحرية ما اكتب. لكن سامية تقول ايضا: في الواقع اقوم احيانا بإعادة نشر ما اكتبه في الصحف المطبوعة وبعض المواقع في مدونتي.

في تجربة سامية إفصاح عن الحال الذي يعيشه مدونون آخرون وهم يقومون بإعادة نشر مايكتبونه سابقا في صحف وربما مواقع الكترونية مايبقي المدونات لفترات طويلة احيانا دون تحديث أو تسجيل ماهو جديد من احداث ووقائع ومواقف وانطباعات ومشاهدات يومية ويمكن الإضافة بأن الحالة اليمنية تعيش ندرة في استخدام مقاطع الفيديو او الصور الحية في المدونات والشبكات ذات الصلة .

هنا يمكن التسجيل أن الساحة الإلكترونية تكاد تكون متروكة للمواقع الاخبارية وضمنها تجتهد طواقم هذه المواقع في استحداث بعض تقنيات الاعلام الجديد وعادة ماتأخذ المواقع الإخبارية اتجاها نحو المؤسسية المستقلة او التبعية لجهات حزبية او حكومية في حين يعمل المدونون بإمكانات فردية وطاقات محدودة أيضا.

تكمن مشكلة طغيان تصفح المواقع الاخبارية على المدونات بالنسبة للمدون احمد النويهي فيما يسميه بظاهرة"النسخ واللصق" ويقول ان المواقع الاخبارية تقوم بنشر نفس الاخبار بعد اعادة صياغة وتحوير وتقديم وتأخير لنفس المعلومات متسائلا: ماالجديد الذي يمكن ان يضيفه المدون وكيف يمكنه استقطاب المتصفحين وقد عم الخبر المواقع الإخبارية ؟ ان سألت مدونا عن سبب غياب الصورة ومقاطع الفيديو في مدونته سيأتيك الرد من احدهم :

انا استخدم الصور"الفوتوغرافية" في أغلب ما أبثه في مدونتي لكنني لا استطيع استخدام "الفيديو" لأسباب مالية و تقنية.يقول المدون احمد عبد الرحمن وهو طالب في قسم الصحافة بكلية الاعلام بجامعة صنعاء ,ويوضح:ليس لدي كاميرا فيديو ولا معرفة تقنية كافية في كيفية إضافة مقاطع الفيديو .

ووفق مدير تحرير موقع مأرب برس فان معظم ما يتم تحميله من مقاطع فيديو على الموقع فهي اما منقولة من مواقع اخرى او مسجلة من قنوات فضائية.

  ومع غياب إحصائية دقيقة وحديثة عن عدد المدونات والمدونين في اليمن إلا أن آخر إحصائية متوفرة بثها موقع مأرب برس مطلع العام 2008م عن منظمة تسمى " بيت المدون اليمني" فقد قارب عدد المدونات في اليمن ألفين وست وخمسين مدونة حتى نهاية عام 2007م وذكرت الإحصائية السابقة ان 567 مدونة هي مايتم تحديثها بشكل مستمر من هذه المدونات.

احمد النويهي وهو عضو مؤسس في اتحاد المدونين اليمنيين يؤكد ان العدد متدن للغاية بسبب ما اسماه عدم استيعاب دور هذه التقنية وامتلاك أدواتها التكنولوجية واقتصار المنخرطين فيها على الهواة. مكررا القول عن هيمنة المواقع الالكترونية الإخبارية على التصفح لدى الجمهور وسرعتها في تقديم ماهو جديد.

مشكلة اخرى تواجه المدونين فمن وجهة نظر احمد عبد الرحمن فان المدونات كبديل للصحف الورقية التي لا يتسع هامشها لنشر الكثير من الآراء تواجه المشاكل نفسها ولكن بطريقة مختلفة. يقول :إننا مخنوقين في هذا الفضاء حيث تواجهني كثير من المثبطات أبرزها الحجب المستمر للمدونات من قبل الشركة -المزودة لخدمة الانترنت- والمسلطة على رؤوس المدونين.

السلطة .. والحرية

المشكلة نفسها ترددها سامية الاغبري وهي تفسر سبب عدم تحديث مدونتها, فالسلطات ماتزال تنظر بعين الريبة إلى استخدام التقنيات الحديثة كأنماط جديدة لتبادل المعلومات و الآراء والتفاعل معها وهي تعلن من وقت لآخر توجهها نحو تقنين الصحافة الإلكترونية غير خافية انزعاجها من قيام مواقع الكترونية معارضة بتقديم خدمة الأخبار القصيرة عبر الموبايل للجمهور العام الراغبين بالاشتراك لكنها في ذات الوقت تبذل جهودا حثيثة لتطوير نفسها بواسطة خدمات الإعلام الرسمي التابعة لها اذ تقدم خدمات الأخبار القصيرة عبر الموبايل وتضيف بعض مواقعها الالكترونية مقاطع فيديو أحيانا.

من اللافت انه بقدر مايتح بلد كاليمن ملفاته الراهنة مفتوحة على مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية عديدة من مادة حيوية للإعلام الجديد فأن تحديات أخرى كارتفاع نسبة الأمية وتدني مستوى الدخل وارتفاع معدل البطالة وتمركز السكان في الريف وتلك المشكلات التي أثارها مدونون في هذه المادة الصحفية .,جعل من هذه الحيوية غائبة.

منطقي هو الاستنتاج ان الإعلام الجديد لم يتحول بعد في البلاد الى حالة جماهيرية تفاعلية على أن إطلاق وصف " مدون" والحال كذلك يبدو مبالغا فيه فغالب من يجري وصفهم بالمدونين هم في الأساس صحفيون غير ان ذلك لايعني بالمطلق ان البلد لم يبدأ خطواته الأولى في طريق الإعلام الجديد بقدر ما يفسر الهيمنة الطاغية لوسائل الإعلام التقليدية على مشهد العملية الإعلامية.

المستقبل: وعود المؤشرات

يتحدث محمد الصالحي عن غياب أي تجمع نقابي يضم العاملين في الصحافة الإلكترونية خاصة وان نظام نقابة الصحفيين اليمنيين لايسمح بعضويتهم في النقابة ولذا فهم عرضة للانتهاك المستمر كما يقول.

انهم يتعاملون غالبا مع أفراد وجهات لا تتعاطى كثيرا مع المنتج الصحفي عبر الانترنت كنمط تقني وإعلامي جديد يفرض نفسه وواقعه في التعامل مع الاحداث ويحول مقولة المواطن الصحفي الى حقيقة قائمة., وبسبب هذا التعاطي السلبي او غير الواعي لما يجري في العالم يبرز خطاب مشروعية عمل هؤلاء من الناحية القانونية , فأن تذهب لتغطية حدث ما فذلك يعني أحيانا ان تكون لديك الإجابة على سؤال أين ترخيصك؟ أو أين بطاقتك الصحفية؟ هنا لاتجد كلمة " مدون" أي صدى. لربما لم يسمع بها السائل من قبل! مع ان الامر هنا فيه تجاوز ضمني للعراقيل – وهي كثيرة-التي يعانيها الصحفيون أثناء أداء مهامهم فما بالنا بالمدونين.! مايعني انك لاتكسب ميزة دائما لكونك تحمل بطاقة صحفية.

انه موضوع متعلق في احد جوانبه الجوهرية ببطء التحولات والمواكبة و بمدى التأثير الذي لم يبلغ قوته بعد من قبل الحركة المدنية والمنظمات الحقوقية وكل الكتل الاجتماعية الموازية في مواجهة سلطة الدولة وماتحملة من موانع للشفافية.

في مجموعته التي أنشأها على شبكة الفيس بوك نعثر على رسالة في ابريل 2009م بعث بها نشوان عبده علي غانم عنونها ب: استغاثة إلى منظمة العفو الدولية وضمن ماجاء فيها: أن حياته أصبحت في خطر بعد ان نشر مقالا في مدونته عن تداعيات الاعتداء على السفارة الأمريكية بصنعاء في 17 سبتمبر / أيلول 2008 .

غانم الذي يعرف نفسه بمدون ومهندس اتصالات اتهم في رسالته قيادات عسكرية وشخصيات نافذة في السلطة بالضلوع وراء ماتعرضت له السفارة وقال انه كان عرضة للاعتداء والضرب حد محاولة اغتياله.

ترافق ذلك والإعلان في صنعاء مؤخرا عن إنشاء" الرابطة اليمنية للإعلام الجديد" وكذلك حديث المدونين على قلتهم عن أهمية وضرورة التأطر في كيان يدافع عنهم ويركز على احتياجات الناشطين من خلال هذه التقنية الحديثة., ماسبق وغيره يمنح فرصة تفاؤلية للقول ان القطار بدأ في السير.., ومن المتوقع ان تؤدي ميزات المعطى التكنولوجي في تسريع الحركة فسهولة الاستخدام ومجانية البرامج وتنافس شركات التقنية والاتصالات على تقديم ماهو أفضل فضلا عن إدخال التكنولوجيا في مجال التعليم ومراكمة الوعي الديمقراطي وضرورات الانفتاح السياسي والاقتصادي وكل ما من شأنه جعل خدمة الانترنت متاحة وسريعة,سيؤدي الى استقطاب واسع للجيل الجديد في مجال الإعلام الجديد قبل ان يكشف لنا المستقبل عن تطورات أخرى يجمع المتابعين انها ستكون مدهشة ومثيرة كما نلحظ بعض ملامحه عبر موقع السوكاند لايف الذي يتيح العيش الافتراضي للبشر ونشاطاتهم في محاكاة للحياة الحقيقية بطريقة تتفوق كثيرا على الدردشة بالصوت والصورة والكتابة والمؤتمرات الالكترونية المشتركة التي ستكون تقليدية في قادم السنين كما يقول مهتمون.

قد لايبدو الأمر بهذه البساطه بالنسبة لبلد تقف مشكلاته تحديا أمام الانسياب التكنولوجي لكنه امر لابد انه سيحدث وليس بمقدور احد اعاقتة لفترة أطول مع السخونة الشديدة التي تتسم بها ثورة التكنولوجيا في العالم.

أدلة البدايات في اليمن خير دليل على ذلك حيث يمكننا اليوم تصفح مقاطع فيديو على موقع اليوتيوب عن بعض الأحداث ينتجها احيانا مواطنون عاديون.بل أن بعض هذه المقاطع قد تكون لأحداث خطيرة يصعب على عدسات التلفزيون الوصول إليها...هذا يعنى ان المستقبل يحمل المزيد من الحضور واجتياز الصعوبات .

التقانة والمعرفة بماهي ميزة هذا العصر تفرض أجندتها بقوة على الدول ومجتمعاتها وأنظمتها الحاكمة واليمن ليست بمنأى عن ذلك لتبقى المسألة مقارنات في سرعة الاستجابة بين البلدان اكثر من كونها ارادة للمنع او المنح بيد السلطات.

هو اذن استحقاق موضوعه الأساس الحرية., تلك الحرية التي تجعل من محمد الصالحي يعيش كمواطن قبل ان يكون صحفيا حياته اليومية دون حسابات أمنية ..,لو انه قرر ترك سيارته في أي مكان يمكنه ان يعود اليها في أي وقت دون نسبة مخاطرة.... حرية تجعل المصور جار الله يلتقط صور حدث مثل محاولة هجوم مسلح على سفير بصنعاء او أي مدينة اخرى دون ان يمنعه أفراد الأمن من التقاط أنفاسه ., حرية لايحول فيها رجال الأمن دون تحقيق الجزء الثاني من خطته بالعودة الآمنة لاقتياد سيارة مدير الموقع التي تركها في مكان الحادث بل دون ان يفكر أساسا بترك السيارة هناك., لقد اعتقل جارالله لكنه نجح في مهمته فالمؤكد ان من المجازفات مايبدو كما لو انها ثمن الحرية وفي ذلك مايبعث الفخر. فخر الحرية المنتظرة نفسها عندما لايجد صحفي أومدون وناشطي الانترنت والإعلام الالكتروني مكانا للحجز او الحبس او مصادرة الحقوق بسبب أداء المهنة او إبداء الرأي.

ولئن حظي محمد وجارالله الصالحي بتضامن نقابي ومدني أديا إلى إطلاق سراحهما بعد ثمان ساعات من الاعتقال ماجعل محمد وهو صحفي شاب معروف وسط الصحافة الالكترونية يقول لزملائه حينها:" شعرت أنني لست وحدي" فان السؤال المهم :كيف يمكن للمنخرطين في مجال الإعلام الجديد-ممن ليسو

صحفيين- القيام بدورهم وهم يحملون نفس مشاعر محمد.. مشاعر تصير ذاتها زمنا للمواطن الصحفي ..وسلطة لحرية التدوين والنشر وضخ المعلومات وتبادلها عبر التقنيات الحديثة؟ ذلك هو ابرز أسئلة التحدي اذن.

تحدي مستقبل الإعلام الجديد في اليمن وانتظار وعوده أيضا.