ديمقراطية.. وزواج أطفال !
بقلم/ بلقيس اللهبي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 24 مارس - آذار 2010 12:17 م

كان منظرا مؤثرا حقا، مئات النساء متشحات بالسواد أمام بوابة البرلمان، سيارات تحمل نساء وأطفال إلى هناك عدد من الأطفال بقي مع الرجال في السيارات، موقف سيارات التحرير ضاق بالحافلات والسيارات التي حملت النساء.

إنها الديمقراطية سواء أقصدها من دعا إلى هذه المسيرة أم لم يقصد، سواء آمن بالتعبير من خلال مظاهرها أم لم يؤمن، مهما كان القصد من وراء التظاهرة، مهما كان من يقف ورائها، إلا أن الرجال اضطروا لإخراج النساء حاملات وسائل تعبير مختلفة، كما أخرجوهن أول مره في حافلات مشابهة إلى مراكز الاقتراع لانتخابهم، ثم بدأن بمطالبات سياسية في أروقته ووصلن إلى مجلس شورى الإصلاح ، أحرجوهن اليوم ليقفن إلى جوارهم لتزويج صغيرات وصغيري السن من أطفالنا، فماذا سيحدث غدا، هل سيخرجن للمطالبة بحياة أفضل للزوجات، أم بالحق في تزويج أنفسهن، أو ربما لتامين قانون يحمي من الطلاق التعسفي أو من تعدد تعسفي للزوجات.

اتشح المجلس بالسواد في حضور خجول لغير هذا الصوت، كانت هناك صورة غاية في التناقض، بين مظاهر الديمقراطية وأدواتها، بين حضور ما اصطلح على تسميتهم بالتقليديين والمتشددين، وغياب شبه كامل لمن نسميهم التقدميين والحداثيين، كان الجعاشن واقفين بالمقابل لم يلتفت إليهم من نسميهم المشايخ من أعضاء المجلس، كانوا يعتنون بآلاف التوقيعات، التي داسوا على مثلها في أيام ماضية لأنها خلاف توجههم.

غير إني خبرت شعورهم تلك اللحظة، برغم اعتمادنا على مظاهر الدمقرطة كالاعتصام وجمع التوقيعات والتوجه إلى المجلس التشريعي إلا أنا جميعا لم نوطن مشاعرنا على الانضباط حال مواجهة الأخر، نرغب أن يختفي من الوجود، نتضايق أن يتنفس ذات الهواء الذي نتنفسه، كل منا لا يريد إلا أن يرى مرآة نفسه ليتكلم ومن أمامه يؤمن.

نعرف أن نحشد ولكنا لا تشغل أنفسنا بتوضيح فكرتنا كما هي مجردة من بعض ألاعيب لمن نحشدهم، بل إني أتساءل إذا أعطي فريقي الصراع لمن حشدوهم فرصة قراءة ألافتات التي يحملونها.

إلا أن اعتمادهم الكامل على غفلة المحتشدين لا يمكن الركون إليه ستأتي لحظة سكون يتساءل فيها المحتشد عن مدى توافق عقله مع ما اخرج من اجله وسيجيب إما بنعم أوافق أو.. لا.. لا أوافق، في تلك اللحظة سيحدث التغيير الكبير ليكون المواجه الأكبر لمن أشعره انه مستغفل، سيدفعه الغضب من اجل عقله( تلك النعمة التي لانستخدمها كثيرا)، إلى ثورة مضادة قد تكون كارثية الأثر.

المعتصمات من جامعة الإيمان في صباح يوم الأم، حملن المصاحف ورفعنها، وقلن أن أجندة تحديد سن للزواج غربية، وهذه صفة كافية لتجعلها غير صالحة، مع أنهن جميعا أقلتهن سيارات وحافلات ليست بالتأكيد مصنعة في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، يرتدين أحذية صنعت في أي مكان إلا جزيرة العرب، يرتدين طبقات من الأقمشة لا علاقة لها بالبرد اليماني، كل ذلك مقبول، إلا أن يقول د.نجيب غانم عضو كتلة الإصلاح بالبرلمان أن زواج الصغيرات قد يضر بأجسادهن وان عقولهن وأرواحهن ليست معدة لمسؤولية جيل تالي.

السيداو عدو لهم غير انه يمكنا العيش عالة على الجميع بمعونات وصدقات وأدوية وأغذية ووقود ووسائل نقل ليس في ذلك ضير. ناسين إن الأطباء الذين يعتكفون في المختبرات لتركيب أدوية لعلاج أمراض أجسادنا في مختبرات الغرب هم من شخصوا احتياجات جسد الطفل والطفلة وعلى أساسه حددوا احتمال هذه الأجساد لمسئولية حمل طفل أخر.

الغرب الذي يناقش وبجدية قضايا حمل القاصرات، ويهتم بتنمية جسد الطفل وأمه لضمان صحة مستقبلية أفضل لهما، يهتم في مدارسة بالرياضة كما يهتم بالعلوم الأخرى,

ليست السيداو ما نبحث عنه ليست سوى وسيلة، وليس الغرب من ندافع عنه فليس بحاجة لنا لديه ما يكفي من الأساطيل، ما نبحث عنه هو وسائل أكثر أمنا لأبنائنا لا تحرمهم مرحلة من العمر بعيدا عن الصحة والحياة، ليس بعيدا عن الله، فهل يأس المؤمنون بالله من أخلاقهم لدرجة أن لا تستطيع تربيتهم لهؤلاء الأبناء من حمايتهم من الممارسات الخاطئة فلجئوا إلى صك الزواج.

بالنظر إلى الواقع: ليس هناك تحديد لسن امن للزواج. فهل مجتمعنا المحمي بأجساد الصغار محمي حقا؟ لا توجد دعارة لفتيات دون الثامنة عشرة منهن من خاضت تجربة الزواج الوقائي؟ لا توجد واقفات على الإشارات يبعن أشياء عديدة؟ لا يوجد شباب وشابات مثليين؟

زواج الصغيرات يمنع تأخر زواج البنات، هل سينقرض الشباب؟ الشاب الذي كان سيتزوج ابنة التاسعة يستطيع أن يتزوج ذات العشرين أو الأكبر(مازال نموذج خديجة ضمن ممارسات رسول الله صلى الله عليه وسلم) والشاب أيضا لن يستطيع الزواج قبل السابعة عشرة وسيجد هو عائلته أهداف أخرى يحققها.. ربما أن يكمل تعليمه ويبحث عن مهنة مفيدة لتعول أسرته المستقبلية، ربما سيفكر أن يكون له منزله وان تكون له حياته، وتتطور بذلك إمكانياته، لتجد أمه شيء اخر تشغل نفسها به غير ابنها وزوجته وممارسة الحياة بديلا عنهما، قد تجد دار عجزة أو دار أيتام تتطوع بالعمل لخدمتهم جزء من وقت فراغها الذي لا يعبئه الأحفاد حيث أصبح لديهم هنا والدين يستطيعان العناية يهما.

أم أن القلق هنا ليس من اجل الفتيان الصغار وتأخر مشروع تفريخهم للأطفال بل انه انشغال بالكهول الذين يريدون استعراض فحولتهم على طفلات صغيرات.

ماذا لو اشتبه في تلوث ماء زمزم لا قدر الله واستلزم التأكد ردح من الزمن، هل نصر على تطبيق السنة في شربة دون اكتراث لصحة الناس، هل السنة مدعاة لجلب المصلحة أم لمنعها ؟ لمن نلجأ وقتها لمشايخ الشريعة الإجلاء أو للمختبريين المتخصصين ؟ فلما لا نفعل ذلك مع بناتنا وأبنائنا؟.

لم لا نعقلها ونتوكل؟ بدلا من أن تقضي الأمهات والإباء عمرا طويلا بالتفكير والزواج والحياة وتسمية الأطفال وتربيتهم بدلا عن أولادهم، فليقضوا جزء لا يتعدى سبعة عشر عاما لتربيتهم ومراقبتهم والعمل على توفير حياة كريمة لهم واستقلالية مستقبلية؟ أم تعودنا أن نكون فقط حشريين وطفيليين ننسب الانجازات لنا والمثالب على غيرنا وان كانت المثالب صنعنا والانجازات كانت بالصدفة؟

من كان أولى بسن سنة حماية الصغار بالزواج انتم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم لم يستن ذلك في "علي وفاطمة"؟ أم انتم اقدر منه على صنع الأفضل لأبنائكم؟ كان أكيدا انه رجل يستطيع رعاية طفلة فتزوجها ورعاها (إذا صح زواج عائشة في التاسعة)، وكان أكيدا انه أب جيد فحفظ ابنته وابن أخيه وزوجهما شابين، بل أن العاطفة الأولى والأكثر غلبة هي عاطفة الأبوة والأمومة من عاطفة محبة الزوجات والرضوخ لرغبات الجسد، فأيهما اجل وأحق عاطفة الأب أم رغبات الجسد.

الأكيد أن الدين هو الاستجابة لاحتياجات الحياة اليومية وليس حراسة للتاريخ.

من مشاهد الاعتصام: شابات صغيرات لم يحتملن طول الوقوف أمام المجلس وارتمين على الأرض، فكم ستحتمل أجسادهن من حالات حمل وولادة متكررة يكون بناء جسد الصغار من عظامهن، في ظل معدلات القزامة المرتفعة، وسوء التغذية المتوارث من الأمهات إلى صغارهن كيف سيتحملن وأطفالهن حمل المستقبل.