حروف منسية: و : وعد ومكتوب
بقلم/ علي قاسم غالب الزبيدي
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 7 أيام
السبت 15 مايو 2010 09:53 م

يقول المصريون: ( وعد ومكتوب علينا) فهل ذلك صحيح؟

 يعفينا هذه المرة ابن منظور من السير في دهاليز كتابه للبحث عن معنى وعد إذ أن معناها أشهر مما تمنحه لنا المعاجم، إلى جانب أن الناس يعايشونها ويعانون في الوقت نفسه من آثارها، وبرؤية بسيطة فإن كلمة "وعد" تعني ما يقوله الشخص من تحديد لأمر يلزم نفسه به كأن يكون عطاء يعطيه أو عملا ينجزه أو حقا يرده، وكل هذه الأمور ترتبط بأن يحدد الشخص زمانا لتنفيذ وعده.

وجمع كلمة وعد وعود، وهذا الجمع يهمنا كثيرا في القصة التي تضرب مثلا في الوعد والوعود، وكذلك تجمع على مواعيد، وهناك علاقة مريرة بين الوعد والوطن ، المفردة التي تناولناها فيما سبق، وهي علاقة دائمة، ويمكن تشبيه حال الوطن بحال " أ خ عرقوب" ولأننا سنبدل أخا عرقوب بالوطن فاسمحوا لي بتبديل "عرقوب" ب" عرقول " لتستقيم المعادلة في التغير بين الاسمين، في أنسب مع عدم الوفاء بالعراقيل، ولعرقوب مع أخيه قصة سببها البؤس والحاجة كما هو حال الوطن؛ فقد حكت الروايات عن بؤس أخ عرقوب وفقره– والمؤسف أن أخ عرقوب ليس له اسم في القصة فلا غنى ولا اسم وأي سوء أكثر من هذا؟!! لكن وطننا ما زال يمتلك الاسم وتلك نعمة، نسال الله أن يديمها، المهم أن العلاقة بين عديم الاسم وعرقوب علاقة أخوة لكن الأخير كان غنيا ولأن أخ عرقوب لم يجد حيلة لأمره فقد توجه بدافع النصيحة من زوجته والنساء عادة ما يسدين النصائح التي تعرج أكثرها في الطريق، إلى أخيه عرقوب يبحث عن حل لحاله يستجدي منه العطاء فكان سخاؤه أكثر مما توقع، وعده بنحلة طويلة : وقال له: أترى هذه النخلة إنها لك، انتظرها حتى تطلع، وكلما ذهب كان يساوفه فبعد أن تنتهي مرحلة يواعده حتى المرحلة التي بعدها فمن حتى تطلع إلى أن تصير بلحا إلى أن تصير رطبا إلى أن تصير تمرا، وبعد زمن ذهب ليجني الثمرة فوجد أخاه قد أراحه بقطعها كاملا.

وقد سرت هذه القصة مضرب المثل؛ فيقال: مواعيد عرقوب أخاه بيثرب، أمطل من عرقوب، وأخلف من عرقوب، وهذا السريان هو الذي دفع شاعرا مثل كعب بن زهير للشكوى من "سعاد" وهي معادل آخر لعرقوب، وقد وقف كعب ليقول شعرا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم طلبا للعفو ومما قاله:

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيـــدها إلا الأباطيل

واليمنيون أكثر من يجدون في هذه القصة متعة في التخفيف عما يعايشونه من وعود

فلعل عرقوب يغير من طباعه ويحس بمشاعر الأخوة ولعل سعادا تبرز بعضا من رحمة النساء ورقة قلوبهن، أو حتى رفقا بحبيب عاشق، ويتبادر السؤال لماذا الربط بين اليمن دون سواها بهذا المثل؟ والجواب أن هناك سببين لزج اليمنيين في هذا المثل: الأول أننا نحن اليمنيون معنيون بأمورنا للبحث عن كل ما هو إيجابي، سترا لعورة النقص الذي يحاصرنا، ثانيا أن اليمنيين لوحدهم ما زالوا في حلم تجاوز البنية التحتية التي جعلتهم " تحت " إلى أجل غير مسمى، مهما ظل الضحك على الدقون في أننا أفضل من غيرنا، وما يقال من منجزات هي أساسيات أقل من الطبيعي مقارنة بالغير، لكن العجيب أن اليمني دون سواه يجد تأقلما غريبا مع خلف الوعود، فهو لم يستنكر مثل كعب ولا مثل أخ عرقوب، ولا مثل سائر من يرفضون التسويف؛ بل يجد متعة في سماع خطابات الوعود وفي رؤية نصب(أحجار) هذه الوعود ومشاريعها الوهمية، والسؤال هل يئس اليمني من تغيير حاله أم أنه وجد الوعود خير من عدمها، والمضحك المبكي أنه يتم في مواسم الخير والعطاء( الانتخابات) التقدم بحزمة عطاءات إلى الوطن ويتم تنفيذها بآلية خلف الوعد ذاتها وما تلبث هذه العطاءات أن تكشف عن وجه صاحبها "عرقول" فتنهار مع أول " تفحيطة سيارة" وخير شاهد مهزلة مشاريع محافظة إب، التي حولت الشوارع إلى " موكيتات" تخلع نفسها إثر انتهاء المهمة (الاحتفال) وتجر أذيالها هربا مع السيول، ولا نحتاج إلى أمثلة أخرى .

الوعود هي التي تقف وراء تجمد قضايا هي من ابسط أساسيات الحياة كالماء والكهرباء، ولا نحتاج إلى الحديث عن الأمن فكم طبل المطبلون له وكان السلاح الذي يشهر ضد كل من يتحدث عن الاقتصاد والأسعار وحينما أخذنا جرعة كافية تهذب فينا هذه النفخة الكذابة فلا أعتقد أن هناك ما يتفاخر به أرباب الوعود، فقد كان شطر الآية مقبولا لديهم ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) سورة قريش ، الآية:4، فتمت النعمة ببؤس المطعم والأمن؛ ولعل الشعوب تتعض بالنوازل فهل يتعض حكام الشعوب بالنوازل، بالنسبة لي أعتقد؛ لأنه لا مجال لشيء اسمه الاتعاظ في حياة الحكام، لأمر بسيط هو أنه لو كان لما كان ما نحن فيه!

 لكن الوعود من جانب آخر ترتبط على الأقل من جانب من يتلقاها بأمور عدة تهمه وتشكل هويته أقلها إنسانيته وحريته وكرامته التي تمتهن باستخفاف إطلاق الوعود ولعبة المواسم، ولأجل ذلك تخضرني المقارنة التي تفرض نفسها في الشعوب التي لا تمتلك دينا يحضها على الحفاظ على آدمية الإنسان وكرامته وحريته كالشعوب الأوربية والآسيوية التي استطاعت أن تطيح بحكومات ومازال الحبل على الجرار كما يقال في ثورات تثبيت العيش الكريم لأصحابها وتضع حدا لمهزلة الوعود، إلا الشعوب العربية فهي تستمتع بسياسات الامتهان، تماما كما تستمتع برنين الخطابات ويكفيها من المغني صوته، ألسنا أولى بهذا الدم الحار ألسنا أحوج إلى استحقاق الوعود؟!!

من أجل البناء، مقولة ترافق الوعود المعسولة في حوارات الصم والبكم ، بناء من وبناء ماذا ؟ الإنسان يشكو والوطن ساحة للعويل، إنسان لا يختلف حاله عن حال وطنه الذي يرزح تحت الشعوذة السياسية وتنجيم الكهان، وطن يسير بدفة الأقدار لا بدفة الربان، فهل تحل لعنة الطغيان دون وعد المواطن أيضا الذي يوصل الأمور إلى ما وصلت إليه بسلبيته! حقا إن الطغاة لا يولدون طغاة ولكن الشعوب الضعيفة هي التي تولد فيهم الطغيان، فمتى يعد المواطن نفسه بالتغيير، ويوفي بهذا الوعد حتى يستعذب طعم الكيان الحر، ويستمتع بثمار الوفاء، ولا يمكنه انتظار ذلك من غيره لأن الحاكم استمرأ الوعد وصعب عليه استطعام الوفاء؛ فالتعارض قائم بين الوفاء والمصالح، وقديما قالوا :) مغالطة تخارجك ولا صدق يحنبك)، نسال الله توبة لـ" عرقوب " ورحمة لأخيه .