الهجرة .. معالم على الطريق (3-3)
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 8 أيام
الأحد 12 ديسمبر-كانون الأول 2010 04:53 م

7 ـ واعدوا لهم ما استطعتم من قوة

استكمل الرسول (( صلى الله عليه وسلم ) استعداده وتجهيزاته ليوم الهجرة الموعود .. وسيلة المواصلات .. الرفقة الأخوية الصادقة .. الدليل الماهر .. خطة الخروج .. جمع المعلومات .. الغذاء والشراب .. وبهذا الإعداد المتقن يكون قد أدى ما عليه من الأخذ بالأسباب وبقي التوكل على الله .. ومن ذا يحسنه مثل الحبيب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .. فخرج من داره محفوفا بحفظ الله وتوفيقه مارا بفتية كالصخر حملوا سيوفهم الغاشمة لتمزيق جسد أطهر البشر ( عليه الصلاة والسلام ) ولكن هيهات لا طريق لكم إليه .. لقد أعمى الله أبصارهم فخرج من بينهم وهو يضع على رؤوسهم التراب .. وأوى مع صاحبه إلى الغار .. من ورائهم فطاحلة قريش وفرسانها .. ووقف المطاردون على باب الغار وتوجس ابوبكر سوءا : يا رسول الله لو نظر احدهما تحت قدميه لرآنا .. .. اثنان مطاردان خائفان ضد مئات مدججين بالسلاح .. ولكن ما ظنك باثنين الله ثالثهما .. أشككت لحظة يا أبا بكر شكا فطريا بشريا أن الله سيخذل نبيه ؟ فأنزل الله سكينته على أبي بكر وأيد رسوله بجنود لم يروها .. فعاد المئات المدججون بالعتاد خائبين وخرج الاثنان العزل منتصرين لان الفرق كبير بين الغايتين والهدفين .. المئات يريدون الإبل والجوائز ونصرة الباطل والاثنان يريدان إعلاء كلمة الحق والتوحيد .. وشتان ( أيها الدعاة ) بينهما .. وفي الطريق يلحق بهم الطامع في جائزة دار الندوة سراقة بن مالك .. فيستيقن انه قد حازها .. فيجد في طلبهم .. وأبو بكر يلتفت إليه والرسول لا يبالي به .. فالقيادة تعلم البواطن والأبعاد وحجم المخاطر أكثر من الجنود .. والقيادة أكثر حكمة ورسوخا وثقة في مواطن الشدة من غيرهم وإلا فلم هم دون سواهم قادة .. واقترب سراقة من رسول الله وصاحبه .. واقترب حفظ الله ومعيته منهما وشتان كذلك بينهما .. خاست قدما فرسك يا سراقة وخاست معهما أمالك .. أعاد الكرة وعاد الجزاء .. وعلم سراقة بعد الثالثة أنه ممنوع محفوظ لا سبيل إليه .. فخرج مطاردا لهما وعاد مخذلا القوم عنهما .. فالله يجعل عوامل الضرر لكم نفعا بصدق التوجه وإخلاص النية ـ هل استوعبنا معا أسباب حفظ الله ونصره .. فإننا في حاجة شديدة إلى ذلك : ـ الإعداد القوي المحكم لا الإعداد العاطفي المعتمد على الكم ـ التخطيط السليم المبني على دراسة متكاملة لعوامل القوة والضعف بشريا واقتصاديا وماديا وجغرافيا واجتماعيا وما يحققه من المعدات علميا وتكنولوجيا وما يلحق ذلك من سلاح وعتاد ـ تأهيل الطاقات والتخصصات والإبداعات المتنوعة واستيعابها في مجالها ـ عدم إهمال أو استصغار شأن أي مكلف بمهمته .. فعلي طفل وأسماء امرأة ـ الإعداد بما يوازي قوة الخصم ويسايرها تخطيطا وتجهيزا وحتى في فهم نفسيات وأهداف الآخرين فبدلا من جائزة سراقة الضائعة كان وعد النبي له بسواري كسرى ( فتفكر وتدبر ) ـ عدم الإعجاب بالكثرة العددية وعدم التقصير في الاستعانة بقدرة الله وعونه ـ فبعد هذا الإعداد الوافي وعند العزم على التنفيذ مستعينين بالله ومتوكلين عليه .. ثق أخي الكريم أن الله معنا وأن النصر محقق لا محالة بعش حمامة أو بخيوط واهية من بيت العنكبوت

8 ـ فقه الأولويات

ـ ودخل الرسول المدينة وسط ترحيب فياض وحب صادق بالأهازيج والإنشاد المعبر عن فرحتهم بقدومه ( صلى الله عليه وسلم ) .. الحب الذي يصنع المعجزات لا الحب المزيف والخداع المركب المتعامل به اليوم بين الراعي والرعية .. وبداء الحبيب في ترتيب أولوياته كحاكم مسلم يريد أن يغرس في المجتمع الجديد مفاهيم خير وعزة وأسس تعاون وتراحم .. فكان أول قرار له بناء المسجد النبوي .. المسجد دار العبادة والأمان بيت الله حيث السكينة والرحمة .. المسجد الذي أصبح دوره اليوم تعبديا فقط .. فتراه يفتح للصلاة ويغلق بعدها .. وقد كان مسجد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يمثل قصر الرئاسة وبرلمان المسلمين ومقر الحكومة ودار الشورى والمباحثات . ومنذ فرطنا في أهمية دوره ومكانته واستبدلناها بأماكن مستمدة من غرب وشرق فقدنا الارتباط الروحي بمعنى المسجد السامي ومع فقد الانتماء تولد الضعف والخواء .. وهو ما يلزم الحركات الإسلامية بإعادة دور المسجد بإحياء البرنامج الدعوي والعلمي بين جنباته بدلا من مقراتها ومكاتبها ليستفيد من طرحها الدعوي عموم الناس وخاصة في دروس الفقه والسيرة والتفسير والحديث ومستجدات العالم المعاصر وغيرها فليس في ذلك شيء يخفى أو سر لا يذاع ..

- وثانيها المؤاخاة بين المسلمين .. فلم يغب عن رسولنا ( صلى الله عليه وسلم ) مدى الحاجة لإرساء هذا الركن الهام في المجتمع فالمهاجرين تركوا أوطانهم وهم في حاجة إلى من يشد من عضدهم ويزيل عنهم التوتر ومرارة الاغتراب والأنصار في حاجة إلى ما يزيدهم قربا من القادمين ويبعد عنهم الإحساس بأنهم عالة عليهم أو غير ذلك من مداخل النفوس .. فكان التآخي هو المفتاح للقلوب والبلسم للنفوس وهو المزيل لكل العوائق والصعاب .. فالأخ لا يتحرج من أخيه في طلب ما ينقصه أو في تبيان مكنونات نفسه ومشاكله أو في زيارته والأكل من بيته ناهيك عن توطد الثقة والتضحية والإيثار بينهم جميعا .. وهذا الذي لم يغب عن رسولنا القدوة ( صلى الله عليه وسلم ) يجب كذلك أن لا يغيب عن قيادات العمل الإسلامي وان تتفقد هذا الركن بين حين وأخر بغرس مفاهيمه في القلوب وتحقيق أدابة في النفوس وتطبيق حقوقه في الميادين .. فلن يتحقق نصر مبين حتى ولو كان الإعداد اللازم لتحقيقه قويا ومكتملا .. إلا بصف اخوي متماسك يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص.