بناء اليمن الجديد: المهمة الأساسية لشباب الثورة 3
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 12 يوماً
الجمعة 15 إبريل-نيسان 2011 04:18 م

يا شباب الثورة لا يمكن ان تكتمل ثورتكم الا اذا نجحتم في وضع الاسس الضرورية و الكافية لبناء اقتصاد عادل. و لذا فان عليكم ان لا تنسوا او تتجاهلوا الاقتصاد في ظل الصخب السياسي حولكم. فلا شك ان تخلف الاقتصاد اليمني يرجع بشكل اساسي الى غياب الرؤيا الاقتصادية الاستراتيجية. و لقد ترتب على ذلك ضعف الاقتصاد اليمني و انتشار الفساد الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و الثقافي.

فمن الواضح ان الاقتصاد اليمني كان يعاني من التخبط و الظلم الاقتصادي في العهود الماضية. . فقد عانى الاقتصاد اليمني من الانغلاق الداخلي و الخارجي و ضعف بنيته في عهد الامامة. و كان من نتيجة ذلك ضعف الانتاج و سوء التوزيع و انعدام العيش الكريم. فالمجاعات و الامراض و العري في هذا العهد كانت شيئا عاديا و طبيعيا.

و بعد قيام الثورة في كل من الشمال و الجنوب فلم تتغير بنية و مكونات الاقتصاد اليمني. فالشيء الوحيد الذي تغير في هذا العهد كان هو الانفتاح النسبي على العالم الخارجي. اما الادارة الاقتصادية فقد تراوحت بين الفوضى و المركزية الشديدة. و نتيجة لذلك فان الاقتصاد ظل ضعيفا و لم يكن توزيع الثروة عادلا. فغالبية افراد الشعب لم تتحسن اوضاعهم الاقتصادية. فقط قلة من المتنفذين و المحتكرين و المستغلين هم الذي حققوا ثراء فاحشا.

يا شباب الثورة عليكم ان ترفضوا هذه الاوضاع و ان تعملوا على تحسينها. و من اجل ذلك فان عليكم ان تدينوا الممارسات الماضية و ان تجرموا من مارسها و ان تناقشوا و تحددوا الاسس الضرورية و الكافية لبناء اقتصاد عادل.

الاقتصاد الحديث يقوم على مشاركة كل من الفرد و الاسرة و المؤسسة الاقتصادية و الدولة و منظمات المجتمع المدني في الانشطة الاقتصادية. و الاقتصاد المتطور هو ذلك الاقتصاد الذي يقوم على كل من العدالة و الكفاءة. و لسوء الحظ فان هناك بعض التضاد بين كل منهما. فقد يقتضي تحقيق قدر معين من العدالة التضحية ببعض الكفاءة.

و من اجل بناء اقتصاد عادل فانه لا بد و ان تحديد مقدار العدالة و الكفاءة التي يجب ان تتحقق في جميع مؤسساته. و لا شك ان ذلك يتطلب تحديد الحقوق والواجبات لكل هذه المؤسسات بما لا يخل بوظيفتها من ناحية و لا بضرورة توان العدالة و الكفاءة على مستوى الاقتصاد ككل.

فالعدالة هي اعطاء كل ذي حقه و منع من لا يستحق ما لا يستحق. و من العدالة ان لا يسمح للبعض التخلي عن واجباتهم. فمقابل الحصول على حقوقهم فان علهم اداء واجباتهم. اما الكفاءة فتعني تحفيز الافراد على بذل أقصى ما لديهم من قدرات و مواهب. و يترتب على الحرص على كل من العدالة و الكفاءة ضرورة تفعيل مبداي الثواب و العقاب. و على هذا الاساس فانه لا يصح التعامل مع المنجز و المجد و المضحي مثل التعامل مع المتخاذل و الفاشل و المتحفظ.

و من اجل ذلك فقد ابتكرت و طورت عددا من المؤسسات المناسبة للتعامل مع كل من العدالة و الكفاءة. هذه المؤسساسات هي مؤسسات السوق و الدولة و منظمات المجتمع المدني. فمؤسسة السوق يجب ان تتولى الانشطة الاقتصادية التي تتعامل مع احتياجات الافراد. فأليات السوق مناسبة لتمكين الافراد من ممارسة حقوقهم الاقتصادية بكفاءة اكبر و تكلفة اقل. فالتعاملات في السوق يجب ان تتم وفقا لاختيارات الافراد و بالتالي فان عملية المنافسة و الاختيار افضل وسيلة لتمكين الافراد من تلبية رغباتهم المتعددة باقل تكلفة ممكنة. و لا شك ان ذلك يمكن الاقتصاد ككل من تخصيص موارده النادرة بحسب الاحتياجات الحقيقة لأفراده.

و من اجل نجاح مؤسسة السوق بالقيام بهذه المهمة فانه لا بد من الاتفاق على قواعد التعامل في الاسواق قبل ان توجد على ارض الواقع و كذلك فانه لا بد من ضمان تطبيقها بعد ذلك. فالمهمة الاولى يتولها المجتمع و الثانية تتولها مؤسسات الدولة. و لعل من اهم هذه القواعد تعريف حق الملكية اي طريقة توزيع الموارد الطبيعية بين الافراد مثل قاعدة من سبق الى شيء مباح فهو اولى به من احيا ارضا فهي له. و من هذه القواعد اثبات تحقق ذلك فيما بعد و عملية انتقال الملكية سواء عن طريق البيع او الهبة او التوارث او غير ذلك من الادوات. و كذلك طرق حل اي تنازعات قد تنشا بسبب ذلك. فمن الواضح ان عملية التبادل تتم وفقا للتعاوض و التي تلعب فيه النقود دورا اساسيا. و لذلك فان الحفاظ على قيمة النقود ثابتة نسبيا ضروري لعمل مؤسسة السوق. و كذلك منع الاحتكار و حرية الدخول و الخروج و منع الغش وضرورة الالتزام بالعقود.

و من الواضح ان من اهم وظائف الدولة تولي تطبيق هذه القواعد. فهي التي تقوم بتسجيل الملكية و المصادقة على وثائقها و هي التي تتولى تطبيق الاحكام و هي التي تحمي الممتلكات الخاصة. و كذلك هي التي تتولى ادارة النقود بحيث تضمن استقرارها و عدم تذبذب قيمتها اي حدوث تضخم. و لذلك فان من اهم خصائص التصرفات الحكومية انها تقوم على الاكراه. لكن هذا الاكراه لا ينبغي ان يكون مطلقا و انما يجب ان يكون مقننا من خلال الدستور و القانون.

اما مؤسسات المجتمع المدني فهي تولى تلك الانشطة الاقتصادية التي لا يمكن ادارتها وفقا لآليات السوق و لا لتصرفات الدولة. فالإنسان قد يحتاج الى الغذاء و لكن لكونه لا يملك المال فلا احد في السوق سيعطيه ذلك و لأنه لا يملك النفوذ السياسي فلا احد من مؤسسات الدولة سيساعده على ذلك. لكن اصحاب الخير سيقمون بذلك. فالمؤسسات الخيرة تقوم على التبرع و ليس المعاوضة المالية او السياسية.

فالتجارب البشرية على مدى التاريخ قد اثبت ان هناك علاقة موجبة بين الانتاج و الرفاه و تطبيق حوافز الثواب و العقاب. فمن يقدر على العمل فانه لا يمكن من الوفاء باحتياجاته من خلال مشاركة الاخرين قصريا بل يجب عليه ان يسعى ذلك من خلال بذل جهوده . و من يرتكب اخطاء فعليه ان يتحمل نتائج اخطائه حتى يحرص على ان يكررها و ان يتعلم منها. فقط عندما يكون ذلك خارج طاقته و بعد ان يعترف بأخطائه فانه يمكن التعاون معه بالقدر المطلوب فقط اي بما يعجز عنه.

ان بناء اقتصاد عادل يتطلب تحديد الاسس التي يجب ان تقوم عليها هذه المؤسسات و كذلك القواعد الاساسية التي يجب ان تحكم العلاقة بينها و بين الشعب و بينها و بين بعضها البعض. فبدون ذلك فقد يكون من الممكن بل من المعتاد ان تنحرف هذه المؤسسات او بعضها عن وظائفها الاساسية بحيث يتمكن البعض من الاستفادة منها و على حساب الغالية العظمى من افراد الشعب.

و قد اوضحت التجارب البشرية ان التوافق بين كل من قيمتي العدال و الكفاءة يتحقق من خلال اعطاء الفرد حرية في ادارة شئون الخاصة بشرط ان يتحمل نتائج تصرفاته. و بما ان تصرفات الافراد التي تتعلق بمصالحهم الخاصة لم تعد تقتصر على كل فرد بل انها قد امتدت لتشمل تصرفات الاخرين فيما يخص مصالحهم الخاصة فقد تم تطوير مؤسسة السوق و التي تتيح للأفراد ان يتقابلوا و ان يتبادلوا المنافع فيما بينهم. و لا شك انهم هم الذي يحدد قواعد التعامل فيما بينهم و التي يجب ان تكون عادلة اي مرضية لهم. و مع ذلك فان الدولة لا بد و ان تعمل على الحفاظ على العدالة في اداء الاسواق من خلال محاربة الغش و توفير المعلومات و اجبار الافراد على الوفاء بالتزاماتهم و تعاقداتهم و تعهداتهم.

و من اجل ذلك فقد تم اختراع الدولة و مؤسساتها. و على هذا الاساس فان مؤسسات الدولة لا بد و ان تقوم على العدل. لكن العدل هنا قد يختلف عن مفهوم العدل في عمل مؤسسة السوق. فالعدل في اطار السوق يقوم على التراضي الفردي و من ثم فان مظاهرة و تجلياته قد تختلف من مبادلة الى اخرى. و تعبر المؤسسات الاقتصادية عن عمليات التبادل في السوق. و تقوم هذه العمليات على اساس حصول طرفي التبادلات على التعويض العادل. و نظرا لتنوع المبادلات فان النقود قد مكنت من المقارنة بينها و بالتالي تحديد التعويض العادل اي المتراضى عليه.

اما العدل في اطار الدولة فانه يقوم على التراضي العام. و نتيجة لذلك فانه تحقق يرتبط بالسماح للدولة و مؤسساتها بممارسة الاكراه لتحقيق العدل. و تقوم مؤسسات الدولة على الدستور و القوانين التي يتفق عليها غالبية افراد الشعب. و يتم محاسبة من يدير هذه المؤسسات من خلال الانتخابات و التبادل السلمي للسلطة.

صحيح ان هناك تمايزا و تنوعا في طبيعة و نوع القواعد التي تنظم عمل مؤسسات كل من السوق و الدولة و منظمات المجتمع المدني الا انه يجب ان تنسجم كل هذه القواعد مع بعضها البعض من خلال قيمتي كل من العدال و الكفاءة. و صحيح كذلك ان قيمة الكفاءة في عمل مؤسسة السوق هي المقدمة الا ان ذلك يجب ان يوازن بقدر اكبر من قيمة العدالة في عمل كل من مؤسستي الدولة و منظمات المجتمع المدني. فاذا ما حدث اي اختلال في ذلك فان الاقتصاد قد يكون كفؤا و لكنه غير عادل او قد يكون لا كفؤا و عادلا.

يا شباب الثورة عليكم ان تناقشوا الاسس الضرورية لعمل كل من مؤسسات السوق و الدولة و منظمات المجتمع المدني و التي يجب ان تضمن في الدستور القادم و القوانين التي ستنبثق عنه بحيث يتم بناء الاقتصاد اليمني العادل و الكفوء.

ففيما يخص القواعد الاساسية لعمل السوق فانه لا بد من النص على حرمة و حماية المليكة الخاصة وتحريم الاحتكار بكل انواعه. وان ذلك يتطلب ان يتم تحديد العقاب الرادع لكل من يمارس الاحتكار. و مقابل ذلك فان على القطاع الخاص ان يتعهد بدفع الضرائب و ان يساهم في تطوير المجتمع من خلال توفر الوظائف و تحسين الجودة و تخفيض الاسعار.

و فيما يخص القواعد الاساسية لعمل الدولة فانه يجب حماية الملكية العامة مثل الاراضي و المعادن و المحاجر و الاحراش و المحميات و الطرق و الحدائق و السيارات و الاموال النقدية و المنقولة. من اجل ذلك فانه يجب تشديد العقوبات على كل من ينتهكها و كذلك العمل على التشهير بمن يتساهل في احترام ذلك. يجب ان يكون هناك تكافؤ في فرص لمن يريدون العمل في مؤسسات الدولة. و في نفس الوقت فانه لا بد من اعطاء العاملين في مؤسسات الدولة مرتبات مجزية تمكنهم من الحياة الكريمة. يجب ان لا تتحيز الدولة في خدماتها ورعايتها و مشاريعها ضد منطقة او جهة او فئة.

يجب ان تعمل الدلة على الحفاظ على قيمة النقود من خلال الفصل بين ادارة النقود و ادارة كل من السياستين المالية و النقدية. و يجب ان لا تزيد الضرائب المفروضة على الافراد و المؤسسات الاقتصادية عن 20% كحد اعلى. لان اي زيادة على ذلك ستعمل على التضيق على دافع الضرائب مما يؤثر على قدرتهم في دعم اقاربهم و دعم منظمات المجتمع المدني. هذا من جهة و من جهة اخرى فان ذلك سيشجع على التهرب الضريبي على الاسراف في النفقات العامة.

اما فيما يخص منظمات المجتمع المدين فان لا بد من فصل عمل هذه المؤسسات عن عمل كل من مؤسسة السوق او الدولة. و لذلك فانه لا ينبغي لها ان تمارس التجارة و لا السياسية باي شكل من الاشكال. و بالاضافة الى ذلك فإنها لا بد و ان تخضع للمراقبة و المحاسبة الكافية من خلال اتباع اكبر قدر من الشفافية.