الحوثي لا يتقدم إلا في الفراغ
بقلم/ علي العقيلي
نشر منذ: 3 سنوات و 6 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 11 سبتمبر-أيلول 2020 08:31 م
 

6 سنوات من الحرب والحوثي لم يستطع إحراز أي تقدم في جبهة قانية، وعندما اضطر لتحقيقه بحث عن الفراغ، واجتاح ما حولها من مناطق فارغة من مواقع الجيش والمقاومة والتف عليها، واستطاع تحقيق ما لم يحققه في سنوات لأنه يعرف حجمه الحقيقي الذي لا يستطيع التقدم إلا في الفراغ.

سيقول البعض لو كان الحوثي يريد التقدم لفعل ذلك قبل 6 سنوات فالفراغ الذي تقدم معه لم يكن وليد اللحظة وقد كان بإمكانه اجتياح ردمان والمناطق المحيطة بقانية والالتفاف عليها والتقدم باتجاه ماهلية ورحبة عبر فراغات مماثلة.

نعم كان بإمكانه فعل ذلك لكنه لم يكن في حاجة إليه حينها، فهناك فراغات كبيرة في محيط مدينة مأرب، لأن الهدف هو التقدم إليها، ومن مسافة قريبة، لكن بعدما فقد تلك الفراغات عجز عن التقدم إليها ولو من مسافة قريبة، فأصبح يبحث عن فراغات يحقق من خلالها أي تقدم ولو من مسافة بعيدة، لأنه لا يستطيع التقدم إلا في الفراغ.

لا يبعد صرواح عن مدينة مأرب سوى ما يزيد أو ينقص عن 30 كيلو متر، بينما ماهلية تبعد عن مدينة مأرب ما يزيد عن 80 كيلو متر، لكنه عاجز عن التقدم في صرواح لعدم وجود فراغ يتيح له فرصة التقدم ما كان في السابق لذك ذهب إلى الفراغات البعيدة لاستغلالها حيث لا توجد مواقع عسكرية للجيش والمقاومة كما كان حال الجفينة وصرواح والمنين والفاو من قبل، ولكن سيتم ملئ كل شبر في المحافظة وسد كل فراغ أمامه، واستغلال الفراغات الكبيرة والكثيرة الموجودة في مناطق سيطرته ونقل المعارك إلى المحافظات المحتلة لتحريرها.

والملاحظ في استراتيجية الحوثي الاخيرة إنه سلك طرق غير الطرق التي سلكها في 2015، حيث اتجه من الجوف إلى صحراء النضود مستغلاً فراغ الصحراء من التواجد العسكري والقبلي، في محاولة منه للوصول إلى منطقة الرويك شرق مأرب وقطع الطريق الدولي، كما اتجه الى الالتفاف على قانية والتوغل في ماهلية ورحبة، وجميعها مناطق لم تشهد مواجهات من قبل، ولا توجد فيها مواقع للجيش والمقاومة.
في 2015م لم يكن هناك شيء اسمه الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، لذلك كان هناك فراغ كبير في اليمن أمام الحوثي أتاح له فرصة التقدم بسهولة إلى عدن جنوباً والحديدة غرباً وإلى عتق شرقاً، وتوقف في المناطق التي واجه في مقاومة في المحافظات التي وصل إليها.

بالنسبة لمحافظة مأرب على وجه الخصوص، كان يمتلك فراغات كبيرة في محيط مدينة مأرب مركز المحافظة، حيث كانت لديه خلايا في محيطها في مناطق المنين والفاو والجفينة، وترسانة أسلحة وانشطة غير عادية واستعدادات وترتيبات كان يجريها بشل سري على مدى 4 سنوات في تلك المناطق وتخندق جيداً بين المزارع وفي المنازل المطلة على المدينة ومداخلها وطريقها الرئيسي.

شمال المحافظة كانت هناك مطارح قبائل المحافظة في نخلا والسحيل، للدفاع عن المحافظة من أي محاولات للحوثي بالتقدم باتجاه المحافظة عبر طريق صنعاء مأرب، وفي البوابة الشمالية للمدينة كانت المنطقة العسكرية الثالثة اللواء 13 مشاة واللواء 14 مدرع واللواء 312 مشاة، وفي جنوب المحافظة كانت هناك مطارح الوشحا في الجوبة والمجمعة لمنع أي محاولة تقدم للحوثي عبر جبهة قانية.

ونتيجة لوجود قوات قبلية وعسكرية شمال وجنوب المحافظة، اتجه الحوثي في محافظة البيضاء شرقاً باتجاه محافظة شبوة، ومنها هاجم محافظة مأرب من البوابة الشرقية، في الوقت الذي تتواجد فيه قبائل المحافظة شمالها في مطارح نخلا بما فيهم قبائل مديرية حريب الواقعة شرق المحافظة، ولعدم وجود استعدادات مسبقة استطاع بعد مواجهات عنيفة من السيطرة على مدينة حريب مركز المديرية، لكن لم يتمكن من مواصلة التقدم باتجاه المحافظة، نتيجة لشراسة المعارك والفاتورة التي كلفته السيطرة على مركز مديرية واحدة، وربما كان يهدف بمعركته في حريب شرق المحافظة جر القبائل من المناطق القريبة من مدينة مأرب للتحرك بحرية أكبر في الفراغ الذي يمتلكه في محيطها، وهو ما حدث بالفعل.

بعد عجزه عن التقدم باتجاه المحافظة من الشرق والجنوب والشمال، تحرك في فراغ كبير وخطير جداً وبشكل مفاجئ أصبحت المواجهات على أبواب مدينة مأرب.

لم تكن هناك من قوات عسكرية في منطقة الجفينة وبعد سيطرته على معسكر كوفل بصرواح تحرك في فراغ كبير أوصله إلى المنين والفاو وهي مناطق يتواجد بشكل سري منذ سنوات ولا وجود لأي ألوية أو وحدات عسكرية فيها.

الفراغ ذلك أتاح له فرصة التقدم باتجاه مدينة مأرب والوصول إلى محيطها وخوض وأشرس المعارك على أبوابها بغية الدخول إليها، خصوصاً وقد وصل إلى إسوارها، وفي حال عجز أو تراجع سيكون قد خسر كل شيء ولن يجد فرصة ملائمة كتلك ولن تتكرر له أبداً في حال تم مليء الفراغ الذي تقدم عبره وهو ما حدث بالفعل.

اليوم توجد قوات عسكرية مكثفة في صرواح والجفينة وهيلان وأمنية في المنين والفاو والسد والبلق وتم ملئ كافة الفراغات التي استغلها في السابق ووصل إلى مرحلة اليأس من التقدم من أقرب نقطة إلى مدينة مأرب يتمركز بها في صرواح وذهب إلى صحراء الجوف البعيدة وجبال البيضاء الوعرة بحثاً عن فراغات توديه إلى مأرب.

سيظل الحوثي يبحث عن فراغات تمكنه تعلق أمله في الوصول إلى مأرب وسيستغلها ولن يتردد عن الاندفاع معها مهما كلفه الثمن، سواء في رحبة أو غيرها، لكن بملئ كافة الفراغات بالمواقع العسكرية المرتبة والمنظمة وتحت قيادة عسكرية موحدة ومرتبطة بغرفة عمليات سيقف عاجز أمامها ولن يجد جدوى مما حققه، مثلما هو يستغل الفراغات بإمكاننا استغلال الفراغات الكثيرة في صفوفه وفي مناطق سيطرته.

ومهما كان الانسان يمتلك من قوة فإن أي قوة تواجهه إما أن تكسر قوته أو توقفها أو تجبرها على حرف مسارها.

حتى الصخرة المتدحرجة بدون استراتيجية ولا تحكم إذا واجهت صخرة أخرى في طريقها إما أن تكسرها أو توقفها أو على الأقل تتسبب في حرف مسارها باتجاه الانحدار الاكثر انخفاضاً والأقل مقاومة.

وإذا كانت الأجسام الصلبة والجماد المتدحرجة بدون وعي وإدراك، لا تتحرك إلا في الفراغ فإن الإنسان كائن حي ولديه وعي وإدراك ويبحث عن الفراغ بكل حرص، ويميز بين الفراغ والفراغ ويمتلك قرار التحرك والمضي مع الفراغ، ويتحرك وفق خطط استراتيجية، وربما يمتنع عن الحركة خشية دون وجود عوائق.