الشيخ الزنداني ..عندما يتحول الإسلام إلى أداة في اللعبة السياسية
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 10 سنوات و 8 أشهر و 22 يوماً
الثلاثاء 23 يوليو-تموز 2013 05:12 م

ليس لدي اعتراض على مطالبة الشيخ عبد المجيد الزنداني الخطيب الديني والمهتم بشؤون الصيدلة والقيادي في التجمع اليمني للإصلاح، ليس لدي اعتراض على مطالبته بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع في اليمن، ومن وحيها تأتي كل التشريعات التي تتبناها الجمهورية اليمنية الآن ولاحقا وحتى يرث الله الأرض وما عليها ومن عليها، وهي قضية لا تستدعي كل هذا التهييج والتحريض وحملات التكفير والتخوين والانتقاص من عقائد وإيمان الآخرين والتشكيك في انتمائهم إلى الإسلام، بل يمكن الدعوة لها بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالاتهام والتهييج والإثارة التحريضية التي تسبق الحروب دائما.

مشكلة اليمنيين ليست مع الإسلام، لأن اليمنيين هم من بين الشعوب القليلة التي دخلت الإسلام طوعا وانخرطت بقوة في الفتوحات الإسلامية، كما ساهم اليمنيون لاحقا من أبناء حضرموت، وبلا سيف أو حروب فتح، ولكن بالكلمة الحسنة والموعظة وتقديم القدوة في الأخلاق والتعامل، في استقطاب أكثر من مائتي مليون إلى صفوف الإسلام في أرخبيل إندونيسيا وماليزيا وسواها،... مشكلة اليمنيين مع الذين يعتقدون إن الإسلام هو ما في رؤوسهم وحدهم وكل من يختلف معهم ليس سوى مارق وكافر ومرتد يستحق عقاب إبليس حتى لو لم يسرق درهما ولم يظلم فردا ولم يقل كلمة زور ولم يقصر في فرض ولم ينصر ظالما ولم ينافق مستبدا.

من استمع إلى خطاب الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي يحذر به الشعب اليمني من الخطر المحدق الذي يحيط بالإسلام، يتصور أن الإسلام في اليمن هو الحاكم الآمر الناهي وإن اليمنيين يعيشون أيام عمر ابن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنهما)، وإن الدستور الجديد هو من يهدد الإسلام، وإن مجرد الموافقة على المادة التي يطالب بها الشيخ سيحرر اليمن من البقاء في دائرة الدول العائشة على التسول والتي تنتشر فيها كل الموبقات المتنافية مع الإسلام ومع العرف الإنساني ومع كل القوانين الوضعية والأخلاق والقيم الإنسانية: من القتل اليومي للمواطنين، حتى تجارة السموم والمخدرات، وتهريب الأطفال والاتجار بهم والزواج السياحي، وانتشار دور الرذيلة واغتصاب النساء واغتيال النشطاء السياسيين، ودخول المنتجات الزراعية إسرائيلية المنشأ، إلى تجارة الخمور المهربة، وانتشار ظاهرة قطع الطرقات واختطاف السواح والصحفيين والدبلوماسيين الأجانب إلى تجارة الأسلحة التي تشعل الحروب في كل اليمن منذ عقود والتي التهمت عشرات آلاف الشباب والشيوخ والنساء والأطفال، وأخيرا بيع الثروات الباطنية وانتشار الفساد والنهب والسلب والسطو والصفقات المشبوهة المعلنة وغير المعلنة.

إن هذه الظواهر كلها لم تحرك شعرة لدى الشيخ عبد المجيد الزنداني وابنه محمد، الذي نشر قائمة بمن اعتبرهم كفار لأنهم اتفقوا على مبدأ مدنية الدولة،...هذه الظواهر لا يرون أن لها علاقة بالإسلام ووجودها يؤكد أن الإسلام في أمان ولا خطر عليه، لكن الخطر يأتي لو قيل أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع.

خطاب الشيخ الزنداني يأتي في خضم المعركة الحوارية المتحضرة التي تدور في قاعات مؤتمر الحوار الوطني، والتي تمثل أو هكذا ينبغي لها أن تمثل صفوة العصف الذهني للفكر السياسي اليمني للخروج بحلول أبدية لمشكلات اليمن المزمنة التي عجز عن حلها كل الحكام، وظل الكثير من الأوصياء على الدين الإسلامي يمالئونهم فسادهم وظلمهم واغتصابهم للحقوق وشنهم للحروب المدمرة، ويمكننا ملاحظة ما يلي من متابعة حديث الشيخ عبد المجيد:

* لقد جاء الخطاب متباكيا على غياب دور العلماء في مؤتمر الحوار والجميع يعلم أن العشرات، من (العلماء الدينيين) حضروا المؤتمر ممثلين لأحزاب وقوى وشخصيات وطنية وكان لهم باعا طويلا في فعاليات المؤتمر، فضلا عن علماء الطب والأحياء والكيمياء والهندسة والاقتصاد والفلسفة والقانون، الذين لا يعتبرهم الشيخ من العلماء، لكن الشيخ عبد المجيد لا يرى العلماء إلا عندما يكون هو حاضرا، وشخصيا كنت أتمنى أن يكون مشاركا في أعمال المؤتمر ولا أدري لماذا استثناه حزبه (التجمع اليمني للإصلاح) من قائمة المشاركة.

* وقد أشار عبد المجيد الزنداني في سياق بيانه إلى أنه يمكن أن يحكم يهودي أو امرأة، تلك نقطة خلافية يحق للشيخ الزنداني أن يحتفظ بحقه فيها، لكن ليس من حقه أن يجبرنا جميعا على تبني رأيه، ...إن في اليمن مواطنون يهود وجدوا في اليمن قبل أن يظهر الإسلام ولهم كامل حقوق المواطنة، وإذا ما وجد من بينهم من يقيم العدل ويحافظ على سلامة الوطن ويسخر حياته من أجله فلماذا لا يحق له الاشتراك في حكم اليمن، أعرف أن الشيخ سيقول: كيف يقود المسلمين يهودي؟ وأعرف أن هذا لن يتحقق في اليمن، بل أعرف أن اليهود والاخدام ممنوع عليهم حتى اليوم الترشح ولو ممثلين لفئاتهم في المجالس المحلية، لكن المسألة افتراضية فقط، لقد حكمنا من ادعوا بأنهم مسلمون، فهل حفظوا عهدا، أو صانوا أمانة، أو أقاموا عدلا أو حاربوا منكرا، أو نشروا فضيلة أو أمروا بمعرف، أو نهوا عن منكر؟

ألم يكن ممن يحكمون حتى الأمس القريب ممن يقولون أنهم مسلمون؟ ألم يبيعوا ثروات اليمن بأقل من عشر(10/1) ثمنها؟ ألم يشنوا الحروب ويتسببوا في قتل عشرات الآلاف من اليمنيين؟ ألم يبيحوا الجنوب للصوص الأراضي والثروات ويستبعدوا مئات الآلاف من المواطنين الجنوبيين من وظائف بغير ذنب سوى إنهم جنوبيون؟ أما المرأة فيمكن أن يحتج الشيخ الزنداني كما يشاء لكنه يعلم أن من بين النساء الكريمات من يتمتعن بالأمانه، والنزاهة والشجاعة والكفاءة والانتصار للحق والدفاع عن المظلومين والتصدي للظالمين أكثر من الكثير من المشنبين ممن يدعون الإسلام ولا يقيمون من شعائره إلا المظاهر والأشكال أما القول بأننا لن نفلح إذا ما ولينا أمرنا إمرأة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قالها عندما كان بين المسلمين رجالا من أمثال عمر ابن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وأبوبكر الصديق وعمار بن ياسر وأبو عبيده ابن الجراح وغيرهم من الأطهار العادلين الأتقياء، وليس عندما يتولى أمور المسلمين من يمارس كل ما يخالف الشرع والعرف ويصفق له من يدعون الحرص على الإسلام، وللتذكير فقط فقد أفلح اليمنيون مرتين في التاريخ عندما ولوا أمورهم امرأة وإحدى المرتين كانت في عهد الإسلام، ولم يفلحوا قط في أغلب المرات التي ولوا فيها أمورهم ذوى الشوارب واللحى الذين لم نجن منهم إلا الوبال والفساد وانهيار القيم وانتشار الرذيلة.

*  أعادنا الشيخ عبد المجيد في حديثه عن مصنع البيرة إلى أجواء 1993، و 1994م وتهجم على أول رئيس لمجلس النواب ونسب إليه أقوال لا يستطيع إثباتها، لكن مهما يكن لقد سحق مصنع البيرة على أيدي تلاميذ الشيخ عبد المجيد وزميله علي عبد الله صالح، وكان بإمكانهم يوم انتصارهم العظيم، الاحتفاظ بالمصنع، وتحويله إلى مصنع ينتج أي مادة نافعة مباحة للاستهلاك مما نستورده بمئات الملايين، لكن أتعلمون لماذا دمر المصنع؟ ليس لأنه ينتج محرمات، بل لفتح السوق لاستيراد الخمور الأجنبية التي ظل وما يزال أساطين النظام المنتصر يمارسونها عن طريق التهريب عبر موانئ عدن والحديدة والمخا وعبر المطارات الرئيسية، وهي التجارة التي انتشرت بعد 1994م أضعاف ما كانت عليه قبل تدمير المصنع وما تزال حتى اليوم وفي ظل المادة الدستورية التي تقول أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع"، . . . لم يغضب الشيخ الكريم وتلاميذه من هذه التجارة، ولم نسمع يوما خطيبا واحدا منهم يستنكرها، لأنهم لا يمكن أن يغضبوا شركاؤهم في النصر، الذين هم شركاؤهم في الكثير من المصالح ابتداء بشركة الأسماك والأحياء البحرية حتى المساحات المستولى عليها في عدن وحضرموت ولحج وأبين، وما عدا ذلك كثير وكثير مما لا يتسع المجال للحديث عنه.

المشكلة ليست في الإسلام ولا في تهديد الإسلام، بل المشكلة هذه المرة تمكن في أن الشعب اليمني قرر أن يرسم مصيره بنفسه من خلال ممثلي الشعب بفئاته وأحزابه ومكوناته المجتمعية وهي حالة تخرج التحكم بالقرار من أيدي الأوصياء التاريخيين الذين تعودوا وحدهم الانفراد بتحديد مستقبل الشعب وتوجيه مسار حركته التاريخية منفردين سواء كانت هذه الوصاية باسم أهل الحل والعقد أو باسم الوصاية الدينية التي يرى بعض أدعيائها أنهم أعلى وأكبر من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل "رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي" فهم لا يقبلون لأحد أن يقول لهم لستم على صواب، أو حتى كلامكم صواب يحتمل الخطأ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله عن نفسه، إنهم معصومون من كل خطيئة، وسواهم هم المارقون الكافرون، حتى وإن لم ينهبوا ريالا ولم يغدروا بأحد ولم يغشوا أحدا ولم يمارسوا معصيةً.

لا يريد الأوصياء على الشعب اليمني أن يدعوه يصنع مستقبله بإرادته بعد أن فشلوا طوال عقود من التحكم الفاشل في صناعة هذا المستقبل، وإنى لهم أن يتخلوا عن الرغبة في ممارسة الوصاية والنزول إلى مستوى البشر العاديين والعيش كما يعيش الملايين الثلاثة وعشرين في اليمن.

برقيات:

* ليست مصادفة أن يتزامن بيان الشيخ الزنداني مع قائمة ابنه التي كفرت العشرات من المشاركين في الحوار الوطني فقط لأنهم قالوا بالدولة المدنية وعبروا عن رؤيتهم لقضية تخص كل الشعب اليمني، وحملات التكفير هذه تعيدنا إلى أجواء ما قبل حرب 1994م التي يعلم الشيخ وابنه إلى أين أوصلت البلد.

* استهداف د. يس سعيد نعمان من قبل الزنداني هذه المرة لا يأتي من فراغ فهو يتسق مع الحملة الشعواء التي يشنها أنصار النظام مع بعض كتاب الإصلاح الذين لا شغل لهم إلا د. يس، وهي الحملة التي لا تستهدف شخص الدكتور يس بقدر استهدافها لما يمثله من قيمة وطنية وثقافة مدنية وتاريخ معطر بالنزاهة والاستقامة وعفة النفس وطهارة اليد.

انتقل إلى رحمة الله الأستاذ الجامعي والمؤرخ اليمني والباحث الأكاديمي الكاتب د عبد الرزاق مسعد سلام، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عدن، وبوفاته فقدت البلد واحدا من الكفاءات اليمنية المبدعة والوفية للأرض والإنسان، الرحمة والغفران للفقيد والصبر والسلوان لأهله وذويه وكل محبيه.

* قال الشاعر العربي أحمد مطر:

هو من يبتدئ الخلق وهم من يخلقون الخاتمات!

هو يعفو عن خطايانا وهم لا يغفرون الحسنات!

هو يعطينا الحياة دون إذلالٍ

 وهم، إن فاتنا القتل، يمنون علينا بالوفاة!

شرط أن يكتب عزرائيل إقراراً

بقبض الروح بالشكل الذي يشفي غليل السلطات!

aidnn55@gmail.com