الرقص على رؤوس الثعابين
عدنان باحلوان
عدنان باحلوان

تشهد الأمة العربية منذ مطلع هذا العام انتفاضة شعبية كبرى انطلقت من تونس ومروراً بمصر لتعم العالم العربي كله.

وقد تفجرت هذه الثورة على ايدي الشباب الذي عبر عن مطالبه باسلوب سلمي وحضاري رائع يتسم بوعي وبروح مسؤولية عالية فاجأت العالم اجمع, بل انها فاجأت الأمة العربية نفسها التي رأت في مطالب الشباب امانيها وطموحاتها التي كانت تحلم بها قبل نحو نصف قرن من الزمان حين قامت ما سمي حينها بثورات التحرر العربية والتي انتهت الى واقع كئيب وحاضر استشرى اليأس في كل ارجائه ولم يعد مفكروها يرون اي بصيص نور في نهاية هذا النفق المظلم. إن نور الشباب الذي اضاء ليل الامة الحالك جعلها تستفيق من سباتها العميق وجعلها تحتضن مطالب الشباب والتي هي مطالبها في الصميم. ولم تكن اليمن ان تحيد عن هذا المسعى, لم يكن بامكان شباب اليمن ان لايسمعوا هذا الهدير - الذي دوَى في افق العالم العربي معلناً بداية عهد جديد للامة العربية - بل تناغموا معه معبرين عن وحدة هذا النسيج الذي يمتد من المحيط الى الخليج.

إن اهداف هذه الثورة العربية تتلخص في جملة بسيطة وعميقة المعنى وهي "الشعب يريد اسقاط النظام" والذي اثبت الواقع العربي انه نظام واحد مستنسخ من بعضه - لاسيما تلك التي تسمي نفسها "جمهورية".إذ انها – ربما باستثناء لبنان – تتسم بانها انظمة شمولية وقمعية, وعلى رأس هذا النظام شخص واحد يختزل بذاته المنتفخة الدولة والشعب والوطن. فهو المطلق في كل شيئ: فهو المشرع وهو الذي يطبق القوانين عندما يريد وعلى من يريد ويتجاوزها كيفما يشاء. وهو القوة الأمنية الضاربة بوجه كل من يعارضه وهو القضاء الذي يعطي الحق لمن يشاء وهو الاعلام الذي يصنع الحقيقة من الخيال كما تقتضيه مصالحه.

ولايحيد نظام علي عبدالله صالح في اليمن عن غيره من انظمة الحكم الشمولية في العالم العربي. ولكن لكل حاكم اسلوبه الخاص لفرض حكمه الفردي, وقد سمى صالح استراتيجيته "الرقص على رؤوس الثعابين".

ويتضمن هذا الرقص تخويف العالم من الشعب اليمني كونه مسلح ويحتضن القاعدة والتي سوف تستشري كالسرطان في المنطقة ولربما في العالم اجمع لو غاب هو عن السلطة. كما يتضمن هذا الرقص بث الرعب في اوساط المواطنين البسطاء من انه لو تنحى عن السلطة فستقوم حرب اهلية وسيسيل فيها الدم الى الركب لكون الحوثيين في صعده شمالاً والحراك في الجنوب يريدون الانفصال وانه الضمان الوحيد لامن واستقرار ووحدة اليمن بالرغم من انه سبب هذه المشاكل ولايمكن ان يكون جزءاً من حلها.

. وهو لايرى في خصومه السياسيين سوى ثعابين يحب مراوغتها والرقص على رؤوسها وتفريغ مطالبها السياسية من اي محتوى حتى لاتلدغه. وهو يسمي هذه المراوغة حواراَ. والحوار معه لايؤدي الى اي تغييرات فعلية وانما الى وعود وتسويفات وولائم وعطايا ومراكز فخرية للمطالبين بالتغيير. ومن لايستجيب الى هذا الحوار ينتهي برقصة "التصفية" عن طريق "حادث مروري" او على يد "مختل عقلياً". اما قضايا الفساد حتى وان تم فضحها اعلامياً فإنها لاتجد اي مساءلة قانونية, بل يتم تحويل المسؤول المفضوح مثلاً من وكيل وزارة الى سفير.

 وقد واستطاع بهذا الاسلوب تفريغ اهداف الوحدة اليمنية والتي تتمثل باقامة دولة المؤسسات والديمقراطية و التداول السلمي للسلطة - استطاع تفريغها من محتواها وتحويلها الى مجرد شعارات يرددها الرئيس وواجهات ديكورية هدفها اصباغ الشرعية على هذ النظام.

هذه الرقصات ذات الايقاع المتناقض نجدها ايضاً في تعامل علي عبد الله صالح مع ثورة الشباب حيث يدّعي تارةً ان مطالبهم مشروعة وبانه نصير لها وسيحميها وسيلبيها وحيناً آخر يتهمهم بأن وراءهم اجندة خارجية وبانهم شباب ساذج يقلد ماجرى في تونس ومصر. وهو يسوي في هذا التشبيه من يقلد موضة في قصة شعر او ربطة عنق لاحد النجوم مع مطالب مصيرية و مشروعة لشعب باكمله. كما انه لايتردد حتى ان يستخدم الدين الاسلامي الحنيف للوصول الى مآربه للنيل من الحشود النسوية التي تخرج منادية باسقاط نظامه, إذ تحول بقدرة قادر الى مفتي يصدر فتاوى شرعية, حيث دعا في خطاب له قبل اسبوع - أمام مؤيديه من النساء والرجال- إلى "منع الاختلاط" الذي قال إنه يحدث بين المعتصمين والمعتصمات في شارع الجامعة بصنعاء، وأضاف أن ذلك "حرام ولا يقره الشرع" الإسلامي!!!

اما اخطر السموم والتي يحاول ان ينفثها في الداخل والخارج فهي وصف هذه الثورة الشعبية - التي يقودها الشباب - بأنها اعمال فوضى وقطاع طرق تحركها احزاب المعارضة "اللقاء المشترك" للإنقلاب على الشرعية بمحاولة منها للسطو على السلطة.

فهو يريد ان يصور المشهد وكأنه فريقين يتخاصمان على السلطة فيحاول هنا ان يناور برقصة "الدستور" وليصور المطالب الشعبية بانها محاولة غير دستورية لاحلال رئيس مكان آخر.

إن شرعية هذا النظام لاتختلف باي حال من الاحوال عن غيرها من الانظمة الشمولية سواء تلك العربية منها او ما كان يسمى دول المعسكر الشرقي سابقاً. هذه الشرعية الموهومة لايمكن الحديث عنها في إطار دولة شمولية يسيطر فيها هو واسرته وافراد حاشيته على كل شيئ. والانتخابات في هذه الانظمة هي مضيعة للوقت واهدار للمال العام هدفه تضليل الجماهير بأن هناك رئيس منتخب عبر "الصندوق السحري".

 ان الشعب هو مصدر التشريع, وهذا الشعب يطالب باسقاط النظام الشمولي جملة وتفصيلاً وليس بتبديل الرئيس بشخص آخر. إضافة الى هذا فان هذه الثورة لاتقودها المعارضة بل يقودها الشباب, والمعارضة مع بقية فئات الشعب قد انضمت اليها. ولا تستطيع المعارضة ان توقف هذه الثورة اذا لم تتحقق مطالبها والتي تتمثل اهمها في: إسقاط النظام الحالي سلميا بكل رموزه, وتشكيل مجلس رئاسة انتقالي, على أن لا يحق لأي من اعضائه الترشح مستقبلا لمنصب رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة قبل مضى دورة انتخابيه كاملة. إعلان فترة انتقالية بعد سقوط النظام مدتها 6 أشهر تبدأ بإعلان دستوري للثورة يتم بموجبه إلغاء العمل بالدستور الحالي وحل مجلسي النواب والشورى والمجالس المحلية وتشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط). وكذا تشكيل مجلس وطني انتقالي يعمل على القيام بأعمال الرقابة على كل من المجلس الرئاسي الانتقالي والحكومة الانتقالية و تشكيل اللجنة العليا للانتخابات للاعداد لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية واختيار جمعية تأسيسية تضم فقهاء دستوريين لصياغة مشروع دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية حديثة يكون أساسه النظام الجمهوري البرلماني و يخضع للاستفتاء الشعبي العام. كما تتضمن هذه المطالب فصل السلطات القضائية والاعلامية والعسكرية وضمان حياديتها, وملاحقة ومحاكمة كل رموز الفساد واسترداد ما نهب من الممتلكات والثروات و المال العام والخاص, والافراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين.

ان هذه الاهداف النبيلة هي الاسس الصحيحة لبناء الدولة الحديثة, وهي الوحيدة التي تضمن تداولاً سلمياً حقيقياً للسلطة. إن هذه المطالب هي حلم كل يمني حر وشريف, وهذا الحلم سوف يتحقق بإذن الله بارادة الشباب الصلبة, فالشباب هو نبض الحياة.

 إن علي عبدالله صالح لن يستطيع أن يمنع هذا النور ان يسطع في سماء اليمن عن طريق استغلاله للجهل الذي كرسه بين صفوف الشعب اليمني - والذي تصل نسبة الأمية فيه الى 60% - بتشويه صورة هذه الثورة عن طريق الترويج بأن رياح الثورة ماهي الاّ فتنة وانه الوحيد الذي يستطيع ان يخلق العزة والأمن والاستقرار والرفاهية - وعود انتظرها الشعب دون جدوى على مدار 33 عاماً من حكم علي عبد الله صالح ضرب الفساد خلالها جذور عميقة في مختلف نواحي الحياة في اليمن. ولكن هذا الشعب قد استفاق ويقول: ايها الراقصون غادروا خشبة المسرح, فلسنا ثعابين وانما مارد جبار وقد انطلق الى رحب الفضاء ولن يعود الى قمقمه مرة اخرى.

وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.


في الثلاثاء 26 إبريل-نيسان 2011 08:04:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=10027