الإعلام الرسمي وثقافة النفاق
د. أمين الحميري
د. أمين الحميري

المتتبع للإعلام الغربي سواء كان قنوات فضائية او صحف او مواقع الكترونية يجد فرقا كبيرا بما يطرحه هذا الاعلام عما يطرحه اعلامنا العربي ولن احاول اسرد مقارنة شاملة هنا ولكنني سأركز على النفاق الموجود في اعلامنا والغير موجود في اعلامهم وهذا يتمثل بمدح الحكام والمسؤولين وعدم نقدهم النقد البناء مما يجعلهم يعتقدون انهم قد بلغوا الى درجة الملائكة بل واكثر من ذلك والعياذ بالله.

الاعلام الغربي لا يمكن يمدح مسؤول لماذا لأنه يعتقد ان هذا المسؤول مجرد موظف ان احسن في اداء عمله فهو قد ادى واجبه وان اساء فهو معرض للنقد والمحاسبة. لذلك تجد الاعلام يركز على النقد في اغلب الاحيان والنقد البناء بدون ان يسيء الى صاحبه لأنه اراد من وراء ذلك احقاق الحق ولفت النظر للغلط الذي حصل وتصحيح المسار من اجل خدمة امته وشعبه. وبهذا الاسلوب ترى المسؤولين هناك في قمة التواضع ولا يصيبهم الغرور بل وهم في اتم الحذر لانهم تحت المراقبة والعيون تترصدهم فلا يستطيعون مخالفة القانون في اي فقرة من فقراته. واذا صدر من مسؤول هفوة او غلطة فانه يبادر لتقديم استقالته من تلقاء نفسه من اجل ان لا يعرض نفسه للمسائلة وليترك الفرصة لمن هو اجدر منه بخدمة البلد. وهذا هو دور الاعلام الحر والاعلام الذي يريد رفعة بلاده ويريد نمو وطنه فهو يؤدي دوره على الوجه المطلوب وبهذا يشعر الاعلامي بالرضا عما يقدم لأنه يؤدي عمله بمهنية عالية ولأنه يخدم هدف ويحقق لوطنه وامته ما تريد. لهذا تجد ان المواطن الغربي يتسم بالمصداقية لأنه يعلم ان الاعلام قلَّما يمكن غش شعبه وان حصل من احد الوسائل الاعلامية مخالفه فسرعان ما تفتضح.

ولن امدح الاعلام الغربي لأنه ايضا فيه من المساوئ ما فيه ولكنني أردت أن الفت النظر إلى نقطة مهمة هي في الأساس من أخلاقنا - نحن المسلمون- وهي من صميم ديننا والكل يعلم الحادثة المشهورة التي وقف فيها احد الصحابة يقول لعمر ابن الخطاب والله لو أخطأت لقيِّمناك بسيوفنا وأثنى عليه عمر وقال لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها. فهل يا ترى قد نزعت هذه الخيرية من الأمة او من الحُكَّام أم من كليهما لأنهم تركوا التواصي بالحق.

أما إعلامنا فيتسم بالنفاق الممقوت المبالغ فيه إلى الغباء وكأن الإعلامي العربي يصادر عقل المواطن العربي في الحكم على الأشياء وهذا بالطبع ينطبق على الغالبية العظمى من وسائل الإعلام العربية ولا يستثنى منها إلا النزر اليسير. تجد الصحف تمتلئي بالثناء على المسئولين ابتداء من الرئيس وانتهاء بمدير الإدارة فكلهم أصحاب الفخامة وأصحاب السعادة وكلهم مبجلون وقد تكرموا وتعطفوا على الشعب بالتوقيع على اتفاقية او تفضلوا على الشعب بقص شريط وقد أنجزوا مالم ينجزه أي عظيم في تأريخ البشرية وان قيادة بلد واحدة قليلة عليهم فهم يستحقون أن يحكموا العالم للعدل الذي تنعم به البلاد والخير الذي ينعم به العباد وهم منزهون عن الخطاء وهم يسهرون الليالي من اجل مصلحة الشعب وأنهم زاهدون في السلطة لولا أن الشعب أصر عليهم بالبقاء وهكذا يسترسل المحررون والكتاب وأصحاب الأقلام المأجورة والألسن الفصيحة حتى أن المواطن العربي يكاد يحفظ كل الألفاظ التي تقال في حق الزعيم فهو يسمعها منذ الصغر لذا تجده يذهل إذا قام شخص وانتقد الزعيم وقال له هذا غلط وكأنه قد خالف النص السماوي ويقول من أنت حتى تتكلم على الزعيم هذا زعيم معصوم وهو يتفضل علينا يوميا بالنعم التي تأتي من فوقنا ومن تحتنا فلا تجر علينا الويلات فإذا غضب فسيقطع عنا الغاز والبترول وسنعيش بعده في ضياع .

فالعربي يعرف ما احدثته هذه الوسائل الاعلامية المنافقة من رعب وخوف لدى المواطن العربي المغلوب على امره فقد جعلته يحسب الف حساب قبل ان يتفوه بكلمة ضد الزعيم فلابد ان يسبح الكل بحمده ويصفق له ليل نهار حتى لا يغضب ويقطع إحسانه عنا.

لقد ارتكب الإعلام العربي أفظع الجرائم بحق شعبه من تزيف للحقائق وتهويل وفرعنة الحكام حتى أن الزعيم ليصدق ما يقال له وأصبح يرى نفسه انه الأوحد في هذا الكون . ولهذا السبب تجده لا يقبل النقد بل لا يقبل النصح فهو قد بلغ مبلغ لا يحتاج فيه الى النصح او النقد فلا يري للناس إلا سبيل الرشاد.

إن ثقافة النفاق الإعلامي والنفاق الاجتماعي تجعل المجتمع العربي غير مؤهل إلى النهوض او قد تؤخره , لأنه لا يقول كلمة حق ولا يقبل أن تقال له كلمة الحق وتكريس هذه الثقافة لها آثارها على الصعيد السياسي والاجتماعي وعلى الصعيد التربوي.

 فبما ان هذه الثقافة هي الثقافة السائدة على مدى عقود او قرون- إن صح التعبير- فهي تتوارث ومن شذ عن هذه الثقافة شذ في السجن. فإذا كانت هذه الحالة فما هو الحال وماذا يصنع المواطن العربي كي يبدأ باستعادة حقه في التعبير؟ .

أرى أن يبدأ المواطن العربي بصم أذنيه عن كل إعلام رسمي وإغلاق عينه عن كل صحيفة للسلطان ثم يبدأ بتربية أولاده على انتقاده في البيت فإذا تقبل النقد في منزله فهذه بداية الطريق الصحيح . فالأمل في الأجيال القادمة إن شاء الله التي لم تسمع الأراجيف والعبارات الرنانة من المديح ولم يتعود على الذل . وان الفضاء المفتح ألان سيكسبهم مهارة قول الحق دون تجريح لأحد وقبول النقد البناء الذي يخلو من الألفاظ المهينة او الشتم , وبهذا الأسلوب نأمل أن يصل إلى الحُكْم والى مواقع الدولة أناس يستشعرون أنهم موظفون فقط فان أحسنوا فهم قد أدو عملهم ولا يحتاجون لمن يشكرهم وان اخطئوا فعليهم بالاعتذار لأنهم قد اخلَّوا بواجبهم وهم معرَّضون للمسائلة من الشعب الذي أعطاهم الأمانة والمسئولية.


في الخميس 05 مايو 2011 05:31:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=10128