أرحب.. الجرح النازف
علي عويضة
علي عويضة

وحدها الجراح العميقة من تنزف الدم ومن تطول مدة علاجها. وحدها صرخات الاطفال ما يستحيل ان تنساه مسامعنا مهما حاولنا ان نتلهى بسماع غيره من الاصوات, وحدها نظرات النساء لمشيعي جنازات رجالهن تبقى خالدة في ذكريات الزمن تلعن كل من قتل وكل من تهاون وكل من غض طرفه عن جريمة ابادة جماعية يتعرض لها ابناء أرحب وكأنهم ليسوا بشرا مثل غيرهم تحفظ لهم الشرائع السماوية والوضعية حقوقهم في عيش كريم وعدالة حقة ومواطنة متساوية, كل الشرائع ماعدا شريعة الغاب والاستبداد التي تحكمنا بها اسرة صالح منذ اكثر من 3 عقود.

اليوم أجدني اقف مذهولا حد الصمت, حزينا حد البكاء, على ما جرى ويجري في أرحب, ثلاثة أشهر بأيامها ولياليها وهذه المنطقة الابية تتعرض لقصف عنيف من قبل قوات الحرس الجمهوري ووحدات مكافحة الارهاب المدربة من قبل امريكا, لا تقصف لأنها حاولت التعدي على حدود الوطن او باعتها بثمن بخس, ولم تقصف لأنها نهبت ثروات البلاد وعبأتها في بنوك اوروبا او باعتها بأرخص الاثمان الى الاجنبي, ولم تقصف لأنها سمحت باختراق سيادة البلاد وقتل يمنيين بأيادي أجنبية على تربة هذه الارض الطاهرة.

تقصف هذه المنطقة لأنها منعت قوات الحرس العائلي من دخول صنعاء لقمع المظاهرات السلمية وكسر شوكة الثورة الشعبية, تقصف لأن اهلها صرخوا في وجه صالح ذات مرة وقالوا له: لن نسمح لك انت وابنك ان تقتلوا هؤلاء الشباب الذين خرجوا لأجل مستقبلنا ومستقبلهم.

قالوا له لن نسمح لك بأن تئد احلامنا وتدفنها ونحن أحياء على هذه الارض.

منعوا المعسكرات من التقدم فتحولت كذئب غادر منعه الراعي من الفتك بفريسته البريئة, تحولت بقوتها وعتادها الى قصف ارحب الصمود, حولت فوهات اسلحتها واحداثيات قذائفها الى بيوت المواطنين الابرياء والى عناقيد العنب المتدلية كتدلي حلم الوطن الجميل واقترابه شيئا فشيئا من ايادي اليمنيين.

اكتب هذه المقالة والاحصائية الاخيرة التي لدي تفيد بأن عدد شهداء ارحب الى اليوم 45 شهيدا من ابناء هذه المنطقة الباسلة, كلهم ضحايا صمودهم وصبرهم ووقوفهم بجانب ثورة الشعب السلمية.

ما الذي ستقوله المصادر الرسمية ازاء تلك الجرائم؟ لست ادري بالطبع ولا الطفلة عبير كمال تدري ايضا لماذا قتلوها؟ ماتت فاغرة فاها وعيناها مفتوحتان الى السماء تنظر الى حلم جميل كان يراودها منذ الصغر, حلم قتلته شظايا قذائف الهاون التي انطلقت من جبل الصمع لتحيل جسدها الى غربال, منظر يذيب الصخر الاصم, لكن لا شك ان هناك قلوبا اشد قسوة من الصخر, تلك هي قلوب من يقف خلف تلك الآليات العسكرية التي تحول صباحات الاطفال الى ليال سوداء, وتحول منازل المواطنين العزل الى ركام من التراب.

في طريق البحث عن الحقيقة تصدمك حتما تبريرات اعلام النظام لتلك المجازر, فعندما يبرر مجازره بمحاولة اقتحام القبائل لمعسكر الصمع لا شك انك ستتساءل: ما ذنب النساء والأطفال والشيوخ والمزارع والآبار؟ ما دخلها بمحاولة الاقتحام تلك؟ ام ان كل تلك الاشياء حاولت اقتحام المعسكر؟

بينما يفاجئك موقع الحزب الحاكم بنشره لصور ما يسميه بطولات رجال الحرس وتحت هذا المانشيت العريض الداعي للسخرية صور لمواطنين يمنيين قتلوا بطريقة بشعة لا ندري كيف ولماذا ومتى وهل تمت معاملتهم معاملة انسانية ام معاملة ماركة حرس جمهوري.

هذه البطولة تذكرني ببطولات صالح التي كان يتباهى بها امام العالم, حيث كان يسمح للطائرات الامريكية بقتل اليمنيين على اراضيهم وقريبا من بيوتهم ثم يتفاخر في المحافل الدولية بتعاونه معهم في مكافحة الارهاب, والارهاب هنا هو المواطن اليمني.

لا شك انه الحقد والحقد فقط هو ما يمكننا ان نعتبره دافعا لما يجري في ارحب, هو نفسه حقد معسكرات الحرس العائلي على ابناء تعز التي لم يحاول اصلا ابناءها اقتحام اي معسكر, غير اننا عندما ننظر الى القاسم المشترك بين تعز وأرحب سنجد انهما تشتركان في موقف موحد مع الثورة الشعبية, ابناء تعز اطلقوا شرارة الثورة الاولى وابناء ارحب وقفوا سياجا صامدا امام محاولات الحرس قتل تلك الثورة والتنكيل بشبابها.

ارحب تنزف والوطن كله ينزف وهذا يستدعي من الجميع نظرة جادة الى الأمر, نظرة توقف سيل الدماء هذا الذي يروح ضحيته الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ الذين اصبحت تؤويهم المغارات والكهوف, اصبح سحورهم صاروخ كاتيوشا وفطورهم قذيفة هاون.

اخاطب هنا من تبقى من الشرفاء في معسكرات الحرس الجمهوري والأمن, انكم اليوم امام اختبار عسير تكشفون فيه معدنكم وتعلنون للعالم اجمع انكم جيش وطني وليس جيش عائلي, وانكم لستم اقل من الجيش المصري والتونسي الذي التقط الفرصة السانحة له وانحاز لإرادة الشعب ووقف ضد الحاكم الذي اراد ان يسخره لحرب شعبه, لا زلنا نثق كثيرا فيكم ونعرف انكم في الاخير ستقفون في صف الشعب وترفضون اوامر القتل التي تصدر اليكم من بقايا اسرة صالح.

منبه الرسائل في جوالي يفيد بوصول رسالة جديدة, افتحها الآن: شهيدان وعدد من الجرحى في قصف مدفعي من جبل الصمع على أرحب.

والحكاية مستمرة,


في الثلاثاء 09 أغسطس-آب 2011 11:12:36 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=11277