انتصار الثورة الخلاقة
فؤاد الحبيشي
فؤاد الحبيشي

ما يجري حالياً في اليمن أكبر بكثير من أن يكون مجرَّد خلاف أو صراعٍ سياسي بين حزب الحاكم (سابقاً) وليس الحزب الحاكم والمعارضة بشبابها وبالثورة السلمية التي حققت ما هو أهم أكبر من تغيير رئيس وإسقاط سلطته ونظامه الأمر الذي يدفـعنا للقول بأن ثورة اليمن السلمية اكتسبت بُعدًا حضارياً راقياً, وإنسانيًّا رائعاً, وقومياً أصيلاً, وهو ما يميزها ويرتقي بها عن الحدث السياسي المعتاد تكراره في الساحة اليمنية.

ولذا فإن الاعتصامات السلمية مكَّنت للشباب في الشارع وهيَّئَتْ لهم الجو ليعثروا على وطنهم المفقود. ففي الثورة وجدوا أنفسهم وفي بيئتها المأهولة بقيم الحرية, رسموا ملامح مستقبل اليمن الجديد, في ساحة التغيير ترى اليمن الجديد الذي ينشده الثوار تتوفر فيه حقوق المواطنة الحقيقية. وطن خالٍ من درن الرذيلة والفساد والمحسوبية والتعصب والأُسرية والعنصرية والرشوة. وطن تتآلف فيه مكوناته المتناقضة بانسيابية عجيبة تجعل من التنوع الثقافي والاجتماعي، لوحةً آسِرةً للدهشة, حافلة بخصائص المجتمع اليمني الأصيل وسلوكيات أبنائه الطيبين بمختلف مظاهرهم الثقافية المتنوعة.

لقد وفرت ساحات الاعتصام للشباب أجواء الحرية الكاملة وقيم الديمقراطية الحقيقية, كما وجد الشباب ما يرفهون به عن أنفسهم, فيما لم يجدوا في نظام صالح والرفاق سوى التعب في مرافق الدولة ودهاليز المكاتب التي أرهقتهم صعوداً ونزولاً برشاوٍ أثقلت أدراج المكاتب ومساوئ أرهقت كواهل المعاملات.

ففي ساحة التغيير يتعلم الشباب كيف يقبلون بعضهم, وكيف يديرون خلافاتهم، وفيها يتحاور اليساريون مع المتدينين بهدوء وانسجام، بعيدًا عن بوادر العنف المتوفرة في قنوات النظام الرسمية خارج الساحات الشريفة.

لقد رُدَّ الاعتبار الإنساني للهوية اليمنية بين الأمم والشعوب، وتعززت ثقة الإنسان اليمني بنفسه الذي وجد في هويته ما يجعله يشعر باعتزاز بالانتماء إليها.

لقد أثبت اليمنيون مدى تحضرهم وسمو أخلاقه، بسلمية ثورتهم وطول نفسهم الذي لم يتقطع. فالثوار المتواجدون في ساحات التغيير هم نسل أولئك الشهداء الأبرار الذين قارعوا الظلم والطغيان الأمامي الكهنوتي.

الشباب الذين في الساحات والميادين من مختلف محافظات الجمهورية ومناطقها رسموا بثورتهم وبإيمانهم بربهم العظيم ثم بوطنهم الشامخ, لوحة المجد والشرف والرفعة والعزة والتغيير.

ولهذا قامت الثورة لتعلن من ميادين التغيير ومن كل الساحات انتهاء عصر الإمامة الجمهوملكية والظلم والتخلف, وإعلان ميلاد الحرية والديمقراطية والتنمية والبناء والازدهار.

فالحرية التي ناضل من أجلها الشهداء الأبرار والذين قدموا أرواحهم فداء للوطن هي الآن في ساحة التغيير بأبهى صورها وأشكالها.

فمسيرة الثورة متقدة وسائرة قدماً إلى مراتب متقدمة صوب المستقبل المشرق والحياة الكريمة, مهما علت أصوات البلاطجة والناعقين من بقايا الزمرة, فإن اليمني اليوم قد شَّبَّ عن الطوق, وأصبح يميز جيداً المرامي الخبيثة والمآرب المغرضة التي يسعى لها أعداء الوطن الحقيقيون.

الثوار اليوم تعلموا من هذه المواقف والممارسات بأن الثورة أمانة في أعناقهم؛ لأنه بدونها ما كان لهم أن يتبوءوا المكانة التي هم فيها من الوعي والسعادة والحرية والكرامة.

إن التضحيات الجسيمة في سبيل المبادئ والقيم الوطنية العالية والشريفة تهون.

لقد أثبت الثوار أن نظام صالح هو الإرهاب, وأن بوق الإرهاب هي وسائل الإعلام الرسمية التي تُدار من داخل القصر الجمهوري.

اليمن التي طالما رقص علي صالح على جراحها بسموم الأفاعي, التأمت جراحها بساحات التغيير التي هي ساحات الاستشفاء. فلفظته خبثاً مقيتاً لتعيش سليمةً معافاة, بعيدةً عن الفتن, محصنة من الدسائس, طاهرة من الأزلام, معقمةً من الفتاوى السلطانية, خالية من البلاطجة, طيبة وربٌ غفور.

القاعدة التي طالما أرعب علي صالح العالم بخطاباته عن سلاحها وحربها وخطرها, أثبتت أنها سنده التي يتكئ عليه, ورفيقه الذي يأنس به, وأنها فُزّاعته وقت الإفلاس. وحتى يخلو له الجو ليكون الوحيد للبقاء في الحكم, فلمَّا خارت قواه سلَّمها المُهِمَّة التي أنشأها من أجلها وجاء دورها لتكمل مسيرته الإجرامية في حق اليمنيين.

القبيلة التي اتهمها بالجهل والاعتداء والظلم والغباء والتخلُّف, أثبتت أنها بنت الحضارة وأُم الوعي وأُخت الفضيلة.

سئمت القبيلة من رؤية دماء أبنائها تسيل هدراً, ومشاهدة فلذات أكبادها تُزهق أرواحهم باطلاً, فنفضت عن نفسها التعصب المقيت, والولاء المطلق للزعيم, ومدَّت يدها لتصافح روَّاد الثورة في ساحات التغيير.

لقد سمت القبيلة اليمنية لتكون سند المظلوم, وعون المحروم, وعدوَّ الظالم.

إن ما يأسر الناظر ويحير الخاطر حين يرى القوة تتواضع, والشجاعة تترفع, والحكمة سيدة الموقف.

يتوافد رجال القبائل صغاراً وكباراً إلى الساحات, عُزَّلاً من الأسلحة، متحلين بالصبر والسكينة والحلم والأناة في مواجهة الاستفزازات الأمنية والهمجية التي تحاول أن تجرهم إلى مربع العنف المقيت والمواجهات الدامية التي طالما سعى صالح إلى فرضها على اليمنيين قبل رحيله.

لقد أسقطت الثورة كل المراهنات المنحطة والترويجات الخسيسة والمشاريع الهابطة العاملة ليلاً ونهاراً على زرع الفتن وتأجيل المشاكل وبث روح الفرقة بين اليمنيين بمشروعٍ هابط طالما روج له صالح ونظامه لعقود, لتبقى البلاد رهينة التخلف والتمزق والتناحر, لكنها سقطت بكل ملفاتها المزيفة وتطايرت أوراقها الواحدة تلو الأخرى, وأضحت سلطة صالح بلا سلطة.

ولم يبق إلاَّ أن تطوى تلك الصفحات السوداء القاتمة السواد لترمى في مزبلة التأريخ.

إن طهارة الثورة اليمنية ونقاوة الشباب اليمني الرائع مع اعتصاماته السلمية أقنعت الضمائر الإنسانية والعقول المستنيرة بعدالة مطالب اليمنيين في التغيير الذي اندفع له اليمنيون من مختلف مواقعهم للانضمام إلى ساحات الاعتصام التي وسِعَتْ كل الأطياف والتنوعات والاختلافات, والتي لن تبوء بالفشل أبداً بإذن الله.


في الأربعاء 10 أغسطس-آب 2011 01:27:47 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=11282