في وداع الدنجوان الأحمر
عاد نعمان
عاد نعمان
 
 

(عبااااااااااس؟!؟) ... هكذا قالت اسمه بمرارة بعد أن فتحت الباب له، وراحت تتفحص ملامح وجه لتتذكر الماضي الأليم، فقد كان السبب بالتفريق بين هي وزوجها وابنها الوحيد، وقتل صديقتها المقربة، دمر مستقبلها بعد أن لاحقها في جميع الملاهي الليلية ليمنع بجبروته وبمعية شلة البلاطجة التي يترأسها أن تغني هنا أو هناك، فرض سلطته بالقوة، كان يمر كل مساء متأخرًا ليقبض المال من المغنيات والراقصات ومن مديري الحانات المستسلمين الخائفين بطشه دون رضاء منهم، إلا أن المغنية (شمس) وقفت ليلتها في وجهه ورفضت أن تدفع له وطلبت من زميلاتها أن يمتنعن عن الدفع أيضًا، بزجاج القارورة المكسورة التي كان يحملها سكرانًا قصد أن يطعن (شمس) فطعن صديقتها المفضلة (فاطمة) ليحكم عليه بالسجن. وهي ذات الطريقة التي قتلته بها (شمس)، بعد أن خرج من السجن، وجدها بالصدفة فهددها بالذهاب إلى ابنها الوحيد الذي صار محاميًا ليخبره بوجود أمه وبحقيقة ماضيها الذي شوهه وليبتز زوجها المعروف بسمعته الطيبة، ولكنها قتلته قبل أن يخرج من غرفتها. أدى دور عباس( كمال الشناوي) وشمس(شادية) وفاطمة(زهرة العلا) والزوج(عماد حمدي) والابن(شكري سرحان).

 في إطار الحديث عن أفلام الأبيض والأسود في تاريخ هوليوود الشرق السينما المصرية، مستحيل أن نغفل عن ذكر الثنائي الجميل كمال الشناوي(عباس) وشادية(شمس)، وصعب أن نتجاهل أو نسقط فيلم(المرأة المجهولة) الذي أستنفذ الكثير من طاقتهما التمثيلية وأحتاج لإخراجه جهدًا كبيرًا، قدماه سوية بشكل رائع أبهر النقاد السينمائيين وكل من شاهد الفيلم الذي يعد علامة مميزة في تاريخ السينما المصرية والعربية، ليستحق أن يختاره السينمائيون بالإضافة إلى أربعة أفلام من بطولة كمال الشناوي وهي (أمير الانتقام) 1950م و(اللص والكلاب) 1962م و(المستحيل) 1965م و(الرجل الذي فقد ظله) 1968م ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية في الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996م. يعتبر فيلم(المرأة المجهولة) في عام 1959م هو الذي ساعد الشناوي على تغيير جلده وإخراج نفسه من زاوية التكرار، ليؤكد قدرته على أداء جميع أدوار الشر والخير، كان نقلة مهمة جدًا في حياته الفنية أمام عمالقة الفن في تلك الفترة، وأثبت أكثر قدراته التمثيلية على لعب دور الشرير – بالتمثيل طبعًا – في فيلم(حبي الوحيد) عام 1960م شارك بطولته نادية لطفي وعمرو الشريف. تقديمه للشر الكامن المتخفي وراء طبائعه الهادئة كان مفاجأة لدى السينمائيين والنقاد والجمهور سوى.

بعد ظهوره التمثيلي الأول في عام 1947م في فيلم(غني حرب) للمخرج نيازي مصطفى، أثبت فيلما(حمامة سلام) و(عدالة السماء) للمخرج أحمد كامل مرسي في عام 1948م نجاح الدنجوان مع شادية كثنائي ناجح، وساعدا في تقديم هذين الممثلين للجمهور العربي وكانا سبباً في التفات المنتجين لهما، حيث حرصوا على أن في كل دور يسند لكمال الشناوي أن تقف أمامه شادية والعكس أيضًا، وقد استغل بعض المخرجين ذلك الثنائي الجميل المنسجم الذي أقاماه معاً وقدما من خلاله سلسلة من الأفلام الناجحة منها(ساعة لقلبك) و(ظلموني الناس) كلاهما في عام 1950م مع مخرج الروائع حسن الإمام، وفي عدد كبير من الأفلام للمخرج حلمي رفله منها(بين قلبين) 1953م و(قليل البخت) 1952م و(حياتي أنت) 1952م و(مغامرات إسماعيل ياسين) 1954م، أثمر ذلك الدويتو عن أفلام وصل عددها إلى 32 فيلما تنوعت بين الدراما والكوميديا. خلال تلك الفترة من الشهرة التي حصداها معًا في التمثيل، بدأ ينتشر خبر أن علاقة حب حقيقية قد جمعت بين الطرفين، إلى درجة أن الدنجوان قرر أن ينتج لشادية فيلماً بعنوان(عش الغرام) من إخراج حلمي رفله في عام 1959م. وعلى الرغم من قوة تلك الشائعة إلا أنهما لم يتزوجا، ولكنه تزوج أختها التي اعتزلت الفن سريعًا بعد سنوات قليلة من الالتحاق به، لم يستمر زواجهما طويلًا نتيجة التسرع بقرار الزواج الذي لم يكن عن دراسة كافية أو تفكير عميق لينفصلا على حد قول الشناوي، وقد شاركته الزوجة والممثلة عفاف شاكر أخت شادية بطولة فيلم(السعادة المحرمة) أمام الممثلة القديرة أمينة رزق.

لم يحصر الشناوي شخصيته التمثيلية بأداء ذات الدور، فهو يعتبر واحد من الممثلين القلائل الذين استطاعوا أن يخرجوا أنفسهم من عباءة التكرار لما يملكه من إمكانات تمثيلية كبيرة، فقد استطاع بأسلوبه أن يعدد الوجوه الفنية له. لم يكن كمال الشناوي ذلك الفتى الوسيم فحسب الذي تقع في غرامه الممثلات في الأفلام، بل حقق حضوراً سينمائياً متألقاً ليكون واحدًا من أهم نجوم زمن الفن الجميل وفتى الشاشة الأول خلال الخمسينات والستينات وفارس أحلام الكثير من الفتيات، حينها وصفه الصحفيين بـِ (الدنجوان) في الصحف والمجلات الفنية. خلال مشواره الفني الذي امتد على نحو 63 عاما استطاع أن يقدم مزيجا متنوعاً من الأعمال. بعضها تمرد فيه على ملامحه الوسيمة، لينتقل بنفسه لتجسيد عددا من أدوار الشر. وفى أحيان أخرى مزج بين خفة الظل والمرح من خلال الدويتوهات التي قدمها مع الفنانة شادية وإسماعيل يس وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، ومع الأخيرة قدم 7 من الأفلام الجميلة التي لها بصمة في تاريخ السينما المصرية لا تنسى، أبرزها (العقاب) لهنري خيرات عام 1948م و(خلود) لعز الدين ذوالفقار عام 1949م و(ظلموني الناس) و(الأستاذة فاطمة) كلاهما في عام 1950م وآخر تعاون فني بينهما كان فيلم(الملاك الظالم) عام 1954م.

لم يكتفي الشناوي بالتمثيل ليقدم الفنان الذي يسكنه بصوره المختلفة، فقد قام بإخراج فيلم واحد هو(تنابلة السلطان) في عام 1965م، والمحلية لم تكن ترضي غروره المهني الفني، لذلك قرر أن يصل إلى العالمية، ليقدم أربعة أفلام من إنتاج خارجي، وهي الفيلم اللبناني(بدوية العاشقة) عام 1963م، وفيلم(على ضفاف النيل) عام 1963م إنتاج مشترك مع اليابان، والفيلم السوري(الرجل المناسب) عام 1970م وأخيرا(لصوص على موعد) إنتاج مشترك مع تركيا. بالإضافة إلى عمله منتجا بتأسيسه لشركة إنتاج خاصة، لينتج هذه الأفلام(وداع في الفجر) عام 1956م الذي صاغ سيناريو الفيلم بنفسه و(طريق الدموع) عام 1961م و(نساء الليل) عام 1973م، اللذين كتب وألف قصتهما و(نورا) عام 1967م و(المعلم بليل) عام 1951م، كما ألف وكتب الشناوي قصة فيلم(غرام في أغسطس) عام 1961م و(زوجة ليوم واحد) عام 1961م، وغنا في بعض الأفلام مثل فيلم (الدكتورة منال ترقص) و(طريق الدموع)، كما قام بتمثيل أول فيلم مصري كامل بالألوان فيلم (بابا عريس) عام 1950م.

تحتفظ ذاكرة السينما المصرية والعربية بأفلام لكمال الشناوي عدها النقاد علامات بارزة في تاريخ السينما، قدم خلالها العديد من الأدوار وتقمص الكثير من الشخصيات بحضور لافت وجذاب على الشاشة في أكثر من 200 فيلم على طول حياته الفنية. أبرز ما مثل الشيناوي هو دوره في فيلم(الكرنك) مع سعاد حسني ونور الشريف في عام 1975م، الذي قدم من خلاله شخصية ضابط المخابرات الشرير ورجل الأمن المستبد(خالد صفوان) الذي يقوم بتعذيب المعتقلين السياسيين، وهو الدور الأقرب الذي يرى من خلاله ما كان يحدث من فساد وقمع للحريات قبل ثورة مصر في الـ 25 من يناير، و(اللص والكلاب) عام 1962م الذي تناول قضية ازدواجية المعايير لدى بعض مثقفي مصر، حيث قدم شخصية الشرير الذي يستغل صديقه في تحقيق أهدافه ومصالحه، ودوره الأبرز في فيلم(المرأة المجهولة) الذي عرف من خلالها بشخصية (عباس أبو الدهب) والتي حفرت عميقًا في أذهان كثير من الناس رغم عدم تصنيفه على أنه النجم الشرير الأول في تلك الفترة ولكن مدى براعته في تجسيد هذه الأدوار جعلته لا يغيب عن ذاكرة الجمهور، إضافة إلى ادوار مميزة مع ليلى فوزي ومحمود المليجي في فيلم(سجى الليل) لهنري بركات عام 1973م، ومع أمينة رزق في(السعادة المحرمة) لـ السيد زيادة، ومع محمد فوزي وكاميليا في(الروح والجسد) لحلمي رفله عام 1948م، ومع سامية جمال وعبدالمنعم إبراهيم وعمر الحريري في(سكر هانم) عام 1960م، ومع تحية كاريوكا وإسماعيل ياسين في(أميرة الجزيرة) لحسن رمزي عام 1948م.

شارك الشناوي عدد من المطربات مثل شادية وصباح وليلى مراد الكثير من الأفلام، فمع ليلى مراد قام ببطولة فيلمى(من القلب للقلب) لبركات عام 1952م و(الحبيب المجهول) عام 1955م، قدم مخرج الروائع حسن الإمام الشناوي في العديد من الأفلام، فمع فاتن حمامة ومحمود المليجي وهند رستم وزهرة العلا كان فيلم(الملاك الظالم) عام 1954م، وفيلم(بنات الليل) عام 1973م مع هند رستم ومديحة يسري وفيلمي(لواحظ) 1957م و(قلوب العذارى) عام 1958م مع شادية، وأخرج حسين حلمي فيلم(الوديعة) عام 1965م والذي شارك الشناوي بطولته مع عمالقة التمثيل في السينما المصرية هند رستم وناهد شريف وعماد حمدي وأمينة رزق، ومع هدى سلطان وهند رستم في فيلم(حدث ذات ليلة) لهنري بركات عام 1954م. تنوعت أعمال الشناوي مع مراحله العمرية إذ كانت أفلام البدايات تميل إلى الخفة الظل وروح النكتة أمام إسماعيل يس ثم اتجه لأعمال تحتاج جهدا تمثيليا منها (اللص والكلاب) مع شكري سرحان وشادية للروائي والأديب المصري الأشهر نجيب محفوظ وإخراج كمال الشيخ عام 1962م وفيلم(الهارب) عام 1974م و(العوامة 70) عام 1982م. ودور مبروك الذي تاجر بمصير ومستقبل شباب وشابات القرية التي يعمل فيها سمسار متلاعب يوفر بالاحتيال الزيجات والوظائف لهم/ن مستغلًا الظروف الاجتماعية في فيلم(لحم رخيص) لإيناس الدغيدي في عام 1995م، ودور مدير المستشفى الفاسد في فيلم(آي ... آي) عام 1993م مع ليلى علوي ومحمد عوض، ودور المحامي المعروف في فيلم(زوجتي والذئب) مع رغدة عام 1992م من إخراج أحمد السبعاوي والذي يستمتع كثيرًا الشناوي بمشاهدته ويعيده مرارًا، ومع مديحة كامل في فيلمي(شوادر) عام 1990م و(العجوز والبلطجي) عام 1989م، ومع نبيلة عبيد في فيلم(انتحار صاحب الشقة) عام 1986م، وفيلم(بديعة مصابني) عام 1975 أمام نادية لطفي، ومع نجلاء فتحي في فيلم(دمي ودموعي وابتسامتي) عام 1973م، ومع نجمة الأدوار السياسية نادية الجندي كانت أفلام(الشطار) 1993م و(مهمة في تل أبيب) 1992م و(ملف سامية الشعراوي) 1988م.

وفي السنوات الأخيرة كان يفضل اختيار الأدوار السياسية الممزوجة بالكوميديا كما في فيلمي(الإرهاب والكباب) عام 1992م مع عادل إمام ويسرى الذي مثل فيه دور وزير الداخلية في حقبة الصراع مع الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر، و(الواد محروس بتاع الوزير) عام 1990م مع عادل إمام والذي قدم فيه أيضًا دور وزير في الحكومة المصرية، وفيلم(طأطأ وريكا وكاظم بيه). كما كان الشناوى من الممثلين الذين قرروا أن يشاركوا الوجوه الجديدة في أعمالهم حيث قدم في عام 2006م فيلم(ظاظا) مع الممثل هانى رمزى. وقد كان أعلن الشناوي في كثير من حواراته المصورة أنه أسقط من مشواره الفني 20 فيلما لأن اختياراته لهذه الأفلام لم تكن موفقة بأي حال من الأحوال، وأن موافقته عليها كانت غلطة كبيرة، ومن هذه الأفلام(ضربة جزاء) 1995م و(الصاغة) 1996م و(الجبلاوي) 1991م. وفي زيارة أخيرة للجزائر أعرب عن ندمه في أنه لم يشارك ماجدة ورشدي أباظة في بطولة رائعة يوسف شاهين (جميلة بوحيرد)، غير أنه عاد وقال إن الوقت ما زال قائما لكي يؤدي دور البطولة في فيلم يروي حياة الأمير عبد القادر مؤسس الجزائر الحديثة، رغم أن كمال الشناوي لم يكن يؤدي الأدوار التاريخية إلا نادرا.

المشهد الوحيد في فيلم(وداع في الفجر) عام 1956م الذي يظهر فيه الرئيس السابق محمد حسني مبارك تم حذفه أثناء عرض الفيلم في القنوات الخاصة والعربية، إلا أن التلفزيون المصري قد منع عرض الفيلم فيما بعد، شارك في بطولته كلًا من شادية ويحيى شاهين وعبدالمنعم إبراهيم لمخرج الروائع حسن الإمام، مشيرًا أن تصوير المشهد استلزم قائد طيار لقيادة طائرة، وأضاف الشناوي أنه تم ترشيح مبارك من قبل طاقم العمل والمخرج، وأنه ولم يتحدث معه إلا خلال تصوير ذلك المشهد، حيث كان في طي الغيب أن يكون مبارك الرئيس القادم لمصر بعد 25 عامًا من إخراج الفيلم. وقد صرح الشناوي (أنه لم يكن يعلم أن الفيلم ممنوع من العرض في التلفزيون المصري إلا بعد ثورة 25 يناير وذلك بالصدفة عبر وسائل الإعلام).

بالإضافة إلى كون الشناوي ممثل صاحب بصمة مميزة ناقش في أفلامه قضايا مهمة وعميقة، كان أيضًا سياسيًا فاهمًا وواعيًا لما يدور من حوله. يعرف المثقفون المصريون والعرب عن الفنان الراحل انتماءه إلى الحزب الشيوعي المصري منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان ناشطاً بارزًا في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، التي انتمى إليها فنانون مصريون آخرون، أبرزهم الراحلة تحية كاريوكا وعلي الشريف. أبرز الشناوي تلك الشخصية السياسية بشكل واضح وصريح في اختياره لأدواره التي تحاكي النشاط السياسي، فقد تناول فيلم(الكرنك) قضية مراكز القوى التي تحكمت بمصر خلال حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ليقدم شخصية رجل الأمن المستبد، كما قدم دور رئيس جمهورية الذي ينجح شعبه بالإطاحة به في فيلم (ظاظا)، حيث كان يعكس الفيلم الأوضاع السياسية في مصر، وحالة الجمود السياسي التي كان تعيشها البلاد، ولعبه لدور وزير الداخلية المصري في فيلم(الإرهاب والكباب) ودور وزير آخر في فيلم(الواد محروس بتاع الوزير)، كما لعب كثيرًا دور الصحفي السياسي.

قام الشناوي ببطولة عدد من المسلسلات التلفزيونية وكانت له الكثير من التجارب الناجحة منذ بدايتها في عام 1977م، ويعتبر من القلة الذين أثروا التلفزيون بعدد من الأعمال الدرامية من بينها مسلسل(زينب والعرش) 1979م و(هند والدكتور نعمان) 1984م مع الطفلة المعجزة ليزا و(أولاد حضرة الناظر) و(لدواعي أمنية) عام 2002م، ومع فردوس عبدالحميد ويوسف شعبان في مسلسل(العائلة والناس) عام 2001م لمحمد فاضل. و(آخر المشوار) كان عنوان آخر مسلسل شارك فيه. وقد كان الشناوي قد أعلن قبل وفاته أنه ينتظر القناة التليفزيونية التي تقدر مذكراته الشخصية ماديا ليعرضها على القناة قبل طرحها مسلسلا تليفزيونيا حيث كان قد اتفق مع نجله السيناريست والمخرج محمد الشناوي علي كتابة المسلسل.

يعتبر الشناوي أحد أهم ممثلي الجيل الذي أطلق عليه جيل العمالقة أو جيل الزمن الجميل ومن أكثر ممثلي القرن العشرين ذكاء وحضورا فلم تغب عنه ادوار البطولة منذ ظهوره أول مرة، فقد نال كمال الشناوي في حياته العديد من الجوائز. بدءًا من جائزة شرف من مهرجان المركز الكاثوليكي في 1960م وانتهاءً بجائزة الامتياز في التمثيل من مهرجان جمعية الفيلم في 1992م.

محمد كمال الشناوي،، ولد في مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، في 26 ديسمبر عام 1921م، ثم انتقل إلى القاهرة وعاش بداية حياته في السيدة زينب. تخرج من كلية التربية الفنية جامعة حلوان. كان عضوا في فرقه المنصورة الابتدائية، والتحق بمعهد الموسيقى العربية ثم عمل مدرسا لمادة التربية الفنية الرسم في إحدى المدارس الثانوية إلى جانب ممارسته للفن التشكيلي ليتفرغ من بعدها للتمثيل بعد أن ترك وظيفته. يعود الفضل لمعلم اللغة العربية الذي أكتشف موهبته في فن الإلقاء والخطابة الذي جعله يحب التمثيل من خلال إسناده للشناوي دور البطولة في عرض مسرحي على مسرح المدرسة، بعد أن حصل على عضوية الفرقة المسرحية، وهنا كانت بداية ظهور موهبته الفنية، فبالإضافة للتمثيل كان يجيد الغناء ويحب كثيرًا الفن التشكيلي.

ومن الطرائف التي عرفت عن الشناوي داخل الوسط الفني، أنه نجح ذات يوم في الحصول على رقم تليفون المطرب الكبير عبد الغنى السيد الذي كان نجما في تلك الفترة، وهاتفه وقلد صوت سيدة جميلة تعرب عن إعجابها به وتتمنى أن تراه، فوقع عبد الغني في الفخ الذي نصبه له، وحدد له الشناوي مكان اللقاء في شارع عماد الدين بوسط البلد في القاهرة وذهب في الموعد المحدد ووجده واقفاً ينتظر وراح يراقبه من بعيد ثم تقدم منه وسأله إن كان ينتظر سيدة جميلة فأصيب عبد الغني بالدهشة، وقال له الشناوي إنها (لن تحضر) ثم أسرع للاختفاء من أمامه، وبعد مرور بضع سنوات بعد أن أصبح الشناوي نجماً قابل عبد الغني السيد في بيت الممثل أنور وجدي وذكره بالحكاية فانفجر السيد ضاحكًا. يذكر أن علاقة صداقة قوية كانت تربط بين الشناوي ووجدي.

مع قدوم الشناوي إلى القاهرة استطاع أن يلتحق بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان وتمكن من التردد على الأماكن والمحافل التي يتجمع فيها الفنانين والممثلين، وكما كان أيضًا حريص على دخول أدوار العرض لمتابعة الأفلام الجديدة بشكل منتظم ومستمر. شعور بالسعادة كان يعتريه حين يقف أمام أبواب المسارح الكبار ليشاهد الملصقات التي كانت تضم صور لعمالقة المسرح يوسف وهبي وسليمان بك نجيب وفاخر فاخر وغيرهم. تجربته الأولى كانت على يدي الفنان الكبير زكي طليمات عندما كان في زيارة لكلية حلوان، ليختاره من بين زملائه المؤدين ليقوم ببطولة إحدى المسرحيات ضمن أنشطة الكلية. تخرج الشناوي من الكلية ليلتحق بمعهد الموسيقى العربية، وليعمل بعدها كمدرس لمادة التربية الفنية قبل أن يؤدي أول دور سينمائي له من إخراج نيازي مصطفى في فيلم (غني حرب) أمام بشارة واكيم وماري منيب.

تزوج الشناوي من الممثلة عفاف شاكر أخت الممثلة شادية، التي سريعًا ما اعتزلت التمثيل من بعدها، استمر زواجهما نحو عامين، ليقع الانفصال بينهما نتيجة انجذابهما لبعضهما وتسرعهما باتخاذ قرار الزواج دون تفكير عميق ولذلك لم يعمر زواجهما طويلًا، بعدها تزوج من الراقصة هاجر حمدي التي اعتزلت الرقص قبل الزواج وأنجب منها ابنه محمد، الذي أتجه إلى الإخراج ليصبح اسما معروفًا المخرج محمد الشناوي، ولم تستمر الزيجة أيضا. تعددت زيجات الشناوي فقد تزوج من الممثلة ناهد شريف وبعد ذلك تزوج من خارج الوسط الفني وعاش حياة مستقرة. كان أكثر شيء ألمه على مدى حياته وفاة ابنه المهندس علاء نهاية عام2009م، الذي برحيله مثل صدمة كبيرة تلقاها، على الرغم من حالة الحزن التي سيطرت عليه عقب وفاة علاء إلا أنه أكد رضاءه تماما بقضاء الله وقدره، وظل يدعو الله سبحانه وتعالى دائما أن يغفر له ويرحمه فالدوام لله وحده. قد يكون الشناوي لم يمثل ذلك الدور في أحد أفلامه ولم يكن يتوقع أن يعيشه في الواقع، إلا أنها الحقيقة المرة القاسية على مشاعره كأب، فقد تفاجئ وهو يدخل عليه غرفته في الصباح لإيقاظه من نومه، ليجده مفارق الحياة دون أي مرض، ولكن النجم الكبير والإنسان الصلب تمسك بإيمانه بالله إلا أن صوته الذي حمل الانكسار والانهيار كشف ذلك الحزن العميق.

توارى الشناوي عن الأنظار منذ سنوات بسبب مرضه، الذي جعله مستسلمًا للكرسي المتحرك، وبقي في البيت يقضي يومه ما بين مشاهدة التليفزيون وممارسة هوايته المفضلة الرسم. يطمئن كل من يتصل به ليتفقده ويسأل عن صحته خصوصًا نادية لطفي وشادية (أنا بخير، الحمد لله وزي الفل وصحتي بمب) ، مبطلًا كل ما يتردد من شائعات عن تدهور حالته الصحية وانتقاله للعناية المركزة، يقول الشناوي أن ما تردد مجرد (كلام جرايد) لا صحة له، مرددًا جمله التي عرف بها على الشاشة الصغيرة (كله حلو .. كله جميل)، وأنه على الرغم من الحزن الذي لا يفارقه على وفاة ابنه علاء إلا أنه يستمتع بمشاهدة الأفلام التي قام ببطولتها، وخصوصًا تلك التي كانت مع جميلات وعظيمات السينما المصرية كشادية ونادية لطفي وفاتن حمامة، مؤكدًا بأنه يشعر أن كل لقطة في أفلامه كانت مدروسة بدقة، لذلك فأفلامه تجعله يعيش في الماضي، وأنه يستعيد من خلالها الماضي الذي يحمل أحلى وأجمل ذكرياته وكأنه يعيش اللحظة، فالماضي شيء غال علي الشناوي ويعتبره أهم من الحاضر. وعلى الرغم من تلك العروض الكثيرة التي قدمت له من سيناريوهات سينمائية وتلفزيونية لكي يعود من جديد إلى الساحة الفنية إلا أنه رفضها جميعًا، فقد أقتنع بأن ما قدمه يكفي ليحفظ تلك المكانة الخاصة في قلوب الجمهور وعشاق السينما.

توفي الشناوي في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الفائت عن عمر 89 عاماً بعد صراع طويل مع المرض نتيجة تقدمه بالعمر، بعد أن قطع رحلة طويلة مع التمثيل بمشوار فني حافل وضع خلاله علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية. غادر الدنجوان ليطوي الصفحة الأخيرة من كتاب ممثل احتفظ بتألقه وحضوره الفني على الشاشة السينمائية لمدة تصل إلى 6 عقود قدم خلالها أكثر من مائتي عمل في السينما والتلفزيون ما بين فيلم ومسلسل ومسرحية، رحل الدنجوان الذي مثل فتى أحلام الفتيات خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. شيعت جنازته من مسجد مصطفي محمود في منطقة المهندسين عقب صلاة الظهر وسط غياب لافت للممثلين الذين لم يعرف عدد كبير منهم خبر الوفاة إلا بعد تشييع الجثمان، خصوصًا وأنه توفي في ساعة مبكرة من الصباح، ولم تحدد أسرته موعد الصلاة على جثمانه إلا قبل ساعة تقريبًا، وقد كان في مقدمة الحضور نجله المخرج محمد الشناوي والممثل أشرف عبدالغفور نقيب الممثلين وممدوح الليثي رئيس اتحاد النقابات الفنية وسمير صبري ومحمد أبو داوود وعدد من أعضاء النقابة، ومن المقرر أن يتقبل أهله العزاء مساء الخميس الفائت في مسجد عمر مكرم عقب صلاة العشاء.

يقول نقيب الممثلين المصريين أشرف عبدالغفور بشهادته على الشناوي(كان من الفنانين الذين أثروا الحياة الفنية على مدى سنوات طويلة بأعمال لا تنسى، وتمكن من خلال مسيرة عطائه الفني من انتقاء الأعمال التي تناسبه لكل مرحلة عمرية سواء الشباب أو الكهولة، بحيث أتقنها وأداها ببراعة)، ويشير أشرف إلى أنه عمل مع الشناوي في فيلم(بيت الطالبات) عام 1967م للمخرج أحمد ضياء الدين ومسلسل(الشك)، لمس من خلاله حبه للفن وتفانيه في العمل واحتضانه للممثلين المبتدئين. وفي ذات الصدد قال الكاتب المصري وائل عبد الفتاح عن الشناوي(تأديته للأدوار المميزة تؤكد قدرات ممثل موهوب، له مساحة خاصة في السينما المصرية، لم يستطع الزمن أن يضعه في علبة واحدة أو على الرف أو في دار المسنين) ويضيف(الشناوي من الفنانين القلائل الذين استطاعوا أن يطورا أسلوبهم، وأن يحققوا حضوراً سينمائياً متألقاً عبر خمسة عقود، تاركاً تراثاً فنياً متنوعاً كبيراً، ويعود ذلك إلى قدرة الشناوي على التحول، فهو مصري يستطيع أن يكون شريراً وناعماً، رومانسياً وقاتلاً).

الكلمات البسيطة المعبرة التي كتبها جليل البنداري واللحن الجميل الراقي الذي ركبه منير مراد والأداء الرقيق لشادية وصدق مشاعر كمال الشناوي الذي تميز به بالتعبير عن فرحته بوجود حبيبته إلى جانبه في السيارة التي تهتز على أنها تسير في الطريق بتوجيه بديع من المخرج حسن رمزي في فيلم(بشرة خير) عام 1952م ... كل تلك العناصر المتناغمة والمنسجمة أنتجت تلك الأغنية البديعة التي ما زالت إلى اليوم تردد(سوق على مهلك سوق ... بكرة الدنيا تروق). في بداية الكوبليه يغني كمال(بكرة الورد اللي زرعناه ،،، يكبر طول ما إحنا بنرويه)، وبقي يرد على شادية طوال الأغنية بـ (أنت الأمل اللي أتمناه كل دقيقة أكون وإياه) (بالليل وبالنهار) (حلم بحلم ما فيش أسرار).

لن نقول وداعًا يا دنجوان السينما المصرية، لأننا سنجدك مع كل ظهور لك على الشاشة الصغيرة، فحضورك دائم من خلال استمرار عرض أفلامك ومسلسلاتك على الفضائيات السينمائية دون ملل المشاهدين، فقد تركت وراءك تراثًا فنيًا غنيًا ستتناقله الأجيال ليعرفوا من كان كمال الشناوي.

al-meena1920@hotmail.com


في الجمعة 26 أغسطس-آب 2011 01:17:52 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=11423