التجميد الثوري !!
د.رياض الغيلي
د.رياض الغيلي

تفاءل الثوار في كل الساحات بتشكيل المجلس الوطني لقوى الثورة على افتراض أن هذا المجلس وكما وعد في يومه الأول قد اعتمد خطة محكمة للتصعيد الثوري وطرد بقايا النظام في أقل من أسبوع ، بل لقد سمعنا الناطق الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك يبشرنا في خواتيم رمضان بأن عيدنا هذا العام (غير) في إشارة إلى أن عيد الفطر لن يأتي إلا وقد حسمت الثورة أمرها وأصبح اليمن بلا صالح ، ولكن جاء العيد ومر وصالح ينغص علينا معيشتنا من مقر إقامته بالرياض ، وفوجئنا بأن التصعيد الثوري ما هو إلا مسيرة تخرج من ساحة الجامعة بعد صلاة العصر لتعود إليها قبل صلاة المغرب وهكذا تصعيد وإلا فلا !!

المجلس الوطني بتشكيلته المتبقية ما هو إلا إطار جمع بين أحزاب اللقاء المشترك واللجنة الوطنية للحوار ، يعني باختصار هيئة سياسية لما كان يعرف بأحزاب اللقاء المشترك وحلفائه ، واللقاء المشترك وحلفاؤه هي تلك المعارضة التي روضها صالح على البرود والخوف والعجز ، وأصبح التصعيد الثوري للمجلس الوطني (تجميد) ثوري ، أي أن المجلس الوطني وضع الثورة داخل (فريزرات) كبيرة سماها ساحات الحرية والتغيير وحبس الثوار داخلها تحت شعار مطاط عنوانه (السلمية).

يتفق جميع المراقبين أن المعارضة كبلت الثورة و ومارست نيابة عن (صالح) إعادتها إلى حالة الجمود كلما وصلت إلى مرحلة الذروة ، وبوجود المعارضة في واجهة الفعل السياسي المفاوض ضاعت على الثوار في الميادين فرص ذهبية للحسم أهمها :

* الفرصة الأولى : عقب جمعة الكرامة : يومها كان الجو مهيئاً للحسم الثوري من خلال الزحف إلى دار الرئاسة خاصة بعد انضمام الفرقة الأولى للثورة واستقالة عدد كبير من قيادات المؤتمر ونوابه ووزرائه وسفرائه ، كان النظام يومها في أضعف لحظاته، وكانت عملية الحسم لا تستدعي أكثر من الوصول إلى منتصف شارع الستين ليهرب صالح وأبناؤه و من حوله من الطفيليين والمرتزقة كما فعل التونسي (بن علي) ، أتوقع لو أن الأمر حدث لكنا الآن في نهايات الفترة الانتقالية لما بعد نظام صالح ، لكن وللأسف وقفت المعارضة عن حسن أو سوء نية (لا أدري) في وجه الحسم الثوري بزعم الحفاظ على دماء الشباب .. وهو زعم مردود عليهم لأن عدد الذين قتلوا منذ ذلك اليوم حتى اللحظة قد تجاوز بكثير العدد المتوقع سقوطه أثناء الزحف ، حيث يشير التقرير الذي أصدره مركز أبعاد للدراسات إلى (2195) قتيلاً منذ انطلاق الثورة حتى نهاية شهر أغسطس !!

* الفرصة الثانية : عقب حادثة النهدين : يومها كان بقايا النظام في أشد حالات الارتباك والتخبط ، وكان الأمر يحتاج إلى قرار عسكري حاسم من قبل قيادة الجيش المؤيد للثورة مسنودة بشباب الثورة بحسم الثورة عسكرياً والاستيلاء على مؤسسات الدولة ومرافقها الحساسة ، ولم يكن الأمر بحاجة لأكثر من عشر ساعات للحسم في كل محافظات الجمهورية ، لكن وللأسف الشديد دخلت المعارضة مع الجيش المؤيد للثورة في حالة ارتباك أشد من الحالة التي وقع ضحيتها بقايا النظام فأضاعوا الفرصة على الثورة والثوار ، ودخلت الثورة منذ تلك اللحظة في حالة الجمود .

* الفرصة الثالثة : عندما أتم صالح مدته الدستورية بالبقاء خارج الوطن : يومها كنا بحاجة إلى حسم دستوري من قبل مجلس النواب ، حيث كان بإمكانه الاجتماع بمن حضر من النواب الشرفاء وهم كثر وإعلان انتقال صلاحيات الرئيس دستورياً إلى نائبه ، وكان يجب الضغط على النائب وإقناعه بتسلم مهامه بقوة الدستور وإعلان أي وحدات عسكرية ترفض الانصياع للدستور كوحدات متمردة خارجة على النظام ، وحينها كان سيجد أبناء صالح وأبناء أخيه أنفسهم عناصر متمردة ملاحقة ، وما كنت لأتوقع أن يجدوا مناصرة من ضباط وجنود الحرس الجمهوري والأمن المركزي ليخوضوا حرباً ضروساً ضد الشعب . . لكن المعارضة استمرأت اللعبة السياسية ولم تستوعب الفعل الثوري فأعادت الثورة إلى حالة الجمود إلى اليوم ، بانتظار أن يأتي الفرج من دهاليز البيت الأبيض أو مجلس التعاون الخليجي ، وهيهات أن ينتصر شعب إلا بنفسه لنفسه .


في الإثنين 19 سبتمبر-أيلول 2011 12:45:47 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=11629