الغريب.. وتسويق الوهم المتناقض !
شفيع العبد
شفيع العبد

ينضح الشارع الجنوبي بمتناقضات شتى، لعلها في مجملها تمثل حالة إرهاصات طبيعية لمخاض عسير قادم ربما يأخذ حيز زماني أطول، كما انه قد يأت بنتيجة غير منتظرة بالمرة، وهو بالطبع ما لا نتمناه، غير إن الانتظار على قارعة طريق التفاؤل لا يجدي في ميدان السياسة بفنها الواسع وممكناته، كما أن نتائجها لا تعذر من لا يجيد استخدام أدواتها المشروعة.

الحراك السلمي جزءا من مكونات جنوبية تتواجد على الساحة، وإن كان يشغل الحيز الأكبر جماهيرياً وشعبياً، واستطاع لفت أنظار العالم للحال المفروض عليه قسراً منذ صيف 94 بأسم الوحدة التي تم قتلها على مذبح يوليو الشهير، إلا انه يفتقر -إن جاز لنا التعبير- لمن يجيدون استخدام الأدوات السياسية، على إن أهمها القبول بالآخر المختلف وإجادة الحوار كلغة عصرية لتقريب وجهات النظر المتباينة بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة ونقاط التقاء لخدمة القضية التي يناضل الجميع من أجلها.

كغيري قرأت المقابلة الصحفية التي نشرتها صحيفة (الطريق) الغراء في عددها رقم (1157) الصادر يوم الأحد الماضي الموافق(4/3/2012) مع المحامي "علي هيثم الغريب" عضو هيئة رئاسة المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب.

لا اخفي عليكم إنني صعقت للغة الإقصاء المتخمة بها المقابلة والمشبعة ايضاً بعدم الإعتراف بالآخر ونفيه إلى ما وراء الشمس، مع أن صاحبها تحدث في ختامها عن ميثاق شرف وطني يرفض العنف في العمل السياسي – وكأنه يجيز العنف في غيره؟- وعدم الإقصاء والتهميش بل وحرية الرأي وقبول الآخر!.

الذهول كان حاضراً كما هي علامات الاستغراب والدهشة، لتناقض "الغريب" في ذات اللقاء مرات عدة، ولن أركز حديثي هنا إلا على ما يتعلق بالحراك الجنوبي الذي احسب نفسي احد نشطاءه منذ انطلاقته الأولى.

المحامي الغريب تحدث عن المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب وكأنه الممثل الشرعي والوحيد للحراك الجنوبي بل ولشعب الجنوب، متناسياً بأن هذا المجلس لا يمثل (كل) الحراك فما بالنا بـ(كل) الجنوب، والشارع الجنوبي يعي الكيفية والآلية التي جاء بها هذا المجلس، واحتكار جغرافيا بعينها على صناعة واتخاذ القرار بداخله، وكأنه نموذج مصغر للجنوب الذي يريده "الغريب" وهؤلاء القوم المتربعين على رئاسة هذا المكون، مع يقيني التام بان الفردية والارتجالية هي المتحكم في مفاصل هذا المجلس، وما حادثة "القرعة" الشهيرة لاختيار رئيساً للاجتماع إلا دليل يصفع كل من يدّعي غير ذلك!

ربما نسي "الغريب" أن الحراك الجنوبي يضم عدد من الهيئات والمكونات إلى جانب مجلس الحراك فهناك الهيئة الوطنية للاستقلال برئاسة "ناصر النوبة"، والمجلس الوطني لتحرير الجنوب واستعادة دولته الذي يرأسه "أمين صالح"، إضافة إلى مكونات الشباب "الحركة الشبابية والطلابية" و"اتحاد شباب الجنوب"، و كذا "اتحاد نساء الجنوب"، إلا إذا كان يعتبر كل هذه المكونات دوائر تابعة لمجلس الحراك؟

أما إذا تحدثنا عن الجنوب فهو مليء بالتنوع السياسي والتيارات الدينية "إخواني- سلفي- صوفي- قاعدة"، لذا فإن مجرد الحديث عن ممثل شرعي او رئيس شرعي لا يعدُ كونه مزحة "سمجة" علينا أن لا نتعامل معها بجدية.

بدلاً من الإعتراف بحقيقة فشل الحراك في إيجاد قيادة موحدة له، ذهب لتسويق وهم آخر بقوله: "بالعكس قيادة الحراك موجودة برئاسة حسن احمد باعوم رئيس المجلس وهناك هيئة رئاسة المجلس الأعلى مكونة من 21 شخصية تمثل كل محافظات الجنوب..".!

وهنا محاولة واضحة لتسطيح الوعي، فالجميع يعرف أن المناضل "حسن باعوم" ليس رئيساً للحراك وإنما رئيساً للمجلس الأعلى وهو احد فصائل او مكونات الحراك.

وفي ذات المقابلة أكد "الغريب" أن: "وحدتنا تكمن في تنوعنا فقد انتهى زمن لا صوت يعلو فوق صوت الحزب، وإننا سنتوحد من خلال تنوعنا وليس من خلال الرأي الواحد والصوت الواحد"!! شفتم على تناقض"!

مساكين المشاركين في المؤتمر الجنوبي الأول الذي انعقد في القاهرة في نوفمبر من العام الماضي تحت شعار "معاً من اجل حق شعب الجنوب في تقرير مصيره"، فهم يستحقون الرجم والجلد والصلب وكل العقوبات المقررة شرعاً وقانوناً وعرفاً، لكنهم ومشروعهم في نظر "الغريب" مجرد "شقة قد أغلقت في القاهرة" وان مشروعهم هذا " لم يصل إلى الجنوب الثائر" حد وصفه، لكنه سرعان ما يتناقض مع نفسه و يعترف بوجود المشروع وأصحابه في ذات المقابلة الصحفية، وذلك في رده على سؤال حول التباينات في قيادة الحراك، تعالوا لقراءة ما قاله : "من هنا يمكن القول إجمالاً بأن الحراك قد وقف عند مشروعين "الفيدرالية الثنائية ثم الاستفتاء" و"التحرير والاستقلال التام" والسبب الأساسي في التباين بين المشروعين (تباين مؤقت كما اعتقد) إنما يرجع إلى الاختلاف بينهما في معرفة طبيعة(...)... )!.

ذلك غيض من فيض الوجع الذي نعيشه في الحراك بصورة يومية منذ بدايته أدت إلى إعاقة الحراك كثيراً وكبح جماحه من الانطلاق نحو فضاءات العمل المؤسسي، كما شرعنت للغة الإقصاء والإلغاء وعدم القبول بالآخر، وأسست لمنهجية "لا صوت يعلو فوق صوت هذه المنطقة وتلك".. وكفى.


في الإثنين 12 مارس - آذار 2012 03:34:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=14462